|
الأهرام وحضارة البناء والتشييد
طلعت رضوان
الحوار المتمدن-العدد: 4026 - 2013 / 3 / 9 - 20:58
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
الأهرام وحضارة البناء والتشييد طلعت رضوان رأى بعض الكتاب أنّ الحضارة المصرية هى ((حضارة السخرة الإنشائية من أهرامات ومعابد)) وكتب آخر أنّ ((ألوف البشر ظلوا يعملون عشرات السنين لينشئوا قبرًا لإنسان واحد)) بينما يرى الأصوليون الإسلاميون هدم كل الآثار بما فيها الأهرام . وأخيرًا قرأنا عن اقتراح تأجيرها . الأهرام والمعابد جزء أصيل من تراث مصر. وهذا التراث (مع تراث شعوب أخرى) شكل منظومة عالمية تحكى قصة قدرة الإنسان على الإبداع الذى يبدأ بالخيال وينتهى بالتصميم . فالهرم كمثال بدأ بالخيال الإنسانى نحو الصعود إلى السماء ، فكلمة (مر) فى اللغة المصرية القديمة فى المرحلة الهيروغليفية تعنى (الهرم) أى الصعود . ولخص عالم المصريات برستد مهارة المصريين القدماء فى فن العمارة قائلا ((رغم أنّ أهل بابل تقدّموا فى تشييد المبانى الضخمة فإنهم لم يبتكروا الأعمدة التى صنعتها مصر بمهارة وإتقان فى غضون الألف الرابعة قبل الميلاد . لذلك يرجع الفضل فى حل لغز التشييد البنائى إلى قدماء المصريين)) إنّ من ينظرون إلى الهرم على أنه ((مقبرة لفرد واحد إلخ)) يتجاهلون أنّ بناء الأهرام جمع بين علوم الهندسة والرياضيات والفلك . وعلى سبيل المثال فإنّ هرم خوفو (أول ملوك الأسرة الرابعة (2551- 2528 ق.م) بلغ ارتفاعه 480 قدمًا . أما القاعدة فمربعة ويبلغ طول أحد أضلاعها 750 قدمًا ولا تزيد نسبة الخطأ فى الطول والمسطح والفراغ عن 1/ 10000 (واحد على عشرة آلاف) ويُستدل على دقة بناء الهرم بتلاصق صخوره الضخمة التى يقترب وزن بعضها بضعة أطنان . ولا تزيد مساحتها عن واحد على عشرة آلاف من البوصة. كما أنّ هذه الدقة فى السطوح والحافات تشمل مساحات تـُقدر بالأفدنة ، مما لا يمكن مقارنته بدقة المهندسين العصريين الذين لا تتعدى دقتهم قى الصناعة بضعة أقدام أو ياردات . وردًا على ادعاء السُخرة ذكر كثيرون من بينهم كمثال العالم (بترى) أنّ العمل كان يجرى أثناء موسم الفيضان ، أى بين آخر يوليو وآخر أكتوبر، وهو الوقت الذى لا تـُزرع فيه الأرض ، ويكون معظم الأهالى بلا عمل ((وأنّ الأهرام شيّدها بناؤون مهرة وكانوا يسكنون فى مبانٍ غرب هرم خفرع)) وهى المبانى التى اكتشفها (بترى) مع فريق عمله. ورغم أنّ الهرم المُدرج أبسط كثيرًا من هرم خوفو فإنّ عالم المصريات (أ.أ.س. إدواردز) يرى أنه ((لو ألقينا نظرة عامة على الهرم المُدرج ، لوجدنا أننا لا نعدو الحقيقة إذا قلنا أنه من أحسن الأعمال المعمارية التى خلفها قدماء المصريين)) وكتب أيضًا ((حاول كثيرون ممن كتبوا عن الهرم الأكبر أنْ يعقدوا مقارنات بين حجمه وحجم بعض المبانى الأخرى المشهورة ، فحسبوا مثلا أنّ مبانى البرلمان البريطانى وكنيسة القديس بولس فى لندن يُمكن وضعها داخل مساحة قاعدته وتبقى منها مساحة كبيرة خالية. وفى حساب آخر عن مساحة الهرم وجدوا أنها تسع كاتدرائيات فلورنسا وميلان والقديس بطرس . كما حسبوا أيضًا أنهم إذا قطعوا كمية أحجار الهرم إلى مكعبات بحجم قدم مربع ووُضعتْ هذه المُكعبات فى صف واحد فإنها تمتد إلى مسافة طولها ثلثا محيط الكرة الأرضية عند خط الاستواء . وقرّر عالم الرياضيات (يونج) أنه أمّن (= وافق) على هذا الحساب)) كما أنّ المصريين القدماء ((بجانب إتقانهم الكامل لفن رفع الأحجار الثقيلة ، فقد أتقنوا أيضًا فن قطع ونحت الأحجار الصلبة)) وقبل البناء كان يتم إعداد دراسة عن أفضل المواقع المناسبة. وكان أول عمل يقوم به المُشرفون على البناء هو إزالة الطبقة السميكة من الرمال والحصى فوق سطح الصحراء ، لكى يُقام البناء على أساس ثابت من الصخر. ثم تبدأ بعد ذلك عملية تسوية الصخر وتهذيبه. وكان آخر ما يفعلونه من العمليات التمهيدية فى إعداد الموقع عمل دراسة دقيقة لكى يتأكدوا من أنّ قاعدة الهرم تأخذ بقدر الإمكان شكل المربع الكامل . كما أنّ ضآلة الخطأ فى جوانب الهرم التى يزيد طولها عن 9000 بوصة هى الحقيقة التى تدعو إلى الإعجاب ، خصوصًا عندما نتذكر أنّ وجود النتوء الصخرى فى الوسط يجعل من الصعب قياس أقطار المربع قياسًا صحيحًا)) أما عن استخدام علم الفلك ((فليس من المُستطاع ضبط جوانب الهرم نحو الجهات الأربع الرئيسية إلاّ بمساعدة جُرم أو أكثر من الأجرام السماوية ، فى وقت كانت البوصلة فيه- بكل تأكيد – غير معروفة. على أنّ قدماء المصريين نجحوا فى هذا نجاحًا كادوا يصلون فيه إلى حد الكمال)) وكتبتْ د. مرجرت مرى ((لقد أصبتْ بابل وحدائقها كومة من الأنقاض يعمها الخراب ، كأنما هى مدينة دمّرتها القنابل . أما تمثال زيوس فقد تحطم منذ زمن طويل . ومعبد ديّنا تهدم تمامًا ولم يبق منه إلاّ بعض آثار قليلة. وتمثال رودس العظيم لا أثر له إلاّ فى الخيال بعد أنْ زال واختفى تمامًا . ومنارة الإسكندرية ذهبتْ دون أنْ تترك أثرًا تقريبًا . فمن العجائب السبع تتبقى أهرام مصر وحدها ، تكاد تكون سليمة. وهى لا تزال ترتفع بهاماتها شامخة تـُسيطر على المنظر وتتحدى يد الزمان المُخرّبة بل ويد الإنسان الأشد تخريبًا . وهى بالغة العظمة والضخامة. كما أنها أقدم المبانى العظيمة فى العالم كله)) وذكر أ. صبحى شفيق أنّ أول كتاب يتسلمه التلميذ بالمدارس الابتدائية فى أوروبا ، على صفحته الأولى صورة لهرم زوسر المُدرج وتحته كتب من صمّم الصفحة ((أول حضارة عرفتْ استخدام الأحجار ذات الزوايا القائمة. وأول صرح حضارى فى تاريخ الإنسانية)) بعد هذه الأمثلة من كتابات علماء المصريات ومن اهتمام أوروبا بآثارنا وتراثنا ، أتمنى أنْ يأتى يوم على مصر تهتم فيه مناهج تعليم وبرامج الإعلام بمجمل الحضارة المصرية ، ومن بينها الإعجاز المعمارى . وأعتقد أنه لو تحقق هذا الحلم ، سيكون لدينا أجيال مختلفة ، يؤمنون بأهمية التراث ويـُحافظون عليه ويـُدافعون عنه. وبالتالى ستقل ظاهرة سرقة الآثار إلى أنْ تختفى تدريجيًا . وسيحترمنا المُتحضرون عندما يُدركون أننا نحترم ذواتنا القومية. وسيتضاعف الدخل القومى من السياحة ، لو فعلنا ما تفعله الدول التى ليس لديها آثار ودخلها من السياحة أكثر من عشرة أضعاف دخلنا. والأهم أنه لن يُفكر أحد فى الهدم أو البيع أو التأجير. ***
#طلعت_رضوان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حوار بين حواء وآدم عام 1915
-
الأسياب الثقافية والاجتماعية للتحرش الجنسى
-
9مارس 1932 واستقلال الجامعة
-
كارثة تأجير الآثار المصرية
-
الجلطة السياسية بين الشعب والسلطة
-
اللغة المصرية أم لغات العالم
-
أنور عبد الملك : ماركسى بعمة إسلامية
-
هل يمكن الجمع بين التراث والحداثة ؟
-
تاريخ اليهود المصريين بين لغتىْ العلم والسياسة
-
الزراعة ونشأة الحضارة المصرية
-
جدل الواقع مع التراث العربى فى رواية (رحلة الضباع)
-
حسين بيومى : مثقف من طراز فريد ونادر
-
الفولكلور المصرى ومقاومة الاستبداد
-
آليات الليبرالية ومبادىء الاشتراكية
-
لماذا لا يحتفل الإسلاميون بنبيهم العربى ؟
-
لماذا تعريب مصر وليس تمصير العرب ؟
-
الربيع العربى بين الوهم والحقيقة
-
مؤامرة إنجليزية إيطالية لسرقة واحة مصرية
-
عبد الغفار مكاوى والبحث فى جذور الاستبداد
-
عودة اليهود والاستيطان الإسرائيلى لمصر
المزيد.....
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|