|
الرفض في القصة الفلسطينية
رائد الحواري
الحوار المتمدن-العدد: 4033 - 2013 / 3 / 16 - 19:43
المحور:
الادب والفن
الرفض في القصة الفلسطينية
لقد كان الأدب وسيبقى مرآة تعكس واقع الشعوب، أن كان هذا الواقع سلبيا أم ايجابيا وهذا الأمر انطبق على أدبنا، فالأدب الفلسطيني واكب مراحل النضال الفلسطيني بكافة مراحله، فهناك أدبيات تتحدث عن فترة الاحتلال الانجليزي وأخرى عن الاحتلال الإسرائيلي والذي أطلق عليه الأدب المقاومة الفلسطيني، ثم فترة الثور الفلسطينية المعاصرة والتي سميه إنتاجها باسم أدب الثورة، إن هذه الإنتاجيات الأدبية جاءت لتعبر عما يجول في نفوس شعبنا من طموح وآمال، وما تراكم فيها من اليأس والقهر، والآن ونحن نعيش في زمن ( السلام) خرج أدبائنا بمجموعات أدبية تظهر ما تركت هذه العملية في نفوسنا من مؤثرات، فجاءت اغلب تلك الأدبيات تحمل مفهوم ( الرفض ) لما هو حاصل أكثر منه مقاومة، وكأن هناك صوت يقول" تمهلوا فيما تقدموا عليه " وصوت آخر " لا تقدموا على هذا الفعل " وفي هذه الفترة تميز أدبنا بالزخم وحمل بين طياته حالة من الرفض والاحتجاج لما هو حاصل، إن كان هذا الرفض لإفرازات السلطة الفلسطينية في الواقع الذي نعيشه، أو لرفض عملية السلام جملة وتفصيلا. في هذا الموضع سنتناول مفهوم الرفض في القصة الفلسطينية من خلال ما وصلنا من إنتاج أدبي، بداية سنتطرق إلى قصة محمد إسماعيل رمضان " إلا النافية للانحناء " في هذا العمل يتحدث القاص عن طالبة جامعية يوكل إليها دور مسرحي مشترك يمثل صوره مثالية للسلام، إلا أنها ترفض ذلك الدور فيتم معاقبتها، استخدم محمد رمضان الصوت الخارجي (استذكار) فاطمة لما عاشته في الماضي القريب ليعبر عن حيثية هذا الرفض " ترى ماذا سأقول لسيل اللطمات ذات زمن وقضاب، ماذا أقول لروح أزهقوها نزفا قانيا في ظلمة زنزانة، ماذا أقول لبصقات ما زالت معششة في هذه الضفائر، ماذا أقول لشهور ست قضت في على الإنسان في زنزانة العزل؟ " إن مثل هذا الماضي غير بعيد وما زالت آثاره باقية وراسخة فيها، وهذا يدفع بفاطمة إلى التشبث بهذه الذكريات ورفض كل الأشكال الزئبقية والوردية التي تظهر أو التي تكتب على الورق، فمباشرة وبعد هذه المعاناة يصف محمد إسماعيل رمضان حالة فاطمة ب"والبركة الآسنة" ثم ينقلنا رمضان إلى الصورة الأخرى التي تقرأها فاطمة من النص المسرحي والتي تمثل الواقع الوهمي الخادع والكاذب " ـ بصوت ناعم ليكن يومنا هذا غير أيامنا تلك لنصبح أبناء سلام على هذه الأرض ونمسي الأنموذج ـ كين " إن الموقفين المتناقضين هنا كخطين متوازيين لا يمكن لهما الالتقاء، واعتقد بان الكاتب نجح في رسم لوحة ذات بعدين واحدا كان واضحا وآخر يكتفنه الضباب والغموض، فجعلنا كقراء نتعاطف مع الأول ونشك ولا نثق بالثاني، خاصة إذا كان الأول مورس حقيقة، والثاني مجرد أقوال وآمال، فهذا الواقع ـ الاعتقال ـ الذي تحدثت عنه القصة يمثل حالات عديدة وكثيرة من طلابنا الذين وقعوا في الأسر وللاعتقال . وأخيرا أود أن أشير أن الصوت ( الراوي) الذي يحدثنا عن الواقع هو صوت خارجي يأتي من الماضي" أما تأثيره فما زال موجودا أو فاعلا في بطالة القصة، وذلك من خلال استجابة فاطمة له فكانت هي الفاعل لفعل الرفض. العمل القصصي الثاني هو للقاص زياد خداش والذي يتحدث عن أسير أطلق سرحه من السجون الإسرائيلية فيجد جندي إسرائيلي ما زال على باب المخيم رغم حالة (السلام) هذا الحدث المهم جدا في حياة الأسير ـ إطلاق سراحه ـ إلا انه يتعامل معه بإهمال وبدون اكتراث، فكان أول إحباط قابله الأسير بعد خروجه هو . "على المدخل جندي يهودي يدقق مبتسما في العشرين عاما " إن هذا الوصف لذلك الجندي جاء وكأنه يحدثنا عن جندي بقيه هو نفسه على مدخل المخيم، بعد العشرين عاما من الأسر، فكلما أخبرتنا القصة بأنه خرج نتيجة اتفاق السلام فلم يجد هذا السلام، من خلال وجود ذلك الجندي رابضا فوق تراب الوطن، أما الإحباط الثاني الذي حدث. "مكتبتي الضخمة اختفت الأثاث جديد وفاخر، الجدران مغطاة بصور فنانين غريبين يصيحون وسط الآلات الموسيقية, شبه عراه، أين صورة الشيخ إمام ؟ سألت أبي" الحدث الثاني الذي أثار اهتمام الأسير ذلك التغير في المكان، مكتبة ضخمة تخفي، صور غير موجودة، وصور غريبة موجودة إن هذا الانقلاب في هيئة المكان اثأر حيرة الأسير المحرر بصورة جعلته يخرج عن صمته ويسأل، فكان في بداية الأمر مسلم لما هو حاصل، أما الآن فانه يتكلم متسائلا عما شاهده من تغيرات جذرية في المكان، والإحباط الثالث الذي ضرب وجدان ذلك الأسر هو، " اقترب مني خالي همس في أذني ـ : تحدثنا مع العقيد ... وعدنا بإحضار توقيع خلال ثلاثة أيام، آن لك أن تستريح وتجني ثمار ما زرعت " إن ثبات الجندي في مكانه ـ واقفا على باب المخيم ـ وذلك التغيير في المكان ـ اختفاء المكتبة وصور شبه عراة ـ والانقلاب السلبي في عقلة وتفكير الناس ومنطقهم الانتهازي، جعل بطل القصة يحبط من نتائج عملية السلام التي حدثت، فبدلا من أن تتغير الأمور السلبية، ما زالت حاضره وبشكل أعمق وأرسخ، وعوضا عن التمسك بالأمور الايجابية وتجذيرها تم تحوليها إلى ما هو سلبي، وهذا الانعكاس في مجرى الأحداث جعل الأسير المحرر يفقد الهدف من تلك التضحية التي دفع ثمنها باهظا، وظهر ذلك من خلال ما كتبه خداش " جدي الهرم الوحيد الضرير يتقدم من سريري بخطوة الذابل، ادفن وجهي في طيات عباءاته القديمة وانتحب، طويلا طويلا ااه يا جدي " لقد كان البكاء كرد فعل لما شاهده من تغيرات في الثوابت لهذا المجتمع، فجاءت عملية الرفض على شكل بكاء رجل ـ من المفترض أن يكون بطلا ـ وهذا الأمر إذا قام به الرجل فانه يعبر عما يحمل من قهر ويأس وتهشيم للمرتكزات الأخلاقية والعقائدية التي آمن بها، كما يمثل بكاء الرجال على عدم المقدرة على الفعل الايجابي، لقد تحول ذلك الأسير إلى جسد بلا روح، واقتصرت عملية احتجاجه على عزل نفسه عن مجارات ومجاملة المحتشدين للقائه " في رام الله الغريبة وتحت بناية ( طل القمر ) الضخمة كان الناس يتحلقون حولي لحيتي كثيفة وثيابي رثة " لقد كانت عملية الرفض لديه يتم التعبير عنها بصورة احتجاج مسالم هادئ، فكانت مشاعره بعكس ذلك الحشد، تحمل من الاغتراب وعدم الانسجام مع مستقبليه، مظهراً لهم عدم رضاه عما حدث. أخيرا أود أن أشير إلى أن الكاتب استخدم التزاوج بين ماضي دفع ثمنه عشرون عاما من الاعتقال، وبين حاضر مزري لا يتناسب مع تلك التضحيات التي قدمها، فقد كان الجد الذي يمثل الآمال والحلم الذي سعى إليهما الأسير، وهو مازال موجودا كجسد و روح معا، إلا انه لا يثير أي اهتمام ممن هم حوله، وكأن المناقب الأخلاقية أصبحت لا تجد من يهتم بها في المجتمع الفلسطيني، بعد عملية السلام التي حدثت، ولكن هو الذي يمد بطل القصة بذلك الطيف من العودة للجذور التي تخلى عنها الآخرين.
رائد الحواري
#رائد_الحواري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
شيطان في الجنة هنري ميللر
-
بسام عويضة والربيع العربي
-
رحى الحرب قسطنطين سيونوف
-
الاحياء والاموات
-
قصة الرعب والجرأة
-
الانسان اللآلي
-
الخندق الغميق سهيل إدريس
-
قلادة فينسي
-
ام سعد
-
صورة (صورة الروائي) مرآة الضحية والجلاد
-
لغة الماء عفاف خلف
-
لعبة المتناقضات في رواية - إنهم يأتون من الخلف
-
وادي الصفصافة
-
لغة الماء غفاف ىخلف
-
من اجل غدا افضل
-
رواية الاشباح
-
جدارية درويش والنص الاسطوري
-
رسائل لم تصل بعد
-
أتذكر السياب
-
رواية الخواص
المزيد.....
-
مش هتقدر تغمض عينيك “تردد قناة روتانا سينما الجديد 2025” ..
...
-
مش هتقدر تبطل ضحك “تردد قناة ميلودي أفلام 2025” .. تعرض أفلا
...
-
وفاة الأديب الجنوب أفريقي بريتنباخ المناهض لنظام الفصل العنص
...
-
شاهد إضاءة شجرة عيد الميلاد العملاقة في لشبونة ومليونا مصباح
...
-
فيينا تضيف معرض مشترك للفنانين سعدون والعزاوي
-
قدّم -دقوا على الخشب- وعمل مع سيد مكاوي.. رحيل الفنان السوري
...
-
افتُتح بـ-شظية-.. ليبيا تنظم أول دورة لمهرجان الفيلم الأوروب
...
-
تونس.. التراث العثماني تاريخ مشترك في المغرب العربي
-
حبس المخرج عمر زهران احتياطيا بتهمة سرقة مجوهرات زوجة خالد ي
...
-
تيك توك تعقد ورشة عمل في العراق لتعزيز الوعي الرقمي والثقافة
...
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|