الناصر لعماري
الحوار المتمدن-العدد: 4024 - 2013 / 3 / 7 - 22:33
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
الإله في كل الأديان هو القاضي و المحامي و الجلاد. هو من يقرر إذا كان الشخص يستحق أو لا يستحق دخول المكان الرائع بعد الموت سواء كان جنة أو ملكوت او غيره, الإله هو من يقرر إذا كان الشخص أخلاقيا أم لا. لكن إذا كان الإله هو الحكم الوحيد على كل البشرية و لا راد لحكمه فهل هو شخص اخلاقي ؟ و من يستطيع أن يقرر إذا ما كان الله خيّر و طيب و أخلاقي ام لا ؟
الأخلاق موضوعية و ليست شخصانية
قد يقول قائل : و من يحق له أن يقرر ما إذا كان خالق الكون و رب العالمين شخص أخلاقي ام لا ؟ و الرد هو أن الأخلاق الحقيقية لها معايير موضوعية عالمية ملزمة لكل شخص و نستطيع أن نعتمد عليها في تقرير ما إذا كان أي فرد شخص أخلاقي أم لا. يعني المسألة لا تخضع للمزاج أو الميل الشخصي, فيقول من يحب الله (فكرة الله بمعنى أصح) أنه شخص أخلاقي و طيب و حبوب و يقول من يكره فكرة الله أنه شخص فاسد و شرير و ملعون. الأساس يجب أن يكون موضوعيا و الله يجب يسأل عن أفعاله و الغرض من تصرفاته (بفرض وجوده) بحيث لا يكون مطلق السراح لكي يحيي و يميت و يعز و يذل دون وجه حق و دون وازع أخلاقي.
السلطة و القدرة مسئولية كبيرة
كل من له قدرة معينة أو سلطة محدودة عليه مسئولية بقدر قدرته و سلطته, فالوزير مثلا مسئوليته عن الوزارة هو بقدر سلطاته كوزير بينما رئيس الجمهورية (أو رئيس الوزراء) لديه سلطة أكبر و بالتالي فلديه مسئولية أكبر. المسئولية أساسا هي مسئولية أخلاقية قبل ان تكون مسئولية قانونية فإذا كان رئيس الجمهورية مسئول قانونا أمام الشعب عن حماية أمن البلاد و رفعة شانها و سلامة أراضيها فالله لم يقسم أي يمين على حماية شعوب الأرض أو يتعهد بالعمل على رفعة شأن الناس و السعي لتقدمهم و رفاهيتهم. صحيح ان الله لم يقسم و لم يتعهد بفعل ذلك و لكنه لا يزال يملك سلطات تفوق كل سلطات ملوك و رؤساء العالم مجتمعين و لهذا فإن عليه مسئولية أخلاقية في إسعاد الناس و حمايتهم و تحسين نوعية حياتهم.
هناك أيضا مسألة القدرة, سأشرح بمثال : لو إمتلك أي واحد منا “طاقية الإخفاء” حتى أنه يستطيع أن يختفي و يذهب لأي مكان دون أن يراه أحد, ماذا سيفعل بهذة القدرة الخارقة ؟
أتصور أن هناك من سيسرق بنكا مستغلا إختفاؤه ..
و آخر قد يتلصص على الفتيات أو حتى يغتصبهن ..
و آخر سينتقم من أعداؤه شر إنتقام ..
لكن فقط الشخص الاخلاقي هو من سيستغل تلك القدرة في اللهو الذي لا يؤذي أحدا و ربما لفعل بعض الخير أيضا. الكلام هنا عن قدرة واحدة بسيطة مثل القدرة على الإختفاء فما بال المرء بمن يمتلك كل القدرات و كل الحريات و كل السلطات التي يمتلكها الله.
الله قادر على كل شيء و له الحرية لفعل كل شيء و متسلط على جميع الكائنات الحية و على أقدارهم و أرزاقهم و حتى إرادتهم الحرة, و هذا يضع على كتفيه مسئولية لانهائية بقدر كل قدراته و حرياته و سلطاته اللانهائية. فهل الله كان فعلا على قدر المسئولية الملقاة على كتفيه ؟
السلطة المطلقة مفسدة مطلقة
و لكن كيف يمكن لله أن يكون شخصا أخلاقيا إذا كان لا يوجد من يحاسبه على تصرفاته او يراجع سلوكه ؟ هناك مبدأ معروف هو ان السلطة مفسدة و السلطة المطلقة مفسدة مطلقة لان أي شخص لديه كل الحريات لفعل أي شيء بدون رقابة او مسآلة هو معرض للفساد و الخطأ أكثر من أي واحد آخر. الأخلاق تحتاج لكي تدعم بالرقابة لكي لا ينفرد صاحب السلطة بالنفوذ و يستغل السلطة بطريقة لا أخلاقية. فأي ديكتاتور يملك سلطة مطلقة في بلده يصعب عليه ألا ينحرف أو تغريه السلطة. و أي إله يملك سلطه مطلقة لن يجد ما يمنعه ان يفعل ما بدا له.
و مع ذلك فإن اي كائن أخلاقي هو رقيب على نفسه قبل ان يكون الآخرين رقباء عليه فهو يرفض السرقة حتى لو أتيحت له الفرصة و يمسك عن إيذاء الناس و لو حتى كان سيفلت دون عقاب و هذا ما يفعله فعلا الكثير من الناس. لكن هذا الأمر يحتاج إلي إرادة قوية و إلتزام هائل بالمثل العليا و الأخلاق القويمة, و في النهاية لا يمكن لبلايين البلايين من البشر أن تخضع حياتهم و مماتهم و سعادتهم و تعاستهم لإله فرد قد يلتزم أخلاقيا و قد لا يلتزم, الأفضل لو كانت هناك رقابة على أصحاب النفوذ و السلطات لكي نتقي الفساد قبل حدوثه.
عموما الواقع يفرض نفسه علينا جميعا بشر و آلهة و إذا كان الله أخلاقيا و طيبا فنستطيع أن نرى ذلك و نتأكد منه, و إذا لم يكن فنستطيع أن نتأكد من ذلك أيضا. المسألة ليست مخفية و لا غامضة فحياة الناس ظاهرة أمام أعينهم و كل شيء يوضح ما إذا كان الله قد إلتزم بمسئوليته الأخلاقية ام لا.
مشكلة الشر الموجود في العالم
أين الله ؟ أين خالق السماوات و الأرض ؟ أين القادر على كل شيء ؟
هذا الشر و الألم و القسوة المتفشيين في العالم من المسئول عنهم ؟
“الإنسان هو المسئول فالله أعطاه حرية الإرادة و القدرة على فعل الخير و فعل الشر لكي يحاسبه في النهاية” هكذا يقول الشخص المؤمن بالله, لكن المؤمن لا يقول لنا عن السبب أو الحكمة وراء إبتداع مثل تلك الألعاب الإلهية !!!!!!!!!!
يعني كيف يعطي الله الإنسان الحرية و القدرة على فعل الشر ثم يتركه يقوم بكل هذا الشر ليحاسبه في النهاية حسابا عسيرا مقابلا الشر البشري الصغير بشر إلهي كبير. فالإنسان الذي يقضي في العالم سبعون أو مائة عام يؤذي الناس و يقوم بكل ما هو شرير و خسيس سيشويه الله في جهنم عدد لا يحصى من السنين و هكذا سيتأذى الكثير من الناس على مدار سبعون أو مائة سنة هي عمر هذا الرجل الشرير ( جرائم هتلر على سبيل المثال) ثم إن هذا الرجل نفسه سيلقى جزاء شره شرا أكبر بما لا يقاس من الله, إذن من المستفيد من حرية الإرادة تلك التي إخترعها الله ؟
نعم, هذا هو المقصود .. لماذا أعطى الله الإنسان حرية الإرادة و سمح بكل هذا الشر في عالمه ؟ لماذا إخترع الله حرية الإرادة تلك إذا كان الناس ستتأذى و الشرير سيتأذى و الله سيصبح جلادا و في النهاية لن يستفيد احد. في الحقيقة مسألة حرية الإرادة تلك هي إختراع فاشل و شرير و المسئول عنه هو الله أيضا لأنه أعطى سلطة و قدرة لمن لا يستحقها و لا يقدر تبعاتها.
ربما لو كان قد جعل البشر مثل الملائكة لا يميلون لفعل الشر لهان الأمر و لكن الله يعطي الإنسان القدرة على فعل الشر ثم يلاحقه بالمغريات و الإختبارات أو يترك الشيطان يمرح في عقله يوسوس له بفعل الشر و في النهاية يعاقبه لو فعل و يحمله مسئولية الشر الموجود في العالم. أليس هذا ظلما ؟ أليس الله قادرا على جعل الإنسان مثل الملاك غير ميال لفعل الشر ؟ ألا يستطيع الله القبض على الشيطان و إيداعه جهنم إلي الأبد بدلا من تركه طليقا ليوسوس في عقول الناس ؟
ثم إن هناك مشكلة عويصة, لو حتى إفترضنا أن الإنسان يتحمل المسئولية لوحده عن الشر الذي يفعله فماذا عن الشر الذي لا يفعله ؟ ماذا عن كل الكوارث الطبيعية من براكين و زلالزل و تسونامي و فيضانات و جفاف و .. و .., أليس الله موجودا و متحكما و قادر على منع كل هذا الشر و الخراب ؟ من المسئول عن ثورات الطبيعة غير ملك الطبيعة و خالقها و المتحكم فيها ؟
لكن يبدو انه لا يوجد إله هناك, فلا الإنسان توقف عن فعل الشر و لا الطبيعة, الطبيعة التي يبدو ان الله قد أعطاها حرية الإرادة هي الأخرى لكي تثور و تخرب و تقتل و تسبب المآسي و الكوارث. و لا يزال الشر موجود في العالم نراه بأعيننا و نشعر به طوال الوقت و لكن تدخل الله لمنع الشر هو الغير واضح و غير ملموس. فالمؤمن قد يفرح ببعض الخير الذي قد يأتيه أو ببعض الشر الذي يتحاشاه ملصقا كل هذا بتدخل الله مع إن الله لو كان موجودا و تدخل فعلا لغير المنظومة كلها و لكان قد لغى كلمة شر من قاموس البشر.
الجنة مثلا ..
الله لديه إستعداد لأن يخلق للإنسان بيئة خيرة و طيبة تجعله سعيدا شاكرا و لكنه يؤجل كل ذلك لما بعد الموت و الحساب, طيب إذا كان الله في مقدوره أن يحقق السعادة للإنسان فلماذا لا يحققها هنا و الآن بدلا من تأجيلها لما بعد الموت و الحساب و شرطها بتصديق وجود الله و وعوده ؟ لماذا لا يخلق الله البشر أخيار و طيبين و يودعهم الجنة فورا بدلا من مضايقتهم بحياة سيئة مع بشر أشرار ثم تعذيب الأشرار في جهنم أبدية و الإنعام على الأخيار بجنة أبدية ؟ و لماذا يخلق الله أشرارا من الأساس و هو يعلم بسابق علمه أنهم سيكونوا أشرار ؟ هل يخلقهم لكي يضايق بهم الأخيار ثم ليعذبهم بعد ذلك ؟ هل هذا منطق ؟!!!
ستبقى مسألة وجود الشر مشكلة بلا حل لان وجود الشر يتعارض بالضرورة مع إله قادر و أخلاقي و يجعلنا نجزم بان الله هو شخص شرير لأنه سمح بكل هذا الشر و القهر و العذاب في عالمه حتى لو كان هناك أيضا سعادة و خير و نعيم إلا أن وجود و لو تقصير واحد أو عمل شرير واحد سيصب في مسئولية الله لأنه يتحمل مسئولية كل العالم بما فيه.
هل الله مسير أم مخير ؟
قد يتباحث رجال الدين و الفلاسفة كثيرا في مسالة هل الإنسان مسير أم مخير, و لكنهم عادة لا يسالون السؤال الأكبر : هل الله نفسه مسير أم مخير ؟ الفكرة من وراء هذا السؤال أن الله لو كان قوة خيرة فهو بالتالي لن يكون حرا لفعل الشر, يعني الله (نظريا و في البحوث اللاهوتية) هو شخص كامل متكامل لا يخطئ أبدا و معصوم دائما, فهل هذا يعني ان طبيعته الكاملة الخيرة تسيره و لا تعطيه أي مجال للحرية ؟
في عالم الحيوان مثلا, حين يجري النمر خلف الغزالة بالمشوار لكي يصطادها و ياكلها لا يكون شريرا او طيبا و إنما هو يتصرف تبعا لطبيعته و غرائزه. لكن الإنسان هو الذي يمتنع عن قتل الحيوان حين يستطيع فهو يتصرف تبعا لإرادته و الخير الساكن فيه. إننا لا نجد أبدا حيوان يمتنع عن قتل فريسته من باب الشفقة لكن الإنسان يفعلها كما يفعل الكثير من الأشياء الطيبة الأخرى. و هذا لا يجعل فقط الإنسان أخلاقي بينما الحيوان لا اخلاقي بل أيضا يجعل الإنسان مخير بينما الحيوان مسير.
أما الله فهو لا يختلف عن الحيوان في شيء فهو أيضا لاأخلاقي لانه محكوم بطبيعته الإلهية الكاملة التي تجعله يتصرف وفقا لها. إن طبيعة الله الكاملة هي التي تحدد له سلوكياته و أفعاله فهو لا يخطئ أبدا و لا يستطيع أن يخطئ لأنه كامل معصوم من الخطأ, طبيعته الكاملة تسيره كما تسير الطبيعة الحيوان. و هكذا فإن الله لا يختار أفعاله أو ردود أفعاله بل هو يتصرف كما لو كان مبرمج تبعا لكماله و عصمته من الخطأ. و الدليل على ذلك هو ان الله لا يخطئ أبدا, أليس كذلك ؟
إذن هو مسير, لأن من يختار الخير او الشر يصيب أحيانا و يخطئ أحيانا كالإنسان مثلا فهو مخير و يميل لفعل الخير اما الله فهو مسير كالحيوان على تصرفات لا يد له فيها و بالتالي هو يفعلها دون وعي. نعم, الله المسير هو بلا وعي لانه لا يخطئ أبدا. تلقائي كالحيوان, كالنمر الذي يجري خلف الغزالة دون ان يدري لماذا يفعل ذلك أو يفكر هل لديه إختيارات أخرى ام لا. إن الله كائن لا يعرف الطريق لحرية الإختيار بين الخطأ و الصواب لانه مفطور على فعل الصواب, طبيعته هي الكمال.
إله بقدراته ام إله بأخلاقه ؟
الله هو إله بقدراته لأنه يستطيع أن يفعل كل شئ و لكنه ليس إلها بأخلاقه لأنه لا يمتنع عن فعل بعض الأشياء التي يستطيعها. هو قد يضر الكثير من الناس و يؤذيهم بطريقة عشوائية من خلال الكوارث الطبيعية بل و يميت الكثير من الكائنات الحية يوميا و حتى حين ينفع بعض الناس فهو ينفع الناس المقربين له من الذين ينافقونه و يمدحونه و يتزلفون له. يعني حتى حين يستغل قدراته لفعل الخير فهو يقوم بذلك مدعما سلطانه و سلطان من يدينون له بالولاء و هذا يسمى عند البشر : سوء إستغلال للسلطة. أما كسره لقوانين الطبيعة من اجل خاطر من يصلون له أو يترجون منه فهذا يسمى غش و عدم إحترام لقواعد لعبة الحياة التي وضعها بنفسه.
ثم إن الإله لا يعاني من شيطان ليغويه لانه يفوق الشيطان قوة و لا يعاني من ضعفات و لا فساد طبيعه ورثها من والديه و لا من ظروف معيشية قاسية. إن الإله بحسب الأديان شخص مرفه مدلل لا يلتزم بأي معايير أخلاقية يضعها لنفسه و يستغل قدراته في الضرر و الإيذاء أحيان كثيرة و يسيء إستغلال سلطاته و قدراته و كل هذا لا يجعله شخصا أخلاقيا. بالتالي فإن فاقد الشيء لا يعطيه, بمعنى أن الإله لا يمكن أن يكون هو مصدر الأخلاق لأنه فاسد أخلاقيا بحسب القصص الدينية عن ممارساته و سلوكه. و حتى بحسب بحوث اللاهوت فإن الإله ليس أخلاقيا لأن سلوكه هو سلوك طبيعي خاضع لطبيعته اللاهوتية الخيرة ..
كل هذا غير أوامره و نواهيه الغير أخلاقية الموجودة في الأديان فهناك أوامر صريحة بالقتل و القتال جاءت على لسان الله شخصيا كما هو في الإسلام و المسيحية, و هي اوامر لا أخلاقية و تعبر عن إله دموي متوحش, لكن طبعا لأن الله صاحب السلطة رسميا فإن كل ما يامر به يعتبره المؤمنين أخلاقيا .. حتى و لو امر بالقتل و حتى لو امر بالسرقة و الإستلاب.
#الناصر_لعماري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟