|
عاهرتي
أحمد فرحات
الحوار المتمدن-العدد: 4037 - 2013 / 3 / 20 - 18:39
المحور:
الادب والفن
الشهوة تضحك لي ليلا وتواصل الفحيح ، تتسلل وسط الأطفال والقتلى والأوجه المغبرة من بين الأنقاض و أنات المصابين الغليظة ، ومع تراكم الأتربة في الغرفة على كل شيء تبدو الشيء الوحيد اللامع ، الشيء الوحيد الذي لا زال يتقبل وجوده هنا ، الآمنة التي لا تخشى العواقب ، المستقرة رغم الإرث العفن الذي يلوث خلاياها اللزجة ، تلك التي لا تكف عن التجدد وتستمريء المزيد ، الاندفاع المقنن في العروق المسوغ للفعل الأخير المجرم وانتهيت معها محاصرا و جثة بالداخل ترقد في البانيو ، في لحظة سابقة على هذه كانت لدينا علاقات طيبة ، العاهرة الذكية التي استغلت الحرب وحققت مكاسب بلا مفاوضات على الأجر ، بينما قذائف الهاون كانت تمطر الأحياء كانت تغرق في تقبيل المحرومين وتمنح الأبدان لذة منسية ، الرعاع وجنود الاحتياط كانوا يتناوبون عليها ، وعلى قدر الجفاء والابتذال كنا نستدعي السنوات السابقة معا ، قبل أن يصبح العنف مذهبنا جميعا ، قبل أن يتحكم التلعثم من الألسنة و فرط صدمات القذائف والإفاقات المتكررة يصيب الرجال بالعجز ، الجسد المسجى أمامي بلا حب يفقد وزنه تدريجيا ، ويحول اللون الخمري إلى رعب طازج شهي ، يستحثني إلى المجيء ، وتكرار المجيء ، فأتسلل إليها عبر نافذة محطمة ، لانجيري أسود خلق يضمد اليوم والليلة وسرير يفتح صفحة الحكاية مع كل هزة ، وأسمع الخرسانة المتهدمة ، موجات التبعثر ، الغبار المذرو ، الصرخات ، عبر آهاتها تحت القصف ، الجسد الذي امتص الصراع ، المقبرة الحية اللينة ، حركة وتقلص وتشنيجة يمتد بها أمد الطموح ، كم من طموح اندفن بين فخذيها ، عندما كنا البشر الذي نعرف كان الشهيق نغما ، الآن شهيق مكتوم يليق بنا ، حيث الخجل ، لكنني لم أخجل من هذا الابتذال المتكرر ، كان لدي من سُمك الوعي ما يكفي لمواجهة الحرب وتوابعها وحدي ، وفي الوجه ، بلا أي مواربة ، كنا نتطارح في أوج الخراب ، وأتركها تبكي على المفقودين ، وأعود لتجدد دموعها على إنسانيتها المهدرة وعدم قدرتها على الفرار ، وتعترف أنها أدمنت كونها عاهرة الحرب الوحيدة ، الوسام المتبقي لها من الأحياء ، تفاصيل الرقة الذائبة مع رائحة البارود ، المني الأسود الداكن ، الخفافيش التي منحتها الثدي القاسي الصبور ، وكعادتها تفيق فزعة وتتأكد من بقاء لسانها في الفم ، وتحدثني بصوت خفيض كوسواس كيف أتت إلى هنا ، كيف انتهى بها الحال إلى الذوب في حضن الدمار كبديل ، وكنت سعيدا مبتهجا غضا كطفل بشريكتي في الجريمة ، تحدثني عن هيجل والميتافيزيقا والهجرة التي أدت إلى ارتفاع أسعار شقق الإيجار في الأحياء التي لم تطلها الحرب والصراع الطبقي الدفين الذي جعل الحرب تأتي على أحياء وتتجاهل أحياء أخرى ، هذا التصنيف والتمييز الجديد الذي صرنا موسمين به مؤخرا ، اسم الحي يشير إلى كونك أحد الضالعين في المجازر أم لا ، اسم الحي يشير إلى تاريخك الطبقي والنضالي ، اسم الحي يشير إلى كونك لازلت الإنسان الذي يثقون به أم تحولت إلى الوحش الجديد ، كانت تتهافت علي وأتهافت عليها كممسوسين بلعنة واحدة ، وكنت أغفر لها كل شيء ، وتتسع طاقتي رغم الهروب والسرقة وتسجيل أحاديث المرتزقة والجنود وجمع المخلفات ، أنا كشبح وهي كمأوى ، أنا كمأوى وهي كشبح ، نتبادل ، وتضحك ، تدخن ببرجوازية أعقاب السجائر التي أمنحها لها ، وتمن علي بعلبة من خزانتها كل حين ، كانت الصداقة الأخيرة التي نجحت في إقامتها مع البشر ، ونستحم في البرك ، ونتجاوز ، ونتناول العقاقير ، ونتضاجع كأخ وأخت مرة ، كزوج وعشيقة ، كزوجة وعشيق ، كعاهرة وقس ، كيوم وليلة ، كموت ونشور ، كملاك وشيطان ، كوحي وقصيدة ، كلاشيء ، ثم أتسلل إليها عبر النافذة المحطمة لأجدها راقدة في البانيو ورصاصة في رأسها ، وكعدمي لا يؤمن بالتراجيديا أشعل لفافة تبغ ، وأقلب خزانتها وألملم المتبقي في جوال ، أسابق نفسي حتى لا يفاجئني زائر ، لص أنا ، وغد ، مغادر وقح ، لكن هذه الحرب لن تجرني إلى أي عاطفة ، وفي الليل أعاود المجيء لأجد جنديا يبكي بجوار الجثة ، ورغم سلاحه فإنه يشاركني الجنازة الرمزية ، ويحتضنني ولا يكف عن البكاء ، ويصارحني أنها كانت في السابق قبل الحرب.......أفيق من صدمة القذيفة وأبحث في الركام ثم أترنح قليلا وأستعيد ما حدث ، في الحرب الأهلية كنت أبحث عن عاهرة ، وكانت هي تبحث عن مأوى...
#أحمد_فرحات (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
موجز صراع
-
اعترافات مرتزق مرح
-
تجاعيد 2 ( قصة قصيرة جدا )
-
تجاعيد 1
-
انفعالية الأصدقاء
-
أجازة مرضية لرجل جديد وجيد
-
مرثية هذا الشيء اللعين
-
الانفعالية : شخصية
-
القمار
-
تنويعة بوهيمية
-
عصر الباكتريا
-
وردة الفيولا
-
مرثية المريد
-
اللا ميدان
-
الماديون الجدد سردا
-
( قصة قصيرة جدا عن حلمي سالم )
-
برومازيبام
-
مدينة الإنسان
-
داندي قلق
-
انفعالية : كلنا خالد سعيد
المزيد.....
-
الكوفية: حكاية قماش نسجت الهوية الفلسطينية منذ الثورة الكبرى
...
-
رحيل الكوميدي المصري عادل الفار بعد صراع مع المرض
-
-ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
-
-قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
-
مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|