|
الفن الإيطالي - كوريجيو
محمد زكريا توفيق
الحوار المتمدن-العدد: 4039 - 2013 / 3 / 22 - 11:25
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
سنمر مرور الكرام، في هذا المقال على فنان آخر من عصر النهضة، هو "كوريجيو". اسمه الحقيقي، أنطونيو أليغري. أعماله في حياته، لم يكن لها شهرة أعمال مايكل أنجلو أو رفائيل، لكن، لها جمالها الفني وسحرها الخاص.
ولد كوريجيو عام 1495م. أخذ اسم "كوريجيو" من مكان ميلاده، قرية "ريجيو" شمال إيطاليا. كما نقول نحن: الجرجاوي نسبة لجرجا أو المنياوي نسبة للمنيا. درس وهو طفل في ريجيو، ثم انتقل إلى مدرسة الفنون الممتاذة في "مانتوفا".
تعلم الصبي الرسم. ثم عرف كيف يختصر المشاهد (حذف التفاصيل الغير ضرورية). شاهد أعمال ليوناردو دافنشي وتعلم منها توزيع الضوء والظلال. سيرته بالتفصيل غير معروفة.
يبدو أنه كانت له زوجة جميلة، ظهر وجهها الجميلة في لوحات "المادونا"، الأم المقدسة التي رسمها. الأطفال السعداء الذين ظهروا في لوحاته، لابد أنهم كانوا أولاده.
كوريجيو، لم يعمل مع رسالم كبير، ولم نسمع أنه زار فلورنسا، ويقال أنه مات صغيرا قبل أن يرى روما. كيف أمكنه أن يكون علما من أعلام فن الرسم الإيطاليين، وهو لم يزر قط مراكز الفنون في إيطاليا؟
لم يكن كوريجيو مشهورا خلال حياته القصيرة. ابتكر أسلوبه بنفسه. بعبقريته وحدها، رفع اسمه إلى سماء عالم الفن. توفي عام 1534م. لم يكن يحصل على أجر مناسب مقابل أعماله، بسبب خجله الشديد. كان يقبل أي أجر يقدم إليه.
كان يحصل، مقابل أحسن لوحاته، على قليل من المال، أو بضاعة من البقال، أو حملين خشب لزوم التدفئة. في بعض الأحيان، يكون الأجر خنزير سمين أو جوز فراخ.
عندما رأي لوحة للفنان العظيم رفائيل، أخذ يتأملها مليا، ثم صرخ قائلا: "أنا كمان رسام". كان يحب رسم المادونا والقديسين وأبطال الأساطير اليونانية والرومانية القديمة، وكان له شغف كبير برسم الأطفال.
كانت له جرأة على الاختصار، وإهمال التفاصيل، ومزج الأضواء بالظلال (كياريسكورو). بارع في إظهار الحركة، والمشاعر، واختزال التفاصيل، واللعب بالضوء والظلال. هذه كانت مهارات كوريجيو الأربعة التي بنت شهرته. في المدينة القديمة بارما، نجد معظم لوحاته الرئيسية.
أبرز أعماله الفنية، لوحة مرسومة على جص رطب، فريسكوز، على قبتي كنيستين في بارما. أبدع كوريجيو في هذه اللوحات، التي تعطي الإيهام بأن السقف ينفتح على السماء، وأن عددًا من الشخصيات الدينية تقيم في السحاب فوق رأس المشاهد. قد أثر هذا التخيل الدرامي في التصوير التشكيلي، في فترة "الباروك"، في آواخر القرنين السادس عشر والسابع عشر الميلاديين.
في دير القديسة بولا، كانت رئيسة الراهبات محبة للفن. أرادت أن تحيط نفسها باللوحات الجميلة. لذلك دعت كوريجيو لكي يرسم لها لوحات على جدران الصالون. قام كوريجيو بتغطية الحيطان بمناظر من الميثولوجيا القديمة، بدلا من المشاهد الدينية، كما هو المعتاد في ذلك الوقت.
أعلى المدفأة نجد صورة ديانا (مينيرفا) إلهة الصيد وسط ستائر رشيقة، عائدة لتوها من رحلة صيد ميمونة، في عربة تجرها الأيول (جمع إيل) البيضاء .
السقف المقبب، زينه كوريجيو بتعريشة من صور الكروم، و 16 فتحة بيضاوية أو قمرية. بينها صور ساحرة لأطفال صغار، مشغولين بالرقص والدعابة، أو بقطف العنب من أشجار الكروم.
انبهرت رئيسة الراهبات بما فعله كوريجيو بحيطان الدير، لذلك أوصت بأن يقوم هو برسوم كنيسة القديس جون. قام كوريجيو هناك برسم صورة للسيد المسيح وهو يصعد إلى السماء تاركا تلاميذه على الأرض.
رهبان الكنيسة كانوا معجبين جدا ب"كوريجيو". بينما كان يقوم بالرسم، كان يعيش معهم في الدير، يشاطرهم الصلاوات والتراتيل. أهم لوحاته في مدينة بارما، هي التي رسمها على جدران قبة الكاتيدرائية. http://upload.wikimedia.org/wikipedia/commons/a/a5/Cupola_Duomo_Parma_Correggio.jpg
رسم كوريجيو السيدة العذراء وهي تصعد إلى السماء، محاطة في كل الاتجاهات بالقديسين والملائكة. تعتبر هذه اللوحة من الروائع في تاريخ الرسم بالزيت.
بسبب جرأة كوريجيو على الإختزال (اهمال التفاصيل)، وإسرافه في الألوان بغير ابتزال . عندما رآها الرسام العظيم تيتان، صاح قائلا: "اقلبوا القبة واملؤوها ذهبا. حتى هذا لا يكفي ما تساويه من مال".
رسم كوريجيو الكثير من لوحات الزيت، التي أصبحت فيما بعد، بمثابة وحي للكثير من الفنانين. أحد هذه اللوحات، لوحة "زواج القديسة كاترين" في متحف اللوفر بباريس. لكن من هي القديسة كاترين هذه، حتى يمكننا فهم اللوحة؟
اكتوبر 2011 القديسة كاترين كانت في الأصل ابنة حاكم الاسكندرية. اعتنقت الديانة المسيحية دون باقي أسرتها. أراد والدها أن يلهيها عن إيمانها بجميع المغريات ومنها محاولة تزويجها، لكن جميع محاولاته باءت بالفشل.
كانت ترفض الزواج وتتعلل بأنها لن تتزوج إلا من أغنى رجل يمكن أن تجده، وأنبل ما يمكن حتى لا يحتاج إلى مساعدتها، وأجمل الرجال بحيث تأتي الملائكة لكي تشاهده، وأحكمهم بحيث يغفر إلى كل من يسئ إليه.
بعد ذلك، رأت صورة المسيح وهو طفل. نظرت إلى وجهه في الصورة فأحبته. تبسم الطفل ووضع خاتما في اصبعها. من ثم أصبحت تعتقد أنها أصبحت مخطوبة للمسيح. كرست باقي حياتها لخدمة الفقراء والمساكين، حتى تذهب إلى الجنة عندما تموت فتقابل المسيح.
أمر والدها بتعذيبها إلى أن ماتت. بعد مضي خمسة قرون على استشهادها، رأى أحد الرهبان فى سيناء رؤيا بأن الملائكة تحمل بقايا جسدها ووضعتها فوق قمة جبل قرب الدير. صعد الرهبان للجبل وقاموا بنقل الجثة إلى إحدى كنائس الدير، هى كنيسة "التجلي" ليطلق على الدير منذ ذلك الوقت دير القديسة كاترين.
في بعض الصور تظهر وفي يدها كتاب، رمز للحكمة، أو مع عجلة إشارة إلى استشهادها، أو مع المسيح الطفل كما جاء في لوحة كوريجيو. المشاعر الموجودة في الحكاية، والوجه الجميل واليدان الجميلتان لكاترين، كل هذه العناصر جعلت اللوحة جذابة. يظهر في الصورة أيضا القديس سيباستيان خلف كاترين، وهو يبدو سعيدا. http://en.wikipedia.org/wiki/File:Correggio_055.jpg
جوهرة أعمال كوريجيو لوحة "عبادة الرعاة"، تسمى "الليلة المقدسة". الوقت ليلا والمكان حظيرة حيوانات. الأم تحمل طفلها. جسمه مضئ بنور علوي آت من السماء، وينعكس على وجه الأم. النور يسقط أيضا على الرعاة والراعيات. http://en.wikipedia.org/wiki/File:Correggio_004.jpg
إحداهن تحمي عينيها بيدها اليسرى من وهج الضوء، وباليد الأخرى، تحمل سلة صغيرة بها حمام كقربان وهدية للطفل. الملائكة تطوف ممتطية السحاب فوق رؤوسهم.
خيوط الصباح الأولى تبزغ من الأفق. يوسف على بعد يعتني بالحمار الذي امتطته المادونا وابنها إلى بيت لحم. هناك ثلاث مصادر للنور في هذه اللوحة. النور المنبعث من الطفل، والضوء المنعكس من الملائكة، والضوء الثالث، ضوء الفجر يأتينا من الأفق البعيد.
لوحة "الليلة المقدسة" لكوريجيو، مع لوحت "سيستينا مادونا" لرافائيل، هما من الكنوز الفنية التي يفتخر بامتلاكها متحف دريسدين بألمانيا.
أسلوب كوريجيو رقيق ورشيق. معظم أعماله الفنية كانت في مدينة بارما. توحي أعماله أنه كانت له معرفة بلوحات ليوناردو دافنشي ورفائيل، فربما يكون قد زار روما، وإن لم يثبت ذلك. سمة أعماله كلها إما عاطفية أو روحية. تناول كوريجيو الدرامي للضوء، كان أكثر من تناول هذين العملاقين.
هنا تنتهي قصة فناننا الخجول كوريجيو. في المقال القادم سوف نتحدث عن فنان عملاق إيطالي آخر، هو "تيتان"، فإلى اللقاء. [email protected]
#محمد_زكريا_توفيق (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الفن الإيطالي - رفائيل
-
الفن الإيطالي - ليوناردو دافنشي
-
الفن الإيطالي – بداية عصر النهضة
-
الفن الإيطالي - كانوفا
-
الفن الإيطالي - سيليني،بولونيا،برنيني
-
الفن الإيطالي - مايكل أنجلو
-
الفن الإيطالي 1
-
الفن في بداية المسيحية
-
كنوز الفن الروماني القديم
-
الفن الإغريقي القديم – الرسم
-
الفن الإغريقي القديم – النحت
-
الفن المصري القديم
-
حفريات سبقت كتبنا المقدسة
-
الطريق إلى المدرسة رايح جي
-
حوار مع المجلة العلمية أهرام
-
قصة خلق الكون
-
هل التطور يتعارض مع الإنتروبيا؟
-
كيف كانت بلادنا حلوة؟
-
قضاة في شكاير
-
حكم الجماعات الدينية والمليشيات
المزيد.....
-
جنوب لبنان.. الأهالي يلوّحون بالتصعيد
-
هل تذهب تركيا إلى الحرب مع إسرائيل من أجل سوريا؟
-
كوريا الشمالية تنتقد روبيو: -لا تسامح- مع أي استفزاز أميركي
...
-
توقيع اتفاقية تعاون عسكري بين مصر والكويت
-
مشاهد من تحرير الجيش الروسي نوفوفاسيليفكا في جمهورية دونيتسك
...
-
حريق مفاجئ في مطار رفيق الحريري من دون تسجيل إصابات
-
الشرع يناقش مع ولي العهد السعودي تعزيز العلاقات ومستقبل سوري
...
-
بوندسليغا.. ليفركوزن يفوز بعشرة لاعبين ويواصل مطاردة بايرن ا
...
-
روبوت سداسي الأرجل صيني يؤدي مهمات في القطب الجنوبي
-
بوتين: نخب أوروبا ستخضع لأوامر ترمب
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|