أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - نعيم عبد مهلهل - مدائح جنة دلمون ...!















المزيد.....



مدائح جنة دلمون ...!


نعيم عبد مهلهل

الحوار المتمدن-العدد: 4038 - 2013 / 3 / 21 - 15:23
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    



طوبى لمن هناك لقد عرفتم كيف تجعلون حياتكم عظيمة وحياتنا خلود عصير العنب ومصاهرة تدوم لأعوامٍ لا تُعدْ . حتى تتلقي بملاك وتتعلم منه بهجة الطيران في سماء أصفى من دمعة دمية خُذ وخاطرة بخطٍ اليد تقول : أنا والحبُ أبناءَ أم . ربما لأن الأمومة مفقودة في دلمون فالكلُ لهم ثديا واحدا مادامت الجنة ُتحت أقدام الأمهات والورد.
امشي في مدينةٍ تمتلكُ الفردوسَ بصفاءِ هدوءٍ عذبٍ حتى أتخيل من بقيَّ هناك يشمُ غبار الصيف وانين الحاجة إلى ليلة في باريس ، فأقول : خلصوا حياتكم وتعالوا هنا فقد مللنا الحياة النقابية ، فهنا الظهيرة ليست مقوسة الظهر كما في سومر، فالآلهة تعدل ميلان كل شيء حتى في ضوء الشمس هناك ثبات للرؤيا ولن يكون هناك غشاء يحجب النظرة لهذا الجمال لا يحتاج لمرآة بل إلى يدٍ تصفعهً كي يقطرً دماً كعصير العنب . وحتى تطير دونَ أجنحةٍ سبح بأسم الذي في عُلاه نعيش وردد سبعُ مراتٍ : سلاماً على من بقيَّ هناك حلمهُ وشتلة الأرز في بيدر ٍواحد ولن نتخيلَ ما سيأتي ، الخيالُ ذاته يرجونا لنتخيله وسيسكنُ جسدي بيتاً سقفهُ من القرميد لكن قلبي يتمنى أن يسكنُ بيتاً سقفهُ من الطين في فردوس ِالحلم ، هذا الطينُ أعلى مرتبة من المرمر، هو من صنعنا وفيه شوينا الخبز، هنا حينَ يدافُ الرغيفُ بعسلٍ من أثداء نحلٍ من ذهب أتذكرُ أمي ومقدار ما تضع من السكر في الشاي : الحلاوة ياولدي أن تكون طبيباً في المستقبل لا جنديَّ مشاة . والقصور المشيدة هنا من بلور وعاج وخشبا معطرا لم تألفها عيون القادمين ، أنها بيوت الأحلام المدونة في الكتب السماوية حيث زجاج النوافذ يشبه اللبن ولكنه شفافاً كمن يتمرن على موسيقى خاطرة العشق ، فيما الواجهات مساحات لفسحة الفضاء وهندسة الأنامل الأنيقة وستسأل : من شيدَ هذه البيوت ؟ حتماً السواعد الكادحة . ولا ماكان للدمعة هنا ، وإذا تمنيت لحظة بكاء عليكَ أن تفعل ذلك بسرية تامة كالذي في الأرض يشرب الهيروين بعيداً عن أنظار العسس . ولن تنجبوا هناك ، يكفي لدلمون سكانها الآتين كل يوم بحافلات الترانسفير كما أهل سومر عندما فكروا بأرض السويد وطناً ، والديانات هنا واحدة ، والكتب تلك التي ترطنها الشفاه ظلت على الرفوف هناك في مكتبة المدينة العامة ، فلسنا هنا لنتعلم، إننا هنا مكتملون من كل شيء والهاجس الوحيد الذي يصنع القلق فينا حنيننا الدائم إلى الأرض ، ولكي تصف واحدة من إناث الجنة تأمل ثمرة التين جيداً ، ستجد أن عسل التين يساوي نظرة العين وأن الحلم بأكثر من ملاك جائز ولكن لاتدع هاجس الأمس يسيطرُ عليك وتقول : واحدة هي كل قلبي فتصبح الجنة محركة للذاكرة الأبدية عندما فكرت الآلهة السومرية بهاجس يشبه عُراك السلالات فتطوع الكثير ليصيروا جنوداً ، وفي أول معركة سقط مليون شهيد كلهم ذهبوا إلى العدم المطلق لأن من يموت في الجنة ليس له جنة أخرى تأويه . لهذا يقولون في الأرض : شهادة واحدة تكفي لتكون خالداً مدى الدهر.
ليس في الفردوس مفاتيح لأقفال نضع فيها أسرارنا وحلي الذهب وأموال ورثناها من عرق الجبين . و ليس في الفردوس ما يغلق ، انه عالم الأبد المفتوح الأذرع ومتى فكرتَ باقتناء دولاراً واحداً سيعطونك جوازاً أمريكياً وتعود إلى بيت الدبابة . وفي دلمون كل شيء يهون إلا فراق أم حيث المدى الأخضر وطواويس بأذيال مشعة كبريق نجم في ليل هادئ وحيث الحانات التي نكرعُ فيها ذكريات حبيبتنا الأرض يفكرُ الرجل الصالح بأزل لاينتهٍ وبفطرة بشرٍ طيب يتذكر حبوب صداع الرأس ، فهنا بتاتاً أن تمرضْ وتقول آه ولذلك الألم يأتي من البضائع المحظورة ومن يشتريها مهرباً الشعراء فقط . ترى هل تذكر الأمس ، الأمس الذي لم يعُدْ ممكناً الرجوع إليه . الغد هو ما ينتظرنا والصباح المطعم بهدير شلالات الحليب وموسيقى عصافير اللبلاب لأتذكر أمسَ الحُفاة والعراة والتبغ اللف وأغنية أنت عمري حيث فتشت عن ملحنها ولم أجده ، الذي شاهدته فقط رجلا ببدلة الأفندية قالوا انه أول صاحب كاميرة شمسية في أور .
الفردوسُ ليس حديقة ملك وليس إسطبلاً لخيول شاه الشطرنج ولن يكون كازينوهات مونت كارلو وحدائق القصر الصيني وجنائن بابل ، أنه مكان الروح التي فقدت متعة الحياة بسبب الحظ والجغرافيا لهذا كل من يشم زهرة من زهوره يتعلم عشر لغات جديدة ، وكل طغاة الأرض مطرودين من الجنة إلا طُغاة السرير في أول ليلة حب . من الشوق إلى الفوق سافر فقراء سومر ومازالوا يخافون ظل الملوك .فأتذكر المطر الذي يغسل خد الحقل بأصابعهِ الباردة ، أتذكر الطين والنعل الجلد والسعال الذي يشبه رعد محيط من القراصنة ، فيما واحدة خلف الشباك تشعل عينيها حطباً وأنا أتأمل سحر الأفلام الايطالية وأقول لها : خذيني إلى روما لكن الحرب أخذتني إليها ، فلم أجد سوى ملائكة ولدوا دون أمم وقارات وبطاقة أحوال مدنية ، وعندما أردت مطراً وطيناً ونعلاً جلدياً أعطوني حصاناً من الذهب وسماء تمطرُ منها العصافير ، عندها أيقنت أن للحروب جنة وللسينما خداع البصر . فبين الجنة والحنة نقطة واحدة ، هذه النقطة هي من صنعتْ ضفائرَ النساء في فردوس السماء الممتدة كساحل نهر في قلب العاشق ، هناك سحنة الوجوه واحدة ، لا زنوج ، لا هندي أحمر ، لا أشقر ، لا حنطي من أهل البصرة ـ الوجوه التي تهل بعافية الجمال وتشع بالنظرة والمرايا وشعاعا من عطر الرمش الأزرق ، ألوانها صفاء العين وماء برتقال الشفاه والخد الناعم كياقوت خاتم . تلك الوجوه لا تعرف الكحل والمشط وفرشاة الأسنان . مشرقة دائماً مادامَ في نظرتها الساحرة لاتعرف التمييز العنصري . ففي دلمون لاينبض قلب إلا ومعهُ آهٍ من أم ، وحتى نولد حيث نعود في النهاية الى المكان الذي تؤسطره الذاكرة وتصفه الألواح الأول والأخير ، لكن العاقل فقط يدرك أن الفردوس هو رحم الأم أما بقية الأمكنة فهي فنادقنا المتنقلة . وأنا أتامل في أجفان أمي ناحت حمامة دوح في الجنة فسأستغرب كل طائر من هكذا فعل وقالواة : لا عودة لسعاة البريد ، المكاتيب لعشاق الأرض .
تذكرت يوم هوت على رأسي فاجعة الحرب ، رسالة منها بقيت في جيبي وقبل الولوج إلى دلمون صادرها حرس البوابة الرئيسية. كنت ِ بشكلك العاطفي تنجبين النظرة القاتلة حين يدخلُ سهمكِ قلبي. هذه بعض هواجس عشق الأرض ، والآن لكي تعشق عليكَ أن تبحث عن الدمعة . العجيب هنا آلاف الينابيع ولا دمعة واحدة لنغذي أرواحنا بعطرِ الحدائق ، وبعض من نحبهم هناك بسبب تعاسة ما يجري يغذون أرواحهم بعطر الموت ، إنه ذات التعب الذي تعبناه قبل المجيء هنا ، ولكن اصبروا يا أهل سومر فالحدائق في انتظاركم وأرصفتها من البلورالأزرق وبالرغم من هذا تحن إلى حذاء مثقوب لمفلس مثل تعاسة رماد السيكارة. فعندما امشي هنا مع صفير اليوم الطويل تهبط عليَّ أرصفة بلادي فأتمنى أن أعطي كل متسولٍ لؤلؤة وبيتاً يأويه .
ليس في الجنة أسوار تحجبُ عنكَ صباح الشمس ومساؤها ، ليس هناك ما يمنع لتقول ماتؤمن وتفكر فيه ، غير أن حدود الوعي عندما تبدأ من القلب سوف لن تنتهي بصرخة احتجاج . تنتهي عند شفتي أمراه فيذوب الكلام في الصمت . ولأجل هذا يقولون في دلمون : الفلسفة موضة قديمة والمسلة التي كتبت تواريخ أهل بابل وانطوت عليها قرون المخاض أراها ترتدي تنورة من ستن الصين وتكرز الحب الشمسي وتسمع مادونا ، فما بال هذا الحذاء يصير حداء ويأن في طريق التحول ، البلاد سحبت أدران العتيق إلى مزبلة والقادم أفضل . هكذا قال كهنة البيت المعلق على عتبة باب البرلمان ، وشيخ من غانا همس لامرأة من أهل شيلي : إنهم يقولون مالا يفعلون ويثقبون الماعون كي يصل البترول إلى الأناضول بدون مشقة .
السلام الى كل أميرة كلدانية والى كل عريف من أهل المجر الكبير . أذن سوية نسير إلى دلمون ، هناك بوذي ينتظرنا ليقيم الحدَ على السرير ، وهناك أبي يقرأ ذكرياته تحت عريشة العنب وأمي تصحح أغلاطهُ الإملائية ، فيما هفواته النحوية تركتها لزوجتي . أنا فقط أتأمله لأتذكر كيف انحنى ظهره حزناً على أقدارنا التعيسة ولكننا الآن معه عدا واحد منا فضل الأرض ليكون خماراً والى الأبد بالرغم أنه القائل : ولدت دلمون لأن الفقراء أرادوا ذلك ولولاها لما ظل أثرياء الخليقة أحياء . لهذا يظن بعض فلاسفة الشرق أن دلمون من صنع خيال الفقراء لكنهم لا يصدقون ذلك لهذا تراهم يتراصون بصمت وانضباط وهم يستلمون من رب العمل قروشهم التي لا تسد سوى الرمق ولا تمنع سوى الدمعة من النزول على الخد وبعض ساسة العولمة يقولون : ولدت دلمون لأن دول الفيتو أرادت ذلك . ففي ذلك الأزل المكحل بسواد الرغبة وأساطير الحب المزخرفة بنقوش الوفاء والانتحار وعزف موسيقى القيثارات تحت النوافذ القمرية كانت أيامنا تحتفي بشيء أسمه سعادة الأمل .
الجائع ينتظر، الجندي ، الشاعر ، الكاهن ـ وعامل الطين ، وصياد الزرازير .الكل لديهم الغد المنتظر ، لهذا فأحلامنا ممتدة إلى قدر وحظ وامرأة نتخيلها هنا . الغد معروف والأحلام المتحققة ، لهذا فقدنا حاسة الأمل وغرقنا في الحليب ، أصبحنا اشد بياضاً من الحقيقة لأن الحاجة تأتي من التوسل لمن هم في السماء أو أولئك الذين يملكون السلطة والمال . في دلمون الحاجة تأتي حتى دون أن نطلبها ، والتوسل تم حذفه من أبجديات الكلام الذي نستخدمه خلسة في الليل عندما نتمنى من نساءنا تأوهاً ارضياً فالجنوب في كل أزمنته أسى، وهنا الجنوب أريكة ومقهى يلجأ إليها أولئك الذين لا يودون مفارقة التبغ حتى وهم في الجنة لأن الراحة في المناحة , هكذا كانت أمهاتنا يولولن يوم تداهم النعوش مدننا الغافية على نغم سيمفونيات النخل والأنهر المالحة . الآن وأمهاتنا هنا في دولة الأشياء الكاملة لا مناحة وليس من حق واحدة تهمس بتلك ( الأويلاه يابه ) وبالرغم من هذا نقرأ تحتَ رموشهنَ الناعسة بقايا نواح ٍقديم يذكرنا بتلك المراثي الدامعة التي وجدها المنقبون في مدننا الغابرة التي فيها الطواويس تشبه الحمير لأن صوتها أنكر أصوات الطيور ، لأجل هذا تركوا أجسادها في الأرض وجاءوا بذيولها وعلقوها على مؤخرة الأرانب ، فالأصوات هنا ذائقة محسوبة بعد أن ملأت أناشيد الحرب إذاعات سومر ، وأصبحت صناعة النغم تشبه صناعة السيف لهذا يطلقون على المكان الإلهي وطن النغم والإيماءة تلك التي كلما أتذكرها ، أتذكر غمزة العين . لقد كان الحب على الأرض خرافياً ، والخرافة هنا كفر ، واليباب لا يشبه الباب بالرغم من إنهما ينفتحان دائما ، الأول على المصائب والثاني على الريح ، وفي الفردوس اليباب عندما يملأك غرام المودة كل عمرك فتبحث عن باب تهرب منه ، فسقراط ترك في الأرض لوحاً يقول : المعاشرة الدائمة سم وسأم وفضيحة
.لن تجد في دلمون رغيفاً يابساً ولا غصناً جافاً ولا وجه عبوساً وعندما تريد أن تجفف منديل الغرام من حرارة القبلة لا تعصره بل أعصر قلبكَ وتذكر أقراص الهوية التي جفَ عليها فصيلة الدم ، فهنا كل شيء يهون إلا غفلة التسبيح حيث المعابد في قلوبنا وحيث لا كهنة ولا طقوس ولاء ولا كبش مذبوح وليس هنا من يستعطف ليحصل على ما يتمناه . والسكين لتقشير التفاح وليس لخاصرة قيصر ، وعليه فأننا بفطرة النحل في حضن الزهرة نمتلك الإيمان بما نعيشهُ ونمارسهُ ونعشقهُ ومتى أراد أحدكم أن يطلبَ أمنية قلبية فعليه أن يخلعَ ثوبَ الحرير ويلبس الصوف ، عندها إدارة الفردوس ستمنحكَ الإذن بالنزول إلى الأرض لساعةٍ واحدة فأسمع صوت الشاعر : الشمس أجمل في بلادي من سواها والظلام .. حتى الظلام هناك أجمل .
هنا الشمس أجمل في ورقة الظهيرة الباردة عندما تهبط عليك لحظات حصاد مودة الوشم في فخذ القروية المبتسمة في ليلة عرس بريئة ، فيما الظلام مثل شجن الجاموس الى الماء والصيف واللبن الخاثر وموسيقى ذباب الطين السيمفوني . حيث لا طنين ذباب هنا ولا طائرات اير باص ، هنا الصباح المشرق على خد الحديقة والظهيرة نائمة في اللحم والطبيخ ، والليل هنا راحة السرير والدفء ، ولكن من تركناهم هناك سيتمنون حالنا وسنقول لهم بعد توالي الأيام : نحن نتمناكم أيضاً .
وبعضهم يتساءل هل للمجانين مكاناً في دلمون ...؟
يجيبك الحارس الأزلي لأشجار البلوط : هم المكان كله
...ويسألني رجل من أهل عفك : إن كان الرُقاعون موجدون هنا كي يتحاشى نظراتهم ؟
فأجبتهً : ماذا نرقع هنا وأثوابنا تتغير في كل ثانية . الأرض يختلف منطقها حتى في تغيير الشيء. هنا يحدث التحول دون أن نعلم ، لهذا نسير حفاة ولا نحتاج إلى نعل .
وداعا أيها الرقاعون ، وداعا عفك ، ماتركناه هناك ليس سوى ظلالنا ، لهذا أنا في عاد وعاد أبعد من بغداد بمقدار رمشة عين ، أنا في أور وأور أقرب لدلمون من نظرة الناظر إلى منظوره . أنا في عينيك وعينيك جنان المشهد والمشهد اليوم في الجنة أجمل الأنبياء سيلقي موعظة عن سحر النساء لهذا تركنا الدار للجار وموقد النار ونشرة الأخبار . هنا جارنا النجم وحديث الأزهار ومن أتمنى مهاتفةً سافر إلى ابعد الديار ، وحدي والغواني الحسان والبوم الصور أيتها الدار القديمة الحنين إليك مشكلة . ففي سومر عندما يتكلم النخل بلغة الماء ، الزوارق تصبح حروف جر والسمك همزة وصل وغناء الصياد ضمة على الصدر تذكرني بواحدة كانت تهواني ثم ذهبت إلى جلجامش . ذهبت وانتهت كل ذكرياتي معها وتمنيت أن تجد الخلود فلم تجد سوى أفعى وتفاحة وبحثا جديدا عن معنى أن تعيش وتحب واحدة دون الحاجة لفردوس الرجل , لم يبق منها سوى عطرها وشالا ازرقاً أتيت به هنا كي اذكرَ كل واحدة تتحدث عن شجنها بأن شجني كان هناك قرب الزقورة ، والآن زقورتنا مُلكاً للخوذ الأجنبية . فأرد : أنا هنا حيث الفراشة عارية القدمين وحيث اللبن الحلو وخبز العسل والموسيقى تهتف بأسم الرب نغم الروح الأممية وأشياء تتسلق سلم ضوء العيون لتمنحني راحة البال ونسيان سرايا الجبهات وسلفة بناء البيت وحلما ايطاليا أزرقاً أن أنام في حضن عارضة أزياء بسحر صقيلي. هنا مليون واحدة بعيون خضر وأخرى زرق وبنفسجية . وعيون تجمع بين الشذى وفيروز الشطآن المتوسطية كل واحدة تقول : تعال واريك تواريخ الأزل الهادئ ودعك من نساء جنوب الغبار والنهار المضني ، دعك من ساحات العرض ودواء المرض ودموع الحقائب المدرسية ، دعك من لهاث اليوم ونقاش القوم وخطابات أمراء الغفلة ، دعك من كل جيوش البنتاغون وأسبح في العطر . وسبحت ، فلم أشم سوى رائحة عينيك أيتها البلاد اللبوة حتى في دلمون غباركِ يلاحقني لكن روحي تألقت بمندائيتها الشريفة ولبستْ بردة الشوق إلى مكة ، حيث الطيف والصيف وأشياء تشبهُ كحل العين والمناخ الأستوائي وطرابيش من تخت تركي وراقصة تداعبُ هوس الغيمة في قدر الطبخ . أشياء تتلوى فينا كأفعى .وأنا بلبلك المفضل وقصيدتك التي ترتدي كعباً عالياً وتمشي مثل راقص الباليه على بلاط صدرك . روحي بمندائيتها الصافية كخد بندورة حمراء تسرح في الرغبة لإيجاد حلاً للمعضلة ، لقد انتهى الحبر في قلم ماركيز وفي دلمون ليس هناك مكاناً للرواية ، فما نحكيه تتحدث به العيون فقط . ماذا سنفعل وشبح الكوليرا يظهر مثل سحابة فوق مدن الأرض .؟ سنطلب الرحمة من عينيك . عيناك الصافيتان مثل كلمة بريئة يطلقها الماء في فم يشتهي العطش و الشهوة التي تذكُرها التوراة في الإصحاح الأول بأنها إنسان يريد مصافحة ربه . فتألقت روحي والشمس صنعت ضفائرها وسط شفاهي .كم أحب قبلاتك القديمة فهما من حمرة وعطر ، فيما شفاه الحواري الخضر من كريستال وزبد . إنها مثل شظايا الهاون تجرح وتقدح وتجعلنا وطنيين من كثرت البكاء ، كذا يتألق هاجس الروح في فضاء هذا التخيل ولكنه حتماً سينتمي إلى التراب البارد ، ذاك الذي حفروا فيه قبر أبي . أبي الذي مات عطشاً من الخبز وفي كل صلاة يترحم ألفَ مرةٍ على ماركس وسعيدُ بن جبير .أبي الذي يشبهُكِ تماماً ولكن ضفائره سرقها من جلجامش . كل هذا والبلبل ساهياً بحنين الرغبة ويريد قبلةً من تحت أجفانكِ . أجفانكِ التي تشبه اللوز وهو يتقشرُ في عيون طفل جائع من الجبايش . كم أحبُ الجبايش ، ربما لأن سور الصين يبدأُ منها وشهوة جدتي ودموع العالم الثالث . تألقتْ روحي .البقاءُ لله وللقمر سقف بيت من الطين وأشواقَ ملك وبطيخةٌ تسرحُ شَعرها بعنايةٍ . هكذا أفكرُ وزيوا وجبريل ويوحنا وملاك بوذا ذو النظارة الشمسية وذكريات طفولتي كلها إشجاناً أطرحها أمام عينيك ولتختاري منها التفاحة الناضجة ...أنت حواء التي تعجز ناسا عن صنعِ واحدة منها ، وأنتِ القنبلة الموقوتة التي فجر أمامكِ دافينشي إحساسهُ وصنع مونليزاه.أنتِ جنوب وقلوب وغروب .. أنتِ آلهة من شوكلاته وهناك في دلمون حيث كهرمان صدرك ضوءاً من الورد يسقي عطشى الهوى ويتدلى شعرك صفصافة داغستانية ونشيدا فرعونيا وخيوطا من فجر الاهوار ، من أول لحظة حب يتدلى عطرك ، روحك وبساتين القيمر والضحكات ، فأفر إلى وجه سيدة تلوك الحنان بدمعة حرب وتقول تعال : ولدي أنت والهريسة مثل بيتهوفن والموسيقى . أنت وهي مثل الحاء بكيس الحناء .سأشمُ هواكِ ، سأُقبل عينيكِ وسأصنع من روحكِ وسادة ، سأتعلم منك الحلم وكيف يصير فستقا وبندقا في فوهة بندقية أرمي بها زجاج عينيك فأكسر خواطر غاليلو والأرض تنام على قفاها ومثلي تحزن على البلاد . البلاد التي صنعها الحجر وهدمتها معاول الحظ الرمادي .غير إن زيوا الطيب أمهر صناع الضوء بذاكرة المندائين سيمدُ لك ثوبه الأبيض وعليه سأكتب رسالة حب بمسمارية من زمن البابليين . ولكن في دلمون عليك أن تترك كل أمانيك الوطنية خلفك وتذهب لواحدة بصدر عارِ وتومئ إليك عندها حتى عنادل الضوء تسقي صباحنا فستقاً شامياُ فيما عنادل الشظايا تسقي ليلنا أغنيات حزينة . كان ذلك فيما مضى ، الآن العنادل بكل سلالاتها ترتب لكَ أثاث المنزل ، وواحد بلون عصير التوت ، فقل ياربي فربما ستكون ظهيرتك مبكرة وتعود إلى وسادة أطفالك يولسيساً بسلة تفاح وأن لم يحدث هذا حتى جلجامش لن يحل المعضلة ، نحن باقون حتى نهاية العالم نبحث عن الذي نعتقده ضائعا ولا ندري ما هو..؟
حين يطلق الأذان حزماً من ضوء نوم أطفال الكهف وحين تقرع أجراس صباح أور تتأوه الزوجات صبيحة يوم الراتب ، في ذلك الوقت ليس بمقدور احدنا أكتشاف أن صناعة الطفل الجديد قد تكون ممكنة ، ففي الفجر الطالع من تحت جفن سيدة البيت أشم رائحة الشاي والبيض المخفق ببكاء رضاعة الحليب . العالم يقفز مع قفز الديك على سور البيت ليمسك القمر ويقبلة.قل ربي تقوم دون كسل : إنها عبارة جدتي التي سرقها الليل ذات حكاية وصدفة وجدتها بكتاب في مكتبة الجنة ، فساحر النظرة تاهَ عن قبره ومشى إلى موتهِ من دون ِعكاز كان جمال عينيك فانوسه وحين رأى الرؤى نصف الجنة كانت ضحكتكِ إذ لاشيء أجمل من عُطركِ حين تُحولكِ الأنوثة إلى وردةٍ وقصيدةْ .لاشيءَ أجمل من قطرةِ ماءك حين عطشُكِ قارة من اللغة الثلجية يتزلجُ عليها عمري فتنادي : إلى أينَ ياولد ؟ سأقول : إلى جنة شفتيها لأتخيل َ يسوعُ الجفنُ ، موسى البحرُ ويوسف ظل الخيالْ ، ومن صبر أيوب صنعت أساطيري ولرأس يحيى المقطوع لمعان الذهب ولكِ أهديت الحضارة ، ومن سماحة الدين عَبدتُ الله وعشقتكِ ففي دلمون القلوب لاتشفق بل تخفق ، فلقد تركنا المشاعر الانسانية هناك في الارض وهنا مانحسه هو ماتحسه الملائكة ، والملائكة خلقها الله من مادة واحدة هو ضوء النجوم ، لأنه لاشيء أجملَ من امرأة يصنعُها اللهُ من وجدان البراءةوبروحها تؤلف لنا سيمفونيات فهم الباطن والظاهر والإيماءة .المرأة المعنى تلك التي نحتاجها دائماًحين تنأى عن مربعنا المدن التييجبرنا القدرُ ما على فراقها ..القدر المكتوب ، والنهاية التي تحسب بقدر ما نعطي ونضحي ...الروح لا تنوح ...ولكنها تشعر بخطوات أحذية الدموع على أرصفة قلوبنا نبكي في الأرض فتطمأن المعابد أرواحنا وفي دلمون نبتسم فيما أرواحنا ساهية.. لقد تركت الأرض ومعها تركت هاجس كتابة القصيدة الجديدة لأن العبادات التي صنعتها روح التأمل هي بعض أرث أرواحنا القلقة ...لهذا يقولون إن دلمون لم تخلقها أشواق الحدائق بقدر ما خلقها الخوف مما سيكون ..وأنا امشي لعينيك وجدت هذا الهاجس المسكين ، المطلق المرتعش من تلك المساحات المفتوحة فوقه ، من الرعد والبرق والعواصف والمطر وصوت الميثولوجيا ، لأجل هذا وذاك كنا نضع أقدارنا في أحضانك ، وأي ثمرة نزرعها فيك نتمنى لها ذلك المكان بعد أن ولدت فينا القناعة المتأخرة إن الكد والأرغفة اليابسة والقبول بالمقسوم سيضمن لنا مكاناً مريحاً في أول الحافلة لهذا أعمارنا تنقضي ونحن في انتظار الحافلة الحالم أبن النائم ..لكن الملاك ليس أبن العراك إنه أبن الخجل والعبادة .وعمرنا ليس كتمرنا ، فكل حلاوة عثوق نخيل البصرة ، لن تحلي مرارة العمر ، لكن دلمون قد تفعل ذلك ، عندما نعلم إن أنهارها سكر عذب ، وتمرها يشبه الخوخ في طراوة المائدة ..ولكن هاجسنا يبقى في المرارة ..لأنك منها تعرف لذة العيش ودمعة الخاطرة والشوق إلى المرأة التي تعشقها ، حيث ينتهي هاجس الموت في دلمون ، ولن ينعقُ بوم في حياتكَ ليذكركَ بحزن دموع الأطفال وهم يحلمونَ بدمى من فخار ملون . لم نعد نفكرُ بظلام وصمت ، وملاك في يده صولجان من نار ، وفي الأخرى سيرتنا الذاتية . هنا قلق مثل هذا لم يعد ممكناً ..وحتى التفكيرُ فيه معصية ـ لهذا كل الذين يديرون النقاشات حول ذكريات القلق القديمة تلك يسمونهم هنا الوهواسيون.أنا لست منهم ولكني في بعض المرات اشتاق لقراءة ملحمة جلجامش فأضطر لأنتمي إليهم ففي الكتاب الكهنوتي كلاما من بقايا التفكير الأول لذاكرة البشر نتأمل فيه هواجس الإنسان في بدايته البريئة.كيف يحب ، يعمل ، يعاشر أنثاه ، ويحكم بين أبناء قبيلته .في الكتاب الدلموني :ثلاثة هواجس فقط لا تتثاءب ، لاتشخر ، عاشر من ترى في عشرتك معها الأبد وبرقتك عصافير قلبي تصير نساءً بلا أثواب ،بصوتك الكمان باب إلى الجنة ، أدخلها بعد أن تخلع نعلك وتسبح باسم العشق تسبيح النورانيين..وكأي قيصر : رد التحية لملائكة على طول الطريق يمدون شغف قلوبهم ..ليس لأنك حلاج وعائد من الصلب ..بل لأنك شهيد ومت بحرب .فهناك ليل ونهار وثالث بينهما ..ضحكتك يا أميرتي ..تلك خاطرة من أزمنة الأرض التي مضت ..الآن ...في تعاقب الليل والنهار ثالث فقط ..هو ابتسامة الرب ...لأن الرومانسية في الفردوس هي التأمل فقط أما العشق فهذا هاجس مفروغ منه ..فالجميع هنا عشيرتهم واحدة هو الحب لأجل هذا فالمتأملون هنا يغردون خارج السرب ولهم طقوس الجلوس على أريكة الأفق لا يفعلون شيئاً سوى مداعبة خاصرة النجمة وتقبيل خد الغيمة فيما العشاق ساهون في لهو الأسرة وترتيب أغراض علب الماكياج ...فقد أجد جنة في الأرض ..بيوت هادئة مثل المرايا دون وجوه ، حدائق تعبق بعطر الصمت والهدوء وموسيقى من جدنا موزارت المتوفى قبل مئات السنين ، كلاب لا تنبح إلا عندما تداعب خدودها الفراشات ، وعجائز يركبن الدراجات الهوائية ، وأطفال بلا ضجة يرسمون مدن مفترضة في خيال الغيب ، وعشاق بقيثارات أوتارها أجفان عيون الشمس..أنها جنة من النعاس البارد ، ولهذا ترى في حدائقها بعض العبوس حين يتشاجر الورد ..ليس من أجل تصدير العطر ، بل لتعدد أعراقه..لهذا يقولون عن الجنان الخالدة.إنها خارج خيالاتنا ، وجنات الأرض ستأكلها الأزمنة حتماً كما الجنائن المعلقة حيث يغرد بلبل في مساحة الروح ، فيتصافى الخيال مع الواقع ، فتسودنا قناعة الجمع بين المرئي والمخفي وبهذه الصفة نعيش فقرنا الأرضي . راضون بقسمة القدر وهراوة الشرطي وقيلولة البطالة وشظية الحرب . فغدا سيكون لنا يوما آخرا ، يوما لا تبكي فيه شمس الأصيل ولا يقود الجياع تظاهراتهم فتتعلق لهم أصلبة يسوعية أو زنازين مشرقية رطبة ومظلمة وحراسها العقارب السامة . ذلك الغد نراه الآن بجفن الأمل ومع كل اغماضة واحدة تخلع ثيابها وتقول أنا حوريتك حيث شمال عينيك شجرة وصباحا ثلجيا وجنوب عينيك سمكة وقميص مزقته رياح السموم ، ففي الشرق وفي الغرب هناك رغبة بصناعة المكان المثالي ، وبعد ذلك تسحبك يد إلى المكان ..أما جنة تحتوي خط البداية وابتسامات العسل وأما يباب لا يصبغ وجهك سوى برماد دموعك والذين ماتوا ، والذين سيلحقون بهم من الفقراء هم جيوش الأرض الحقيقيون أما جيوش العساكر فهم متناحروا الأرض الأبديين ونصفهم في الجحيم والنصف الآخر في الفردوس حيث آنية الورد على شباك بيتي في دلمون فيما شباك بيتي في أور ليس عليه سوى آنية الطبخ وأوراق الدائن والمديون وشيئاً من ميتافيزيقيا واحدة كنت أهيم فيها . الورد في حدائق الأثرياء وفي حدائقنا التوسل إلى السماء والأرغفة اليابسة . الآن بعد عصر الريبورت والاب توب وسفن الفضاء المأهولة فأنا أفكر مليا كما في رؤية الفلاسفة إلى الورد واراهم غارقون في مثالية العطر ففي كل شبابيك بناية ناسا للفضاء باقات ورد يبدلها النادل كل يوم لكني لم أشاهد رائد فضاء واحد يقطف معه واحدة إلى القمر ـ فأتذكر قصائد شعراء الحب دون وردة وقمر تبدو باهتة الآن الليل والورد في دلمون كل الوقت لكن التي أحبها ذهبت إلى دلمون أخرى لشعورها بخيبة الأمل فطوال حياتي لم استطع توفير خزانة ملابس ومرآة ومكحلة فكيف سيكون عمر الورد معها ، وقد تركتني وذهبت إلى ناسا لتصير رائدة فضاءأما أنا فقبل حلم الجنة... كنت رائداً في حانة كتابة الخواطر المجانية ...هناك العيون الناعسة كجملة خاملة في نص أثري...نائمة على عشب الصمت في هذا الصباح المذهب بإيماءات عصافير خجولة..النوم سعادة الوسادة ، فيما سعادة المستيقظ استذكار ما كان هناكالسلالات الملكية ، وحقول القمح ، والحملات الحربية ..وغيرها ..ثمة قيلولة لكل سومري يعيد فيها أشواقه المبعثرة بين معاول الشغل ..وقرابين المعبد وفي النهاية الكل يموت ..والذي يخلد من غمزت لعينيه الآلهة وهو في بطن أمه ..عندما القصب الأخضر هو ناي أرواحنا السومرية ..يعزف الزورق فيه نغم الليل البارد في واحة السمك وفيه يعمدُ المندائيون ذكر البط بتهليل جنوبي طاعناً في القدم هنا يتوارث المجد روح أسطورة الحياة الفانية أن يكون لنا مكانا للدهشة ولغفوة الظل الإلهي في واحة تأمل ما سينتهي إليه قد الصياد وشيخ العشيرة وبندقية الصيد .
المكان الذي ينعش الذاكرة ويقوي عضلات الخاصرة ويجعل لأسرة القصب لساناً جرمانياً ..فيه تذوب قبلة العشق وحلم الطير وأناشيد الخنازير البرية ، حيث للنجم لسان يقول : في ضوئي تنام امرأة من لهاث الشوق لاشياءنا المندثرة في عيون الذباب.هناك ممالكنا ودوقيات الصيف وعمائم عجائزنا الفطنات هناك دلمون المنسية وراء ظل مراكب الانكليز هناك شهوة الموجة ولهاث أبي في حقله المحترق هناك التاريخ يضرب على بطنه فيخرج هواء فاسد من مواسير بنادق الغزاة ، فاقول وطني :بينكَ وبين دلمون نعش شهيد ، وطني أيها المسجى على خاصرة الجغرافيا قنبلة يدوية تُرمى على سرير الماء فينفقُ السمك المسكين وتبكي طفولتنا بكاء ثكلى كربلاء .بيني وبينك خاطرة وسدرة ورمش فراشة وقضبان سجن وكل ما يسرق العقل ، عقلي الذاهب إلى كتب المتصوفة وتواريخ الغفلة وعناوين ملاحم هندية والقصب الذي هو شيئاً فنتازياً في حياتنا التي أغرقتها النوارس بأجنحة الغيوم وصارت مجاديف نصعد فيها إلى السماء لنجالس آلهة العشق ونشرب معها خمرة الحلم وقهوة الصداقة وشاي العباس ونغني : دلمون يافردوسنا الجميل أمشي على درب الهوى برمشك الكحيل ، وغردي يانخلتي بحنجرة التمر ، لقد تدلى من عثوقك الزمن وكتب الزمن إنشاءه ، المعبر البقرة سوداء ولكن حليبها أبيض .من بياضك صنعنا الأمل ومن قصبة في الهور صنعنا أوطاننا الجريحة ، من القصب صنعنا القلم ومن حبره رسمنا دلمون وتخيلنا شرائعها الألف التي تطل على بوابة الجنة ودمعة الأم ، ونوافذها سعال الآباء ، وثريا كل غرفة نوم تنهيدة طفولتنا الناعسة . أيها القصب توقف عن الكتابة ، الحنين إلى أور يقتلني ، فهناك في أوروك ولد جلجامش، في أور ولد القمر ، في بابل ولدت جنائننا المعلقة ، وفي آشور ولدت الثيران المجنحة التي حلقت مثل طائرات الميراج على سطوح بيوت الطين فأيقظت كل رضاعات الحليب وأحلامنا القديمة ، أن تكون لنا الجنة ، ولهم صحراء الربع الخالي ففي عالم اللحم فيه يأكل اللحم صار من الضروري أن تكون في وجبات الطعام في دلمون الزبد والفلفل . فالمنافي لن تحل مشكلة الشوق إلى المهد الذي ينفع صحن طبيخ من سيدة المنزل وأسطوانة تدور تحت أجفاننا مثلما يدور الحمار في ناعور الحقل . الحمار الذي بفطرته الأسطورية سيكون أول مساكين الفردوس وحامل العصا مكانه النفي ..إذن كل من ناح بدنياه نال مناه فقديما عندما في العلا كانت الآلهة تلهو بأقدارنا، والآن على الأرض الجنرالات يلهون بأعمارنا لهذا حين اكتشف العاشق الورد ثرية من أهل لكش فتحت له قميصها وقالت قبرك هنا . القصد، مهما عاش الآلهة في خلودهم والجنرالات في قصورهم فلكل جميل صدر يأويه كما يوسف النبي سحره أنقذه والفقراء ينقذهم صنعهم للجمال لأننا في دلمون مَلكنا الأبدْ وعلى الأرضِ ملكنا المقاهي ، وبينهما عُودٌ يعزفُ يامالكاً قلبي ليضيء وجه المرأة تفاحة حمراء أقضم منها قطعة فتصير سجادة صلاتي حديقة. من الحديقة أخلق شهوتي وفيها اعمد طفولة هواجس بابل تلك التي أخذت من عطر القصب زهورها ومن خوذ الجنود اكتسبت دمعة الكنز فرا. الدمعة التي كلما ترتدي عمامة العيد البيضاء تحب ممارسة المودة مع سعادة السمك ، السمك الذي يشوينا على جمر الموسيقى ونشويه نحن على الم الفراق .
بعيداً عند حافة نجم الجسد وقبلة الليل وفواتير الذكرى ومراهقة الكتب الوردية وأشياء لا تخطر علي بال ابعد صديق لعينيك الدامعة من مازوت سيارات الأجرة وافران الخبز وبناطيل الكابوي العتيقة وحسرة رصيف في شارع الغربة وناقوط الحِبْ . نقطة نقطة أهبط يا هواي ودع موسى يشق البحر ثانية لجواز سفرك ، هناك السماء بحركَ ، كل الملائكة تغني لكَ نسم علينا الهواء من بلاد الطين وصرائف القصب ، لأنكِ جنتي وسواك ظل تطارده شمس النشالين.فهل تذكرين ...العهود المزينة بفوح الرز ، بدثار اللحاف وبرد العصافير على سدرة البيت.هل تذكرين سعال الشتاء وثوب صوفيا لورين الروماني ؟ شقيه الآن من الزيج ترين العالم كله حلمة نهد وستصبح أساطير شفتيكِ حديقة من قبلات نتمناها جنة لنا بعد موتنا في المعارك ، لأكون بعيدا عن رائحة الليمون ، قريبا من عطر بطاقات التموين ، أرى ارض السواد لا تحب الغولف ومشاريع بناء أبراج الغد ، أراها تتمنى أن يصير النخل دواليباً لزمن مفترض وتعود أور كما نام على ترابها ذات ليلة مدحت باشا. لكن الجنة لن تكون تحت أقدام الولاة ، الأمهات أولى فيها ليكون وجه المرأة تفاحة خضراء ووجوهنا من خجل ما يجري صارت أرائكَ وأزرار قميص ..أذن كم من الفراديس نحتاج لهذا العشق الخرافي الذي أنتجته أرواحنا منذ الحرف المسماري وحتى مفاتيح الكيبورد..؟ فأتذكر أيام ما كانت الملوكية تحكم قرى الطين بصولجان الآلوهية وقبل أن يكتشف الأمراء ملاعق الطعام ومواعين الخزف الصيني وأصابع البيانو كان الإنسان يولي شطرهُ صوب فضاء الزرقة والتأمل ليتغلب على خوفه من غضب الحاكم ، وفي النهاية مات الحاكم والإنسان . الإنسان إلى ماتخيله من أمل بخلود وغزال مشوي والحاكم إلى خرائب اليأس من أن السلطة لن تدوم . الحلم من يدوم ، وحلم دون جنة هراء ، فعندما دخلت روح اللوح وجدت قلماً مرتعشاً يتخيل أحلامه نتاج رهبة فيه فعرفت لماذا تعددت الآلهة في الخليقة القديمة ، ولماذا لم يصعد كل خلق الله مع نوح في سفينة النجاة ، ولماذا الفرعون لم يرتعب من نظرة إبراهيم ، وحين دخلت روح الكتاب السماوي وجدت قلما دائما وقناعة بالوصول إلى الرائي الأبدي فما أن تقرا صبر أيوب حتى تدرك لماذا الرب الواحد انزل الأنبياء تباعاً . فأعود هنا في قرية شوبنكن الألمانية تغرد بلابل لما يألفها السماع السومري ، ويشرق صباح لا يحتاج إلى طَباخات الرطب كي ينتج سكر التمر ومواويل الريف . ألواح الورد هنا لا تشبه ألواح الطين ، ففي الطين قوائم من ماتوا في حروب سومر ، وفي الورد الألماني مواعيد حفلات فاغنر وخط سير اليخوت إلى هاواي ومساء نزهة الكلب..هنا في قرية ألمانية اسمها شوبنكن تمنيت أن يأتي من تخيل دلمون كي يتعلم طراز بناء بيوت القرميد ومواعيد شتل البقدونس بجانب احمر الشفاه . لكن أبي لايصدق غير ما يتخيله في دلمون وكل مالذ وطاب على موائدها ، حتى دموع النحل نشربها فيلسعنا الشوق إلى البلاد التي لها أضلاع مثلث كلما نتذكرها تلتقي بنا عند زاوية القلب الذي أفكر فيه وأتمنى من خلال نبضه أن يكون يومي مضيئا بمرايا الحظ ويدخل بيتي الرغيف والعسل وحتى لو جنح دجاجة ، لأقنع في هذا النصيب لأن تأمل النجوم والبطن جائعة يخلق مشكلة في العقل ،لهذا فأنا مطيع خرافي لرب العمل ، مرة واحدة لم أحقق له الرغبة التي أرادها أن أكون في عالم الظلام السفلي بدلاً منه ، لأني أعيش حياتي القاسية من أن أجل الضوء ، وعليه أن يعرف ذلك لهذا تركت العمل وانتميت إلى الجوع ، وها أنتَ تدخل ذاكرة القلب بقدمين حافيتين ولا تحدث ضوضاء في مشاعر الجالسين بحانة الروح فيسكنني هذا المديح : السادة شاردي الذهن في متاهة القصيدة ما عشقوا سوانا ولا عشقنا أحدا غيرهم.المودة لهم ما شاء لها أن تكون رابط ٌلإنسانية الجمع بين ما نود ونحصل عليه . أخضعوا الأمر لميتافيزيقيا الورد وستحصلون على أرث مجد كلماتكم . جوعكم صار بديلاً لخبز محنة القدر أن يرميك الله في رحم لم يذق برتقالة طوال هذا الشتاء .لقد عودت روحي على قراءة الفناجين ولكنها ليست من خزف صيني أنها من فراغو.أنا أقرا الفراغ . أذن أنا مفلس . تلك قدرية لا تملك سعة الوصول إلى يوتيبيا فلاسفة الطين ولن تستطيع أثينا أو أور أن تمنحنا جلجامشاً نطير فيه إلى باريس ، ولن يكون بمقدور يولسيس أن يصنع لنا سيارة تويوتا . لقد رُهنَ الأمر بتكية الجامع ، وهاهو الحلاج يجري لقاءً إذاعياً مع صحفية فلندية يقول فيها : أن مساحة الضوء في جبتي تصلح حديقة عامة أو ساحة لصلب المشاعر التي مشت عليها أحذية الجند وذهبت تفتش عن موتا جنوبيا في ربايا الشمال فبغرابة عينيك صنعت خارطة للبحث عن مدن تعوم في أخيلة الدبابات . مدن أقدامها حواس العشب وأناملها مفاتيح أرغن نوح الذي عزف عليه مقطوعة غرق تايتانك وعينيك فحين أسألك : ما سر عتمة الكحل في سواحلها الرملية ؟ ..تجيبن بنهد مرتعش: لأنها ترى الذي فيك . أجيب : الذي فيَّ هذه لحظة أنت أيتها اليوتيبيا الخضراء ، سيفك ساق الوردة وغمده بئر عسل تمد الزرازير إليه ألسنتها وتشرب براحتها.أغرق فيه فأتذكر أن يد الآلهة ستنقذ شهيقي بزفير محبتها ، سأستنشق وطني وأعود مشياً على الأقدام لكوخ الطين وهناك سأكتب قصة عن امرأة تصنع من حاجبيها قوس قزح وتبيع الفصول عقارب الوقت والعرايا ثياب العفة والفقراء موسيقى باخ فيوم أحببتكِ مشت الظهيرة بعكاز إلى المساء وأخبرتها بمشفرات أول مضاجعة . كان المساء وردة جاء الليل وغطاها برداء الكوابيس ، تلك التي كان أبي يسعل بسببها كثيراً وكانت أرصفة المدينة تعشق مكنسته . أبي الذي ما صنعت مخيلة سومر دلمون إلا من أجله .يا لسعادة سعادتي أنها لفرط ما علمت بأن دلمون بيتنا الأخير سقطت مذبوحة بنميمة . لقد أطلق أعمامها الرصاص عليها وماتت وهي تحبني. لذا سأحدثك عن بهجة الذهاب إلى النجوم بعربة من قصب مسترخياً وهائماً خمرته الريح وكمانه الغيوم ، فلا طرق وعرة في الدروب السماوية . معبدة هي غاياتنا وجواري لحلمهن قوارير حكمة الكاهن هذا الذي حمل لوحه في ظهيرة الصمت وهاجر الى مدن لم نراها ، وحين عاد باعنا الخرائط وإناث لياليه المسافرة ، وكنت يا شهد العسل عملة معدنية من بلاد بعيدة ، فأيها المفترض أنكَ قدري الذي أسست له المدن المعلقة بين أهداب الآلهة ، فمن كل بقاع الحس جلبتُ لك وردة وحافلة . في الوردة عطر النشوء وفي الحافلة الحرب المسافرة ومازلت تملك كل كبرياء روحك وتنظر إلى توسلي بشموخ ، أن نكون أنتَ وأنا في مركب سكران نسافر فيه إلى حانة الذِكر في الفردوس الوردي .فبعد كل هذا الهيام والتيه والمقصلة ، حياتنا تعود إلى بدئها عندما كانت مجرد منديلا ابيضا وقطرة دم حمراء فلا النطفة صارت ثوراً ولا الثور نام في المهد وكل خسارات العشق مسؤولة عنها عصبة الأمم المتحدة. جاك بريفير قال ذلك وأنا أصدقه . وقيل لمريم هزي النخلة سيسقط رطباً وعاطفة من ثلج رأس السنة الميلادية .هزي مهدي ، فليس في تغريد عصافير حديقة بيت الله سوى الرحمة .هزي أجفانك يا نسمة طلع الضوء وتهيئ رب التكوين لمراسيم بناء الجنة . الموسيقى نفسها تجر خطواتها منسحبة من الحفلوالمايسترو يدعوك إلى ليلة عشاء يسألك فيها أن ترضى كي تمتلك عصاه بعد أن سرقت هواه .ففي دلمون الليلة أنتظر هلال العيد بخيطه الذهبي ليذكرني بطفولة العشرة فلوس .زمن كانت فيه البراءة أرجوحة ولا مكان لطائرات أل F18، فهناك في دلمون تذكرني هواجس الأصدقاء بوعينا المختفي في تضاد الحلم كلما نريده لا يأتي...كلما نخشاه يطل علينا ظل قصيدة:موتنا والزكام والمنفى والإفلاس وخداع النساء والسعال الديكي وأمنياتنا وخضوعنا لجرمانية المدفع وازدواجيتنا وقلة ثقافة التراث فينا. أشياء تجتمعُ في أنية الرأس ويشربها قلبي كمن يتجرع السم . هذا قدر وعلى القادر أن يحل المعضلة فحدَ هذا اليوم لم يُفتى برؤيةِ الهلال ومدنُ الأرض كلها لبست الأثواب الجديدة وما زلنا في دلمون ننتظرُ مدفعَ الإفطار وغيرنا ينتظر البوارج ومن هنا نبعث لكم بطاقة العيد : كل عام وجميلات الأرض بخير .أما الرجال فليحملوا سجاد الشتاء إلى السطح وينفضوا عنه الغبار ففيه وضعت روحي فأبقيت صلة الوصل قائمة وما أدراك انه يراك وأنت تلتحف بسفر فربما هو مثلكَ يلوذ بنأي ، وربما أنت مثله تبحث لظلك عن شمس.في النقطة التي تلتقيان فيها أنت وهو وهناك عتب يقال من أحدكم .لا تنطق أنت أولا دعه يموت قبلك وتبقى أنت وحدك مالك لهذا الهاجس الذي نتمناه كما جلجامش سلما إلى فردوسٍ يخلصنا من ضجيج المدينة وحاناتها لاننا مشينا على الجمر والجمر مشى علينا . الحدائق حرائق . والحرائق مشانق.والمشانق ما حوته رؤى الحالمين في الموت لأجل قضية فكيف تريدني أن أفسر ما اتلوه الآن سوى رغبتي بافتراض أن الحلم مدينة فتحت أبوابها لقادمين من كواكب أخرى…ونحن من أسسنا الأزقة بلهاث العشق نتأمل أشواق فصول الحلم بأقداح لياليهم الماجنة ..آه منك أيها الهاجس الصعب ..ما وجدت فينا سوى رغبة بالخضوع إلى القدروالقدر بضاعة بائرة لا يشتريها سوى الفلاسفةففيها يضعون قيمة للزمن وأزمنتنا كلها هي القصائد التي كتبناها ونحن نموت من البرد كان هاجسه أن يموت بضجيج الجنون وقد فعل . تلك هي النرجسية وتلك هواجسها التي يبحث عنها الحكماء في الظهيرة الباردة وهم يحملون شمعة نارها الدمعة .الشمعة التي أنارت طريقنا إلى دلمون ومثل مطر غزير تهبط رحمتك إلي . أيها الرب تركت الحرب خلفي تأكل أصدقائي وحتى تتخيل الله وجنته ، انظر إلى الرغيف سترى كم من القديسين فيه وستعرفون غداً أن ما نتخيله هو الذي يأتي والذي يذهب هو عطاس العصافير فحين أتى الموت الى أبي ، دمعتي صارت له كفناً وأول خواطري هي النعش الذي ذهب فيه إلى دلمون فلم أسمع عن بيوتٍ تزقزق مثل العصافير ، لكنني شاهدت هنا أكثر من ذلك ، فالورد يدندن بكل سيمفونيات الموسيقى وتمنيته يغني موالاً حياوياً .فقال : علمني ؟. اعلم الصباح الألماني بحة قلبي فيضحك العالم كله . هنا الجنة وهناك المحنة وبينهما أسطورة وواقع . لأرفع مع جرس الكنيسة طرف الرداء وأقول ليسوع المنحوت في جذع الشجرة :أيها النبي اصنع أجنحة الشوق من دبس التمر وخذيني إلى أور ، فصفاء الجو هنا يشعرني بدنو الأجل والجنة لا تصلح إلا لصفاء البال وبالي مشوش فقد نقل الهاتف إلي أن مفخخة في شارعنا قتلت قطة وذكر أوز وأنثى غزال في أول يوم من خطبتها لأسد من أهل الشطرة .يسوع يبتسم .أنا ابتسم والقرية تعزف بأصابع الورد وقناديل الشجر عالمها الخاص وعالمي سبع دجاجات لا يبيضن وسبع نعاج لا ينجبن وسبع حكومات دون ديمقراطية . أي تاريخ هذا . نحن أنجبنا الأنبياء وهم أنجبوا مكائن الديزل فأقر بهاجس الشعر ليعود إلى السيف الذي صنعناه لنقتل فيه أحبتنا. فيما أبقينا العشق على الألواح وهم نقلوه إلى المطابع .قلبي يطبع نظرته على الصباح هنا . وردة لا لون لها تغمز لي فأشعر بسعادة مؤقتة وأطمئن قلبي حتى لو نهايتي الجحيم فقد شاهدت الفردوس في صباح ما . في شوبنكن تساءلت بمرارة الحنظل لماذا الشجر هنا يلبس معاطفه الخضر ويتسلق زرقته الناصعة بأحذية التزلج ومواعيد ربيع سيأتي مع ابتسامة طواحين الهواء والموسيقى البافارية. فيما أور في هذا الوقت من حزيران تغرق بغبار آت من حفر الباطن وسلالات لكش .استنشقوه لعلكم تدركون قيمة أن تكون النخلة رايتكم .فهنا يستظلون برمش جفن الفراشات وانتم تستظلون ببنادق الأحزاب .فلو كان في شوبنكن قطرة نفط واحدة لصنعت للبشرية ألف دلمون في كل ليلة . فقد كان لي جملٌ تاه في شوارع رواية لماركيز ، جملٌ ورثته من تواريخ قبائل النخل وقبور السادة وحلقات الذكر الشيوعية وحين عاد من ذلك التيه رأيته قد امتنع عن السكر وشرب السجائر والنوم أول الليل . أراه يسهر ويتمنى أن تكون الصحارى خلف عتبة الباب .فشرود الذهن جنة وأبي لم يتخلف فجراً واحداً عن الصلاة وحين أخذته آلهة سومر إليها في فجر صيفي دامع شاهدت الصلاة تصلي من اجل أبي... لتأتي الحرب . في ذكراها الأولى نزل الثلج فوق كردمند وما نزلت جثث الجنود حتى هذه اللحظة ولا اعرف من قال مرة :الذي نعشه من ثلج لن يحتاج إلى كأس مدام في الفردوس ، عندما كل فجر يقربنا إلى الأزل الصامت خطوة واحدة أنه يأكل من أيامنا ونحن نشتمهُ بالتفاؤل حين يعزف الموتى صمت الذكريات الأحياء يرقصون من الخوف .لأن الجنة تحت أقدام أمي فهي تعزف مع الموتى بنشوة موزارتية لأن ابي يؤمن أن النساء بدن الكون فيما روحه عقل الرجل وربما وفق هذا التصورخلق الله آدم وحواء ويقول : المرأة والتفاحة من أصل واحد . الرجل أصله دمعة ، عندما تسيل الدمعة على خد التفاحة ، الجنة تتذكر آدم وأنا أتذكر كوخنا الطيني . فبسبعة أيام خلق الله العالم وكنت أنتِ في اليوم السادس تومأين إلى الشمس بشهوة روحك أيتها المجنونة كيف تعلمت الإغواء من أول لحظة؟
ومن بوابة البرد القمر يختلس النظر إليكِ وأنتِ تسرحين شعركِ فيما البلبل في القفص يبحث عن قاض عادل يُعيد السماء إليه. امضي عمري كله ابحث في المتاهة عن وضوح يعيدني إلى تساؤل لاينتهي . هل خلق الله حواء لتعلمنا الشعرأم انه خلق الشعر ليعلمنا حواء…؟ حواء التي اعتقد وما زلت إنها ليست سوى مسألة رياضية لحظة دمع المطر يغسل أرصفة عينيك بموسيقى نحيب العشب خطواتي الخجلى مثل مفاتيح البيانو كلما ضربتها أصابع الريح فتحت أفران الخبز خطواتها على الأرصفة وكانت بينها خطواتي وهي تبحث عن دلمون وامرأة تتمنى أن تقضي ليلة رأس السنة وسط مشاعري القانعة بأن العمر سيمضي وسيذكرنا الله بخير في نهاية الأمر ، سيتذكرنا نحيب الحب الذي يلامس بأصابع الفقر شفتي السماء فنسمع صوت الملائكة يقول :انتظروا أيها الفقراء سطوع الأنبياء فهم فاكهة أحلامنا ووقود مخيلة امتلاء البطون وان تأخر مجيئهم اقضوا رتابة الوقت بعزف النايات فوق الجبال العالية ، هناك ستنصت الآلهة إلى شكواكم المريرة وربما سترمي من موائدها الباذخة قناني كوكا كولا ، أشربوها وناموا هادئين ، فربما تحلموا إنكم حضرتم حفل توزيع اوسكار فأتذكر صاحب كيكا صموئيل شمعون كيف ابرقَ لي خبر موت ساغان وكيف نعيتها قبل كل أقلام الحلم ..أتذكر أكياس الرسائل في بريدي بعضها يتشكى من انقراض سلالات الورد المعطر وبعضها يعتقد بموت الرواية . آخرون تسألوا : كيف دفنت السيدة الفرنسية بمقبرة أور المقدسة دون إذن من شيراك؟ آخرون : شككوا أني اكتب من جنوب نساه الله في صومعة دبابة إيطالية لكن أجمل تلك الردود ، كان من فرانسواز نفسها حين كتبت : ضع قبلة على نعشي بشفتين باردتين كي اكتب في فردوسي رواية أخيرة عنوانها الحنين إلى الأرض .
في دلمون تكاد أن تكون هذه القصيدة أجمل ماكتبت : لنا والدات من تمر أجمل ما فيهن توسلهن لنا أن نأكلهن حين نجوع .وما مازلت أؤمن مرة أخرى إن نوحا كان وما يزال أجمل أحلامي ومازلت اعتقد أني بعيد عن مملكة الصمت والتراب وحين أرى النمل ارمي إليه فتاة الخبز بحنان كي يبعد عني موسيقى العظام الخاوية ، أما قديس السفينة فأفكر أن اجلبه إلى واحدة من قصصي لمنحه ألف عام آخرى فوق عمره . أولئك الموتى الخالدين كانوا وما زالوا رعبنا المؤجل كي نكسب رضاهن فنطمئن ، الأعوام تمشي بعكازها على أسنانا فيتساقط خريف الورق سعالا وقناني دواء . وحده العشق سيمنعهم عنا كي لا يسحبونا إليهم عنوة ، فنصير رفاقهم حتى في رحيلهم المبكر . من كل هذا وذاك عرفت لماذا صنع السومريون دلمون في المخيلة ، ولماذا أطاعوا آلهة الطين كل هذه الطاعة العمياء.فالذين ذهبوا ولن يكونوا سوى أبناء الذكريات التي يحتفون بمطلقها الأزلي وينامون على أرائك التراب عظاماً وصمت . يحلقون بوجوههم المندهشة في رؤوسنا المتعبة ، لا يسألون . إنهم ينظرون بتعجب ويستعيدون اوقاتا كانت لنا معهم ،وعندما نسألهم عن الذي يجري هناك يغمضون أجفانهم .لأن الكتابة عن دلمون تأتي من ضرورة الشعور برغبة الوصول الى احلام من نتخيلهُ..أين هو؟ .لا أعلم . أني أنتظره منذ أن أنقطع وتر قيثارة شبعاد ودفنت مع حشمها وخدمها في قبو .ولأنني مللت أضأت مصباح قلبي كحلاج ورحت أبحث عن سر قلبي . متاهات أثر متاهات ولم يصادفني سوى الشجر الميت وشظايا مبللة بالنواح ، لم يصادفني سوى ظلي لهذا فهو أنسي في النص وأليه سأهدي كل وجع الذاكرة .ظلي أيها المتراكم على ذاكرتي أطناناً من تراب الحضارة أعد ما للحب وما للقلب وخذ مالك وما عليكَ وتعلم من حكمة الدهر: أن اليومين اللذان لكَ وعليك هما دنياك وقبرك ، فيا أيها الأخر يا ظلي لن أتمتع بجسد من أشتهيه إلا حين أزاول طقس مودتي مع دمية طفولتي..يا دلمون ياذاكرتُنا العظيمةُ . المدينةُ التي ترى السيف اللامع والزهرة المعطرة بأنفاسِ الآلهةِ .النارُ المتقدةُ في ضوء القمحِ ولوحِ النبؤةِ وليلِ الأكواخ المرمية ِبقُرى الخُبزِ وقناديلَ دموعِ الخيولْ .العاليةُ بسورِ المَجدِ والفصاحةِ وشهوةِ النخلَةِ ورقصِ الزوارقِ على سوابيطِ مياهِ البهجةِ والقصبْ .المدينةُ المقدسةُ ، الممتدةُ إلى أقاصيَّ الأرض ، سحراً وأدعيةً وطلاسم عن سرِ بقاء الإنسان حكيماً في غابة هذا العالم ، حيث الشوق بعينيكِ مصيبة ، والعشق بصدرك مزمار ينفخ في أرجاء المعبد، سلاما سومر ، سلاما أرض الله وإبراهيم . سلاما نعش القبلة .دلمون الشعر ، ورؤى المدرك ، ولحظة الخلاص العارية إلا من ثوب حقيقتها .الدائمة دوامَ النور على الرمل ، والقائمة ماقامت صلوات المعابد تشير بأصابع الهداية إلى أجفاننا المتربصة بإمساك لحظة حب لأجفان الحدائق والبنات المتوردات الخد كما تفاحة حواء في مسلة وجدتها بعثات الجرمان في أريدو .
أيتها المدينة الموسيقى أوتارك قلب العالم وانأمل سطور تأريخ الشعر وعرافة قدر الأباطرة فيما قوامك الممتشق صولجان إلى غيمة عارية يمتدُ إلينا كعصر من تخيل الميتافيزيقيا وعولمة نهاية الأرض وبدء تكوين قواميس البهجة المنتقاة من بين نعاس الدبابات وخوذ المُحتلين .
أيتها الطيبة كما رغيف في خاطرة جائع ، المتكأة على أسلاف الماء صحائفَ لصنع الحرف ونغمة الليل وبهجة القمر الباكي عند عرشك البهي أمطرينا بشغف الروح الذي فيكِ فنحن نريد أن نصنع بلادٌ لبهجتُكِ الأولى .نريد البركة والضحكة ودهشة الشاعر في خلق القصيدة . نريد موت الجندي وتنهيدة الأم وغناء العصافير ورفرفة سعف النخيل ومشية القلم على اللوح ودمعة قتيل العشق وحزن شبعاد في نواح الموسيقى ، طرق معول الحداد ولهاث انكيدو في أحضان البغي وإشارة كاهن المعبد لشهوة العذراوات ، نُريد قدركِ الممتزج بالطين وطوفانكِ السائر بسفينةِ الرؤيا إلى ماسنراه . أيتها الرائية . المدينةُ التي لا عاقر في رحمها سوى فكرةَ الخلود لأنكِ جديدة دائماً نريدُ منكِ جديدا لنا . بلاد بلا جرح ، بلاد بلا حسرة ، بلاد بلا نعوش مؤدلجة بفعل صراخ المقابر والآلهة الحاسدة وخوذ صنعت خصيصاً في بلاد أبعد من نهر السند وشط البصرة ، وسفوح أرمينيا . أيتها الساعية إلى أبديتها رغم احتراق المكتبة وسرقة المتحف وانهيار سقف البيت وتحول زقورة أحلامها إلى مقهى لتجنيد العسكر ونسكافة الطيارين ، ستبقين شاهدة وجدَنا الذي لن يموت .ستبقين الرؤيةَ والرائي ، الفلاح والراعي ، الكاتب والتائب ، والعاشق والغارق ، الفقير والأمير ، الأم والدم ، الأب والرب ، المصير والنفير ، الدمعة والشمعة ، الآية والراية ، الحناء والغناء ، النور والديكور ، النسمة والكلمة ، الصفيح ومديح أزمنة الرغبة بعودة ماكان وإلا لا حياة لمن تنادي ، ونحن نُنُاديك أيتها المدينةُ اليقظة ،حافلةُ الضوءُ أنتِ .وناسخةُ المسافة لخطوةِ الوصولْ وعرش أول أنبياء الحلم ومنكِ مشى العالم مرتدياً ثوبَ الإيمان لتحتفيَّ فيه مصر وفلسطين والحجاز .ستبقين وسنبقى ولابد من وداع لهذه الصفنة . أبداً تطلقين رصاص الموسيقى في أهداف عيون عشاقك .أبداً تدهنين بعطر اللوز مسامات الشوق بأرواحنا .أبداً تدحرين الظلمة والظالم وتنامين بطول الليل وعرضه مع خاطرة المظلوم .أبداً تصيرين جنوب الكون كله .رايةٌ حمراء راية بيضاء راية خضراء وأخرى بلون أحلام الفقراء . أنتِ دلمون المدهشة في كل أوقاتها .الصارمة .العادلة .المشتهية .النبوية .المدللة . لكي نمد أعمدة الضوء خيالاً لأساطيرنا التي لن تموت عند أهداب المدافع نمدها سيقان فرح العشب ومواويل الصيادين ونغمات عذارى الحس الروحي بأفئدة التأريخ .أيتها الواصلة إلى الوصل لا صفنة فيكِ أبداً .لاسيف يغدرُ جسدَ الحُلم .لا عقب سيكارة يحرقُ لحظةَ ودْ ...لا غدرْ ولا خطاب ظلامي وتعسف متوارث من أدرانِ التأريخ وهمجية المغول . صافيةٌ أنتِ كما دمعة النهر وضحكة المطر وارتشاف الكأس وكلما داهمكِ الزمن بغبار الولاة وفقه دعاة الموت تمدين لنا عطف آلهتك وتعيدين الحلم إلى الواقع نشيداً مدرسياً لجنوب طفل في مهد خريطة هذا الكون .طفلٌ يكره أن يرثي حلمه وينتظر حتى تخرج له الشمس عاطفتها . دلمون قداسنا الموحد .العبد الذي لم يعد يَطيع سيده القاسي . والأسد الذي يحمي عرينه بمخالب مجده .النسر المدرك في قلب السماء مساحة الحكمة والقوة والانقضاض كما الشجرة العميقة الجذر والماء الذي يسقي الحياة بحكمة القلب والعاطفة ونظرة الحب .الأب العطوف . الملك العادل ، الكاهن المنحني ، القيثارة الساهرة ، العدو المدحور . أيتها المهابة الكونية الشاسعة ، ما عاش من خدعَ فيكِ اللحظةَ وسرقَ أثركِ وغاطَ في بيتكِ وقص ضفائر عذراواتكِ وأكل أرغفة فقراءك وذبحَ جنودكِ وخربَ حقولكِ وسمم أسماك أنهاركِ وهدمَ بالجراراتِ أسواركِ وقتل القصبَ ومنعَ الهيل عن الشاي وقاد خطى محبيكِ إلى البلادِ البعيدة ودنسَ طُهر المذبحْ ومنع الأعياد القمرية والشمسية والروحية وأعياد طفولتك . لهُ الهجرُ ولكِ المحبةْ . لهُ الشوكةْ ولكِ الخوخةْ . لهُ الوحلْ ولكِ القيمرْ ....


























#نعيم_عبد_مهلهل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سوريا كما تخيلها هيرقليطس
- الفنان سامي نسيم وهوغو شافيز
- ماالذي يجمع أحمد عدوية ببورخيس.........!
- غشاء البكارة ..وصبايا الأقليات...!
- كُنْ بصرةً ..ولا تكن قيصراً ..!
- جسد المرأة وبئر البترول..!
- فقهُ الذي حلمهُ الرغيف.......!
- ميزوبوتاميا .. الطين وشهوة الأقبية ...!
- الرجاء قراءة هذه القصة* ...!
- الصورة الأخيرة للطاغية ..!
- فوضى يعشقها الآري......!
- المفكر الاسلامي أحمد القبانجي في حوار مع الحوار المتمدن
- (لك في القطب الجنوبي فقمة )
- قرية بعاذرا الأيزيدية وحقول عباد الشمس .................!
- محمد عبد المحسن ..بتهوفن العيون الحلوة.......!
- كاولية مونت كارلو
- ذاكرة الورد ..ذاكرة الغزال .. ذاكرة العمر
- متحف لمؤسس الحزب الشيوعي العراقي..!
- عشق دمشق المعتق
- المرأة ...المقدس الذي لايحتاج الى فالنتين.....!


المزيد.....




- دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه ...
- في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا ...
- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...
- ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات ...
- الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
- نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله ...
- الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - نعيم عبد مهلهل - مدائح جنة دلمون ...!