نبيل عبد الأمير الربيعي
كاتب. وباحث
(Nabeel Abd Al- Ameer Alrubaiy)
الحوار المتمدن-العدد: 4037 - 2013 / 3 / 20 - 14:21
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
قراءة في كتاب (مبغى المعبد) للكاتب عبد الرزاق الجبران
لكثرة ما يرفع أسم الله في المعابد في النهار, فقد يسرق في الليل إنسانية الإنسان أكثر من عبادته وحفظ كتابه, المهم أن تحفظ قيمة كلام الله حتى وإن جهلت كل حروفه , قد يكون غريباً إن اللاثقة مفردة توازي اللانتماء ,فالكذبة الكهنوتية أصبحت معروفة لدى الجميع في وقت انتشار وسائل الاتصال والمعرفة , هذه الحقيقة قد تأخرنا عليها كثيراً ,وقد أشار الكاتب عبدالرزاق الجبران في كتابه (مبغى المعبد..شريعة المرأة والرجل) "ليست مشكلة الكاهن هو أن يُحرِم بين أناس لا تجتمع أديانها , مشكلته هو انه يحللّ الزواج بين أناس لا تجتمع قلوبها!!..وفي هذه المشكلة مارست البشرية زناها في المعبد أكثر من المبغى!! لذا كل الأبنية تكذب إلا المبغى , لأن العراة وحدهم يعيشون فيه".
مبغى المعبد هو أحد سلسلة مشروع الكاتب عبد الرزاق الجبران لجمهورية النبي وعودة وجودة,بحثاً عن اليوتوبيا الإسلامية التي شوههما الكهنوت والتأريخ , تضمن الكتاب (225) صفحة من الحجم المتوسط والصادر عن دار نون للنشر.
يعتبر الكاتب من حاملي الأفكار الجريئة في الوقت الصعب والتي تفضح واقع المعبد والكهنوت ولصوصيتهما في سرقة كل جميل من قلب المعبد , يذكر الكاتب في ص7"اثنان لا أثق بهما, المرأة والكهنوت " وهذا تصريح يمس كيان المرأة إذ يعمم من خلالها لحال المرأة وواقعها, فمن غير الممكن اعتبار المرأة لص لقلب العاشق, إذ يقول الكاتب" كنت عاشقاً دمشقياً لا يعبأ بغير القلب وكلاهما ندب عليّ" , أي فضح كذبة اسمها المرأة , وقد سلط الكاتب من خلال كتابه الكذبة التي تسمى فقهية الزواج , والكاتب يدعوا إلى حقيقة الأشياء لا لكذبة كهنوتية المعبد.
من المؤاخذات على الكاتب إنه يحملّ الكاهن أو رجل الدين مسؤولية إقامة عقد الزواج ففي ص 11 أشار الكاتب" ليست خطيئة الكاهن هو أن (يحرم) الزواج بين أناس لا تجتمع (قلوبها) !! وفي هذه المشكلة للزواج مارست البشرية زناها في المعبد أكثر من المبغى",مع العلم إن عقد الزواج في كل الأديان لا يتم إلا بعقد رسمي كأن يكون بواسطة رجل الدين أو القانون المدني , بينما الكاتب يدعوا إلى أن العشق بين حبيبين هو معناه الزواج بسبب تقارب قلوب العشاق , ويؤكد ذلك بقوله في ص12 " لأن العالم في حقيقته ليس إلا (لقاء الأنوثة) تتبع صورته صورتها...الغريب في التأريخ , هو أن المبغى وحده كان حقيقياً , لأنه وحده كان صادقاً في حقيقته لا يواري عورته ولا اسمه , وأعظم الناس هم من يمشون عراة في وجودهم" ولا أعرف هل الكاتب يفضل المبغى على الحياة الاجتماعية الزوجية .
أي يدلل الكاتب الجبران إن الزواج وأهميته هو حضور المعبد لعقد القران وانجاز مفهوم الزوجية وليس حضور القلب , وأشار لذلك بدليله في ص13" إن ما لا توحده القلوب لا يمكن أن توحده المعابد, حتى لو جيء بالأنبياء عينهم" وهنالك حقائق يذكرها الكاتب إن أكثر أصحاب الجاه والمال وهم قد تجاوزوا الخمسين من العمر ودميمي الخلقة بإمكانهم الزواج من حسناء في العشرين بسبب ظروفهم المادية ويؤكد الكاتب في ص14" المهم لدى الكاهن في الشريعة هو أنها حضرت بقدميها" , لغرض عقد القران بين الزوجين وسيردد الطرفين معه زوّجتك نفسي , وقبلَ الزواج...ليبارك لهما الكاهن بزواجهما وهذا ما يؤكد كذب زواجهما", وأنا في هذه الناحية اتفق مع الكاتب أي هو إن الزواج كان صوري بسبب عدم رغبة الزوجة ومخالفتهما للقلب.
ولهذا تعتبر أكثر الأزواح ليسوا أوزواجاً وإنما الزنا بعينه بسبب إجبار الفتاة على الزواج من قبل الأب أو الأهل أو أغرائها بالمال , وهذا ليس الدين إلا الشرف مع الناس ومع الله وهو خصام بين المعبد والجسد , ويعتبر الزواج تجاري وهو الحلال الخاص بتحليل الفرج , ويؤكد الكاتب في ص17 " كفر المعبد في الزواج هو إنه جعله بيعاً وشراءً.. دون أي حقيقة وجودية روحية بين الجسدين يبقى الأمر زنا , ولو حضرت معابد الأرض كلها" , كما يؤكد الكاتب بضرورة حضور الروح بالزواج في الحسد وإلا يعتبر زنا , مما يذكر الفيلسوف فردريك انجلز" إن الزواج البورجوازي في منطقه البرجماتي ما هو إلا نوعاً من البغاء" , من هذا يعتبر حضور الجسد في المعبد لغرض الزواج وغياب الروح إنه (معبد مبغى ) لأن العراة وحدهم يعيشون فيه ففي ص17 " المبغى هو بقياس هذه الإزائية ( المال والجسد) لأن الغانية تملك حريتها في اختيار ضجيعها, كما إنها تملك أجرها في المال , بينما ليس الأمر دائماً مع العروس, لا في اختيار زوجها ولا في حق مهرها" , المشكلة في الكاهن انه لا يعرف الحب ويحرمه , لذا لا يمكن أن يعرف الزواج وهذا الأمر المهم لطرد الكاهن من حاكمية الزواج , والغريب في مفهوم وتراث الكاهن والمعبد انه يرفضون أحاديث الحب والتسامح ووحدة الأديان , بينما يقبلون أحاديث السيف والتوحش, والمشكلة الكبرى في التاريخ الإسلامي إن يغدوا المقتدر العباسي أماماً وخليفة ويغدوا الحلاج مرتداً وزنديقاً مما يؤكد الكاتب في ص20 " أن تتزوج غانية على حب, أشرف من أن تتزوج شريف على حسب , ,فالحسب لا يخلق قلباً , كما انه لا حسب للقلب إلا حبه", فالمشكلة هو الزواج من المال أم من الحال لصناعة زواجاً القلب وحده من يصنعه, الحب وحده من يصفهُ.
فمن غير الممكن اعتبار العشق زنا رغم إن العشق هو العمق الإلهي والطبيعي والوجودي المقرر لصفة الزواج والمحدد لأسمه الحقيقي , ولهذا اعتبر الكاهن المرأة مخلوق فرج فحسب ,لأنهم فهموا الزواج جُماعاً وليس اجتماعاً , فقد صدرت الفتاوى بحق المرأة بعيدة عن تعاليم النبي ولا تمت للمعرفة بصلة وإنما تمُت للمذهب والحزب والمصلحة الكهنوتية فالحديث واضح" استفت قلبك وإن أفتاك الناس.." لهذا تعتبر الفكرة الإصلاح فكرة انقلابية لا تجديدية, مع العلم إن فكرة الجواري وامتلاكهن فكرة كهنوتية ابتدعها الكهان لرجال الدولة والسلاطين على مراحل الدولة الإسلامية , وقد استغلت من خلال الحروب الدينية التي كانت تقودها الدولة الإسلامية فاتخذوا من الغانية جسداً للتمتع مع العلم إنهنّ لم تكن في يوم ما جواري , من هذا يتحمل الدين الخطيئة التي تعاني منها الجواري بعد السبيّ.
لكن جدلية التاريخ تؤكد على انه كلما ابتعد عن الوجود خسر الدين والوجود معاً والعكس صحيح , وفي هذا إدراك ضرورة أمر الدين, ويؤكد الكاتب في ص30 " إن مهمة المرأة ليس ولادة الأطفال من رحمها, وإنما ولادة الرجال من رحم الحياة" وهذا يدل على مفهوم الولادة مفهوم وجودي لا تكويني لما علمته المرأة في منطق الولادة.
تعتبر المرأة هي أم الجمال وإن الحياة مفهوم امرأة لا رجل , ولذلك قال مانو " لا تضربوهن حتى بزهرة" والكثير من الرجال عادوا إلى الله بأحضان المرأة , والكثير من الرجال تركوا الدين بسبب رجال الدين , ويؤكد الكاتب في ص36" إن قاعدته الأساس هي ما حسنه الشارع فهو حسن , وما قبحه فهو قبيح , وإلى هذه القاعدة يعاد كل الإستحمار والاستغلال الديني" , مما غدا الاسترقاق والسبي جميلان لأنهما دين وحلال ,واعتبر العشق قبيح لأنه حرام وهذا ضياع للحقائق منها الخداع بأن الحرب جهاد والحب زنا والدين صلاة والزواج مهر وحليّة جسد , لذا معظم الدلالات ومعجمها هي رواسب كهنوتية في الشرق , كما هي رواسب طبقية أحياناً , ومع هذا يعتبر الكاتب في ص38" انه لم يكن هنالك صادقاً في التاريخ إلا المبغى, لأنهُ وحده يسمي نفسه باسمه" مع العلم إن الزواج الأجباري للفتاة يعد مفسدة لأخلاق الزواج لأنه قتل الحب ولم يحله على القلب والزواج الحقيقي هو الحب عينه, يذكر الكاتب في ص40" العاشقان هما الزوجان دائماً , سواء قبل المعبد أم لم يقبل , جمعهما بيت أم لم يجمعهما, بل سواء قررا هما ذلك أم لم يقررا", وهذا يخالف الواقع الذي نعيشه في الوقت الحالي فالعشق من غير الممكن اعتباره زواج مهما كانت حالته, وهذا خروج على الواقع وهو تشجيع على الزنا والأعراف , أي خروج الزوجين المتنافرين على اسم الزواج وهو كذبة بحد ذاتها وهذا خروج على الدين رغم نبالته ويعتبر الكاتب في ص42" المرأة التي تتزوج برجل لأجل حال أو جاه فهي زانية وإن سماها المعبد زوجة... لا تتهم المرأة التي تصنع جسمها لحبيبها دون زواج , وإنما تتهم تلك التي تصنع لزوجها دون زواج", لذا يؤكد أنه كافر هو من يتزوج عاشقة غيره, حتى وان قبلت , فقد أنفق الإنسان على العشق الكثير من تاريخه وآلامه وفنه حيث انتقل الاسم من صفة التداخل الجسدي إلى التداخل القلبي لذلك تداخل التعاشق على تداخل الأجزاء بشكل يجعلها واحداً , فالعشق هو الحالة الوجودية الوحيدة بين البشر وكأنهما شيء واحد , ولا ينتهي هذا العشق إلا بموت الآخر أو فراقه لأنهم تفانوا بقيمة من قيمة ولأن الاتحاد بمفهوم قيمة وجودية حياتية هو ارتباط واتحاد بالوجود عينه والغناء هو الغناء الروحي, ووحدة الزواج هي وحدة القلب والروح , الزواج هو الأثينية للخصوبة لذلك يسمى الزواج عند السومريين بـ(ديانة الخصب).
يتميز النص التعبيري لنيتشة في مقولة:" علينا أن ننسى كل القوانين , روحنا وحدها الانعكاس الحقيقي للعالم.." هذه المقولة التي تحدد القيمة الوجودية للأشياء والظواهر, مع العلم إن الكاهن جعل من الله ملكاً وسيداً يعاقب ويهّب من خلال السوط الإلهي مع العلم إن الله متديّن بالإنسان أكثر من تدين الإنسان بالله وهذا ما تؤكده الصوفية (ما يخدم الناس يخدم الله) فقد اتبعوا كتبهم بالطقوس ودراسة الصور المهنية وطقوسياتها في الزواج لكن لا اتفق مع الكاتب في طرح فكرة إلغاء الإعلان عن الزواج كما في ص61"إن اجتماع أي اثنين, إن لم يمكن للقائهما أن يخصب شيئاً في وجودهم, فلا يمكن ملهما اسم(الزوج) نهائياً, مهما عقد قرانهما كاهن وآخر حضر عرسهما آلاف الناس", مع العلم العرس أو عقد القران هو إعلان للملأ عن زواج فلان من فلانة لجمع أحسادهم وجمالهم ولذاتهم على أساس الحب مع العلم إن عين الاتحاد الجنسي دون حب هو اتحاد زائف ومن غير الأخلاقي أن تتزوج دون حب لكن النبي أراد تغييرها بإنسان المفهوم الأخلاقي للتراجيدية الزوجية ويطرح الكاتب سؤال في ص67"امرأة متزوجة زواجاً تقليدياً عشقت شخصاً آخر وعشقها, مع هذه الحالة لمن تكون الزوجة في منطق الجمال والحق, في منطق الدين والروح, للحبيب أم للزوج" يحلل ذلك أن على الزوج أن يأخذ من زوجته ما لا تستطيع أن تمنحهُ إياه لأن روحها وجسدها لا تستمتعان إلا بالعشق مع العلم إن المفكر علي شريعتي يؤكد على القيم الأخلاقية للزوجية بمفهومها وبعدها الديني والفقهي إضافة إلى الأمانة الزوجية هي أمانة معنوية ويطرح الكاتب مشكلة لزوجَة " تعيش زوجة ثانية لرجل غني في الخليج , لم يضاجعها الزوج لأكثر من اثني عشر سنة, فانهارت في إلحاح جسدها وغريزته, علماً إن زوجها لا يقبل طلاقها...أرسلت هذه المسكينة مشكلتها إلى فقيه معروف , تسأله, هل لها الحق في أن ترتبط بجسد آخر...يأتي الرد قاسياً كباقي الكهنوت , انه يحرم عليها أي خروج على ذلك الزوج الظالم مهما كان وصفها الجسدي والنفسي, وإن أي إطفاء لحسدها هو خيانة أخلاقية وكبيرة دينية لا تغتفر ويخصمها بتسمية الزنا" مع العلم إن الدين هو الإنسان وليس الله لأن الله أرسل الأنبياء والرسل لنصرة الإنسان وليس من أجل نصرة الله, لكن مع هذا لا نعطِ للمرأة الممارسة الجسدية مع أي رجل وإنما طلب الانفصال بسبب ما آل الزوج لزوجته من مشاكل من الناحية الجسدية والاقتصادية والنفسية , لذلك تثبيت مفهوم الفسخ كمحاكم للزواج بدلاً من الطلاق , لا كما يطرح الكاتب ويربط الأمر بثورة الصحابي أبي ذر الغفاري على خليفة الأمر بمقولته الشهيرة" عجبت لمن لا يحد قوت يومه كيف لا يخرج على الناس شاهراً سيفه" أي لا نربط بيم جوع الجسد وجوع الإنسان , لأن الأمور هنا أخلاقية تخص الزوجة وهذه إشكالية الجسد وقيمه , فالانجذاب في الزوجية هو أس أكبر في كل تكوينات العلاقات الزوجية , والمتفق عليه إن الزواج عقد بين طرفين يعتمد على الإيجاب والقبول , إضافة إلى شروط العقد سواء منها الذاتية أو المعنوية , مع انتفاء العقد لتك الشروط ينتفي عين العقد تلقائياً.
هنالك الكثير من المؤاخذات على ما طرحه الكاتب في الكتاب من أفكار لا تتوافق مع الواقع الاجتماعي وهي صور من الخيال , وطروحات الكاتب لا تواكب الواقع بكل أشكاله الاجتماعية والخاصة بالحياة الزوجية .مشكلة الكاتب عبد الرزاق الجبران كوجودي أن يوضح ما يطرح من أفكار حقيقية لا أن يطرح أفكار من الخيال لا توافق عقول الناس , فقد وضح الكثير من الأمور الاجتماعية والدينية في كتاباته ذات النزعة التنويرية في عصرنة الإسلام وإدخاله إلى الواقع الجديد الذي ما كانت تناسبه قروناً من الزمن , مع العلم إن أغلب الأديان غدت بشرية لا تمت إلى أنبيائها بصلة , ولم تعد تنتمي إليه إلا بالاسم , اصبجت الأديان بشرية سياسية يواكب قادتها مصالحهم الشخصية والدعوة إلى التفرقة المذهبية والعقائدية , أي أصبحت الأديان مذاهب وضرائر تقتل بعضها البعض, أي خروج الدين ورجال الدين على الإنسان والإنسانية لا خروج الإنسان على الدين , فأصبح الدين مشكلتنا ورجل الدين طاغية ودكتاتور , قد استغل الدين لأغراض شخصية وسياسية .
#نبيل_عبد_الأمير_الربيعي (هاشتاغ)
Nabeel_Abd_Al-_Ameer_Alrubaiy#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟