خالد قنوت
الحوار المتمدن-العدد: 4023 - 2013 / 3 / 6 - 11:58
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
يتفق الباحثون في العلوم السياسية على أن التحليل السياسي لا يتوقف على كونه علماً بحد ذاته بل هو فن و موهبة أيضاً, يعتمد على عدد من المهارات و الجهد الذهني العالي في عملية البحث عن الاحتمالات الممكنة لمسارات التفاعلات في الواقع السياسي و القوى السياسية في المجتمع و تفسيرها بشكل علمي و عملي و منطقي و تحديد شكل العلاقات بين تلك القوى السياسية الداخلية و الخارجية, و هي الطريقة التي نحكم بها على الظواهر و الأحداث السياسية محلياً و إقليمياً و عالمياً.
و التحليل السياسي يتضمن قسمين أساسيين:
القسم الأول: هو الفهم الدقيق لمسار الأحداث, بمعنى التعمق بالحدث السياسي و عدم الوقوف عند حد المعرفة السطحية, فقد يتحمل الحدث السياسي أكثر من معنى, فقد يكون ظاهره شيء و باطنه شيء آخر. لا يعني ذلك الوقوف عند لحظة الحدث بقدر ما المعرفة و الإلمام بالجانب التاريخي له و ارتباطها بوقائع أخرى ذات صلة و بطبيعة الشخصيات و الجهات و الدول الفاعلة بذاك الحدث.
القسم الثاني: هو إدراك الأسباب الدافعة للحدث, بداية بالظاهر منها ثم الخفي, التي ربما لا يدركها غير المتخصصين بأصول التحليل السياسي.
يتم التحليل السياسي وفق معايير وقواعد وأسس ومنهجيات محددة تعتمد على استخدام أدوات التحليل بشكل يتطابق مع حجم المشكلة موضوع التحليل وتعتمد بالدرجة الأولى على مهارة المحلل وقدراته على الاستنتاج والتنبوء لواقع الأحداث ومساراتها المختلفة.
إن التفكير الإنساني هو ذلك النشاط العقلي الذي يواجه به الإنسان مشكلة ما تصادفه في حياته، ونستطيع أن نقسم مراحل التفكير من التطور الفكري والحضاري للإنسانية إلى ثلاثة مراحل أساسية:
• مرحلة التفسير: في هذه المرحلة يستخدم الفرد قدراته في فهم ومعرفة الأحداث وتفسير المواقف التي واجهته
• المرحلة السبر: يحاول الإنسان التفكير والتأمل في الظواهر والأساليب الأخرى التي لا يستطيع فهمها أو معرفتها عن طريق حواسه المجردة المعروفة
• المرحلة العلمية التجريبية حيث يستخدم الفرد المخزون المعرفي العلمي والحرفية العملية لتطويع المعطيات وصولا إلى التفسير المنطقي.
في أحد لقاءاتنا مع المفكر الراحل إلياس مرقص, سألنا عن جذر الناقص واحد؟ و نحن كطلاب هندسة كان جوابنا رياضاً مجرداً. لكن المفاجأة التي اعترت وجوهنا أنه أعتبر أن الجذر ناقص واحد هو تعبير فلسفي بالأصل و انطلق من هذا السؤال لشرح الفراغ الإقليدي و علم المثلثات و نظرية فيثاغورث كمسائل فلسفية, لينتقل و بشكل سلس لموضوع التحليل السياسي منتقداً الخطاب السياسي العربي البعيد عن هذا العلوم و قصوره بشكل عام. أذكر كلماته المنفعلة و هو يتساءل, (كيف يدعي البعض أنهم محللون سياسيون و لديهم قصور معرفي قبل الموهبة؟) و أضاف (لا يمكن أن يكون المرء محللاً سياسياً و هو لا يعرف الفلسفة و التاريخ و الجغرافيا و الرياضيات و علم الاحتمالات و يكون لديه معرفة بالعلوم الاقتصادية).
بالإضافة لما قاله الراحل فإن التحليل السياسي يحتاج إلى ملكة التفكير, وبدوره يحتاج إلى فهم السياسة، وهو أمر في غاية التعقيد، ويقول “روبرت دال” في كتابه التحليل السياسي الحديث “إن أي فرد يستطيع أن يفهم السياسية بقدر, ولكن السياسة موضوع غاية في التعقيد، بل وربما هي أكثر المواضيع التي يواجهها الإنسان تعقيداً. وتكمن الخطورة في حقيقة أنه مع افتقاد الخبرة اللازمة للتعامل مع تعقيدات السياسة فإن المرء ينزع إلى تبسيطها بصورة مخلة" .
أيضاً, لابد أن يمتاز المحلل السياسي بالإدراك، وهو المقدرة العالية على تفسير الظواهر وتحليلها وفهمها ثم تحديد رد الفعل المناسب، وعمليّة الإدراك تتأثر بمجموعة كبيرة من العوامل التي تلعب دوراً هاماً في الطريقة التي يتم بها تفسير وتحليل الظواهر وأبرزها هي:
1. الحواس وقدرتها على الاستقبال
2. الخبرات السابقة والمعلومات المختزنة لدى الفرد
3. البيئة الحضاريّة التي يعيش فيها
4. الدور الوظيفي
5. الدور الاجتماعي الذي يعيشه
6. الدور الفكري
7. القيم الدينيّة التي يؤمن بها
8. المستوى الثقافي والتعليمي
9. توقعات الفرد لما سيتم استقباله من مثيرات
10. المشاعر والاتجاهات والحاجات الكامنة لدى الفرد.
أهمية التحليل السياسي:
يعد التحليل السياسي اليوم من المسلمات في الحياة السياسية، سواء لرجل السياسة والدولة أو المهتمين بتحليل الشأن السياسي من المفكرين والباحثين من ذوي المعرفة والخبرة و سعة الأفق لفهم ما يدور في الواقع السياسي، ويعد التحليل بمثابة الوقاية من جهة والتحسب للظواهر السلبية الزاحفة والعلاج من جهة أخرى ومعالجة الأسباب المشابهة التي تؤدي إلى وصول الأحداث المضطربة إلى مسرح الحراك السياسي في حالة عدم تحليلها إلى عواملها الأولية ومعرفة مخرجاتها، ولعل من أبرز فوائد التحليل السياسي هي:
1. البعد عن الأحكام المطلقة، والبحث في كافة الاحتمالات الممكنة، ودرجة القوة في هذه الاحتمالات ومدى تأثيرها، ومن ثم ترك المجال لتعدد وجهات النظر وقبول الرأي الأخر
2. معالجة القضايا والمواقف بشكل أكثر وعياً وعمقاً، والبعد عن المعالجة العاطفية أو التي لا تستند إلي أدلة واضحة يمكن أن يقبل بها الطرف الأخر
3. عدم الوقوف عند رأى واحد وإغلاق الباب أمام آراء الآخرين حتى وإن كانت أكثر قناعة أو موضوعية، وبالتالي القدرة على مناقشة الآراء وتفنيدها، ومراجعة النفس إن وجدت الصواب أكثر في رأى غيرها، والتعود علي احترام الرأي الآخر
4. المشاركة في صناعة القرار السياسي.
تتعدد مدارس التحليل السياسي، ولكل مدرسة مبرراتها ومسوغاتها وآلياتها بشكل عام، وتبرز في هذا الصدد عدة مدارس, منها
أـ المدرسة الأيديولوجية: هناك من المحللين من يتناول الحدث السياسي تحليلا في ضوء مدرسة أيديولوجية محددة ورؤية يؤمن بها ويعتقدها و تتباين بين أيديولوجية دينية (تعتبر جوهر الصراع هو صراع ديني أو طائفي أو مذهبي) أو قومية (حيث تطبع حقيقة الصراع النزاعات القومية) أو اقتصادية (و هنا العامل الاقتصادي هو الجوهر في التحليل السياسي).
ب ـ المدرسة الواقعية: المدرسة الواقعية، تؤمن بأن الواقع هو المصدر الأول والأخير في التحليل السياسي، فنحن لا نركن إلى سبب واحد في التحليل، بل هناك جملة عوامل واقعية تفسر وتعلل وتكشف، فلا نستبعد دور المزاج والتاريخ في اتخاذ القرار السياسي، وفي فهم الحدث السياسي، والظاهرة السياسية، وغيرها من موضوعات التحليل السياسي المطروحة، ولا نستبعد دور الذكريات بين الدول والشعوب والقوميات والأديان والمذاهب المسؤولة عن الحدث السياسي وتعميقه.
من أهم عوامل نجاح التحليل السياسي هي البعد عن التخمين و اتباع اسلوب الاستقراء و الاستنتاج في تكوينه, حيث أن التخمين لا يستند إلى أي أسس أو مؤشرات و لكن فقط تهيؤات, بينما الاستقراء هو أحد أشكال الاستدلال تكون فيه معطيات و عناصر الحجج المقدمة تدعم الاستدلال النهائي و لكنها لا تؤيده مئة بالمئة و هو نوع من تعميم الملاحظة المتكررة بشدة لصياغة ما يشبه قانون وضعي يخضع للتمحيص و الفحص و التجربة مرات و مرات, أما الاستنتاج فهو عملية ذهنية تستخلص منها استخلاصاً دقيقاً من قضية أو عدد من القضايا تدعى مقدمات, قضية أخرى تدعى نتيجة تنتج عنها بالضرورة كما تقتضي قواعد المنطق, حيث يبدو الاستنتاج حركة فكرية تمضي من حدس إلى حدس, مرتبطة بسلسلة من القضايا التي أخذت بطريق الاستقراء, مما يشير إلى أن الاستقراء هو أساس الاستنتاج.
القصد هنا أن لا يكون التحليل السياسي قطعي و نهائي بقدر ما يكون مرتبط بعدد الاحتمالات الممكنة الحصول, يقول ونستون تشرشل: (إن السياسي الجيد هو ذاك الذي يمتلك القدرة على التنبؤ، والقدرة ذاتها على تبرير لماذا لم تتحقق نبؤته) .
مما تقدم و بمناسبة الذكرى الثانية لقيام الثورة السورية, كنت أحاول أن أضع الأسس الأولية لمشروع فكري علمي عن الثورة السورية يتناول بالتحليل السياسي الأسباب الموضوعية و الذاتية لقيامها و تحليل عناصرها و لاستمرارها و المنعطفات الأساسية التي حدثت بها و المآلات المحتملة لها و تأثيراتها على الكيان السوري و على المواطن السوري الفرد و على الجوار الإقليمي و الدولي.
سيكون من المفيد لهذا المشروع مشاركة من جميع المهتمين بالأزمة السورية و خاصة أصحاب المصلحة الوطنية على اختلاف انتماآتهم السياسية, متمنياً مشاركة واسعة.
سيكون المشروع على ثلاث أقسام:
1- أسباب قيام الثورة السورية.
2- أشكال و عوامل استمرار الثورة السورية على مدار عامين.
3- مآلات الثورة السورية.
#خالد_قنوت (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟