أحمد عفيفى
الحوار المتمدن-العدد: 4021 - 2013 / 3 / 4 - 16:14
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
أخطر الأسلحة، في عصور ما قبل التنوير – وربما حتى الآن في بلاد الضاد - كانت تهمة الزندقة، ذلك السلاح الديني الرهيب، الذي حمله أعداء الحقيقة ضد العلماء والمفكرين في كل زمان ومكان, أولئك العلماء وهؤلاء المفكرين الذين حاولوا زرع بذور الشك والاستنتاج والتحليل والتدليل والعقل في المجتمعات الناهضة, فنمت بفضل رجال الدين وفقهاء النقل وباباوات التعتيم، إلى قرون من الجهل والتخلف والظلام.
وتهمة الزندقة استهدفت دائماً تكفير العلماء و العقلاء في الماضي والحاضر، وهدفت في حقيقتها إلى تكريس الجهل والتخلف والجمود, ومصادرة أسباب الإبداع واعتباره بدعة وابتداع, وحرمانه من حقوقه الإنسانية, حتى أصبح غير قادر على مواجهة التحديات والزمن, ودفعته إلى التراجع نحو العصور المتشددة المتصلبة, بالاتجاه الذي يقمع حرية الفكر ويعود به إلى جوف القرن السابع الميلادي، وأغلب الفتاوى المعادية للرعيل الأول من العلماء, حصرت صفة أهل العلم على المشتغلين فقط بمجالات الفقه والخطابة, وحفظ وتلقين النصوص الفقهية الأثرية الجامدة، تلك التي تُشبه حفريات كائنات ما قبل التاريخ.
من منّا لا يعرف الرازي والخوارزمي والكندي والفارابي والبيروني وابن سيناء وابن الهيثم؟ ومن منّا لم يسمع بالغزالي وابن رشد والعسقلاني والسهروردي وابن حيان والنووي وابن المقفع والطبري؟ ومن منّا لم يقرأ لافتات المدارس والمعاهد والمراكز العلمية والأدبية التي حملت أسماء الكواكبي والمتنبي وبشار بن برد ولسان الدين الخطيب وابن الفارض والجاحظ والمجريطي والمعري وابن طفيل والطوسي وابن بطوطة وابن ماجه وابن خلدون وثابت بن قرة والتوحيدي؟
لكننا لا نعلم حتى الآن أن هؤلاء العلماء الأعلام صدرت ضدهم سلسلة من الأحكام التكفيرية بقرارات ونصوص متطابقة بالشكل والمضمون مع قرارات محاكم التفتيش, التي كفرت غاليلو, وكوبرنيكس, ونيوتن, وديكارت, وفولتير, وحرمت قراءة كتبهم, وبالغت في مطاردتهم وتعذيبهم والتنكيل بهم, فلا فرق بين تلك الأحكام التعسفية الجائرة, وبين الأحكام الارتجالية المتطرفة, التي ضللت الناس, وحرضتهم على قتل الطبري, وصلب الحلاج, وحبس المعري, وسفك دم أبن حيان, ونفي ابن المنمر, وحرق كتب الغزالي وابن رشد والأصفهاني, وتكفير الفارابي والرازي وابن سيناء والكندي والغزالي, وربما لا نعلم أن السهروردي مات مقتولا, وإنهم قطعوا أوصال ابن المقفع, ثم شويت أمامه ليأكل منها قبل أن يلفظ أنفاسه بأبشع أنواع التعذيب, وان الجعد بن درهم مات مذبوحا, وعلقوا رأس أحمد بن نصر وداروا به في الأزقة, وخنقوا لسان الدين بن الخطيب وحرقوا جثته, وكفروا ابن الفارض وطاردوه في كل مكان.
اغلب الظن إن عامة الناس لا يعلمون بما قيل عن ابن سيناء الطبيب والعالم والفقيه والفيلسوف, ولا يعلمون بما قال عنه ابن القيم في إغاثة اللهفان "انه إمام الملحدين الكافرين بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر" وقال عنه الكشميري في فيض الباري "ابن سيناء الملحد الزنديق القرمطي, وقال عنه الشيخ صالح الفوزان انه باطني من الباطنية, وفيلسوف ملحد".
ولا يعلم الناس بما قالوه عن أبي بكر الرازي, الطبيب العالم الفيلسوف. قال عنه ابن القيم في إغاثة اللهفان "إن الرازي من المجوس وانه ضال مضلل" وقال ابن العماد في شذرات الذهب عن الفارابي "اتفق العلماء على كفر الفارابي وزندقته" وقالوا عن محمد بن موسى الخوارزمي "انه وإن كان علمه صحيحا إلا إن العلوم الشرعية مستغنية عنه وعن غيره" وقالوا عن عمرو بن بحر الجاحظ "انه سيء المخبر, رديء الاعتقاد, تنسب إليه البدع والضلالات" وقال عنه الخطيب بسنده "انه كان زنديقا كذابا على الله وعلى رسوله وعلى الناس" وقالوا عن ابن الهيثم "انه كان من الملاحدة الخارجين عن دين الإسلام, وكان سفيها زنديقا كأمثاله من الفلاسفة" وقالوا عن أبي العلاء أحمد بن عبد الله المعري "انه كان من مشاهير الزنادقة, وفي شعره ما يدل على زندقته وانحلاله من الدين" وقالوا عن نصير الدين الطوسي "انه نصير الشرك والكفر والإلحاد".
وقالوا عن محمد بن عبد الله بن بطوطة "انه كان مشركا كذابا" وهجوا يعقوب بن إسحاق الكندي وقالوا عنه "انه كان زنديقا ضالا" فقال عنهم "هؤلاء من أهل الغربة عن الحق, وإن توجوا بتيجان الحق دون استحقاق, فهم يعادون الفلسفة ذبا عن كراسيهم المزورة, التي نصبوها من غير استحقاق, بل للترؤس والتجارة بالدين, وهم عدماء الدين" وكان يرى أن في علم الأشياء بحقائقها علم الربوبية, وعلم الوحدانية, وعلم الفضيلة, وجملة علم كل نافع, والسبيل إليه, وكان يعتقد إن السعي لمعرفة الحقيقة هو مقصد جميع الأنبياء والرسل, وليس فقط الفلاسفة, وبالتالي فإن الفلسفة ليست كفراً, على عكس ما يقولوه عدماء الدين.
فمن هؤلاء؟ وماذا قدموا للعالم؟ وماذا قالوا عن الحق والعقل والحقيقة؟ وماذا حلّ بهم في حياتهم؟
1- ابن رشد (1126-1198م) هو محمد بن أحمد بن محمد بن رشد الأندلسي. درس ابن رشد الفقه والأصول ودرس من علوم الأوائل الطب والرياضيات والفلسفة وتولى القضاء سنوات في إشبيلية ثم في قرطبة. نشأ ابن رشد في ظل دولة الموحدين, وملكهم يومئذ أبو يوسف يعقوب المنصور بن عبد المؤمن, وبتأثير العامة أمر بإبعاده إلى أليسانة قرب غرناطة ثم نفي إلى بلاد المغرب ونكل به وأحرقت كتبه وتوفي في مراكش عن 75 عاما ونقلت جثته إلى قرطبة وبموته تفرق تلاميذه ومريدوه وأصدر المنصور يعقوب مرسوما بتحريم الاشتغال بالفلسفة.
2- الفارابي (870- 950م) هو أبو نصر محمد بن محمد بن أوزلغ بن طرخان، مدينته فاراب ، وهي مدينة من بلاد الترك في أرض خراسان ، يعرف في الغرب باسم Alpharabius . غادر مسقط رأسه وذهب إلى العراق لمتابعة دراساته العليا، فدرس الفلسفة، والمنطق، والطب على يد الطبيب المسيحي يوحنا بن حيلان، كما درس العلوم اللسانية العربية والموسيقي. ومن العراق انتقل إلى مصر والشام، حيث التحق بقصر سيف الدولة في حلب واحتل مكانة بارزة بين العلماء، والأدباء، والفلاسفة. وحاول أن يثبت أن لا خلاف بين الفلسفة اليونانية وبين عقائد الشريعة الإسلامية، و لكنه فشل بالتأكيد حيث قال عنه الذهبي في سير الأعلام أن له تصانيف مشهورة من ابتغى منها الهدى ضل و حار، ومنها تخرج ابن سينا. و قال عنه ابن عماد في شذرات الذهب أنه أكثر العلماء كفر وزندقة، حتى أن الغزالي في كتابه المنقذ من الضلال أكد أنه لا شك في كفره هو و ابن سينا، وكان الاتهام يشمل إنكاره يوم القيامة وأن الأجساد تقوم، وأن الله يعلم الكليات لا الجزئيات، وأن العالم ليس محدث أو مخلوق و إنما هو أزلي الوجود كالله.
3- الكندي (811-866م) هو يعقوب بن إسحاق بن الصباح بن عمران بن إسماعيل بن محمد بن الأشعث الكندي. ينتهي نسبه إلى ملوك كندة, فهو عربي الأصل, ومن أجل ذلك لقبوه بفيلسوف العرب, واشتهر في بلاد الغرب باسم (الكندوس al kindus) . نال حظوة عند المأمون والمعتصم والواثق, وعلت منزلته عندهم, غير أنه لقي عنتا من المتوكل بسبب الأخذ بمذهب المعتزلة, فأمر المتوكل بضربه ومصادرة كتبه. اتهم بالزندقة و كان يدافع عن نفسه بأن أعداء الفلسفة جهلة و أغبياء و تجار دين.
4- الجاحظ (767-868م) هو عمرو بن بحر بن محبوب الكناني الليثي، الشهير بالجاحظ . كبير أئمة الأدب. قضى الجاحظ أكثر عمره في البصرة وقصد بغداد بدعوة من المأمون وعينه في ديوان الرسائل وجعل له الصدارة فيه, وما انقضت ثلاثة أيام حتى استعفي من منصبه فأعفي, إلا أنه بقي مخلصا للمأمون. كان للجاحظ إنتاج وفير, وله من الكتب ما يزيد على المائتي كتاب, وهي كما قال ابن العميد تعلم العقل أولا والأدب ثانيا، وقد نشر منها "الحيوان" "البيان والتبيين" "البخلاء". أما كتاب الحيوان, فقد نشر في سبعة أجزاء, وفيه تناول الجاحظ وصف طبائع الحيوان, وفيه عرض لأطراف من العلوم وتجاربها وخصائصها, ووجه النظر إلى الطبيعة وتأكيد الثقة في حقائقها وبراهينها فسبق بذلك (بيكون F-Bacon) واتبع في دراسته الشك المنهجي, فسبق بذلك (ديكارت R-Descartes). كان يؤمن أن القرآن حادث و مخلوق لأنه شئ من الأشياء، و كان يؤيده الخليفة المأمون، و من مؤلفاته التي توضح ذلك كتاب "خلق القرآن" و في هذا أثار نقمة السنة من أهل الإسلام الذين نادوا بأن القرآن غير مخلوق، وهذا وضعه على قائمة الملاحدة والزنادقة.
5- بشار بن برد (710-784م) هو بشار بن برد بن يرجوخ العقيلي. أصله من طخارستان غربي نهر جيحون, نشأ في بني عقيل واختلف إلى الأعراب المخيمين ببادية البصرة فشب فصيح اللسان, صحيح البيان. ولد أكمه أي أعمى, على أنه كان يشبه الأشياء بعضها ببعض في شعره, فيأتي بما لا يقدر عليه المبصرون. هو أشعر المولدين وهو المتقدم فيهم. طرق كل باب من أبواب الشعر وبرع فيه, واشتهر شعره بالمجون والهجاء والغزل. اتهم بالزندقة فأمر الخليفة المهدي بضربه, فمات تحت السياط ودفن بالبصرة. كان بشار شعوبياً زنديقاً وهو القائل:
إبليسُ أفضلُ من أبيكم آدم ** فتبينوا يا معشر الفجار
النارُ عنصـره وآدم طينة ** والطين لا يسمو سمو النارِ
الأرضُ مظلمةٌ والنارُ مشرقةٌ ** والنارُ معبودةٌ مذ كانت النار
و يقول أيضا ساخرا من الصلاة:
وإنني في الصلاة أحضرها ** ضحكة أهل الصلاة إن شهدوا
أقعدُ في الصلاة إذا ركعوا ** وارفع الرأس إن هم سجدوا
ولستُ أدري إذا إمامهم ** سلم كم كان ذلك العددُ
6- أبو العلاء المعري (979-1058) أحمد بن عبد الله بن سليمان المعري، ولد في معرة النعمان بالشام، عندما بلغ الرابعة من عمره أصابه الجدري فأفقده عينيه، و لم يمنعه ذلك من أن يظهر في مؤلفاته هذا التنوع وتلك الدراية الواسعة بالعلوم التي قل أن نجد لها نظيراً عند غيره، عرف بأنه عالم متبحر وشاعر مطبوع متأثر بأسلوب المتنبي. ولم تظهر موهبته الفريدة إلا في كتبه المتأخرة التي كتبها بعد عودته إلى المعرة "اللزوميات" و"رسالة الغفران " عندما بلغه وفاه أمه أثر فيه هذا الحادث تأثيراً بليغاً وشجعه على تنفيذ عزمه على اعتزال الناس. ويقال إنه عاش منذ ذلك الحين في كهف عود نفسه فيه على التقشف لا يأكل لحم الحيوان بل ولا يتناول البيض واللبن، ومن هنا حصل على لقب "رهين المحبسين" أي العمى و الدار. من أشهر مؤلفاته "اللزوميات"، وقد خرج أبو العلاء في اللزوميات على قيود العقيدة التي كانت تقيد سلفه وسما بنفسه إلى مستوى أعلى. ولأبي العلاء مؤلف آخر مشهور هو "رسالة الغفران" وهي رسالة كتبها بأسلوب منمق، وأهداها إلى رجل يدعى علي بن منصور الحلبي. وقد عرض المؤلف الشعراء الزنادقة الذين غفر لهم – ومن هنا اشتق اسم الرسالة – والذين رفعوا إلى الجنة، عده الكثيرون من معاصريه زنديقا، فليست هناك عقيدة إسلامية لم يسخر منها، وليس أمامنا إلا القول بأنه كان متشككاً قوي الشك، وكان أبو العلاء يؤمن بالتوحيد، بيد أن إلهه ليس إلا قدر غير مشخص، كما أنه لم يأخذ بنظرية الوحي الإلهي، فالدين عنده من صنع العقل الإنساني ونتيجة للتربية والعادة. وكان الشاعر دائماً يهاجم أولئك الذين يستغلون استعداد العامة لتصديق الخرافات بقصد اكتساب السلطة والمال.
يقول في اللزوميات:
قــد تــرامت إلـى الفسـاد البرايـا ** واســتوت فــي الضلالـة الأديـان
وإذا مــا ســألت أصحــاب ديـن ** غــيروا بالقيــاس مــا رتبــوه
لا يدينـــون بـــالعقول ولكــن ** بأبـــاطيل زخـــرف كذبـــوه
7- الحلاج (858-922م) هو الحسين بن منصور بن محمى, الملقب بالحلاج أبو مغيث، فيلسوف متصوف، بعض المؤرخين يعده من السهاد المتعبدين, وبعضهم يعده من الزنادقة الملحدين، كان جده مجوسيا وأسلم. أصله من مدينة البيضاء بفارس, ونشأ بواسط وانتقل إلى البصرة. وكانت تروى عنه أمور تعد من الخوارق. يقول الذهبي في "كتابه العبر في خبر من غبر" إن الحلاج صحب التستري والجنيد وأبو الحسين النوري, وهم من أئمة الصوفية, ثم فتن فسافر إلى الهند وتعلم السحر, فحصل له حال شيطاني وهرب منه الحال الإيماني . كانت عقيدته الصوفية تقوم على وحدة الوجود أي أن الإنسان مندمج في ذات الله.
كان شاعرا مجيدا وقد عبر عن صوفيته وفلسفته بأشعار نظمها منها قوله في علاقته بالله:
أنـا مـن أهـوى ومـن أهـوى أنـا ** نحـــن روحــان حللنــا بدنــا
فـــإذا أبصـــرتني أبصرتـــه ** وإذا أبصرتـــــه أبصرتنـــــا
ويذكر أن الحلاج سمي بهذا الاسم لأنه اطلع على ما في القلوب, وكان يخرج لب الكلام كما يخرج الحلاج لب القطن. ولما رفع أمره إلى الخليفة المقتدر أمر أبا الحسن علي بن أحمد الراسبي, ضامن خراج الأهواز, أن يأتيه به فقبض عليه مع غلام له وحمله إلى بغداد سنة 301هـ, فصلب على جذع شجرة, ثم سجن وظل مسجونا ثماني سنين, ثم عقد له مجلس من القضاة والفقهاء, فشهد عليه أناس بما يدينه بالزندقة والإلحاد فصدر الحكم بقتله وإحلال دمه, فسلم إلى نازوك صاحب الشرطة فضرب ألف سوط ثم قطعت أربعة أطرافه ثم حز رأسه وأحرقت جثته .
8- ابن الراوندي (825-911م) هو أحمد بن يحيى بن إسحاق, أبو الحسن, الراوندي, نسبة إلى راوند من قرى أصبهان . فيلسوف مجاهر بالإلحاد, له مناظرات ومجالس مع جماعة من علماء الكلام, وقد انفرد بمذاهب نقلوها عنه في كتبهم ومنها قوله بالحلول وتناسخ روح الإله في الأئمة. ومن أعلام المعتزلة في القرن الثالث الهجري، اذ أيد المعتزلة، ووضع لهم الكتاب تلو الكتاب للدفاع عن آرائهم الكلامية والفلسفية، ولكنه انفصل عنهم فيما بعد، فأخذ ينتقد آراءهم ومناهجهم ويرد عليهم، ومن أشهر كتبه التي الفها في الرد على المعتزلة كتاب "فضيحة المعتزلة" يقول ابن العماد الحنبلي صاحب شذرات الذهب, أن أباه كان يهوديا فأظهر الإسلام, ويقول عنه ابن كثير أنه أحد مشاهير الزنادقة, طلبه السلطان فهرب ولجأ إلى ابن لاوي اليهودي بالأهواز, وصنف له في مدة إقامته عنده, كتابه الذي سماه "الدامغ للقرآن" أى الذي وصم به القرآن. يقول ابن حجر العسقلاني "ابن الراوندي, الزنديق الشهير, كان أولا من متكلمي المعتزلة, ثم تزندق واشتهر بالإلحاد" ويقال إنه كان في غاية الذكاء. قال عنه أبو العلاء المعري في رسالة الغفران " سمعت من يخبر أن لابن الراوندي معاشر يخترصون له فضائل " من أهم واخطر الكتب التي ألفها ابن الراوندي " الزمرد " والذي تجاسر فيه ابن الراوندي على التشكيك في ركن الأركان في الإسلام و هو النبوة، وأنكر معجزات محمد، حيث سخر فيه من العقائد الإسلامية وأنكر المعجزات الحسية، ونقد فكرة إعجاز القرآن، وأكد على سمو العقل على النقل وبين أوجه تعارض الشريعة الاسلامية مع العقل.ألف كتبا في الطعن على الشريعة منها "فضيحة المعتزلة" "التاج" "الزمردة" "نعت الحكمة" "قضيب الذهب" "الدامغ" و لم يصلنا أي من كتبه للأسف و ما ذكر منها هو ما كتبه المشايخ في الرد عليه. مات الراوندي برحبة مالك بن طوق بين الرقة وبغداد, وقيل صلبه أحد السلاطين, وجاء في كتاب البداية والنهاية لابن كثير أنه مات عند ابن لاوي اليهودي وكان لجأ إليه.
9- الرازي (864-925م) هو محمد بن زكريا الرازي. أبو بكر. أعظم الأطباء وأكثرهم ابتكارا, ومن أشهر الفلاسفة. من أهل الري ونسبته إليها. ولد وتعلم بها وسافر إلى بغداد بعد سن الثلاثين. أولع بالغناء والموسيقى في أول عمره, ونظم الشعر في صغره, ثم تخلى عن ذلك ونزع إلى الطب والفلسفة. وتولى تدبير مستشفى الري ثم رئاسة الأطباء في المستشفى العضدي ببغداد. يعرف الرازي عند الأوربيين باسم (Razhes) وهو أول وأعظم علماء المدرسة الحديثة في الطب بلا مراء. نزح إلى بغداد وتلقى علومه على يد الطبيب المسيحي حنين بن إسحاق. وإلى جانب الطب عكف الرازي على دراسة الفلك والرياضيات وله في الموسيقى باع عظيم فكان من أوائل واضعي النظريات الموسيقية وكثيرا ما أشاد خلفاؤه الموسيقيين بنظرياته في الموسيقى. يضاف إلى ذلك أنه انصرف إلى دراسة الفلسفة وهو يعتقد أن النفس هي التي لها الشأن الأول فيما بينها وبين البدن من صلة, وأن ما يجري في النفس من خواطر ومشاعر ليبدو في ملامح الجسم الظاهرة, لذلك وجب على الطبيب ألا يقصر في دراسته على الجسم وحده بل لا بد له أن يكون طبيبا للروح. من أهم كتبه " كتاب الأسرار " الذي نقله إلى اللاتينية (جيرار الكرموني G. Garmana) فأصبح مصدرا رئيسيا للكيمياء, وكتاب "الطب المنصوري" ألفه باسم أمير الري منصور بن محمد بن إسحاق بن أحمد بن أسد الساماني, وكتاب "الفصول في الطب" ومقالة في الحصى والكلى والمثانة, وكتاب "تقسيم العلل" و"المدخل إلى الطب" و"منافع الأغذية ودفع مضارها" وغير ذلك من المصنفات. أما رسائل الرازي فأشهرها " كتاب الجدري والحصبة " وتعد مفخرة من مفاخر التأليف الطبية, وقد نقلت إلى عدة لغات وأكسبت الرازي شهرة عظيمة, على أن أهم مؤلفات الرازي على الإطلاق كتابه " الحاوي في الطب " وهو يتضمن كل ما توصل إليه الطب السرياني والعربي من معرفة واكتشافات. وقد نقله إلى اللاتينية " فراج بن سالم الإسرائيلي " سنة 1279م. من جهة أخرى كان من زنادقة الإسلام الذين يؤمنون أن الله هو خالق الخير و ابليس هو خالق الشر "المذهب المثنوي الفارسي القديم" و قيل بأزلية خمسة أشياء هم الله و ابليس و الزمن و الخلاء "العدم" و الهيولي "الروح" جمع بين مذاهب الصابئة و الدهرية و الفلاسفة و البراهمة الهنود، ووضع كتابا في ابطال النبوءة، و رسالة في إبطال القيامة و اليوم الآخر. وقد أثار ذلك حفيظة الكثير من العلماء ضده حتى رموه بالكفر واتهموه في دينه.
10- التوحيدي (توفى 1023م) هو علي بن محمد بن العباس التوحيدي أبو حيان. قيل إن أباه كان يبيع نوعا من التمر يسمى التوحيد، أو لعل هذه النسبة جاءته من أنه كان من المعتزلة من أهل العدل والتوحيد. فيلسوف، معتزلي متصوف. ولد في نيسابور وقضى معظم أيام حياته في بغداد وتلقى فيها العلوم على شيوخ العصر في الفقه والنحو المنطق واللغة. كتب أبو حيان التوحيدي كتبا كثيرة أشهرها " المقابسات " وهي مذكرات كان يكتبها بعد الجلسات التي كان يعقدها مع الأدباء والمفكرين والأعيان. كتاب " الإمتاع والمؤانسة " وهو أيضا مجموعة من الموضوعات حدث بها أبا عبد الله الحسين بن أحمد بن سعدان وزير صمصام الدولة البويهي ، في مدى سبعا وثلاثين ليلة، ثم جمعها في كتاب، ومن تأليف التوحيدي " رسالة في علم الكتابة " وكتاب " بصائر القدماء وسرائر الحكماء " وكتاب " الإشارات الإلهية والأنفاس الروحانية " " ورسالة في أخبار الصوفية " وكتاب " رياض العارفين " " ورسالة في الإمامة " وكتاب " الهوامل والشوامل " وقد أحرق التوحيدي في آخر حياته كتبه، فلما سئل في ذلك قال " إني فقدت ولدا محبا وصديقا حبيبا، وصاحبا قريبا، وتابعا أديبا، ورئيسا منيبا، فشق علي أن أدعها لقوم يتلاعبون بها ويدنسون عرضي إذا نظروا فيها، وكيف أتركها لأناس جاورتهم عشرين سنة، فما صح لي من أحدهم وداد، ولا ظهر لي من إنسان منهم حفاظ، وقد اضطررت بينهم، بعد الشهرة والمعرفة في أوقات كثيرة، إلى أكل الخضر في الصحراء، وإلى التكفف الفاضح عند الخاصة والعامة، وإلى بيع الدين والمروءة " وكان معتزليا على مذهب الجاحظ مع ميل إلى التصوف. وقد رمي بالزندقة وقال عنه ابن الجوزي " زنادقة الإسلام ثلاثة : ابن الراوندي والتوحيدي والمعري ".
11- ابن سينا (981-1037م) هو الحسين بن عبد الله بن الحسن بن علي بن سينا، هو ألمع اسم بعد الرازي في تاريخ الطب العربي. فقد كان الرازي يتفوق على ابن سينا في الطب، وكان ابن سينا يتفوق على الرازي في الفلسفة. وفي الواقع فقد تجلت في ابن سينا صفات الفيلسوف والطبيب والفقيه والشاعر. يعرف عند الغرب باسم (Avicenne). ولد في " أفشنه " إحدى قرى بخارى، وكان أبوه من " بلخ " وانتقل إلى بخارى، وكان يتعاطى في بخارى مهنة الصرافة. وفي بخارى تلقى ابنه الحسين العلم واستظهر منذ حداثة سنه القرآن الكريم وألم بعلوم الشريعة والدين، ثم أنكب على دراسة الطبيعيات والرياضيات والمنطق وعلوم ما بعد الطبيعة، وأخذ فن الطب من طبيب مسيحي يدعى عيسى بن يحيى . واستهوته الفلسفة فأنكب على دراستها وعكف على علم ما بعد الطبيعة وطالع كتاب أرسطو فيه وأفاد من كتاب الفارابي في أغراض ما بعد الطبيعة الذي شرح فيه علم أرسطو، فانكشف لابن سينا ما كان مستغلقا عليه منه، وأقام مذهبا فلسفيا في الوحدانية يقترب إلى أقصى حد ممكن من تركيب يؤلف بين الإسلام وتعاليم أفلاطون وأرسطو. أشهر كتبه في الفلسفة " الشفاء " وقد قصد به شفاء النفس من عللها وأخطائها وعالج موضوع النفس بقدر ما عالج موضوع الجسم، وكتابه " النجاة " وهو مختصر كتابه " الشفاء " وأشهر كتبه في الطب كتاب " القانون " وفيه خلاصة فكره الطبي، شاملا آثار الإغريق والعرب، وقد ترجم إلى اللاتينية في القرن الثاني عشر للميلاد وطبع ست عشرة مرة في القرن الخامس عشر، وكان مادة تعليم الطب في جامعات أوروبا حتى أواخر القرن السابع عشر. كان يقول بنفس المبادئ التي نادى بها الفارابي من قبله بأن العالم قديم أزلي و غير مخلوق، وأن الله يعلم الكليات لا الجزئيات، و نفى أن الأجسام تقوم مع الأرواح في يوم القيامة. و قد كفره الغزالي في كتابه " المنقذ من الضلال " و أكد نفس المعلومات ابن كثير في البداية و النهاية وقد أكد ابن عماد في شذرات الذهب أن كتابه " الشفاء " اشتمل على فلسفة لا ينشرح لها قلب متدين. و شيخ الإسلام ابن تيمية أكد أنه كان من الإسماعيلية الباطنية الذين ليسوا من المسلمين أو اليهود أو النصارى وقال عنه " فأهل الوهم والتخيل هم الذين يقولون أن الأنبياء أخبروا عن الله وعن اليوم الآخر وعن الجنة والنار بل وعن الملائكة بأمور غير مطابقة للأمر في نفسه ولكنهم خاطبوهم بما يتخيلون به ويتوهمون به أن الله جسم عظيم وأن الأبدان تعاد وأن لهم نعيما محسوسا وعقابا محسوسا وإن كان الأمر ليس كذلك في نفس الأمر لأن من مصلحة الجمهور أن يخاطبوا بما يتوهمون به ويتخيلون أن الأمر هكذا وإن كان هذا كذبا فهو كذب لمصلحة الجمهور إذ كانت دعوتهم ومصلحتهم لا تمكن إلا بهذه الطريق " وقد وضع ابن سينا وأمثاله قانونهم علي هذا الأصل كالقانون الذي ذكره في رسالته " الأضحويه " وهؤلاء يقولون الأنبياء قصدوا بهذه الألفاظ ظواهرها وقصدوا أن يفهم الجمهور منها هذه الظواهر وإن كانت الظواهر في نفس الأمر كذبا وباطلا ومخالفة للحق فقصدوا إفهام الجمهور بالكذب والباطل للمصلحة ". ثم من هؤلاء من يقول " أن النبي كان يعلم الحق ولكن أظهر خلافه للمصلحة ". ومنهم من يقول " ما كان يعلم الحق كما يعلمه نظار الفلاسفة وأمثالهم وهؤلاء يفضلون الفيلسوف الكامل علي النبي ويفضلون الولي الكامل الذي له هذا المشهد علي النبي كما يفضل ابن عربي الطائي خاتم الأولياء ـ في زعمه ـ علي الأنبياء وكما يفضل الفارابي و مبشر بن فاتك وغيرهما الفيلسوف علي النبي.
12- عمر الخيام (1048 -1131م) هو عمر بن إبراهيم الخيام, غياث الدين أبو الفتح. من أهل نيسابور مولدا ووفاة. شاعر فيلسوف, وعالم مشهور من علماء الرياضيات والفلك واللغة والفقه والتاريخ. صنف الكتب ونظم الشعر بالفارسية والعربية وترجع شهرته في الشرق والغرب إلى رباعياته. وتدور معظم رباعيات الخيام على الحب والخمر, وبها يستدل في بلوغ مراميه بأسلوب رمزي. وفي رباعياته استخفاف ظاهر بالدنيا والآخرة وبالعقل والشريعة.
يقول في الجنة:
يقولــون حـور فـي الغـداة وجنـة
وثمــة أنهـار مـن الشـهد والخـمر
إذا اخــترت حـوراء هنـا ومدامـة
فمـا البـأس فـي ذا وهو عاقبة الأمر
و يقول مخاطبا الله:
إلهي قل لي من خلا من خطيئة
و كيف ترى عاش البريء من الذنب
إذا كنت تجزي الذنب مني بمثله
فما الفرق بيني و بينك يا ربي؟
و يتساءل: لبست ثوب العمر ما استشارني ربي يوم خلقني؟
13- ابن عربي (1165-1241م) هو محمد بن علي بن محمد الحاتمي الطائي, المرسي الأندلسي, محيي الدين أبو بكر, المعروف بابن عربي " من غير أداة التعريف, تمييزا له عن القاضي أبي بكر بن العربي " ولد ابن عربي في مدينة "مرسية" بالأندلس ولما شب انتقل إلى "إشبيلية" وفيها بدأ تعلمه, ثم انتقل إلى "قرطبة" وفيها درس علوم القرآن وعلومه والفقه والحديث ومال إلى "المذهب الظاهري" مذهب "ابن حزم" وفي قرطبة اتصل بعلمائها كأبي الوليد بن رشد وأبي القاسم بن بشكوال وغيرهما واختلف الناس فيه فمنهم من عده من الأتقياء والأولياء ومنهم من جعله من الملحدين المارقين, ولعل رأي هؤلاء فيه ما جاء على لسانه من شطحات يدل ظاهرها على الانحراف عن الشريعة وعقيدة الإسلام وهو من أصحاب المذهب القائل "بأن الله والطبيعة شيء واحد وبأن الكون المادي والإنسان ليسا إلاّ مظاهر للذات الإلهية" وقد صنف ابن عربي كتبا كثيرة قيل إنها تجاوزت أربعمائة الكتاب أهمها "الفتوحات المكية" "فصوص الحكمة" "مفتاح السعادة" "محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار" "فصوص الحكمة" ألفّه في دمشق قبل وفاته بـ 11 عاماً، قصد ابن عربي من خلال هذا العمل عرض حياة وتاريخ الأنبياء المذكورين في القرآن الكريم على ضوء عقيدته في التوحيد, وقد جاء عمله مطابقاً للكتاب المقدس وفي هذه الكتب شرح مذهبه الذي يقوم على "وحدة الوجود" وهي امتزاج اللاهوت بالناسوت بما يشبه امتزاج الماء بالخمر بحيث لا يمكن فصلهما أو التمييز بينهما وهي الفكرة التي تصورها الحلاج من قبل ونادى بها.
14- ابن عفيفي (1974- .... م ) هو احمد بن عفيفي، الروائي الموهوب المغرور، المجدف الزنديق الهرطيق، الماسك بقبس من النور، في عالم عربي يعج بالظلام.
#أحمد_عفيفى (هاشتاغ)