أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - خالد قنوت - التمثال الغبي














المزيد.....


التمثال الغبي


خالد قنوت

الحوار المتمدن-العدد: 4035 - 2013 / 3 / 18 - 20:50
المحور: كتابات ساخرة
    


في الثانية من عمره, كان ابني يشاهد برنامج افتح يا سمسم و كان فيه مشهد تتحدث فيها بعض التماثيل تنتقل بعدها إلى الغناء. أثار هذا المشهد استغرابه حتى بدى عليه الخوف و بحكم أنه كان دائم السؤال إلى حد ما يثير حيرتي و حيرة والدته, حيث كانت كلمة ليش تبدأ قبل أن ننهي تفسيرنا للسؤال السابق, لكننا هذه المرة خفنا عليه لشدة انفعاله و لستغرابه فقد كان يصرخ: ليش التماثيل عم تحكي؟؟.
عانقته والدته محاولة أن تخفف من روعه, لكن عيناه لم تبتعد عن شاشة التلفزيون و قد أخذ جسمه الصغير بالارتعاش.
حاولت والدته أن تطفئ التلفزيون لكنه زاد من صراخه, لأنه يريد تفسيراً. أخذته إلى حضني و بدأت أتحدث معه بأن هذه عبارة عن أفلام كرتون و أن هذه التماثيل غير حقيقية و جلبت له بعض التماثيل الصغيرة لأقنعه بأنها لا يمكن أن تتحرك و تتحدث و لكن التماثيل التي يشاهدها في البرنامج هي فارغة و يضع الممثلون أيديهم لكي يحركوها. لم يقتنع كثيراً, لكن أكثر جملة كانت مقنعة بالنسبة له هي أن التماثيل غبية و لا يمكن لها أن تفكر و تتحدث أو تتحرك مثلنا, فأخذ يردد هذه الجملة: (هي التماثيل غبية و مافيها مخ لتفكر متلنا..).
كنا نسكن في مدينة جرمانا و كانت زيارة أهلي في قلب دمشق تعني رحلة من التعتير بسبب المواصلات حيث كانت الوسيلة الوحيدة هي مكرو جرمانا - باب توما ثم من باب توما إلى ساحة النجمة. بعد انتظار عقيم لقدوم ميكرو لا يتكدس فيه الركاب كما يكون عليه قطرميز المخلل, قررت أن أستخدم سيارة تكسي و هذا ما فعلته.
جلست بجانب السائق و جلست زوجتي في الخلف من ابني الصغير الذي بادر كعادته للوقوف في المنتصف ليتابع الطريق و ليتابع حركات السائق.
نظر إليه السائق و قال: (الله يسلم) شكرناه و بدأ السائق يتحدث مع ابني و كان ابني يجاوبه بعباراته الطفولية المحببة.
كان من الضروري مرورنا من ساحة الرئيس في جرمانا حيث كان يتوسط تلك الساحة تمثال نصفي للرئيس حافظ الأسد بهالة من الأضواء و بمنخاره الكبير و بعينيه الثابتتين الحادتين, كان يعلن كل الوقت أنه هنا و أنه يعرفنا جميعاً و أنه باق على صدورنا إلى الأبد. أنه يسمع همساتنا و يشاهد تحركاتنا و يعرف من أين نحن قادمون و إلى أين سنذهب. كانت ضخامة التمثال لا تتناسب مع شكل صاحبها و لكن انتصاب التمثال في منتصف الساحة بشكل لا يمت للفن المعماري أو للفن بشكل عام بأي صلة تجعل العابرين كأنهم عبيد في محراب تمثال بوذا أو أي آلهة إغريقية.
كان على سائق التاكسي أن يدور حول التمثال ليتخذ من طريق المطار مخرجاً له من الازدحام. تسمر نظر الصغير بالتمثال و تشبث بالمقعد الذي يمسك به ليظل واقفاً, لم يغب التمثال عن ناظريه و استدار رأسه مع دوران السيارة, فجأة صرخ الصغير:(هذا التمثال غبي و ما فيه عقل و ما بيفكر متلنا)
الصدمة التي اصابتني و زوجتي لم تسعفنا في الإطباق على فمه و انفاسه, شعرت بماء بارد ينزل على رأسي حتى وصل قدمي, قلت في نفسي: (راحت علينا و تشردنا).
لكن الصغير أعاد العبارة بصوت أعلى : (هذا التمثال غبي و مافي مخ), سارعت زوجتي و وضعت يدها على فمه جاهدة في اسكاته. من المضحك أني تذكرت أن أرفع ابني و أقول: (لمين هادا الولد يا شباب).
المنظر الأكثر هزلاً و الذي مازال يضحكني كلما تذكرت هذه الحادثة, أن سائق التاكسي أدار المذياع على آخر الصوت حتى لم نعد نسمع أي صوت آخر.
لقد بدى السائق مرتبكاً و خائفاً و أكثر حيرة مني و من زوجتي و لم يتحدث إلينا طوال رحلتنا إلى بيت أهلي في دمشق و لم ينظر إلي و أنا أعطيه النقود حيث طلبت منه أن يقف بعيداً عن المكان الذي كان من المفروض أن أصل إليه.



#خالد_قنوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الثورة السورية أسباب و مقارنات 2
- التحليل السياسي في الثورة السورية 1
- التكوينات الطائفية من موقع المقاوم إلى موقع العدو
- تشيخوف في الثورة السورية
- في نهاية العام الثاني للثورة...ما العمل؟ أيضاً
- الممكن, في الوصول لأهداف الثورة
- كم كنت وحدك؟
- السوريون الأحرار ضمانة لأهداف الثورة
- الثورة السورية اليتيمة بين حصارها و عنادها
- لدينا خادمات سوريات..
- العيد يأتي قريباً
- لافروف و عودة الابن الضال
- طلاب الولاية لا يولون
- بين خبزنا و دمنا, رسائل
- الانتلجنسيا السورية و سراب الحل السياسي
- سيناريو وطني يوم تحرير الوطن
- أين ذهبت أموال الإغاثة و التبرعات؟؟
- إلى ما قبل قبل العصور الحجرية
- الأكراد السوريون..سوريون أكراد
- ثلاثة مشاهد في اسبوع واحد


المزيد.....




- -الهوية الوطنية الإماراتية: بين ثوابت الماضي ومعايير الحاضر- ...
- بعد سقوط الأسد.. نقابة الفنانين السوريين تعيد -الزملاء المفص ...
- عــرض مسلسل البراعم الحمراء الحلقة 31 مترجمة قصة عشق
- بالتزامن مع اختيار بغداد عاصمة للسياحة العربية.. العراق يقرر ...
- كيف غيّر التيك توك شكل السينما في العالم؟ ريتا تجيب
- المتحف الوطني بسلطنة عمان يستضيف فعاليات ثقافية لنشر اللغة ا ...
- الكاتب والشاعر عيسى الشيخ حسن.. الرواية لعبة انتقال ولهذا جا ...
- “تعالوا شوفوا سوسو أم المشاكل” استقبل الآن تردد قناة كراميش ...
- بإشارة قوية الأفلام الأجنبية والهندية الآن على تردد قناة برو ...
- سوريا.. فنانون ومنتجون يدعون إلى وقف العمل بقوانين نقابة الف ...


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - خالد قنوت - التمثال الغبي