|
يرّبي وحشاً في بيته
مجتبى حسن
الحوار المتمدن-العدد: 1160 - 2005 / 4 / 7 - 08:42
المحور:
الادب والفن
يربّي وحشاً في بيته صادف إن ربّى البعض وحوش في بيوتهم فانقلبت عليهم وأكلت أطفالهم، والكل يشاهد ذلك ولم يدركها البعض ممن شاهدوا الحادثة ،وهم اليوم يفتحون بيوتهم لوحوش أخرى ،فتذكرت حكاية حكاها لي أبي في صغري، وفهمت مغزاها،وأحببت التنويه بها، لان الوحش صفة واسم، وليس لقب يكنى به من لا شيء ...
* يحكى أن مزارع في ضيعة نائية برأس الجبل، يسكن بيت تفرد عن بقية البيوت ، عمله في زراعة الأرض لا يكاد يسد الرمق ، غير أن تربيته لبعض الخراف والنعاج يوفر له شيء من يسر ، فكان يولي ماشيته عناية خاصة ، فيرعيها في الصيف على التلال المجاورة وفي الشتاء يجذ لها الحشائش من الأدغال القريبة .. وفي احد الأيام والناس نيام خرج المزارع كعادته لجذّ العشب لأغنامه من الغاب ، وبعد توغله في الدغل سمع أنين يتعالى ،اقترب ليشاهد شبل وحش علقت قائمته بفخ احد الصيادين ، رق قلبه لتوجع الوحش الصغير،فخلصه من الفخ ،وحاول أن يداوي جرحه النازف فلم يفلح لعدم توفر المواد اللازمة ،فعاد به إلى البيت ،وبعد أن ضمد جرحه وأطعمه ، خاطبه بان يبقيه في بيته يطعمه ويعتني به ،وبذلك يخلصه من أفخاخ الصيادين وبنادقهم بشرط أن يعاهده على الوفاء .. مرت الأيام والمزارع لا يكلأ جهداً بالعناية بالوحش الصغير حتى دمل جرحه واخذ الكبر يظهر على شكله والوحش على عهده باقٍ ،لا يخون مضيفه بل على العكس إذ هو يحمي البيت وما حوله من وحوش البرية .. إلى أن جاء يوم مرض الفلاح واشتد عليه عجزه فلم يستطع أن يقوم بواجباته اليومي ،من رش الحبوب للدجاج أو إحضار الحشائش للخراف وطبعاً لم يطعم الوحش ، جاع الوحش وراحت أمعائه تصرخ للطعام ، ولم يكن بيده حيلة فصاحب البيت مريض وسافر للمدينة للعلاج ولا يعرف ما يأكل ، تناول بعض من العشب فلم يتقبلها ... اشتد صياح معدته، والدجاج أمامه يرعى بلا خوف، خاطبته الغريزة بأن يأكل إحدى الدجاجات، نهرها صوت الوفاء به، إذ هو من يحمي الدجاجات فكيف يأكلها، جوعه يعضه بأنياب الغريزة للأكل، و عهده لا يبرح الذاكرة... فكان إن تخيل مدى وفائه للمزارع وكيف أن المزارع لا يبخل عليه بشيء ومدى حبه له ، فهو من وجده في الغابة بين الموت والحياة ،وخلصه من الفخ واحضره إلى بيته ،عالجه من إصابته ، انه حتماً غاليا على المزارع إلى حد انه لو علم المزارع بمدى جوعه لأطعمه بدل الدجاجة اثنين ،خاصة أن الدجاجات ليست مصدر رزق المزارع بل هي الخراف ،والدجاجات تُربى لتُأكل ، وما إن وصل بخياله إلى هذه الفكرة حتى قفز على احدها القريبة منه ،واخذ يلتهمها بكثيرٍ من الامتنان للمزارع على حبه له .. واستمر على هذه الحالة ، كل يوم دجاجة حتى لم يبقى منها شيء .. فرجعت أمعائه لتصرخ من الجوع ..ولم يبقى أمامه إلا الخراف ولكنها كما يعلم مصدر رزق المزارع ،وانه مهما أحبه لن يضحي بها لأجله ،هذا شيء مؤكد يقول في نفسه ولكن ما هو الحل أنياب الجوع تُلويه سبغاً ، وقوته تخور فكيف إن هَاجمت الخراف وحوش الغاب ،كيف له الدافع عنها ؟وكيف لن تقع فريستهم وهو عاجز من شدة الجوع ؟ فقال بصوت مسموع الخراف تسع إن أكلت واحداً سيوفر لي الطعام والقوة لمدة أسبوع ،وأكون قد حافظت على الثمانية الباقين وحميتهم إلى حين عودة المزارع ،وما إن استقر على الفكرة حتى كانت رقبة اكبر الخراف بين أنياب فكيه ،وراح يلتهمه بشهية بعد تذوق طعم اللحم الغضيض ،وهكذا إلى أن انتبه إلى نفسه وقد أجهز على الخروف كاملاً في وجبة واحدة ، وما أن عاد صوت الجوع حتى انبرى بفكيه لخروف آخر فالحجة جاهزة وقد اقتنع بها سلفاً وسبعة خراف أفضل من لاشيء ،وهكذا كلما جاع نقصت الخراف واحداً ،حتى لم يبقى سوى خروف واحد ،وعندما صاحت به أمعائه الجائعة ،لم يقفز عليه كالعادة ،فالحجة القديمة بطلت إذ كيف سيبرر للمزارع ،ولما اشتد جوعه ، قال ماذا لو هاجمت وحوش الغاب المزرعة من أول يوم من رحيل المزارع أنها حتماً لما أبقت على شيء من الخراف أو الدجاجات ،وإما هو فحب المزارع له كبير وعندما يأكلهم هو أفضل من أن تأكلهم وحوش الغاب ، وعند عودة المزارع سوف يقول له هاجمتهم وحوش الغاب ولم يستطع التغلب عليها ،فبعد معركة شرسة كان نتيجتها انه طردهم بعدما أكلوا الخراف والدجاجات وبقي محافظاً على البيت من التخريب وها هو يحرسه إلى الآن ،ولا بد للمزارع أن يكافئه على هذه الحراسة والوفاء ،وما أن استقر على هذه الفكرة حتى انقض على آخر الخراف .. وعندما عاد المزارع من سفره لم يجد الدجاجات ولا الخراف ولا حتى الوحش إذ أن هذا الأخير بقيت المكافأة بفكره حتى جاع.. ورحل ليفتش عن غذائه في مكان آخر بعد أن اعاث البيت فساد من تفتيشه على شيء يؤكل يكون قد خبأه المزارع للمونة...
#مجتبى_حسن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بوصلة الانسان
-
الفكر المسطّح
-
هل بالصراخ يُخرج المجتمع من غيبوبته
-
تأخر سن الزواج و الجوع الجنسي
-
عندما يبكي الأب
-
عفوا
-
الفاقة
-
ديمقراطية الدجاج
-
من هو الخاسر
-
من رحم امها تصرخ لا
-
جدلية بين الحاضر والماضي
-
اشياء لا تصدق
-
ارباب الفكر الميت
-
بلسان مواطن
-
حكايتان -اه يا ام - ليست امنا
-
عقلية التكفير
-
من الرجل
-
الديمقراطية وامكانية تطبيقها
-
يعلم لكنه يخاف
-
زمن الحكمة في قص اللسان
المزيد.....
-
الجزيرة 360 تعرض فيلم -عيون غزة- في مهرجان إدفا
-
من باريس إلى عمّان .. -النجمات- معرض يحتفي برائدات الفن والم
...
-
الإعلان عن النسخة الثالثة من «ملتقى تعبير الأدبي» في دبي
-
ندوة خاصة حول جائزة الشيخ حمد للترجمة في معرض الكويت الدولي
...
-
حفل ختام النسخة الخامسة عشرة من مهرجان العين للكتاب
-
مش هتقدر تغمض عينيك “تردد قناة روتانا سينما الجديد 2025” ..
...
-
مش هتقدر تبطل ضحك “تردد قناة ميلودي أفلام 2025” .. تعرض أفلا
...
-
وفاة الأديب الجنوب أفريقي بريتنباخ المناهض لنظام الفصل العنص
...
-
شاهد إضاءة شجرة عيد الميلاد العملاقة في لشبونة ومليونا مصباح
...
-
فيينا تضيف معرض مشترك للفنانين سعدون والعزاوي
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|