أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - هيثم القيّم - ثقافة التصفيق















المزيد.....

ثقافة التصفيق


هيثم القيّم

الحوار المتمدن-العدد: 4023 - 2013 / 3 / 6 - 23:34
المحور: كتابات ساخرة
    


التصفيق فعل أنساني عفوي أحياناً ومـُفتعل أحياناً .. ومُـنافق أحياناً كثيرة ...! مـَن منـّا لم يـُصفـّق في حياته .. في طفولتهِ ، في شبابهِ ، في كــبره .. للنجاح ، للفرح ، لأغنية ، لعرض مسرحـي ، للحاكم ، للرمز الوطنـي ، للرمز الديني ، للقائد السياسي ، للفاشل السياسي ، للقطط كي نـُبعدها ، لطرد الخوف أحياناً ، وللأحتجاج أحياناً أخرى ... نحن نـُصفـّق لكل شئ .. أصبح التصفيق جزء من ثقافتنا النقيـّة والملوّثــة معاً .. في السيرك السياسي تحوّل التصفيق الى نوع من المـُـقبـّلات تسبق ما سيقوله الحاكم أو ما سيفعلهُ ... فنحنُ نـُصفـّق له حين يدخل .. وحين يجلس .. وحين ينهض .. وأن قال أتفه الكلمات نـُصفق .. وأن عـَـطـَس نـُصفـّق .. وأن أفتتح ورشــة نجارة نصفق لهُ .. وأن تبوّل علينا نـُصفق له .. وأن سرَق أيامنا وأحلامنا نصفق له .. وأن ذبحَـنا من الوريد للوريد نصفق له .. نــُصفق باختيارنا ونصفق مـُرغمين خوفاً أو نفاقاً لا فرق ... قد يستحق مسؤول ما التصفيق بعد أن يــُحقق لنا أنجازاً كبيراً أو مشروعاً عظيماً .. ولكن ليس قبل ذلك ...!

يـُعد التصفيق سلوكاً قديما يعود إلى فترات زمنية موغلة في الماضي، حيث تدل الحفريات والبحوث الآثارية على تلمّس آثار ودلائل وجوده في تلك الفترات من خلال النقوش الفرعونية والتي تشير إلى المصريين وهم يمارسون عملية التصفيق بالترافق مع طقوس احتفالية كالغناء والرقص وكانت مهمتهُ ضبط أيقاع الغناء والرقص ، من جانب آخــر أشارت الدراسات إلى أن اليونان من أقدم شعوب الأرض التي مارست عادة التصفيق لغرض الأستحسان والتأييد والتشجيع .. وفي حينها شاع المُصفـّـق الذي يـُصفق بأجر ( المأجور) أي الذي يصفق بمقابل مالي، وكان هذا يحصل أثناء عرض المسرحيات على مسرح ديونيسيوس وخصوصاً في المسابقات حيث يجري تأجير مجاميع من الناس تـُمارس التصفيق للمسرحيات أمام لجان التحكيم التي تقوم بتقييم المسابقات المسرحية.
وتذكر المصادر التاريخية أن نيرون طاغية روما كان مولعاً بالتصفيق .. وهو أول من أسس مدرسة للتصفيق في التاريخ ..! وأنه كان يأمــر حوالي خمسة آلاف جندي وفارس من أفراد الجيش بحضور الحفلات الموسيقية التي كان يـُغنـّي فيها وهو يعزف على القيثارة ، ليـُصفـّقوا له بعد أن ينتهي من الغناء والعزف .. ثم تـقول الدراسات أن التصفيق قد أنتقل من المجتمع الفرعوني و اليوناني الى المجتمعات العبـرانـيـّة ، وأن أختلفت دلالـتـُه و غاياته .. !
وفي فترة مـُبكــّرة من تاريخ المسيحية ، أعتاد المسيحيون التصفيق للوعّـاظ الشعبيين أستحساناً لبلاغتهم أو أدائـهم ، وغالباً ما كان التصفيق يحدث في الكنائس ضمن سياقيـّن رئيسيين : التصفيق الأيقاعــي أثناء أناشيد الزواج و حفلات التعــميد .. والتصفيق الدال على التقدير والأعجاب كما هو الحال عند تكريم البعض أو أثــر قول حـَســِن أثناء الوعظ ... أذن التصفيق في الكنائس القديمــة كان يؤدّي مهمتين : الأولـى هي ضبط الأيقاع وهي أمتداد لوظيفته عند الفراعــنة .. والثانية أظهار الأستحسان وهي أمتداد لوظيفته عند اليونانيين.

وقد عرف العرب في عصر ما قبل الأسلام التصفيق بوصفه ممارســة شعائريـّة تؤدّى أمام الحرم المَـكـّي .. كذلك أستـُخدِم التصفيق في صدر الأسلام كأداة للتشويش على المسلمين الأوائل في بداية دعوتهم .. فقد كان بعض القريشيين مـمن عارضوا دعوة النبي محمد ( ص ) ، كانوا يصفـّـقون كلّما قام ليدعو الناس الى الدين الجديد حتى لا يستطيع أحد سماعـه أو التأثــّر به .
وبالعموم فقد أرتبط التصفيق في بادئ الأمر بمشاعر الفرح الأنساني ...! أما الرؤية الحديثة لهذا الفعل الأنساني فتعتبر التصفيق ذا طابع عرفي تحوّل إلى مهارة تواصلية، يـُكتسب جزء منها من خلال الملاحظة والمحاكاة والتقليد، ويكتسب جزء آخر بواسطة التوجيه والإرشاد، ويتم صقلها بواسطة الخبرة والممارسة ، وكأي مهارة تواصلية فقد يبرَع فيها البعض فيعرفون أنسب وقت للتصفيق وقد يفشل البعض الآخــر في أختيار التوقيت المناسب ..! مثلاً في الحفلات الغنائيـّة تجد جمهور يـُـصفق للعازف أو المـُغنـّي خلال الأداء وبشكل عشوائي أو تهريجي .. بينما تجد جمهور آخر يضـّل صامتاً لحين أنتهاء الفنان من أداء فقرتهِ ثم يبدأ التصفيق ...!

تحوّل التصفيق من أنفعال وجدانـي وأندماج النفس مع الجسد في حركــة سيكولوجية تعبيرية الى دلالة على عادة اجتماعية وسياسية قد تتميّز بها شعوب دون أخرى، بمعنى أستخدام التصفيق لغايات مختلفة ... فمع أنه ظل وسيظل بالطبع وسيلة لتحية الناجحين والمـُبدعين والتعبير لهم عن التقدير ، إلا أن أشكالاً جديدة من التصفيق تـُعطي معاني مختلفة، نذكر من بينها ثلاثة :
‎النوع الأوّل : أن يستخدم للتعبير عن الرفض وليس الرِضى وذلك عن طريق إبطاء الإيقاع وزيادة الفاصل الزمني بين كل تصفيقة وأخرى ، وهو تصرف يشبه في رمزيته ما يلجأ إليه بعض الغاضبين عندما يضربون بكف يدهم على رُكـَبهم إظهاراً لما يعتريهم من غضب .. وقد تعرّض لهذا التصفيق المـُـتباطئ رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير عندما كان يلقي خطاباً أمام المعهد البريطاني للمرأة في يونيو 2000، حيث قابلت النساء حديثه عن الرعاية الصحية باستخفاف فصفـّقن بتباطؤ لمدة لم تكن قصيرة ما تسبب له في حرج دفعه إلى التوقف لفترة عن الكلام.

‎ والنوع الثاني : هو « تصفيق الحـِداد » الذي بدأ يحل محل دقيقة الصمت عند تأبين فقيد انتقل إلى الدار الآخرة. وقد أخذ هذا التقليد يشق طريقه إلى البرلمان البريطاني بعد أن جرى التوسع في تطبيقه في الملاعب الرياضية تخليداً لذكرى رياضيين راحلين. ومنطق هذا الشكل الجديد من التصفيق أن تحية الراحلين تكون أبلغ أثراً عندما يصفق لهم الناس بحماسة بدلاً من أن يصمتوا ليسرح كل منهم في عالمه الخاص بعيداً جو المأتـم .
‎أما النوع الثالث : فتعرفه الساحات السياسية بصفة خاصة وهو التصفيق الحار standing ovation الذي يمارسه أعضاء البرلمانات من وضع الوقوف ولأطول مدة ممكنة، حيث يهب أعضاء الحزب الذي منه رئيس الدولة أو الوزارة لاستقباله ثم ليقاطعوا خطابه بتصفيق حماسي مـُبالغ أحياناً في طوله لتحريك مشاعر الرأي العام أو لتضخيم الهالة من حول الزعيم أو القائد .

‎وبخلاف التصفيق التقليدي تعبيراً عن التقدير المُستحق ، فإن هذه الأنواع الثلاثة قد لا تكون مقبولة في كل ثقافة، أو قد يكون لدى كل ثقافة وسائل أخرى غير التصفيق تعبر بها عن هذه المعاني.

يـَعتـبر الباحث المصري الدكتور عماد عبد اللطيف : ( أن التصفيق ممارسة ثقافية .. وبناءاً عليه تختلف طريقة أستخدامــه و وظائفه و كيفيـّة تأويله ، من ثقافة الى أخرى ومن مجتمع الى مجتمع .. وبالرغم من ذلك فقد أدّى كون التصفيق شعيرة تواصليـّة في الكثير من أشكال التواصل الجماهيري الى تحــوّلهِ الى عـُرف مسّتقر حتى وأن أختلفت المجتمعات .. فمثلاً : العروض الفنيـّة الحـيـّة تتضمـّن ما يكاد أن يكون بروتوكول للتصفيق ..! أذ ما أن يقف الفنان موسيقياً كان أم مسرحياً أم مـُغـنياً أم شاعراً بين يدي الجمهور حتى يبدأوا بالتصفيق تحيـّة له .. وقد يتخلل ذلك تصفيق آخـر لأظـهار الأعجاب .. وتصفيق ثالث لأعلان الرغبة بالأعادة ...الخ وفي نهاية العرض يأتي تصفيق الوداع ).

التصفيق كظاهرة قـَـهرية :

شاع التصفيق في قصور الخلفاء والملوك والسلاطين والولاة، وكان تعبيرا عن قوتهم ومكانتهم وجبروتهم ، فالذي يجلس على عرش الحكم عندما يـُـصفـّـق فهذا يعطي إشارة رمزية لفعل قادم قد يكون مألوفاً وقد يكون مـُفاجئاً .. مثلاً عندما يـُصفـّـق السلطان مرّتين قد تظهر راقصة تتمايل بغنج يسرق قلوب الحضور .. أو قد تنكشف فجأة موائد كبيرة وطويلة تشتمل على كل ما هو لذيذ وطيب من الطعام ، وقد يبرز سيف بتار يقطع رقاب بعضهم ..!
في ثقافتنا العربية تحوّل التصفيق إلى ظاهرة قهرية بامتياز .. فحيثما وجدت دكتاتورية أو استبداداً تجد تصفيقا حادا أو صاخباً ، وهذا الشكل من التصفيق يأخذ طابعا قهريا خنوعيا استسلاميا حتى في جانبه الانتهازي الوصولي لانتفاع مكاسب وقتية من الطاغية أو من المُستبد أو الحاكم الذي يـُدرك أسباب هذه الانتهازية ، لكنه يـُحبذها ويؤيدها لأنها تخدم نزعته المريضة وتخدم كذلك استمراره في الحكم والسيطرة والنفوذ .. ولأرسال رسائل للأخــرين في الداخل والخارج عن مــدى شعبيته وتأييد الناس له ..!

عندما يكـُـفّ الشعب عن التصفيق للحاكم أو المسؤول بسبب وبدون سبب .. سيضطـَر هذا الحاكم أو المسؤول لاحترام شعبـِه ... !
وعندما يتوقـّف الشعب عن التصفيق ألاّ للأعمال والمنجزات الكبيرة ... سيضـطـّر الحاكم أو المسؤول لأنجاز الأعمال الكبيرة ...!
أمـّا عندما ننظـر للحاكم أو المسؤول على أنـّـهُ موظف خدمــة عامـّـة وحسب ، وليس فرض ألــهي مـُقدّس أو ملاك هـَـبط علينا من السماء ليقودنا الى الفردوس ... سيتوقف الشعب عـن التصفيق ..!

هيـثم القيـّم
5 / 3 / 2013



#هيثم_القيّم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كل طائفي مُتعصّب هو مجرم .. بالنتيجة ..!
- تظاهرات السنة والشيعة .. وضحكات أردوغان - نجاد - حمَد .. علي ...
- ما هي قصة حقوق الأنسان ..؟
- هل كان الربيع العربي ... مقدمة للخريف الأسلامي -2-
- هل كان الربيع العربي ... مقدمة للخريف الأسلامي
- مشاهد عراقية ... بعيداً عن السياسة - 13 -
- مشاهد عراقية ... بعيداً عن السياسة - 12-
- مشاهد عراقية -11-
- مشاهد عراقية .. بعيداً عن السياسة -9-
- مشاهد عراقيّة .. بعيداً عن السياسة - 8 -
- مشاهدات عراقية .. بعيداً عن السياسة -6-
- مشاهد عراقية .. بعيداً عن السياسة -5-
- الرقم و الوقت .. أين نحن منهما -2-
- الرقم و الوقت .. أين نحن منهما
- مشاهد عراقية .. بعيداً عن السياسة -4-
- مشاهد عراقية .. بعيداً عن السياسة -3-
- مشاهد عراقية .. بعيداً عن السياسة -2-
- مشاهدات عراقية .. بعيداً عن السياسة -1-
- اقليم الديوانية ... ومهزلة الديمقراطية
- لماذا لا يكون رئيس الوزراء العراقي شيوعياً


المزيد.....




- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...
- 24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات ...
- معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
- بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
- بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في ...
- -الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
- حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش ...


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - هيثم القيّم - ثقافة التصفيق