|
الدّر المكنون في مختارات من فتاوى الشّيخ صالح بن طالح عبد الرّاكون - الفتوى رقم 666
مالك بارودي
الحوار المتمدن-العدد: 4033 - 2013 / 3 / 16 - 19:43
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
الدّر المكنون في مختارات من فتاوى الشّيخ صالح بن طالح عبد الرّاكون - الفتوى رقم 666 (لمتابعة بقية الفتاوى، يرجى الرّجوع إلى مدوّنة الكاتب "مالك بارودي: http://chez-malek-baroudi.blogspot.com )
------------------------------------------------------------- السّؤال: إنّي أدعو الله كثيرا في صلاتي وحتّى خارج الصّلاة فلا يستجاب لي، فأقول في نفسي أنّ السّبب في ذلك كثرة المعاصي التي إرتكبتها في الماضي. كيف نفسّر ذلك؟ وما هي شروط الإستجابة؟ ------------------------------------------------------------- الجواب: أوّلا، إعلم أيّها السّائل أن كثرة المعاصي والذّنوب لا تحجب إجابة الله تعالى دعوة الإنسان. وجاء في حديث نبويّ عن عبد بن حُميد عن أبي نُعيم عن فُضيل بن مرزوق عن عديّ بن ثابت عن أبي حازم عن أبي هريرة أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: "الرّجل يُطيل السّفر أشعثَ أغبرَ ثمّ يمدّ يده إلى السّماء يا ربّ يا ربّ ومطعمه حرامٌ ومشربه حرامٌ وملبسه حرامٌ وغُذّي بالحرام فأنّى يستجاب لذلك" (محمّد بن عبد الرحمان المباركفوري، "تحفة الأحوذي، شرح جامع التّرمذي" باب ومن سورة البقرة، حديث رقم 3081). وشروط الإستجابة للدّعاء حسب ما أتى في هذا الحديث الشّريف، أنّ دعاء الرّجل الذي لا يسافر يستجاب قبل دعاء الرّجل كثير التّرحال طويله، وأنّ حسن المظهر أيضا شرط أساسي من شروط الإستجابة، وكذلك الأمر بالنّسبة لنظافة الدّاعي البدنيّة بدليل قول النّبي صلّى الله عليه وسلّم "أشعث أغبر". ثانيا، يجب أن تسلّم بأنّ الله له حكمته الخاصّة التي لا تدركها عقول البشر، ولو أدركتها لإنتفت الألوهيّة عن الخالق ولأصبحنا كلّنا آلهة. فالأصل أن يعبُد العبد ربّه بإخلاص وأن يدعوه بما في نفسه من أمنيات وتطلّعات، وليس مطلوبا منه مسك "كشف حساب" يدوّن فيه ما تحقّق من دعواته وما لم يتحقّق، ذلك أنّ الله هو المحاسب وليس على العبد إلاّ الإذعان لإرادة خالقه دون يأس من رحمته أو محاسبة له. والله وحده يحدّد لأيّ الدّعوات يستجيب. وليس عدم الإستجابة لإحدى دعواتك بالضّرورة إهمالا لها، ذلك أنّ التّسليم بكمال وحكمة الله ينفي أن يكون مهملا لشيء من دعوات عباده، بدليل قوله تعالى: "أدعوني أستجب لكم" (غافر: 60). فهو يستجيب لكلّ الدّعوات حسب هذه الآية الكريمة، بل هو حتّى لم يحدّد هويّة الدّاعي، وقد فهم منه بعض المفسّرين أنّها متعلّقة بالدّعوات الصّادرة عن المسلمين فقط، في حين ذهب البعض الآخر إلى توسيع نطاقها لتشمل كلّ مؤمن مهما كانت ديانته، ولكنّ هناك من المفسّرين من قالوا بشموليّتها أي بأنّها تتعلّق بكلّ المخلوقات الحيّة وبكلّ المخلوقات الجامدة أيضا، ذلك أنّها كلّها مخلوقات تسبّح بحمد الله عزّ وجلّ. ألم تكن الأشجار والحجارة تسلّم على الرّسول كلّما مرّ بها؟ إذن، فكلّ المخلوقات يمكنها أن تدعو الله فيستجيب لها. والإستجابة متعلّقة بحكمة الله التي ليس بعدها حكمة وهي التي جعلت الدّنيا كما نعرفها وجعلتنا هكذا عبادا له وخلفاء له في الأرض وجعلتنا على دين الإسلام وهو دين الله منذ آدم، كما يقول الفقهاء والمفسّرون الأوائل. فهذه الحكمة التي جعلتنا مسلمين وجعلت الآخرين كفّارا ومشركين فحرمتهم حلاوة الإسلام ونعمة الطّاعة العمياء والتّسليم الكامل لله وجعلتهم في صفّ الشياطين، متمرّدين متردّدين متخبّطين في ظلمات الكفر، هذه الحكمة تنسحب على كلّ شيء في حياة المسلم ويجب أن تكون دليله والمصباح الذي ينير قلبه وروحه. إذن، فعدم الإستجابة ليس دليلا على شيء لأنّ المطلوب من الإنسان يتلخّص في العبادة والدّعاء أمّا ما تجاوزهما فهو ممّا إختصّ الله تعالى به ولم يخُصّ به أحدا غيره. لذلك فلا يجب أن تيأس من الله ويجب أن تثبت على إيمانك به إيمانا أعمى لأنّه لا معنى لوجودك إذا قلّ إيمانك أو إنتفى، لا سمح الله. وأنصحك بأن تواصل الصّلاة وأن تواصل الدّعاء دون قنوط من رحمة الله عزّ وجلّ ودون أن تهتمّ بما قد يتحقّق منه أو لا يتحقّق. وقد قال بعض العلماء الأفاضل أنّ من شروط الإستجابة أيضا أن لا يكون دعاء فيه إثم، وإختلفوا في تعريف الإثم وصنّفه بعضهم إلى درجات متفاوتة، غير أنّ الثّابت أنّه لا يوجد شرعا تحديد بهذه الصّيغة، بدليل أنّ الرّسول صلّى الله عليه وسلّم كان يدعو للنّجاح في قتل الكفّار والمشركين وأعداء الإسلام وكان يدعو أن يسهّل الله له غزواته ويكثر غنائمه وسباياه وكان كثيرا ما يخصّص دعواته في آخر صلواته للدّعاء على الكثيرين من أعدائه، مثلما يدعو الأئمّة في جوامعنا اليوم قائلين، إقتداء به وبسيرته العطرة: "اللهمّ أهلك الكفّار والمشركين، أعداءك أعداء الدّين، أللهمّ شتّتهم وشُلّ حركتهم وأصبهم بكلّ خبيث من الأمراض، اللهمّ إجعلهم خاسئين خاسرين بلا أعراض، اللهمّ إجعلنا سادتهم وقادتهم وإجعلهم تابعين صاغرين..." فالإثم لا يطلق إلاّ على ما يمكن أن يمثّل تعدّيا على الله ورسوله وكتابه، وما خلا ذلك فهو لا يمُتّ للإثم بصلة ولا يضرّ المسلم. فكلّ الدّعاء، بإجماع الفقهاء والعلماء، مباح بشرط الصّدق فيه. وإعلم أنّ الله تعالى لا يعجّل لعجالة عبده، إلاّ إذا كان مقامه رفيعا جليلا مثل مقام سيّدنا وحبيبنا محمّد صلّى الله عليه وسلّم ذلك أنّه كان سريع الإستجابة له في كلّ أمانيه وذلك إن دلّ على شيء فإنّما يدلّ على أنّه الرّسول الأقرب إلى الله والأصدق والأكرم والأحبّ إلى ذاته عزّ وجلّ وعلى أنّه حقّا رسول ونبيّ من عند الله. فقد قالت عائشة رضي الله عنها له حين نزلت الآية "ترجيء من تشاء منهنّ" (الأحزاب: 51) في خولة بنت حكيم التي وهبت نفسها له صلّى الله عليه وسلّم: "ما أرى ربّك إلاّ يسارع في هواك" (صحيح البخاري). والله ورسوله أعلم. -------------------------------------------------------------
#مالك_بارودي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نفحات عطرة من سيرة وأحاديث رسول الإلحاد عبد الله القصيمي صلّ
...
-
ردّ على تعليقات ناجي السّبوعي حول المقال -فساد الأسس الإنسان
...
-
فساد الإستدلال بالقرآن على وجود الله
-
ردّ على تعليق صالح الوادعي حول مقالي -حول المحاولة الجديدة ا
...
-
فساد الأسس الإنسانيّة في الدّيانة الإسلاميّة - قتل المرتد في
...
-
حول المحاولة الجديدة الفاشلة لتجميل الإسلام التي قام بها عبد
...
-
ناجي السّبوعي، أو ما تخفيه أرض تونس من نماذج متخلّفة وضرورة
...
-
ما هي الدّيمقراطيّة؟
-
في الرّد على من يقولون أنّ الإسلام يحترم الأديان الأخرى بشها
...
-
نظرة معمّقة في مسألة تحريف الصّحابي عبد الله بن أبي سرح للقر
...
-
نظرة معمّقة في مسألة تحريف الصّحابي عبد الله بن أبي سرح للقر
...
-
نظرة معمّقة في مسألة تحريف الصّحابي عبد الله بن أبي سرح للقر
...
-
المشروع الجرذاني السّلفي الوهابي الإرهابي متواصل في تونس
-
ردّ على تعليق الصّديق -يوغرطة- حول مقالي -الأكاذيب الفظيعة ف
...
-
الأكاذيب الفظيعة في أقوال جرذان الشّريعة
-
أحبّك...
-
مشروع الدّستور التّونسي الجديد أو الطّريق إلى الهاوية
-
قصيدة لعصابة ربّي (شعر باللهجة العامّيّة التّونسيّة)
-
يحدث أن...
-
من أجل أن نكون...
المزيد.....
-
الصليب الأحمر يتسلم المحتجزين الإسرائيليين أربيل يهود وجادي
...
-
القناة 13 العبرية: وصول الاسيرين يهود وموسيس الى نقطة التسلي
...
-
الكنائس المصرية تصدر بيانا بعد حديث السيسي عن تهجير الفلسطين
...
-
وصول المحتجزين الإسرائيليين أربيل يهود وغادي موزيس إلى خان ي
...
-
سرايا القدس تبث فيديو للأسيرة أربيل يهود قبيل إطلاق سراحها
-
سرايا القدس تنشر مشاهد للأسيرين -جادي موزيس- و-أربيل يهود- ق
...
-
قائد الثورة الاسلامية يزور مرقد الإمام الخميني (ره)
-
خطيب المسجد الأقصى يؤكد قوة الأخوة والتلاحم بين الشعبين الجز
...
-
القوى الوطنية والاسلامية في طوباس تعلن غدا الخميس اضرابا شام
...
-
البابا فرنسيس يكتب عن العراق: من المستحيل تخيله بلا مسيحيين
...
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|