رياض خليل
الحوار المتمدن-العدد: 4026 - 2013 / 3 / 9 - 11:30
المحور:
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
المرأة فضاء الرجل كما الرجل فضاء المرأة ، وكلاهما كون مشترك ، كون يجب أن يقوم على المودة والتفاعل والتعاون والتكامل والانسجام والتوافق ، وتجاوز التناقضات بالوعي واليسر والتفاهم . واحترام الاختلاف الذي هو أمر غير إرادي ، بل هو معطى أجباري بحكم اختلاف المورثات والطبائع والخصائص الفيزيولوجية والسيكولوجية لكل من المرأة والرجل . ويجب أن يدركا أنها لايمكن أن يكونا نسختين متطابقتين ، بل أن اختلافها هو سر وسحر ومبرر حياتهما المشتركة كزوجين
إن عمل المرأة هو حرية وحق ومسؤولية فردية وأسروية واجتماعية ، أقرته الشرائع الدينية كما الدنيوية . وكل يتعامل مع هذا الفهم بالطريقة التي تلائمه وتناسبه من دون مغالاة ولاتعسف
ولمن يعترضون على حق المرأة في العمل أقول : تاريخيا .. متى كانت المرأة لاتعمل ؟ في الريف والمدن .. في الحقول والقرى والحرف والصناعة والزراعة والتجارة والخدمات والتربية والتعليم والطب والتمريض ..الخ ..كان للمرأة النصيب الأكبر في العمل والإنتاج وتحريك عجلة الاقتصاد في أيما قطاع .
ناهيك عن أن المرأة كانت الأكثر تضررا وعرضة للاستغلال والاستعباد ، والعمل القسري والاضطهاد ، داخل وخارج بيتها ..إن كان لها بيت وعائلة . ولطالما ظلت المرأة تعاني من الرق وتجارة الرق عبر التاريخ ، وحتى في أيامنا هذه ، ماتزال المرأة تحت وطأة الرق بالمعنى الكامل والحرفي للكلمة في كثير من البلدان ، في آسيا وأفريقييا .. وتعاني كذلك من الرق المعصرن والمغلف بالأزياء الحديثة ، في ظل نظم اجتماعية واقتصادية " ليبيرالية " . حيث فيها يتحايل تجار الرقيق الأبيض وتجار الجنس ، يتحايلون على القوانين ، ويعملون وفقها أحيانا ، تحت مسميات حرية الفكر والعمل والتصرف والسلوك ، من أجل تمرير وتسويق تجارتهم في الجنس والمرأة ، والتي لاتقل استغلالا وفظاعة عن العبودية والرق التقليدي . ولاتزال المرأة تتعرض للاستغلال المزدوج : في قوة عملها وفي إكراهها على الجنس ، وعوملت كمادة للربح والاستغلال والاستثمار ، وسلعة لها سوقها الخاصة المحلية والدولية .
من هنا يمكن التأكيد أن المرأة " العاملة " كان لها حضورها الإيجابي والسلبي دائما ، وعبر العصور التاريخية كافة ، وفي بقاع العالم كله . ولايشذ العالم الإسلامي عن تلك القاعدة . حيث لعبت المرأة تاريخيا دورا أكثر من رئيسي في العملية الإنتاجية في الأرياف والمدن ، ووقفت إلى جانب الرجل ، وشاركته معاناته في تحمل نتائج العلاقات الاستغلالية السائدة . كانت المرأة تعمل رغما عنها ، وتعاني من الإجحاف ، وسرقة عرقها وجهدها خارج بيتها ، وأحيانا من قبل زوجها أو ولي أمرها .
لايوجد مجتمع في أي مكان وزمان ، لم نشهد فيه انخراط المرأة في العمل والإنتاج والاقتصاد ، ولم تلعب فيه المرأة دورا هائلا في الحياة الاقتصادية والاجتماعية في البيت وخارجه . بل إن معاناتها وبذلها مزدوج ومضاعف ، لأنها كانت تزاوج وتزامن وتجمع بين عملين اثنين : عملها في المنزل لعائلتها ، وعملها خارج المنزل لتأمين عائلتها أيضا . ومع هذا لاتتقاضى المرأة مايكافئ الجهد الذي تبذله في الحالتين معا ، بل غالبا ماكانت تستغل أبشع استغلال ، ويستنزف جهدها بلا مقابل ، وتتعرض للنصب والاحتيال والخداع والظلم .. وانتقاص حقوقها في الدفاع عن نفسها وعائلتها . وهي دائما محل أطماع ، وهدفا لكل تاجر و صياد خبيث .
إذن هو الأمر الواقع ، الذي لاسبيل إلى إلغائه .. وهو أن المرأة شئنا أم أبينا ، نصف المجتمع في كل شيء ، ومن ذلك انخراطها في العمل ، والعمل يحتاج للمرأة كما يحتاج للرجل تماما . المجتمع ليس بوسعه الاستغناء عن عمل المرأة في التربية والصحة والتعليم ، والإنتاج والأمن والشرطة ، والقضاء والقانون ، وسائر ميادين الإنتاج والخدمات والقطاعات الاقتصادية والخدمية . ومادام هذا هو الأمر الواقع المفروض والضروري والحيوي ، فلابد لنا من أن نحدد المشكلة والحل .
المشكلة ليس في الواقع .. بقدر ماهي فينا نحن البشر . رجالا ونساء . نحن المجتمع علينا تقع مسؤولية ترشيد وتنظيم وتحسين وتطوير حياتنا الاجتماعية بالشكل الذي يمكننا من حل تلك المشكلات والمعضلات ، ومنها تأمين وحماية وصون حقوق المرأة في العمل والحياة العادلة داخل وخارج منزلها ، وسواء أكانت عازبة أم متزوجة أم مطلقة أو أرملة . نحن المجتمع ، ممثلا بالسلطات والحكومات علينا تقع مسؤولية الحرص على المرأة : نصف المجتمع الأكثر أهمية وفاعلية في تطورنا الشامل . ويكون هذا بوسائل وأساليب عديدة ، من ضمنها تشجيع المرأة في تنظيم نفسها مدنيا وسياسيا ، وإتاحة الفرص لها كاملة للمشاركة في مؤسسات السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية والنقابية ، وسن القوانين الناظمة لوضعها وتحديد حقوقها وواجباتها العامة والخاصة . وتمكينا من ممارسة دورها الريادي في المجتمع العصري ، في المجالات كافة .. وحماية ورعاية دورها الخاص " كربة منزل " ماديا ومعنويا .
إن تقوية وضع المرأة القانوني والاقتصادي والاجتماعي ، يؤمن لها المناعة والحصانة والقدرة على تفادي الانحرافات والوقوع فريسة الإغراءات الخادعة ، والمرأة القوية لاتضعف ولا تكون فريسة سهلة لوحشية السوق والعلاقات الاستغلالية التي تعشعش كالمرض في الجسم الاجتماعي ، والذي لايخلو منه أي جسم اجتماعي ، مهما كان متطورا ومستقرا . ولكن النسب تتفاوت بين المجتمعات وفقا لمستويات تطورها الحضاري . المرأة في المجتمعات الغنية القوية المتطورة ، تملك المرأة حقوقا متساوية مع الرجل ، وهي أقدر على مواجهة الحياة وأفخاخها وكمائنها . وأقدر على احترام ذاتها وكرامتها وحرياتها ، وعلى ممارسة مسؤولياتها بعقلانية وإنسانية وأخلاقية ، ولاتكون مضطرة لتقديم أية تنازلات مهينة ومذلة لأي نصاب وتاجر ومحتال .
إذن لايمكن حماية وتحصين المرأة إلا بتأمين حقوقها المتكافئة مع الرجل من جهة ، وتمكينها من حقوقها في حياة حرة كريمة ، تحقق من خلالها الكفاية المادية والمعنوية لها ولأسرتها ...
وهذا يرتبط أيضا بطبيعة النظام السياسي المعمول به في أي بلد . حيث لابد من سيطرة النظم الديمقراطية ، التي تعتبر الإطار والبيئة الحيوية الأساسية للعمل من أجل تقوية مواقع المرأة في الحياة الاجتماعية من النواحي كافة . في نفس سياق تحسين وتقوية دور الرجل وتمكينه مع المرأة من ممارسة حرياته وحقوقه العامة والخاصة . والمجتمع المتوازن لاانفصال فيه بين حقوق المرأة وحقوق الرجل ، بل كلاهما مترابطان متكاملان . حيث الحرية إما أن تكون للمراة والرجل معا ، أو لاتكون .
النظام الديمقراطي شرط أساسي لمجتمع متوازن وفعال يتمتع في الإنسان : امرأة ورجل ، بالحريات والحقوق المدنية الأساسية التي تمكنه من حياة حرة كريمة ومنتجة . وفي الحقيقة : ينعكس النظام الاجتماعي السيياسي على نظام الأسرة وعلاقاتها الداخلية الذاتية . حيث كلما كان المجتمع ديمقراطيا ، كان نظام الأسرة وعلاقاتها الداخلية تتسم بالمشاركة والروح الديمقراطية ، وإن نظام الأسرة كخلية اجتماعية أساسية يعكس مباشرة وبشكل غير مباشر النظام الاجتماعي المسيطر والسائد . والسياق التاريخي للبشر يؤكد أنه في النظم العبودية كانت العلاقات لأسروية تتسم بالعبودية بين الرجل والمرأة والأبناء .
الأسرة الديمقراطية انعكاس للنظام الديمقراطي ، في أهم مكون له . وكلاهما يلعبان التأثير المتبادل ، وهو تأثير الخاص والعام ببعضهما . أن المرأة تحتاج للعمل .. سواء في بيتها ، أم خارجه . ولوضع المرأة حالات لأ تحصى من التنوع والاختلاف . حيث توجد نساء لامعيل لها ، وتوجد نساء تلعب دور المعيل لأسرتها . والمجتمع يحتاج لعمل المرأة ، كما المرأة تحتاج إلى العمل لسبب أو لآخر . فمثلا : كثير من النساء يفضلن العلاج والتطبب عند طبيبة لاعند طبيب ، ويفضلن ممرضة بدلا من ممرض .. وفي ميدان التعليم ، البعض يفضل الفصل بين الجنسين في المدارس ، وبالتالي لايمكن الاستغناء عن عمل المرأة كمدرسة ومعلمة ومربية . وهذا ينسحب على مجالات لاحصر لها . نخلص إلى القول :
إن عمل المرأة هو حرية وحق ومسؤولية فردية وأسروية واجتماعية ، أقرته الشرائع الدينية كما الدنيوية . وكل يتعامل مع هذا الفهم بالطريقة التي تلائمه وتناسبه من دون مغالاة ولاتعسف .
المرأة فضاء الرجل كما الرجل فضاء المرأة ، وكلاهما كون مشترك ، كون يجب أن يقوم على المودة والتفاعل والتعاون والتكامل والانسجام والتوافق ، وتجاوز التناقضات بالوعي واليسر والتفاهم . واحترام الاختلاف الذي هو أمر غير إرادي ، بل هو معطى أجباري بحكم اختلاف المورثات والطبائع والخصائص الفيزيولوجية والسيكولوجية لكل من المرأة والرجل . ويجب أن يدركا أنها لايمكن أن يكونا نسختين متطابقتين ، بل أن اختلافها هو سر وسحر ومبرر حياتهما المشتركة كزوجين .
السبت 9/3/2013 - تركيا – انطاكية
#رياض_خليل (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟