الناصر لعماري
الحوار المتمدن-العدد: 4028 - 2013 / 3 / 11 - 13:53
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
في كل دين هناك مكان رائع للأخيار يدخلونه بعد الموت, في الإسلام يسمى الجنة و هي حديقة كبيرة فيها ما لذ و طب من الطعام و الشراب و الحوريات الجميلات أما في المسيحية فتسمى الملكوت و فيها يصير البشر كالملائكة. و في كل دين أيضا هناك شروط لدخول هذا المكان الرائع على رأسها أو ربما تتلخص في الإيمان بالدين و إله هذا الدين و كل ما يدعيه الدين, و هنا تثار أسئلة مثل : من يقبل الإيمان و من يرفضه ؟ و على أي أساس ؟
يعني بالتأكيد قد مر على عقول كل مؤمن أفكار يتساءل فيها عن لماذا سيدخل الكثير من الناس إلي جهنم و لماذا لا يؤمن كل الناس بالدين الحق (كل واحد يظن ان دينه حق) و لماذا يخلق الله بشرا و هو يعرف جيدا بسابق علمه أنهم سيذهبون للمكان الرهيب بعد الموت. يعني لو خطفنا البابا شنودة و هو طفل و بدلناه مع الشيخ القرضاوي و هو طفل هل كان سيصبح شنودة البابا شنودة و القرضاوي الشيخ القرضاوي أم أن كل واحد سيتكيف مع بيئته و يندمج مع محيطه و يصير كواحد من الأهل الذين ربوه ؟
و الحقيقة أن كل دين له إجابة على تلك الأسئلة هي جزء من فلسفة هذا الدين و لكنها تنحصر كليا في إجابات عن أسئلة أزلية مثل : هل الإنسان مخير ام مسير ؟ و ما هي طبيعة الإنسان ؟ هل هو طيب و خيّر بالفطرة أم هو شرير و لعين بالوراثة ؟
في المسيحية : الإنسان مسير إلي الشر
يقول البابا شنودة أن الإنسان في المسيحية مخير و أن الشرور التي يقوم بها هي رغم إرادة الله. فهناك فرق بين إرادة الله من ناحية و سماحه و علمه من ناحية أخرى, يعني الشرور لا يمكن أن تتم بإرادة الله لأن الله في المسيحية طيب لا يريد الشر.” يريد أن الجميع يخلصون ، وإلي معرفة الحق يقبلون ” و بالتالي فكل الخير الذي يتم علي الأرض للناس أو من الناس إنما يتم بإرادة الله. أما الشر, فالله أعطي الإنسان حرية إرادة و يسمح له بأن يفعل ما يشاء خيراً كان ام شراً، وإلا صار مسيراً . فالخير الذي يفعله بإرادة الله والشر الذي يعمله إنما يكون بسماح من الله و ليس بإرادته .
و لكن يبدو ان الله في المسيحية يخالف البابا شنودة لأنه بحسب نص الكتاب المقدس قد تدخل و غلظ قلب فرعون فقط لكي يصنع أعاجيبه أمام الشعب اليهودي : { ثم قال الرب لموسى ادخل الى فرعون فاني اغلظت قلبه و قلوب عبيده لكي اصنع اياتي هذه بينهم } (خر 10 : 1) يعني الله لديه الإستعداد و لديه سوابق في التدخل في حرية الإنسان المقدسة و إختياره الحر فقط لكي يمارس ألاعيبه و أعاجيبه فقط.
ثم إن طبيعة الإنسان فاسدة, أفسدها آدم بالخطية حينما أكل من شجرة معرفة الخير و الشر . يقول داود : “هئنذا بالإثم صورت و بالخطية حبلت بي أمي” مزمور 51: 5 , و يقول بولس مؤكداً حقيقة فساد الطبيعة الإنسانية بالوراثة : “من اجل ذلك كانما بانسان واحد دخلت الخطية الى العالم و بالخطية الموت و هكذا اجتاز الموت الى جميع الناس اذ اخطا الجميع.” رومية 5: 12. و رغم إن الناس المولودين من آدم و حواء ليس لهم ذنب في فساد طبيعتهم إلا أنهم يولدون بهذا الفساد.
و بالطبع لا يعني فساد طبيعة الإنسان إلا أنه مسير نحو فعل الشر, مسير بعناد و إصرار من الله الذي يخلق الناس جميعا بهذا الفساد في الطبيعة و التسيير نحو الشر. و لهذا فإن الإنسان الطبيعي لا يقبل الإيمان المسيحي بحسب كلام بولس في الرسالة الأولي إلي أهل كورنثوس (2: 14) “ولكن الإنسان الطبيعي لا يقبل ما لروح الله لأنه عنده جهالة. ولايقدر أن يعرفه لأنه إنما يحكم فيه روحياً”, لكن طالما أن الإنسان الطبيعي جاهل و لا يمكنه لوحده أن يعرف الله و حكمته فلماذا لا يعلن الله نفسه لكل الناس أو يظهر لهم نفسه كما ظهر لبولس ؟, بل كيف يتعرف المسيحيون على الله و المسيحية ؟ الإجابة في نفس الإصحاح آية 10 يقول بولس ” فاعلنه الله لنا نحن بروحه”, إذن فحكمة الله يعلنها الله لبعض الناس عن طريق روحه القدوس فتنصلح طبيعتهم و يصبحوا بشر روحيين بدلا من البشر الطبيعيين.
واضح إذن أن إله المسيحية إله ظالم, يعني هو يختار بعض الناس ليظهر لهم و يعلن لهم حكمته بينما يترك البعض الآخر لطبيعتهم الفاسدة, يختار بشرا فيغلظ قلوبهم لكي يصنع أعاجيبه, بل أنه يخلق كل البشر فاسدين يميلون إلي الخطية و فعل الشر, بل إن المسيح شخصيا قد صرح بأن بعض الناس لا يستحقوا الإيمان المسيحي ولا أن يقدم لهم أي تعليم أو شيء له قيمة و الدليل هو كلامه شخصيا : لا تعطوا القدس للكلاب و لا تطرحوا درركم قدام الخنازير لئلا تدوسها بارجلها و تلتفت فتمزقكم (مت 7 : 6), يعني هو يعتبر بعض الناس كلاب و خنازير لا يستحقوا أن تقدم لهم المقدسات و الدرر لأنهم لن يعرفوا قيمتها. و هنا تأتي الأسئلة : لماذا خلق الله بعض الناس مثل الكلاب و الخنازير أصلا ؟ و كيف يمكن أن ننتظر من بشر طبيعيين لم يظهر لهم الله أو يعلن لهم حكمته أن يكونوا أخيارا و صالحين ؟
بالطبع هناك الكثير من الآيات التي تقول أن الله يحب كل الناس و يريد الخلاص لكل الناس مثل : { الذي يريد ان جميع الناس يخلصون و الى معرفة الحق يقبلون } (1تي 2 : 4) و لكن هناك آية تؤكد ان الله تدخل و غلظ قلب فرعون و آيات كثيرة تقول أن الناس طبيعتهم فاسدة و هذا تناقض واضح مع حرية الإرادة المزعومة. لان الإرادة الحرة لا يتحكم بها الإله كيفما شاء و لان الإرادة الحرة لا تكون شريرة أو طيبة بطبيعتها الأصلية بل تكون حرة من أي إنحياز او ميل.
في الإسلام : الله يهدي من يشاء و يترك الباقي
يقول الله في بعض الآيات أن الإنسان مخير : (لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ * وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) (28-29) سورة التكوير. و أيضا : (تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (67) سورة الأنفال. {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ} (46) سورة فصلت.
لكن هناك بعض الآيات التي تقول أن الإنسان مسير بقدر سابق : (هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ) (22) سورة يونس. وقال محمد : (كل شيء بقدر حتى العجز والكيس). وقال الله : ( مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا) (22) سورة الحديد. و أيضا : (مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ) (11) سورة التغابن.
لكن هناك آية شديدة الوضوح تقول أن الهداية و الضلال هم بحسب المزاج الشخصي لله : ( فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً ) (الأنعام :125) و أيضا { قُلْ إِنَّ اللّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاء وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ } (27) سورة الرعد, بل إن محمد أيضا يؤكد ان كل واحد من المعروف سلفا مكانه : في الصحيحين عن النبي أنه قال لأصحابه ذات يوم: (ما منكم من أحد إلا وقد علم مقعده من الجنة و مقعده من النار، قالوا: يا رسول الله ففيم نعمل؟ قال : اعملوا فكل ميسر لما خلق له. أما أهل السعادة، فميسر لأعمال أهل السعادة، وأما أهل الشقاوة، فميسر لأعمال أهل الشقاوة.
و مع إن هناك بعض الآيات التي تقول أن الإنسان مؤمن بالله و ميال للدين الصحيح بطبيعته مثل : { فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ } (الروم:30) وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله: “ما من مولود إلا يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه، تنتج البهيمة بهيمة جمعا هل تحسون فيها من جدعاء..”
و لكن هناك بشر لا يسمعون و لا يفهمون و أضل من البهائم : {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا} سورة الفرقان/44 و بالطبع هؤلاء هم الذين لا يتبعون الله و دينه و تعاليمه.
لماذا خلق الله هؤلاء الناس كالأنعام أم أنه خلقهم في أحسن تقويم و الشيطان هو من أفسد طبيعتهم ؟ ثم لماذا لا يشاء الله أن يهدي هؤلاء للإسلام ؟ و لماذا يعد لهم مقاعد في النار بدلا من أن يشرح صدرهم للإيمان ؟
و هنا يتبين أي منصف أن الله ظالم لأنه يسير الناس و يشرح صدرهم أو يجعل صدرهم ضيقا فيهديهم أو يضلهم حسب مزاجه الشخصي في الناس الذين خلقهم جميعا من طينة واحدة. ولا يمكن ان نعرف بأي منطق يختار الله بعض الناس صنيعة يديه لكي يكونوا اخيارا مصيرهم الجنة و يختار آخرين هم صنيعة يديه أيضا لكي يكونوا أشرار مصيرهم جهنم. يعني أي إنسان يصنع عرائس لكي يحطم نصفهم و يلقيهم في النار : إلا إذا كان مجنونا. فهل الله هو أيضا مجنون أم أنه يلعب بالبشر لكي يتسلى
في النهاية فإن إله مجنون له هذة العقلية المريضة لا يمكن لأحد أن يتوقع تصرفاته فهو قادر و يمكنه أن يرسل كل الناس إلي جهنم دفعه واحدة, على أي حال فإن معظم البشرية الآن ليسوا مسيحيين أو مسلمين و هذا يعني انه سيرسلهم جميعا إلي جهنم بمنطق هذين الدينين..
#الناصر_لعماري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟