نوري حمدون
الحوار المتمدن-العدد: 4020 - 2013 / 3 / 3 - 00:58
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
= أولا ..الإسلام لم يأمر بإقامة دولة و لا أعطى أحد الناس وصاية على الناس . فقد قال القرآن ( و ما على الرسول إلا البلاغ المبين .. لست عليهم بمسيطر .. ليس عليك هداهم .. أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مسلمين ) . و قال أيضا ( و من لم يحكم بما أنزل الله فاؤلئك هم الفاسقون) . الحكم المقصود هنا هو حكم الإنسان نفسه بتوجيهات الهه . و قد وردت هذه الآية تحث اليهود و النصارى و المسلمين أن يحكم كل فريق منهم شريعته على نفسه حتى لا يكونوا من الفاسقين أو الكافرين أو الظالمين .
= و عليه فالأوامر الواردة في النصوص أوامر توجيهية إرشادية و من باب النصيحة و تتوجه للفرد ليطبقها على نفسه ليخلق الإنسان الصالح الذي يعبد الله الواحد و يعمل العمل الفاضل الصالح . و إذا أخطأ في تطبيقها أو قام برفضها فلله الأمر أولا و أخيرا .. فقد قال القرآن ( من يعمل مثقال ذرة شرا يره .. و لا تذر وازرة وزر أخرى ) . إن أصعب العقوبات و هي الرجم و القطع و الصلب لا يمكن تطبيقها إذا لم يرغب الجاني نفسه في ذلك عبر أعترافه و إقراره القاطع مهما يجتهد الآخرون في إلصاق التهمة به عبر إقامة الدليل و شهادة الشهود . إن صحوة الإيمان في قلب الجاني (قبل قيام الدليل و شهادة الشهود) وحدها هي التي تدفعه للإعتراف من أجل التطهر مما إرتكب من الإثم و ما تعفر به من الذنب .
= ثانيا .. ما لا يجب فعله و ما هو خاطئ و المنكر و الفاحشة وردت بخصوصها أوامر إلهية. تلك الأوامر تتحدث عن تجنب الفاحشة و ليس منع الفاحشة . فبعض الأديان كفر بواح و فاحشة مبينة . و مع ذلك قال عنها القرآن ( لكم دينكم و لي دين ) . كما أن الأوامر تلك تتحدث الى الفرد و ليس الى المجتمع .. يقول القرآن (يا أيها الإنسان إنك كادح الى ربك كدحا فملاقيه .. و كل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ) . إن منع الفاحشة يتطلب وجود دولة و هي التي قلنا أن الإسلام لا يعرفها و لم يطلب قيامها . رغم أنه قد طالب بوجود أمة من المسلمين تأمر بالمعروف و تنهى عن المنكر . لكنها الأمة التي تقوم بشؤون الدعوة و التبشير عبر بذل النصح و الإرشاد و ليس عبر المنع و الإرهاب . يقول القرآن (.. أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مسلمين) . إن الرسول و المسلمين عليهم الدعوة و الإرشاد . و الله تعالى وحده هو الذي يهدي من يشاء و يضل من يشاء .
= ثالثا .. لم يرد في النصوص القرآنية ما يمثل خرقا للحريات الأساسية العامة و الشخصية أو يمثل خرقا لأي من مبادئ حقوق الإنسان و خاصة التي تدعو الى حرية التعبير و التدين و الوصول للمعلومات أو نشرها و الإنضمام الى الجمعيات و الأحزاب و الطوائف المختلفة التي تعمل وفقا للقانون بحيث لا تعتدى على حريات الآخرين . و عند هذه اللحظة يقول فقهاء الإسلام ( لا ضرر و لا ضرار ) . و إذا كانت بعض هذه الجمعيات وفق منظور الإسلام تبيح الفاحشة فالمطلوب من المسلم أن يتجنبها ( إنه كان فاحشة و ساء سبيلا ) .. و ليس المطلوب منه منع وجودها لأن المنع يمثل خرقا للحريات الأساسية التي قلنا أننا نجد أن النصوص شديدة الإحترام لها .
= رابعا .. المشكلة أن الفاحشة لا توجد في الطبيعة وجودا منفصلا عن محيطها . لأن الفاحشة في الطبيعة هي فعل . و الفعل سلوك نسبي يتأثر بالمحيط بحيث أن الفعل الواحد قد يكون فاحشة في محيط معين و يكون حسنا في محيط آخر . فعبادة الأصنام و تعدد الآلهة و تجسد الأله و إنكار وجود الإله لها معنى إيجابي كبير بل و ترفع من قيمة الفرد عند البوذيين و الهندوسيين و المسيحيين و الملحدين على التوالي بينما ينفر منها جميعا المسلمون الموحدون . و عليه فلا يجب أن يتم منع الفاحشة على مستوى المجتمع و الدولة . و لا يجب أن يفهم من ذلك أننا نشيع الفاحشة . الواقع أننا عندما نترك الآخرين يمارسون الفاحشة فإننا أولا نسمح لهم بممارسة معتقداتهم و عاداتهم و أفكارهم و التي لا يرون من قريب أو بعيد أنها من الفاحشة و ثانيا نسمح لأنفسنا بممارسة معتقداتنا رغم أن الآخرين لا يعرفون عنها شيئا سوى أنها الفاحشة عينها . لقد ترك الرسول القبائل و ما تدين به بعد أن تمكن من فتح مكة بعد حروب دموية فتاكة . و لم يدمر الأصنام في الأمكنة الأخرى و الكعبات الأخريات كما فعل مع أصنام كعبة مكة و التي لم يبق منها شيئا . و لم يكن تدمير الأصنام في الكعبة نوعا من إكراه الناس على عدم عبادتها بقدر ما كان إعادة للكعبة لما كانت عليه عندما أقامها أول مرة أبو الأديان ابرهيم و الذي جاء الرسول الكريم ليكون إمتدادا له و لحنيفيته و بالتالي كعبته المخصصة لعبادة الأله الواحد الذي لا يتجسد في صورة أو صوت .. و لم يكن في مقدور الجاهليين إنكار تاريخ و حقيقة البعد الإبراهيمي للكعبة لا قبل الفتح و لابعده . و من أجل دين إبراهيم أو الحنيفية صدح الرسول بدعوته و معه كل الحنيفيين بمكة . و قد خرق الجاهلييون حقه في التدين و في الإعتقاد و في الدعوة لما يراه صحيحا رغم أنه كان قد نأي بنفسه و صحابته عن العنف و الإكراه . و قد إلتزم الرسول بحقوق الإنسان هذه إذ قال القرآن : ( لا إكراه في الدين .. و جادلهم بالتي هي أحسن ) . و لإن الحرب الوحيدة الجديرة بالإحترام و المساندة هي الحرب من أجل حقوق الإنسان فقد إضطر الرسول الكريم للدخول مع مشركي مكة في حروب طويلة ضروس . و لعل حروب الرسول في الجزيرة كانت هي الأولى من نوعها في العالم حيث أنها كانت حربا من أجل إحقاق حقوق الإنسان . و بعد أن أثبت الرسول حقه في حرية العبادة و الدعوة عفى عن أعدائه في سيمفونية للسلام رفيعة المقام .. و عاهدهم على عدم خرق حقوق الإنسان في حرية العبادة و الدعوة منذ تلك اللحظة فصاعدا مقابل أن يتركهم و ما يدينون .. فبقي المسيحي منهم على عقيدة التثليث و المشرك على عبادة الأصنام و اليهودي مع توراته المحرفة . لم تكن حروب الرسول من أجل إزالة الفاحشة و منعها لأنه كان يعلم أن الفاحشة أمر نسبي . ففي ذلك قالت النصوص القرآنية ( و عسى أن تكرهوا شيئا و هو خير لكم و عسى أن تحبوا شيئا و هو شر لكم ) . كانت الآية تتحدث عن الفعل الواحد و عن القيمة النسبية له . إذ ليس بوسع أحد حتى اليوم أن يضع الحدود الفاصلة بين الفاحشة و الفضيلة .
#نوري_حمدون (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟