|
بين الثورة والثقافة -1-
خالد الصلعي
الحوار المتمدن-العدد: 4036 - 2013 / 3 / 19 - 15:03
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
بين الثورة والثقافة -1- **************** هي المعادلة الوجودية القادرة على انتاج نمط حياة جديد ، والانفتاح على ما وراء جدران الطغيان والاستبداد . هذا ما يعلمنا تاريخ التطور الانساني ، من عصر العبودية الى عصر الاستقلالية ، الى عصر الديمقراطية ، الى عصر التحرر والانطلاق نحو الآفاق . العرب بعد أكثر من أربعة عشر قرنا منذ الثورة الدينية التي انعكست على حقول الاجتماع والسياسة والعلم والثقافة ، بقيادة الرسول الأكرم ، وما استتبع ذلك من ضرورات الانتاج الطبيعي لمخاض الثورة الشاملة ، دخلوا طورا طويلا من الركود على جميع المستويات . لكن وقبل سنتين قررت الشعوب تكسير معادلة عرب الصحراء والنوق ، بما ترمز اليه من ثبات في حضارة الرمال ورحلة الشتاء والصيف . لايمكن لأمة شاءت أن تغير جلدها ، أن تتجاوز منطق الثورة ، سواء كانت ثورة على النظام السياسي ، أو ثورة على قيم الجمود والثبات والتكلس . غير أن هذه الثورة شاءت صدف الزمن الماكر أن تنهض من القاعدة ، أي من مادتها الخام ، ولم تنهض على اسس صحيحة تحت قيادة كاريزمية فاعلة ، كما أنها لم تكن بنت استراتيجية مدروسة تختمر في أحشائها البدائل الكفيلة باحداث نقلة نوعية تمكن المواطن من الاطمئنان على مرحلة ما بعد الثورة ؛ وهو ما يجعل زمن الثورة يمتد الى ما لا نعلم ، وينفتح على المجهول . لكن الأساس هنا هو أن الثورة هي في الحقيقة فرصة لاعادة طرح الأسئلة . لماذا كانت الثورة ؟ وما الفائدة من الثورة ؟ وما هي النتائج المنتظرة من الثورة ؟ وعلى ما ثار الثوار ؟ وهل يمكن أن يرسموا طرقا غير شبيهة بنفس الطرق التي أفضت الى ساحة الثورة ؟ . هي بطبيعة المقال والمآل أسئلة متولدة سؤالا عن سؤال . والثورة من فضائلها أن تفتح الباب قليلا أو كثيرا ، وتعلي من سقف الأفق ، وتجب كثيرا من مظاهر السلب ، لكن للآن لم تنهض الأسئلة الحقيقية في العالم العربي ، ولعل هذا يعتبر جوابا شافيا عن اطالة زمنية الثورة السورية ، من أجل الهاء العقل العربي دون أن يجتمع ويتوحد لبناء الوطن العربي ، ومن هنا تظهر عضوية الوطن العربي الذي أراده استعمار البارحة واليوم كيانات منفصلة لا اتصال بينها ، وأدخلوا بُعد القداسة على مفهوم القطرية ، في حين راحوا هم يوسعون من فضاءاتهم -الاتحاد الأوروبي - العولمة - لكننا الى اليوم في العالم العربي لا نزال ندافع عن مفهوم الدولة القطرية ، حتى ان الدخول الى أي قطر عربي يحتاج الى تحطيم أبواب المدن القديمة . وبعد هذا وذاك ، هل استطاعت كل هذه المتاريس والخطط أن توقف من تطور الثقافة في العالم العربي ؟ منذ ما قبل محمد عبده والكواكبي ، والى اليوم ، ما زال العقل العربي يحاول البحث عن أفقه الحقيقي ، وربما كانت الثورة الحالية هي المسار الصحيح ليأخذ هذا العقل طريقه القويم . من هنا يتبدى واضحا دور الثورة في رفد الثقافة ، اذ هي تعتبر بمثابة الحامل الجيني لتطور هرمونات ثقافة أمة وتجديدها ، فالثورة لا تقوم الا من أجل التغيير ، تغيير الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية ، بفعل تحول رؤية الانسان الثائر الى الواقع ومختلف تفاعلاته . واذا كانت الثقافة هي المعبرة عن روح الشعوب وهمومها وطموحها -1- ، فان فعل الثورة هو التمظهر الخام لهذا التعبير ، قبل أن يتم تنقية الثورة كمادة خام من شوائبها وزوائدها ، واضافة ما قد يصيبها من نقص ما . ولا بد هنا من استحضار كون مجمل الثورات الناجحة في العالم الحديث لم تنجح الا بعد أن رافقتها ثورة ثقافية سواء عند بزوغ فجر الثورة الفرنسية ، او الثورة اليابانية او الصينية أو الاسلامية حتى كما يذهب الكثير من الباحثين . ان اي ثورة اجتماعية هي بالأساس حاجة نفسية وعقلية ، فالحقينة النفسية والعقلية تكون قد اكتسبت حالة اشباع من جانب القهر والطغيان والظلم في جميع مناحي الحياة ، وقد يتطور ذلك خلال تعاقب أجيال عبر توريث مكتسب وجبري لكل المظاهر السلبية الانسانية . لكن منطق الوجود يفترض أن كل شيئ قابل للامتلاء ، ومن ثمة الفيض أو التفجر ، وهذا ما حدث للشباب العربي ، الذي وجد نفسه ممتلئا بالفراغ حد الانفجار . ونحن هنا لانستعمل الفراغ بمفهومه الفيزيائي ، بل بمفهومه الانساني . فالانسان يحتاج الى مجموعة من شروط الحياة كي يتم اقناعه بمواصلتها حسب ايقاع التحولات الكونية ، خاصة في عالم أصبح متداخلا ومتشابكا ، يأخذ ويعطي ، يمنح وينتزع . لكن العالم العربي يأخذ ولا يعطي ، ينتزع ولا يمنح . وان كان المواطن العربي قد انطلق من فراغه الوجودي ، فان امتلاء ثقافيا كان يداعب طيفه وحلمه ، لكن تجسيد هذا الحلم وهذا الطيف يبقى المعادلة الأصعب في طريق تأسيس واقع بديل عن الواقع الذي تمت الثورة ضده. ليس هناك مستحيل يقف أمام ارادة الانسان للتطور وتجاوز العوائق والمتاريس ، لكن هناك استراتيجيات وخطط لفرملة وايقاف أي ارادة تتغيى الانعتاق من ربقة التخلف والتبعية والفقر والأوبئة والتشابك السكاني العشوائي والفراغ الفكري والمعرفي المزمن . وللانتصار على هذه السلبيات المدعومة بقوانين وأسس مؤسساتية محلية ودولية ، لا بد من تحركات قد تنتج ثورات اما سلمية أو دموية ، حسب درجة الذل والقهر والعبودية التي عاشها مجتمع ما ، وحسب ردود أفعال رجال الدولة القاهرة المستبدة . فتحولات العصر الحديث منحتنا الكثير من الدروس القيمة لنهوض مجموعة من دول ما كان يسمى بالعالم الثالث ، اعتمادا على مجموعة من التدابير أهمها حسب المعطيات العلمية الدقيقة توفر قادة محليين على ارادة التغيير ، كدول شرق آسيا والهند وماليزيا ، وكدول مثل تركيا والبرازيل والأرجنتين . أما دول العالم العربي والافريقي باستثناء جنوب افريقيا ، فانها عرفت ارتدادا حضاريا ونكوصا تقدميا ، بفعل ضغوط أجنبية وتواطؤ داخلي ، وهو ما أثمر أخيرا عن ثورات عربية عارمة في مجموعة من الدول العربية ، غير أن القراءة المتفحصة تنذر بطول عمر هذه الثورات ،اذ لم تجد الحاضن الثقافي الدافئ لطموح الثوار . وقد مر بي قراءة مقال جميل للأستاذ محمد اسماعيل زاهر بعنوان "الثقافة في طبعاتها الأربع " يرصد من خلاله تخلف ما يسمى ب"المثقف العربي" عن ركب الثورة العربية ، وهو مؤشر واضح وجلي عن غياب أهم رافد من روافد نجاح ثورة ما . ونحن نتحسر عكس ما تفاخر به توكفيل وهو يحتفل بذكرى سنة 1789 ، باعتباره العام السعيد الذي فكر فيه أجداده ببناء مجتمع المساواة والديمقراطية والرفاه -2-. فنحن ليس لنا ما نفتخر به غير ما اسسه منذ أكثر من 14 قرنا رجل اسمه محمد بعث مختارا من الله الى العالمين . واستطاع أجدادنا بعد ثلاثة أو اربعة قرون أن يؤسسوا على تعاليمه حضارة أثرت في كل العالم .
الهوامش ****** 1-ياسين الديلمي - مفهوم الثقافة -ياهو 2-خليل كلفت - بين الثورة السياسية والثورة الاجتماعية- الحوار المتمدن
#خالد_الصلعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المغرب بين الدستور الجديد وعقل الحديد
-
الارهاب حالة دولة
-
ما زال للورد عطره
-
كلمة صادقة الى الشعب السوري الأبي -2-
-
ابداعية الشعر والواقع المبدع -2-
-
ابداعية الشعر والواقع المبدع-1-
-
رسالة تحذير
-
أمطار الجحيم -27- رواية
-
كان يمكن أن .....
-
من يحكم المغرب ..؟
-
المرأة في المجتمع العربي
-
أنت كل السنة
-
دعاة أم طغاة -1-
-
حبات المطر والأفكار -قصة قصيرة -
-
الديمقراطية العربية بين النظرية والواقع
-
العدالة الانتقالية وضرورة التجاوز
-
أمطار الجحيم -26- رواية
-
كلمة صادقة الى الشعب السوري الأبي-1-
-
أين المواطن ؟
-
هذا الوطن لنا
المزيد.....
-
-ليس سؤالًا ذكيًا-.. شاهد كيف رد ترامب عندما ضغطت عليه مراسل
...
-
دعوى قضائية بقيمة 20 مليون دولار ضد شرطية في ألاباما صعقت رج
...
-
10 أضعاف حجم البنتاغون.. الصين تشيد أكبر مركز قيادة عسكري في
...
-
مراسلة RT: العثور على صاروخ غير منفجر في شمال لبنان
-
طهران تؤيد استقرار سوريا ووحدة أراضيها وتدعم أي حكومة يوافق
...
-
أورتيغا وزوجته يحكمان نيكاراغوا بسلطة مطلقة بعد تعديل دستوري
...
-
نائب عن -حزب الله-: الغارات الإسرائيلية على البقاع عدوان فاض
...
-
مباحثات روسية أمريكية حول نقل جثث ضحايا كارثة مطار ريغان الر
...
-
كتائب القسام تنعى قائدها محمد الضيف و-ثلة من القادة الكبار-
...
-
مراسلة فرانس24: ما يدور داخل الأروقة الداخلية الإسرائيلية أص
...
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|