|
شروخ الأزمة السورية تنتهك كيان الأسرة
إيمان أحمد ونوس
الحوار المتمدن-العدد: 4030 - 2013 / 3 / 13 - 11:31
المحور:
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
لا شكّ أن الاصطفافات التي قامت عليها الأزمة السورية منذ يومها الأول(موالاة/ معارضة) قد أرخت بظلالها على معظم الأسر السورية بمختلف شرائحها ومستوياتها، حتى باتت تلك الأسرة ميدان حامي الوطيس في كثير من الأحيان بين الأزواج كطرفين مختلفين من جهة، وبين الآباء والأولاد من جهة أخرى، وكذلك بين الأخوة أنفسهم والذين انقسموا أيضاً ما بين مؤيد ومعارض حتى كادت المعارك الحقيقية تنشب بين تلك الأطراف داخل البيت الواحد، مما خلق توتراً دائماً محوّلاً تلك الواحة الوادعة إلى جحيم لا يُطاق بين مكوّنات هذه الأسرة والتي يمكن أن نراها على النحو التالي: - العلاقة بين الزوجين: أرخت الأزمة بثقلها على العلاقة بين الزوجين في العديد من الأُسر، حيث نشأت الخلافات بدايةً على المستوى السياسي، حتى وصلت حدّ المهاترات اليومية لتشمل باقي نواحي تلك العلاقة، مما جعل النفور يطغى على كل ما بينهما وعلى جميع مسؤولياتهما المنوطة بهما داخل تلك الخلية، ما خلق شروخاً لم تكن ظاهرة ما قبل الأزمة بالشكل الذي صارت عليه بعدها، إضافة إلى أن تلك الشروخ ذاتها قد اتسعت حتى وصلت حدود الهجر أو ما يُسمى بالطلاق العاطفي، أو حتى الطلاق الفعلي، وهذا ما يوضح أحد أهم أسباب ارتفاع نسبة الطلاق بعد الأزمة إلى(24%) حسب الإحصائيات الرسمية في سوريا. وهذا بدوره أرخى بثقله على الأولاد الذين تشتتوا ما بين الأبوين ومواقفهما المتباينة حيال ما يجري في الوقت الذي كان يُفترض بهما أن يكونا البوصلة التي ترصد وتدقق مواقف وتحركات الأبناء فتبعدهم عن مسارات تضرُّ بمستقبلهم. - العلاقة بين الآباء والأبناء: طاولت الظروف ذاتها العلاقة بين الآباء كطرف والأبناء كطرف مقابل حتى باتت علاقة تحكمها الخلافات الدائمة والمشاحنات التي غالباً ما تنتهي بالخصام في أفضل الأحوال، أو بالقطيعة والتهديد، وربما وصلت في كثير من الأحيان حدّ الضرب من قبل الأهل أو طردهم للأبناء من البيت لما قد يُجلبه بعضهم- برأي الأهل- من أضرار نتيجة مواقف قد تُلحق الأذى بالأسرة كلها، أو ربما تؤثّر سلباً على مستقبلهم الدراسي أو المهني أو الاجتماعي، وبالتالي هذا الوضع بشكل عام جعل القلق والوساوس سيّد الموقف بالنسبة للآباء الذين أصبحوا حرّاس دائمين على الأبناء يحصون تحركاتهم وهواتفهم وحتى علاقتهم برفاقهم أو زملائهم، مما ضيّق الخناق على الأبناء ودفعهم مرغمين لهجر البيت بشكل متواتر أو نهائي، وبالتالي يُصبح هؤلاء الأبناء لقمة سائغة في طريق أيّة انحرافات أو انجرافات تفرضها الظروف الراهنة في البلاد ما قد يحرفهم عن مسارهم الطبيعي في الدراسة أو العمل، أو حتى في العلاقات الاجتماعية- الإنسانية التي تتطلبها الحياة بشكل عام، لاسيما في تلك الأزمة التي يعيشها المجتمع راضياً أو مرغماً. - العلاقة بين الأخوة أنفسهم، والتي تعرّضت في غالب الأُسر إلى شروخ صار من العسير ردم الهوّة التي أحدثتها بين أخوة كانوا فيما مضى يتقاسمون الحياة بفرحها وحزنها، كما يتقاسمون لقمة العيش والهواء، فانقلب الحال بينهم إلى مشاحنات دائمة ومشاجرات مستمرة وصلت في كثير من الحالات إلى الضرب والعنف غير المسبوق في هذه الأُسر، والذي دفع بالبعض من الأخوة ضعاف النفوس إلى التهديد بالوشاية بإخوتهم الذين يخالفونهم الرأي حول ما يجري في البلاد. طبعاً هذا كله أمام أعين آباء باتوا مشتتين ما بين الأبناء وخلافاتهم، متحسرين على ما أصاب الأسرة من نزاعات ومهاترات عملت على تخريب أواصر العلاقة بين أفرادها بشكل عام، وفي أحيانٍ أخرى، وبدل أن يتخذ الأبوان موقف الحكم الإيجابي بين الأبناء كي يُطفئا لظى النار المشتعلة بين الأخوة، فإنهما يقفان في صف أحد الطرفين، مما يزيد في تفاقم الوضع والحقد بين الأخوة جرّاء مواقف اعتبرها الأبناء تمييزية، ما عزز مشاعر مكبوتة لدى بعضهم كانت كامنة قبل الأزمة. إن هذه الظروف والأوضاع التي ألمّت بالكثير الكثير من الأُسر السورية على امتداد مساحة الوطن، قد خلخلت كيان هذه الأُسر، وأحالتها إلى كيانات مهلهلة يتبعثر أفرادها بين ركام ما خلّفته الأزمة التي تعيشها البلاد، والتي طالت نيرانها الخلية الأساسية في الحياة، مما أحال المجتمع برمته إلى أفراد مهزومين أمام أحلامهم من جهة، ومشتتين أمام أواصر القربى والدم التي انهزمت أمام رياح عاتية لم يكن أيٌّ من أفراد الأسرة، ولا المجتمع بمستعدٍ لاستقبالها أو مواجهتها لا نفسياً ولا ثقافياً ولا فكرياً، بمعنى أننا شعوب وأفراد لم نعتد الديمقراطية ولا الحرية القائمة على حق الاختلاف في الرأي والتفكير، ولا على التنوّع الذي يفرضه الواقع الذي نحيا، بل على العكس، نحن أفراد رُبّينا في جميع مناحي حياتنا على التبعية المطلقة التي فرضتها القيم الاجتماعية والدينية والسياسية، كما فرضتها نُظمنا التربوية في مؤسساتنا التعليمية بمختلف مراحلها، وكذلك فرضتها الأحزاب السياسية على اختلاف مشاربها وتوجهاتها النظرية والفكرية. وهذا يتطلب من الجميع الآن، خاصة أننا نعيش أسوأ مرحلة في تاريخ بلادنا، إعادة النظر بعلاقاتنا الأسرية والاجتماعية والسياسية والدينية، ومحاولة التعامل مع الآخر المختلف معنا بآرائه ومعتقداته بمنظار مختلف عمّا نعيشه ونتعامل به الآن، ومن ثمّ إعادة النظر بما يجري على الأرض علّنا نتمكن من إنقاذ ما تبقى لنا من أهل وأصدقاء ورفاق عشنا ونعيش معهم في بلد من أغنى بلدان العالم من حيث التنوّع الاجتماعي والثقافي والديني والسياسي، ونصون ما تبقى من وطنٍ اسمه سوريا.
#إيمان_أحمد_ونوس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
في عيد المرأة.. نساء بلادي المعمّدة بالدم يتشحن بالذلّ والحز
...
-
أخلاقيات مشوّهة في أزمات قاتلة
-
الأنوثة بين سندان الحاجة ومطرقة القيم والقانون
-
التحرّش الجنسي.. أخلاقيات شاذّة منحطّة
-
إشراك الأطفال في النزاعات المسلحة جريمة لا تُغتفر
-
وللرجل- الحاضر الغائب- متاعبه وهمومه
-
الراتب خلفنا، والغلاء أمامنا..فأين المفر؟
-
في اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة فليعلُ صوت النساء ع
...
-
البطاقة العائلية... ومعضلة استحقاقات المرأة
-
الآثار الاجتماعية والنفسية للنزاعات المسلحة على المرأة
-
نظرية ما بعد البنيوية والنسوة في الشرق الأوسط، هل ندور في حل
...
-
النسوية العربية: رؤية نقدية - ماذا تريد النساء.؟
-
النسوية العربية: رؤية نقدية
-
الطلاق العاطفي ... صقيع يغتال الحياة
-
تناقض صارخ.. بعد تشكيله لجنة حقوق المرأة والطفل والأسرة
-
هل ينهض الفينيق من رماده
-
أهمية عمل المرأة من منظور الرجل
-
أما آن الأوان لرفع التحفظات عن السيداو..؟
-
مؤشر خطير على وضع المرأة السورية تراجع تمثيلها في البرلمان ع
...
-
الاغتصاب الزوجي.. أشد فتكاً بالمرأة.
المزيد.....
-
جريمة تزويج القاصرات.. هل ترعاها الدولة المصرية؟
-
رابط التسجيل في منحة المرأة الماكثة في المنزل 2024 الجزائر …
...
-
دارين الأحمر قصة العنف الأبوي الذي يطارد النازحات في لبنان
-
السيد الصدر: أمريكا أثبتت مدى تعطشها لدماء الاطفال والنساء و
...
-
دراسة: الضغط النفسي للأم أثناء الحمل يزيد احتمالية إصابة أطف
...
-
كــم مبلغ منحة المرأة الماكثة في البيت 2024.. الوكالة الوطني
...
-
قناة الأسرة العربية.. تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك أبو ظبي ش
...
-
تتصرف ازاي لو مارست ج-نس غير محمي؟
-
-مخدر الاغتصاب- في مصر.. معلومات مبسطة ونصيحة
-
اعترف باغتصاب زوجته.. المرافعات متواصلة في قضية جيزيل بيليكو
...
المزيد.....
-
الحركة النسوية الإسلامية: المناهج والتحديات
/ ريتا فرج
-
واقع المرأة في إفريقيا جنوب الصحراء
/ ابراهيم محمد جبريل
-
الساحرات، القابلات والممرضات: تاريخ المعالِجات
/ بربارة أيرينريش
-
المرأة الإفريقية والآسيوية وتحديات العصر الرقمي
/ ابراهيم محمد جبريل
-
بعد عقدين من التغيير.. المرأة أسيرة السلطة ألذكورية
/ حنان سالم
-
قرنٌ على ميلاد النسوية في العراق: وكأننا في أول الطريق
/ بلسم مصطفى
-
مشاركة النساء والفتيات في الشأن العام دراسة إستطلاعية
/ رابطة المرأة العراقية
-
اضطهاد النساء مقاربة نقدية
/ رضا الظاهر
-
تأثير جائحة كورونا في الواقع الاقتصادي والاجتماعي والنفسي لل
...
/ رابطة المرأة العراقية
-
وضع النساء في منطقتنا وآفاق التحرر، المنظور الماركسي ضد المن
...
/ أنس رحيمي
المزيد.....
|