|
بيت البلِّة ( 3 من 3 ) ـ
منذر مصري
الحوار المتمدن-العدد: 1159 - 2005 / 4 / 6 - 12:58
المحور:
الادب والفن
الجزء الثالث والأخير من سيرة، لن أعود وأقول، الحزينة أو المأساوية، بل فقط سيرة بيت ( البَلِّة ). هو القصيدة التي ذكرت أني كتبتها مستخدماَ ما كتبه أخي ( رفعت ) عن ( محمد ) بعد وفاته. نصان أحدهما قصيدة والثاني رسالة! وللمرة الثالثة أعود وأقول إن أغلب ما في قصيدتنا المشتركة مأخوذ من هذين النصين، كما أن ضمير المتكلم بها يعود إليه. ورفعت لا ريب حامل تام لتلك الصفات الوراثية التي نتشارك بها، نحن بيت المصري،( مرام ) وأنا، المعروفين كشاعرين، و( ماهر ومنى ) أيضاً اللذين كتبا يوماً شعراً ربما أفضل مما كتبناه أنا و( مرام ). وهذا ليس تواضعاً، أو تفاخراً، حتى أن غريزة الشعر عندنا كادت لقوتها أن توقع في حبائلها ابن خالتنا مصطفى عنتابلي الذي يعتبره كل منا الأخ الذي ولدته لنا خالتنا فكرية!! والقصيدة مؤلفة من ثلاث قصائد، وتتصف بسردية قوية، إذا لم أقل زائدة. كما أنها، بسبب موضوعها، رثاء إنسان، صديق، تمضي على الطريق داسته أقدام كثيرة كثيرة، خاصة أقدام الشعراء العرب الذي يحتل غرض الرثاء لديهم المكانة المعروفة، التي لا يعادلها سوى مكانة أخيه المديح، وفي كلاهما دبج المادحون والرثاؤون تعابير وصوراً وأفكاراً، أغلبها ملفق ودعي ومفتعل. فالرثاء ليس سوى مديح لميت. وهكذا تأتي التشبيهات بالشمس والقمر وغيرهما من النجوم والكواكب والمبالغة بصفات القوة والشجاعة والإخلاص والصدق والجمال والجود، وخاصة الجود، لأنه بتركيز الشاعر على هذه الصفة، سيتم كسب أكثر ما يمكن أن يجود به المَمدوح أو من يخصه المَرثي. أما الهجاء فهو الوجه المعاكس للمديح، حيث تنقلب الصفات، الأبيض يصير أسود، والكريم شحيحاً ووضيعاً، والجسور جباناً والوفي غادراً و.. إلا أنه أصدق، فبعضه ما لا يبغى منه تكسباً، أما المديح فيكاد ينعدم فيه هذا، وهو أقدر على متعة السامع، حيث ينفلت الشاعر على هواه في ذم وقدح المهجي. وبالتأكيد لا تكسب نرجوه أنا ورفعت بما كتبنا، وفي كل القصيدة لا نصف ( محمد ) بالجمال ولا بالقوة ولا بالجود.بل ربما بعكس كل ذلك، لكنه كان حقاً كريماً في كل شيء. وأكثر من كل شيء كان كريماً بالروح . ــــــــــــــــــــــــــ
مَن لا يَظهَرُ في الصُّورة - إلى محمد بَلِّه
1- أََرتدي مِعطفي لأَنَّ الوَقتَ قَد حان
وإن بكيتُكَ قَليلاً فَما زِلتَ على مَرمَى النَّظَر . / أَنتَظِرُكَ كما لَم أَفعل في أيِّةِ ليلةٍ مِن قَبل وأعلَمُ أنَّكَ اللَّيلَةَ أيضاً سوفَ تأتي وسوفَ أُمَثِّلُ عليكَ بِأنِّي لستُ نعِساً البتَّةَ ولستُ مُنزعِجاً من ِحُضورِكَ . / ثلاثُ ساعاتٍ سوف تَمضي لا يُعكِّرُ صَفوَها سِوى بعضِ القرقعات الَّتي أُصدِرُها مِن المطبَخ وأنا أُعِدُّ لكَ شيئاً تَزدَردُه لأنَّهُ لا شيءَ لَدَيَّ لأَقولَهُ لكَ سِوى ما قُلتُهُ مِراراً وتَكراراً حتَّى سئِمتَ سَماعَه ولا شيءَ لَديكَ لتقولَهُ لي لأَنَّكَ تعرِفُ أنِّي لا أُبالي . / أَرتَدي مِعطَفي فالوَقتُ قَد حان لأُوصِلَكَ إلى بَيتِكَ خَشيَةَ أَن تَضيعَ أو يَغلِبَكَ النُّعاسُ على الطَّريق فَتَنامُ في أحدِ مَداخلِ الأبنية مَن مِنَّا لم يفعل ذلك مَن منَّا لم ?يوصلك إلى بيتِكَ حملاً على ظهره في نهايةِ سَهرةٍ ما لكنَّكَ خذلتَنا جميعاً فقد كُنَّا نلتفُّ حولَكَ لِنَمنَعَ عَنكَ الهواءَ البارِد ولَكِنَّكَ كُنتَ شخصاً آخر يَجمَعُنا لِنَدفَأ . / أَو لِنَحتفلَ بمناسبةِ أعيادٍ لا يتذَكَّرُها أحدٌ في العالِمِ سواكَ أَو سَهراتٍ مَفتوحَةٍ على كُلِّ الاحتِمالات كُنتَ تَقضيها كاملةً وأَنتَ تَقِفُ وَحيداً عَلى النَّافِذَةِ بانتِظارِنا وقَد أَعدَدتَ كلَّ ما يَلزَم . / كان عليكَ المزيدُ مِنَ الانتظار رُبَّما كان يكفينا سنتانِ أَو ثلاث لِماذا السُّرعَة لِنَشرَبَ كلَّ ما بَقيَ لديكَ مِن خمرةٍ رديئة في قعرِ الزَّجاجات ونرفعَ كلَّ ما تخترِعُ من أَنخاب ولا نُفوِّتَ فُرصَةَ وَداعٍ سَعيدٍ لِصَديق مهما كَثُرَت مَشاغِلُنا ومَهما بلغت درجةُ معزَّته ثُمَّ نرحلَ سَوِيَّةً نرحل دونَ الحاجَةِ أَن يَفتَقِدَ أَحَدٌ مِنَّا الآخَر .. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
2- في أَيِّ قِصَّةٍ أَو فيلمٍ أَو مَنام
فادي هو من جاءَ مُبكِراً على غَيرِ عادَتِه وغسَّان ووَسيم وزياد ودانيال وحُسام جاؤوا جَميعاً بِغير مَوعِدٍ أَمَّا خَلدون فَعَلى غَيرِ عادَتِهِ أَيضاً غاب . / تَوَجَّهنا جَميعُنا باتِّفاقٍ ضِمني إلى آخِرِ طَّاوِلَةٍ جلَسنا عَليها مَعاً في ذَلِكَ المَقهى قُربَ مَصَبِّ المَجرورِ الرَّئيسي عَلى البَّحر ولَم يَكُن قَد اِنقضى على هَذا أُسبوعٌ ( الأَزمَةُ قَد مَرَّت ) قالَ فادي مُلَمِّحاً إلى غِِيابِ خَلدون ولَم أَرغَب أَن أَعرِف عَن أَيِّ أَزَمَةٍ يَتَكلَّم . / لأَوَّلِ مَرَّةٍ أَنتَ مَن لَم يَحضُر ورَغمَ أَنَّها تَبدو لا أكثر من مُفارَقةٍ فِي الكَلام ولَكِنَّ ما أَبكانا واحِداً واحِداً أَنَّكَ حَقَّاً لَم تَكُن يَوماً حاضِراً كَما أَنتَ اليوم . / كان كُلُّ ما يُقالُ يدورُ حولَكَ غفرنا لكَ كُلَّ شَيء ولَكِنَّنا لَم نُخف استياءَنا الشَّديد : كَيفَ استَطَعتَ أَن تَموت ولَم تَستَأذِن أَحَداً منَّا . / حَلَّقتَ مَرَّات كَمُحاولاتٍ مُتَكَرِِّرة لِفَهمِ الحُبّ ولإيجادِ أَعذارٍ لنساءٍ شحيحاتٍ لا يملِكن أَكثرَ من أحلامٍ مجَّانيَّة فَقَد كانَ يَستَعصي عَلى فَهمِكِ أَنَّ لُكلِّ شَيءٍ ثَمن وبِدَورِه لَم يَكُن تَحليقُكَ الأَخيرُ ناجِحاً سِوى أَنَّهُ بالمُقارَنَةِ مَع كُلِّ المُحاولاتِ السَّابِقَة كانَ الأَتَم وما عُدتَ تَحتاجُ تَحليقاً آخَرَ . / قالَ فادي : ( مُحَمَّد لَم يَمُت فَقَط ذَهَبَ إلى مَكانٍ ما وَلَم يَكتُب عَلى بابِ دُكانِهِ بِأَنَّهُ بعد قليلٍ سَيَعُود ) وَعَلِمنا أَنَّكَ تَزَوجتَ وَأَنجَبتَ أَطفالاً غامِقي الجِلدِ وشَديدِي النُّحول مِمَّا لا يَدَعُ مَجالاً لِلشَكَّ بِأَنَّكَ الأَبّ ولا لأَن نَلتَفِتَ لِنَرى ما إذا كانَ الأَمرُ صَحيحاً أَم لا أَقصُدُ البابَ واليافِطَةَ والأَطفالَ وما إلى ذَلَك لأَنَّنا... دونَ تَرَدُّدٍ صَدَّقناهُ وَلَم يَكُن هُناكَ حاجَةٌ لنَتَذَكَّرَ أَين حصلَ هَذا في أَي قصَّةٍ أَو فيلمٍ أَو مَنام .. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
3- لَم يَبق منهُ سوى نحنُ
ماتَ وَلَم يُصَدِّق واقِفاًً يَسرُدُ النُّكات مُنتَظِراً أَحداً أَن يَضحَكَ . / ماتَ وَلَم يُصَدِّق فَما زالَ بانتِظارِنا حَتَّى آخِرِ اللَّيل بَعدَ أَن تَنفُذَ مِنَّا المَواعيدُ والسَّهرات . / ماتَ وَلَم يُصَدِّق وها هوَ يفرِشُ على الأَرض بابا نَويل موديل السَّنَةِ الجَديدَة قائلاً إنَّه لَم يَنزِل إلى السوقِ بَعد . / ماتَ وَلَم يُصَدِّق يَتَّصِلُ لِيطمَئنَّ عَليَّ بِمُجَرَّدِ سَماعِهِ رَنَّةَ صَوتي أَو ليُبَشِّرَني بِقُدومِ صَديق أَو أَنَّ هُناكَ حَفلَةً ساهِرَةً اليَومَ مَساءً عِنَدَهُ في البَيتِ أَو رَحلَةً يَعتََزِمُ تَدبيرَها غَداً أَو بَعدَ غَدّ حيثُ نَظهَرُ في الصُّورِ جَميعُنا فُرادىً وأَزواجاً وجَماعات ما عَداه فَهو مَن يَلتَقِطُ الصُّور . / ماتَ وَلَم يَبق مِنهُ سِوى نَحنُ وَثِيابٍ لا تَصلُحُ حَتَّى لأُخوَتِه .. 13-3-2002
#منذر_مصري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بالإذن من أخي اللبناني: مزارع شبعا سورية
-
بيت البلِّة ( 2 من 3 ) ـ
-
بيت البلِّة ( 1 من 2 ) ـ
-
أنا منذر مصري لأنَّي لستُ شخصاً آخر
-
الفنان سعد يكن : ما يشكل علينا هو طبيعة لعبته :2 من 2
-
الفنان سعد يكن : ما يشكل علينا هو طبيعة لعبته : 1 من 2
-
ممدوح عدوان... عندما أصابه الموت لم يضع يده على جرحه.
-
مزهرية على هيئة قبضة يد ) في قبضة شاعر مصري شاب )
-
هل /13000/ أو/ 17000/ جندي سوري يكفي لاحتلال لبنان .... علام
...
-
ـ ( الشاي ليس بطيئاً ): 8 والأخير - أَجري خَلفَ كُلِّ شَيءٍ
...
-
ـ ( الشاي ليس بطيئاً ) -7 : خرائط للعميان
-
ـ( الشاي ليس بطيئاً ) 5- تَحتَ لِحافِ صَمتي
-
ـ ( الشاي ليس بطيئاً ) 4- عَبَّاس وَالوَطواط في بَيروت ، وَر
...
-
الشاي ليس بطيئاً - 3-... حُلواً ومُرَّاً بِطَعمِ الصَّدَ
-
الشاي ليس بطيئاً - 2- هدايا البخيل
-
الشاي ليس بطيئاً ) 1- يَحسَبُني الدُّخانُ نافِذَة )
-
الشاي ليس بطيئاً ) بالمجان )
-
رامبو الأزعر بالعربية
-
( يوم التمديد 3/9/2004 - ( 2 من 2
-
هل إسلام تركيا... هو وحده طرفا المعادلة !
المزيد.....
-
الموصل تحتضن مهرجان بابلون للأفلام الوثائقية للمرة الثانية
-
متى وكيف يبدأ تعليم أطفالك فنون الطهي؟
-
فنان أمريكي شهير يكشف عن مثليته الجنسية
-
موسكو.. انطلاق أيام الثقافة البحرينية
-
مسلسل الطائر الرفراف الحلقة 84 مترجمة بجودة عالية قصة عشق
-
إبراهيم نصر الله: عمر الرجال أطول من الإمبراطوريات
-
الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر
-
يفوز بيرسيفال إيفرت بجائزة الكتاب الوطني للرواية
-
معروف الدواليبي.. الشيخ الأحمر الذي لا يحب العسكر ولا يحبه ا
...
-
نائب أوكراني يكشف مسرحية زيلينسكي الفاشلة أمام البرلمان بعد
...
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|