ميشيل نجيب
كاتب نقدى
(Michael Nagib)
الحوار المتمدن-العدد: 4029 - 2013 / 3 / 12 - 16:17
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
مما لا شك فيه أن الواقع المصرى منذ خروج مبارك وورثته من الساحة السياسية، لم يتغير فيه شيئاً إلا تعاظم المشاكل والغضب الشعبى ضد ورثة مبارك الحقيقيين الذين وثبوا على الحكم من خلال خيانة المجلس العسكرى الذى حكم الفترة الأنتقالية بعد مبارك، وكان البعض ممن يحبذون تجربة جماعات الإسلام السياسى فى الحكم لعلهم يتقون المبادئ والقيم والأخلاق الذين يدعون إليها، ويطبقونها فى الواقع الإجتماعى والسياسى لكن كانت الصدمة كبيرة للجميع ومع توالى أيام حكم جماعات الإسلام السياسى بقيادة الإخوان المسلمين والسلفيين والجماعات الإسلامية الأخرى، أختنقت الجماهير بكثرة الأخطاء التى تصدرها تلك الجماعات ممثلة فى شخص مرسى رئيساً للجمهورية وتراجعاته المستمرة فى قراراته، مما دفع بالغاضبين والمغضوب عليهم من المعارضين لنظام مرسى الإخوان إلى النزول إلى الشوارع والطرقات التى أطاحت بمبارك، لكن نظام الإسلام السياسى لم يتعلم ولم يتعظ من أستبداد وطغيان نظام مبارك فلم يتوانى نظام مرسى لحظة فى ضرب المواطنين بعنف لتسيل الدماء من جديد لتدرك الجماهير أنه لا فرق بين إخوان مبارك أو إخوان مرسى فالطغيان يجمع بينهم.
لقد صنع المجلس العسكرى من جماعات زرعت الخوف والإرهاب والقتل فى المجتمع المصرى فى أيام حكم مبارك والسادات، جماعات إنسانية تحكم تسعين مليون مصرى لكنهم للأسف لم يستطيعوا تغيير منهجهم ومبادئهم الطاغية على إنسانيتهم، لذلك رأينا نزيف الدماء من نظام يضرب شعبه ويحاول أن يلقى بالتهم والجريمة على بلطجية وفلول ومجهولون وهى مصطلحات قام بترويجها إعلام نظام مرسى الإسلامى وحلفائه الأتقياء، إن ما يحدث هو خيانة كبرى للقيم والمبادئ الإنسانية ويوظفون طاقاتهم لخطط ومشاريع وممارسات تتخذ من القتل والموت غاية لتحقيق أهداف غريبة عن إنسانية الإنسان المعاصر، أهداف وأفكار ونصوص تراثية أهدرت حقوق وحريات الإنسان فى الماضى، ويحاولون أستعادتها لتطبيقها على مجتمعنا الإنسانى المعاصر، ولا يدركون الفرق الشاسع بين وقائع وأحداث تاريخية وقعت فى عصور البداوة والجاهلية العلمية والثقافية وبين عصرنا وزمننا الحاضر الذى ينعم بالتحضر والعلم والثقافة والتقدم حيث الإنسان تخطى حدود الزمن البدوى من خيام وجمال وأحصنة وسيوف وتمييز عنصرى بين العبدة والحرة بملابس تقيم حدود فاصلة بين الأحرار والعبيد، تلك التفرقة التى تفضح تلك القيم التى لا مكان لها فى يومنا هذا حيث الجميع أحرار.
إن إهداء المجلس العسكرى الثورة المصرية على طبق من ذهب للإخوان المسلمين كان خيانة مزدوجة، لأن سماح وإهداء الثورة والحكم للجماعة المحظورة كان بالتوافق بين المجلس العسكرى والولايات المتحدة الأمريكية، والأثنين لا يجهلون تاريخ الجماعة المحظورة وما أرتكبته فى حق مصر وشعبها من جرائم، وكل هذا يجعل كل إنسان وطنى يطالب بمحاكمة النظام الإخوانى وحلفائه من الإسلاميين الذين يسيسون الدين لتحقيق مطامعهم الدنيونية فى إرجاع عقارب الزمن إلى الوراء، والتمادى فى الغلو والتطرف الفكرى والدينى على حساب الأنفس البشرية التى تنساق إلى الذبح والقتل دون إعمال العقل فيما يرتكبونه من جرائم ضد الإنسانية، لأول مرة فى التاريخ الدينى نرى تلك الأفكار التى لا ترى أمامها إلا كراهية عمياء تملأ صدورهم وعقولهم ضد الآخر المختلف معهم والذى جعلوا منه عدواً لا بد من التخلص منه بشتى السبل والوسائل حتى ولو كان الدين ذاته يرفض تلك النازية فى تنفيذ جرائمهم.
إن الطغاة لا يريدون الأعتراف بفشلهم وعجزهم وعدم قدرتهم على إدارة شئون الدولة لذلك نراهم مستمرون فى سلوك الطغاة أى أستخدام العنف والقوة فى التعامل مع المتظاهرين والمحتجين والمعارضين لفشله حتى الآن فى إيجاد حلول حقيقية للمشاكل الوطنية، حيث أكتشف الجميع إنشغال النظام بتحقيق مطامعه فى نشر أتباعه فى جميع مؤسسات الدولة وتركوا وزارة الداخلية تعانى من المشاكل ووضعوا على رأسها واحداً يمثل الجماعة المحظورة لينفذ إرادتها، والنتيجة التى أنتظروها تحققت وهى أنتشار الفوضى والمذابح والسحل وضرب الأبرياء فى المظاهرات حتى فاض الكيل بجنود الأمن المركزى ورجال الشرطة الأوفياء، الذين رفضوا الدخول فى السياسة والوقوف فى صف مرسى وإخوانه ورفضوا ضرب الشعب الذى يعملون لحمايته والدفاع عنه وليس الدخول معه فى حرب قتالية من أجل خطط الإسلام السياسى.
إن عشوائيات التفكير السياسى لأفراد جماعة الإخوان الجماعة المحظورة الذين وصلوا للحكم يجعلهم يعملون ويستمرون ضد القانون لأن جماعتهم وعلى رأسها مرسى يعتبر إنتخابه رئيساً هو عمل ضد القانون ولا يحترم القانون، بل أن عشوائية فكر الجماعات الإسلامية أنها تزوال أعمال ضد القوانين المدنية التى يخضع لها كل مواطن مصرى، فهل بعد ذلك ننتظر ان يخرج شيئاً صالحاً من جعبة الفكر الدينى لجماعات محظورة قانوناً وفكراً وممارسة؟
كثرة التجاوزات الحاكمة ضد الدولة وشعبها يضعنا أمام طغيان لا يحترم بلده وشعبه ومستمر فى تجاوزاته حيث يتمسك بحكومة وزارية فاشلة، وتشويه متعمد للإعلام والقضاء والتلاعب بالقضايا المنظورة أمام المحاكم والأتهامات التى تصدر ضد المواطنين حسب الطلب وأوامر الجماعة المحظورة بعد أن تم تعيين نائب عام مخصص لتلبية طلبات وأوامر الرئاسة الإخوانية، أى أن الجميع من حول مرسى يتمتعون بالسمع والطاعة للرئيس الحقيقى لمصر والذى يقدم له السمع والطاعة مرسى نفسه أيضاً ألا وهو محمد بديع مرشد الإخوان والرئاسة المصرية، كل هذا يرشدنا إلى أسباب ومصادر الطغيان والأنحطاط المدنى الذى يخيم على أركان الدولة المصرية، لقد أثبت الطغاة الجدد خلال الشهور الأخيرة ضآلة قدراتهم السياسية والإدارية والأقتصادية والإجتماعية والعلمية، وأنهم فى تحدى مستمر للقوانين والأعراف الدولية لأنهم فقراء فى كل شئ.
مصر تحتاج إلى ثورة التطهير من كل فاسد ومستبد وطاغية والتطهير يحتاج إلى محاكمات ثورية حقيقية ليست كتلك المحاكمات الهزلية التى أقامها المجلس العسكرى ضد مبارك وتبناها الإخوان لأنها محاكمات لا تقيم العدل بل تنظر إلى التوازنات الإقليمية والدولية، لذلك رأينا البراءات المستمرة لرموز النظام السابق والمصالحات معهم.
وسط المؤشرات الكثيرة الدالة على طغيان النظام الحالى وطغيان الداعمين له بالرغم من تدنى الدعم الشعبى لهم أخيراً فى الجامعات والنقابات والشارع المصرى نفسه، هل ستستمر ثورة الشعب ضد هذا الطغيان الدينى الذى يريد أحتكار الوطن والسياسة بأسم الإسلام السياسى؟
#ميشيل_نجيب (هاشتاغ)
Michael_Nagib#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟