محمود عبد الغفار غيضان
الحوار المتمدن-العدد: 4025 - 2013 / 3 / 8 - 13:03
المحور:
الادب والفن
أبو رجل لم تكن مسلوخة
قالوا إنك سمجٌ جدًّا... ثقيل الظل بشكل لا يكفي هذا التعبير أن يصفه... قالوا إنك مهووس بالتدخل فيما لا يعنيك... وقالوا إن شيطانًا مريدًا يسكن قاع عينيك... قالوا إن نظرة واحدة منها كانت كفيلة بتحويل الشيء إلى نقيضه الأكثر سوءًا... قالوا إنها ورثت كل طاقات "فلق الحجر" التي دارت حولها آلاف الحكايات في تراثنا العربي الشغوف بتتبع الآخرين إينما حلوا... قالوا إن الكثيرين يخشونك ويخافون حسدك ... وقالوا إن مرورك بالشوارع كانت تنخلع له القلوب... لهذا تفنن الجميع إن قابلتهم دون فرصة لتجنبك بتأليف ما لا يدل على خيرٍ أبدًا... فرد السلام عليك كان مشفوعًا بمر الشكوى... شكوى الحياة وضنكها... علل البدن... ضجر البشر وكذبهم وخداعهم... قيل إنه لم يسعَ أحد للفت انتباهك نحوه... ولهذا لم يبادرك أحدٌ بإلقاء السلام قط... لم ينشغل أحدٌ بالسؤال عن حالك... هكذا رآك الجميع وطفلا رأيتك مثلهم... وهكذا تمتموا دوني بكلمات غير واضحة عند موتك... علموني خشيتك وتجنبك... لكني مع هذا رأيتُ ابتسامةً محفورة بملامحك الأبيض والأسود التي اختزنها وجهك من زمن الشباب... وجهك كان مؤطرًا بحزن ثقيل... حزن حملته وحدك لأن الجميع ظنوك بلا إحساس....
مع فارق السن... مع كل حكايات الرعب عنك... أردتُ أن أجالسك ولو مرة واحدة... أن أقدم لك شاي أمي الطيب... أن أمازحك كجدي... أن أسأل عن صحتك وشائعة زواجك القادم... عن أصدقائك الغائبين دائمًا... عن غيابك المستمر عن فريق "السيجه" خلف الجامع العتيق... لكني بكل أسفٍ لم أملك شجاعة كافية لأحادثك وجهًا لوجه دون خوف... آلمني هذا بكل تأكيد.. لكني نسيتُ ذلك الألم بمرور الوقت... ما آلمني حقًا وازعجني في عدم نسيانه هو أن ملامح الحزن المصطنع والراحة الواضحة كانت بادية على كل الوجوه حول مثواك الأخير... كانت تمتمات الترحم عليك ممزوجة بهمهمات لا تليق بذلك المقام أبدًا... همهماتٌ تساقطت كثمار عفنة فوق التراب الذي بدا جادًا في تدافعه فوقك... أكان يخشاك أم يأسى لك فيمعن في إبعادك عن الجميع؟! هذا ما أقدر أن أقوله عنك آسفًا... أما الأشياء الأخرى... فاحترامًا لك... ساحتفظ بها في صدري للأبد.
محمود عبد الغفار غيضان
مجموعة "زمن المصاطب"
8 مارس 2013م
#محمود_عبد_الغفار_غيضان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟