|
-ثورات- العالم العربي: لما تخرج السياسة إلى الشارع : الإصلاح أو الطوفان !!!
عبد الشافي خالد
الحوار المتمدن-العدد: 4041 - 2013 / 3 / 24 - 01:53
المحور:
الثورات والانتفاضات الجماهيرية
تماشيا مع تطورات الأحداث في "الجملكيات" العربية خاصة ،و تأكيد الريادة لشبكة الأنترنيت كمحرك للأحداث أكثر من قنوات وفضاءات التواصل المؤسسية المنوط بها هذا الدور،يجب استخلاص عدة عبر أعتقد أن عامل الوقت جد حاسم في استثمارها قبل أن يحصل ما لا يمكن لأحد التكهن به ولا القبول به، ببساطة لأنه قد يعود بالمجتمع إلى حالة ما قبل الدولة التي وصفها الفيلسوف الانجليزي توماس هوبز بحالة "حرب الكل ضد الكل"( النموذج السوري كمثال). كما أن هناك شبه إجماع على أن النمط الديمقراطي يعتبر أحسن الأنظمة التي توصل إليها العقل البشري لتدبير الاختلاف في كل أشكاله الإقتصادية والإجتماعية والثقافية...رغم أنها لا يمكن أن تقتلع العنف أو تزيل الصراع "الطبقي" على الموارد والسلطة والنفوذ من المجتمع ،بل أن كل ما تفعله هو المحافظة على الطابع السلمي له ،إنها حرب بوسائل أخرى غير السلاح. ومن المعلوم أن الديمقراطية لا يمكن أن تقوم لها قائمة في غياب شروط ذاتية وموضوعية،ونقصد هنا عدة بنيات تنظيمية ينتظم فيها الأفراد ،و الذين يصبحون "مواطنين"، لهم حقوق وعليهم واجبات بموجب القانون، مع إنبثاق دولة " التعاقد الاجتماعي " . حيث تؤدي هذه التنظيمات عدة وظائف و أدوار حسب الأنساق التي تندرج ضمنها، (أحزاب ،نقابات،جمعيات...) ،وتعمل في تكاملها على تحقيق غاية الاستقرار والسلم الاجتماعي، والذس ترسخه ثقافة المواطنة بالمعنى الواسع للمفهوم. وتكمن أهمية هذه المؤسسات كالأحزاب، في أنها القناة الوحيدة التي تمكن المواطنين من المشاركة السياسية الفعلية ،وذلك بإعداد برامج سياسية تعبر عن الطبقة أو الفئة الاجتماعية التي تنضوي تحتها بهدف تطبيقها عند النجاح في الوصول إلى السلطة،و التي تنقسم بنيويا ووظيفيا كما هو معروف إلى تشريعية وتنفيذية وقضائية ،إضافة إلى ما أصبح يشار إليه بالسلطة الرابعة،أي الصحافة، والتي يمكن القول فعلا بأنها أصبحت مؤهلة باستحقاق لهكذا وصف مع انتشار وسائل الاتصال الجماهيري خاصة الهواتف النقالة والقنوات الفضائية وشبكة الانترنيت... لكن ما أصبح يشكل فعلا ظاهرة تستحق الدراسة هو انتقال الممارسة السياسية من المؤسسات المختصة كالبرلمان والأحزاب والنقابات والجمعيات...إلى وسائل الاتصال السابقة الذكر ومنها الى الشارع ،خاصة مع تزايد عملية الإفراغ الممنهج لتلك المؤسسات من مضمونها وشلها عن القيام بدورها في كل الدول العربية سواء كانت ملكيات أو جمهوريات، والتي تزعم أنظمتها السياسية الامتثال لقيم الديمقراطية من فصل للسلط وسيادة القانون واستقلالية القضاء ،أما حقوق الإنسان فآخر ما يمكن الحديث عنه،حيث لا نجد مثالا دالا أكثر من منع الحق في الحياة و حرية التعبير وهما أبسط الحقوق الإنسانية،ولعل ما يجمع هذه الدول أيضا على المستوى السياسي حسب اعتقادي هو: - احتكار الحزب الوحيد أو الحاكم المفرد للسلطة والثروة بناء على أسس المشروعية نفسها( كالدين، أو التاريخ...) مع التلاعب بالدساتير . - تزوير الانتخابات بشكل صارخ وفاضح مما أصبحت معه السلطة السياسية بدون معارضة تذكر. - تحالف القوة العسكرية مع الثروة لدعم وإعادة إنتاج الاستبداد وقمع المعارضين. -الفشل التام في تحقيق أي تنمية اقتصادية ناهيك عن العدالة الاجتماعية . - التبعية للإمبريالية الغربية ولمؤسساتها المالية خصوصا . ويمكن القول بأنه إذا اقتنع الشعب أو قطاع واسع منه بأن صناديق الاقتراع لا تضمن التغيير ،و الذي هو سنة طبيعية وتاريخية قبل أن يكون ضرورة لضمان التداول السلمي على السلطة، فإن البدائل أمامه تكون قليلة جدا ،مما يدفعه في حال توفر عدة شروط ذاتية وموضوعية معينة للخروج للشارع للتعبير عن مطالبه التي لم يجد قناة لإيصالها للحاكم، فما بالك بتحويله الى مشاريع ملموسة .أما أن تتم المطالبة في الشارع ومن طرف مئات الآلاف أو الملايين بإسقاط النظام وتغييره جذريا معرضين أنفسهم لرصاص الأمن والجيش، فهذه سابقة تاريخية في العالم العربي المعاصر.ويمكن القول بأن الأسباب المختلفة التي تدفع لهكذا سلوك جماعي بمثل كهذا هدف يمكن فهمها وتفسيرها ومنه تجنبها،إذا توفرت طبعا الإرادة السياسية لذلك. لكن ماذا عن بلدنا المغرب؟؟ لا يمكن بتاتا التكهن بمآل ومصير أوضاع العالم العربي في الفترة القادمة،لكن ما يمكن قوله هو أن مقدمات الثورات الشعبية التي اندلعت ولا تزال في بعض البلدان العربية حاضرة بشكل مختلف إلى الحد الذي يحول دون الوصول لنفس النتائج. وأختصر الكلام في نقطتين أعتبرهما تصنعان الفارق بين المغرب ودول الربيع العربي بشكل من الأشكال: أولهما هيمنة الحزب الواحد على المشهد السياسي بتلك البلدان واندماجه مع الدولة بشكل ذابت معه المسافة الواجب على الدولة اتخاذها من الفئات الاجتماعية،لتجاوز الوصف الماركسي لها بأنها مجرد "أداة طبقة لاستغلال واضطهاد طبقة أخرى"،خاصة عبر نموذج "الدولة الرعاية"،و التي يجب أن تتدخل لتقلل من نتائج قانون السوق على الطبقات المتوسطة والكادحة،وبالتالي ضمان الحماية الاجتماعية في الحد الأدنى للشعب.أما المثال الثاني فهو درجة ومستوى الفساد السياسي والاقتصادي الذي يعتبر سياسة للحكم في تلك البلدان،إضافة إلى الانتهاك الممنهج لحقوق الإنسان السياسية و المدنية والاقتصادية... فعلى خلاف دول الربيع العربي، فإن الحقل السياسي المغربي منفتح نسبيا على المعارضة الإسلامية أو اليسارية منذ مدة ،مما يمنح نوعا من "المشروعية" للمؤسسات المنتخبة،كما أن إفساد الانتخابات عبر استعمال المال يتورط فيه المجتمع أكثر من الدولة خصوصا في الفترة الأخيرة، فلا يمكن إنكار تورط الاحزاب السياسية في تشجيع إفساد العملية الانتخابية. وأخيرا فإن المؤسسة الملكية ما فتئت تعطي الإشارات على أنها تحاول "الإصلاح" والتغيير خاصة على المستوى الاقتصادي والاجتماعي،أما على المستوى الحقوقي فإن حرية التنظيم والتعبير وإن لازالت هناك قيود إلا أن الوضع في المغرب مختلف نسبيا عن باقي بلدان الربيع العربي ، خاصة مع بدء الانفتاح الحقوقي منذ نهاية القرن الماضي بغض النظر عن ملاحظتنا حول مدى هذا الانفتاح، ودون أن نزعم بأن المغرب أصبح نموذجا للديمقراطية والحكم الرشيد كما يحلوا لخدام المخزن ترديده باستمرار. لكن الوقت لم يعد يرحم الذين يمر القطار بجانبهم دون أن يأخذوا مقاعدهم، وبه فالمطلوب الحسم مع التردد الواضح في الإصلاح الحقيقي للنظام السياسي حتى لا تتحول المطالبة بالإصلاح إلى المطالبة بتغيير النظام جذريا،وتتحول المطالبة من الخطاب الى الممارسة المنظمة أو غير المنظمة في الشارع، آنذاك سيكون هذا الأخير هو الخاسر الأكبر ، لأن الشعب لم يعد لديه ما يخسره،والقوة و إن كانت شرط وجود لقيام الدول لن تستطيع ضمان الاستقرار ما لم تتعزز بضمان الحقوق وتحقيق العدالة، فهذا هو شرط ضمان الولاء والطاعة والإحساس بالإنتماء للوطن، والذي يعتبر وحده صمام الأمان من الأخطار التي أصبحت تهدد غير المحصنين من التعرض لها.
#عبد_الشافي_خالد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
دفاعا عن تدريس الفلسفة كممارسة لحرية التعبير
المزيد.....
-
مادورو يعلن تأسيس حركة شبابية مناهضة للفاشية
-
الجزء الثاني: « تلفزيون للبيع»
-
عز الدين أباسيدي// لعبة الفساد وفساد اللعبة... ألم يبق هنا و
...
-
في ذكرى تأسيس اتحاد الشباب الشيوعي التونسي: 38 شمعة… تنير در
...
-
حزب الفقراء، في الذكرى 34 لانطلاقته
-
تركيا تعزل عمدة مدينتين مواليتين للأكراد بتهمة صلتهما بحزب ا
...
-
تيسير خالد : سلطات الاحتلال لم تمارس الاعتقال الإداري بحق ال
...
-
الديمقراطيون لا يمتلكون الأجوبة للعمال
-
هولندا: اليمين المتطرف يدين مذكرتي المحكمة الجنائية لاعتقال
...
-
الاتحاد الأوروبي بين مطرقة نقص العمالة وسندان اليمين المتطرف
...
المزيد.....
-
ثورة تشرين
/ مظاهر ريسان
-
كراسات شيوعية (إيطاليا،سبتمبر 1920: وإحتلال المصانع) دائرة ل
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي
/ الحزب الشيوعي السوداني
-
كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها
/ تاج السر عثمان
-
غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا
...
/ علي أسعد وطفة
-
يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي
/ محمد دوير
-
احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها
/ فارس كمال نظمي و مازن حاتم
-
أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة-
/ دلير زنكنة
-
ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت
...
/ سعيد العليمى
-
عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة
/ حزب الكادحين
المزيد.....
|