|
الخروج من عنق الزجاجة:اسقاط النظام كيف ولماذا؟
عادل عبد العاطى
الحوار المتمدن-العدد: 1157 - 2005 / 4 / 4 - 11:44
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
مدخل: حينما كتبنا في يناير من هذا العام؛ مقالا مطولا عن "الخدعة الكبري"؛ وهي اتفاقية التسوية الجائرة بحق شعب السودان بين النظام الفاشي القائم والحركة الشعبية لتحرير السودان؛ طالبنا العديد من القراء بان نذهب الي الامام؛ ونطرح البديل في موقفنا او نفصله؛ هذا الموقف الذي لخصناه في التالي: (سنظل في موقفنا من هذا النظام؛ ولن نعطيه شرعية لا يملكها؛ ولن نوافق علي خدعه الصغيرة او الكبيرة؛ ولن نقبل مناوراته ولا تحالفاته الجديدة ولا القديمة؛ ومن يذهب معه يصبح مثله عدوا لنا؛ نعرفهم من تاريخهم ومواقفهم؛ انهم اعداءالشعب واعداء السلام الحقيقي؛ ونعمل كل ما في وسعنا وما في غير وسعنا؛ لاقتلاعهم من حياتنا العامة؛ وارسالهم الي حيث موقعهم : موقع المحتالين الترزية والملوك المحتالين والمنافقين والمنتفعين والظلمة والقتلة والسفاحين؛ من كل شاكلة ولون.) ( عادل عبد العاطي: الخدعة الكبري – 10-12يناير 2005) اليوم نأتي لتفصيل المعمم؛ في طرح منهج اسقاط النظام؛ والخروج من عنق زجاحة المشهد السياسي القائم؛ ونشرح من وجهة نظرنا؛ لماذا اصبح شعار اسقاط النظام واجبا ضروريا ينبغي ان تتوحد حوله كل الجهود؛ وعن سيرورة هذا الاسقاط وادواته وامكانياته؛ امام نظام متعجرف صلف اتقن اساليب العنف الدموي والمناورة السياسية وله خبرة ثرة في تحريف وتحطيم كل ادوات المعارضة والمقاومة التي ارتفعت في وجهه؛ولكنه مع ذلك ضعيف اشد الضعف في الحساب النهائي.
من الذي يطرح اليوم واجب اسقاط النظام: من بين كل قوي المعارضة السودانية؛ علي اختلاف مواقعها الفكرية والسياسية؛ فان هناك قوي تعد علي اصابع اليد الواحدة؛ تطرح اليوم واجب اسقاط النظام؛ بينما تبدو القوي الاخري اما منخرطة كليا في مشروع التسوية الانتهازية المجهول المصير؛ او تائهة لا تستطيع ان تحدد موقعها؛ وتركض وراء الاحداث؛ بدلا من ان تساهم في صنعها. وحتي بين القوي التي تطرح واجب اسقاط النظام؛ فاننا نري ان اغلبها غير متسقة في ذلك؛ حيث تطرح هذه الاستراتيجية مترابطة مع استراتيجيات اخري متناقضة؛ من بينها التفاوض مع النظام؛ وتقبل – تلميحا او تصريحا ؛ عن اقتناع او تقية- الخدعة الكبري ؛ والمتمثلة في اتفاقيات نيفاشا؛ والتي تؤدي عمليا لتثبيت اركان النظام؛ والي اكسابه الشرعية التي طالما افتقدها؛ والي اتاحة امكانية انخراط اركانه في اللعبة السياسية علي قدم المساواة؛ بل ومن وضع افضل بكثير؛ مع القوي الديمقراطية والدستورية والشرعية؛ بينما بني هؤلاء الاركان مجدهم علي الانقلاب علي الشرعية والدستورية؛ ولا تزال اياديهم ملطخة بدماء الابرياء. من بين القوي التي تطرح – بين الحين والآخر – واجب اسقاط النظام؛ نجد حركة تحرير السودان وجيش تحرير السودان؛ حيث يقول امينها العام الاستاذ مني اركوي مناوي : (أن الحركة تعتمد على نفسها و إرادة شعبها و جماهيرها لتحقيق السودان القادم ، و دعا لنبذ الفرقة وكل أشكال القبلية و الجهوية التي تحكم المزاج السوداني في بعض الأحيان) ، مضيفا ( أن الحركة سوف تشارك كل القوى السياسية التي تسعى للتغيير و إسقاط النظام ) ؛ و عن مؤشرات التفاوض أكد: ( أن التفاوض و الوصول إلى سالم لا يمكن أن يتم مع مجرمين و مرتكبي جريمة الإبادة ، و بالتالي السلام يأتى مع بشر سوى) ؛ وخلص الي : (على نظام الخرطوم أن يعي الدرس تماما و لا مجال غير الحقيقة و الحقيقة هي أن يرحل النظام و يحاكم مجرمو الحرب) ( مكي اركوي ميناوي – ندوة سياسية بلندن – 20مارس 2005) . ومن بين القوي الاخري التي تطرح واجب اسقاط النظام؛ وان لم يكن بنفس الوضوح ؛ جبهة الشرق والتي تتكون من مؤتمر البجة وتنظيم الاسود الحرة السودانية؛ ورغم ان هذه الجبهة تطرح مبدأ التفاوض في اطار منبر مستقل للشرق مع النظام؛ الا انه يبدو ان مشاعرها تتجه نحو المواجهة مع النظام؛ وخصوصا بعد مجزرة بورتسودان البشعة؛ والتي قتل فيها النظام العشرات من المواطنين الآمنين؛ واعتقل المئات ولا يزال يعتقل قيادات ابناء البجة في ظل ظروف بائسة ودون ذنب جنوه ؛ غير التعبير السلمي عن مطالبهم في مظاهرة سلمية اقضت مضجع النظام. كما تبرز من بين القوي التي تطرح من حين لآخر وعلي لسان بعض قياداتها؛ واجب اسقاط النظام؛ حزب المؤتمر الشعبي لحسن الترابي. ورغم ان اغلب جماهير الشعب السوداني والقوي الديمقراطية لا تثق في هذا الحزب؛ ورغم ان بعض قياداته مسؤولة مسؤلية مباشرة عن الكثير من جرائم وفساد الانقاذ؛ قبل ان تنقسم عنه؛ ورغم ان مواقف الحزب الفكرية والسياسية لم تتعرض لاصلاح ونقد ذاتي مطلوب؛ بل علي العكس يتم تطوير ايدلوجيات لا ديمقراطية وعرقية في هذا الحزب وعلي اطرافه؛ فانه تظل حقيقة واقعة انه حزب منظم له بعض النفوذ ويملك حركية فائقة؛ وان بعض كوادره ذات قناعة راسخة بضرورة اسقاط النظام. كذلك نذكر هنا موقف الحزب الليبرالي السوداني؛ وهو وان كان حزبا صغيرا وضعيف الجماهيرية؛ الا انه يتسم بموقف واضح ومثابر من ضرورة اسقاط النظام؛ ويقوم بجهد سياسي ونظري متسق في فضح الطبيعة الشمولية وغير القابلة للاصلاح؛ والتي يتصف بها نظام الانقاذ؛ ويقف صلبا في رفض كافة اشكال التفاوض او التصالح مع نظام الانقاذ الفاشي الشمولي. اضافة الي كل ذلك؛ هناك قوي اخري عديدة تصغر او تكبر؛ تقترب من اطروحات اسقاط النظام؛ ومن بينها حركة العدل والمساواة؛ وحركة المهجرين؛ ومعظم الاحزاب والتجمعات النوبية ( في اقصي الشمال)؛ والتحالف الوطني السوداني ( جناح تيسير محمد احمد) ؛ كما يراوح حزوب الامة الاصلاح والتجديد في مواقعه؛ وتبدو الاغلبية من كوادر الاحزاب الديمقراطية واليسارية تميل الي طرح اسقاط النظام؛ وان كانت مقيدة بمواقف قياداتها المنخرطة في التسوية.
موقف حزب الامة والتجمع: في هذا الاطار يبدو محوريا موقف حزب الامة (جناح الصادق المهدي)؛ والتجمع الوطني الديمقراطي من اطروحات اسقاط النظام؛ وذلك لاهمية احزاب التجمع وحزب الامة ضمن الخرطة السياسية السودانية؛ ووجود بعض الجماهير والكوادر ممن تؤيدهم؛ مما لا غني عنها في اي محاولة لاسقاط النظام؛ ولان هذه الاحزاب فاعلة في منطقة الوسط الشمال؛ وهي اضعف حلقات العملية الثورية المشتعلة في السودان. ان حزب الامة الذي يحتوي علي امكانيات ثورية كبيرة؛ تتمثل في جماهير الانصار وشباب حزب الامة؛ يبدو مقيدا الي درجة كبيرة بالتكتيكات المتناقضة لقائده الصادق المهدي؛ والذي يبدو انه مشغول باثبات وجوده السياسي ومحاربة منافسه مبارك الفاضل او اجتذابه من جديد الي بيت الطاعة؛ اكثر من اهتمامه باسقاط النظام؛ كما يبدو انه مهموم بفكرة المؤتمر الدستوري الجامع الخيالية؛ والتي لا يملك امكانيات تنفيذها؛ بدرجة تفوق اهتمامه برؤية الضعف الشديد الذي يعاني منه النظام؛ والامكانيات الجبارة المتاحة لاسقاطه وتصفيته. هنا يبدو التساؤل محوريا: هل مراوحة وتذبذب حزب الامة؛ ترجع الي الضعف القيادي التقليدي لرئيسه؛ وخيارانه غير المحسومة ابدا؛ ام هي نتيجة خيار محسوب يراهن علي عدم اسقاط النظام؛ وانما تفكيكه واعادة بناءه؛ والاستعانة في المستقبل ببعض اطرافه في اطار حلف عروبي اسلاموي ينوي قيادته؛ يواجه به الد الافريقاني العلماني الذي يتحدث عنه كثيرا ؛ بصورة نقدية ورافضة؛ الصادق المهدي؟ ان الصادق المهدي لا مراء يري امكانية اسقاط النظام؛ حيث نقلت الاخبار بعنوان : الصادق المهدي يحذر من انتفاضة شعبية تطيح بنظام الخرطوم ؛ عنه التصريح التالي: (وحذر الصادق المهدي الذي كان رئيسا للوزراء عندما وقع انقلاب الثلاثين من يونيو/حزيران 1989 بقيادة الرئيس الحالي عمر البشير، من انتفاضة شعبية تفرض التغيير في السودان إذا لم يتحقق السلام العادل والديمقراطية في البلاد.) (الجزيرة نت؛25 مارس 2005). والسؤال هو لماذا يحذر الصادق المهدي؛ ومن يحذر؛ ولماذا لا يدعو حفيد المهدي للانتفاضة الشعبية ضد نظام هو الاسؤا في تاريخ السودان؛ وملطخة ايادي قياداته بدماء الابرياء التي تسيل شلالات في دافور؛ المعقل التقليدي للانصار وحزب الامة؛ او كما جاء في نفس المقام (وهاجم (الصادق) تجربة حكم الإنقاذ واعتبرها نموذجاً يخدم خطة الغرب في إبعاد الناس عن الإسلام، وقال إن التجربة الماثلة خلفت تكوينات عرقية مسيسة ومسلحة ما أدى إلى تمزيق البلاد وتدويل شأنها.)؛ فماهي هي مصلحة الصادق اذن في تحذير النظام من هذه الانتفاضة؛ اذ لا نتخيل انه يحذر الجماهير؟ ان الاجابة تكمن في نفس الخبر؛ حيث جاء فيه: (ودعا المهدي الحكومة إلى مراجعة برنامجها "بصورة ليست تكتيكية أو فوقية وإنما جذرية؛ وإلا سينفتح خيار النقيض الداعي إلى طرد الإسلام من السودان وإدانة العروبة لإقامة بديل مؤفرق معلمن.) ( المصدر اعلاه) . في هذا السياق؛ ننظر الي مواقف حزب الامة الاصلاح والتجديد؛ والذي عامله النظام كالعادة بخيانة العهود ومحاولة التكسير والتقسيم؛ والذي يتميز قائده مبارك الفاضل المهدي بديناميكية عالية؛ وهو كما قيل كالبلدوزر؛ لا يعرف حدودا في الخصومة؛ ويبدو انه يشكل خطرا جديا علي النظام؛ بدليل الحملة المسعورة التي تشنها صحف وكوادر النظام عليه؛ فهل يستعيد مبارك الفاضل مصداقيته السياسية المجروحة كثيرا؛ ويتجاوز الصادق المهدي بالانحياز المباشر الي طرح اسقاط النظام؛ ولعب دور محوري في هذا الطريق؛ يهزم به الصادق المهدي في مشوار التنافس بينهما مرة والي الابد؟ اما التجمع الوطني الديمقراطي؛ هذا التنظيم المترهل والضعيف؛ فيبدو موقفه اسؤا من موقف حزب الامة؛ حيث تميل عناصر منه؛ تجد مواطئ اقدامها في جناح من الاتحادي وبعض العناصر الانتهازية في الحزب الشيوعي وحزب البعث والقيادة الشرعية؛ الي التسوية الانتهازية مع النظام؛ كما تبدى ذلك في اتفاقية جدة؛ وفي اتفاقية القاهرة الذليلة مجهولة المصير. هذا الجناح الانتهازي وهذه العناصر الانتهازية في بعض احزاب التجمع ؛ والتي يبدو ان الغلبة لها حتي الان؛ يزعم بعض كوادر التجمع انهم عناصر معزولة؛ وانهم يتفاوضوا مع المؤتمر الوطني والنظام من اجل مصالح خاصة؛ وانهم سيفشلوا في النهاية؛ ولكن حتي الان يبدو انهم المسيطرون علي اللعبة في حزب التجمع الاكبر؛ الاتحادي الديمقراطي؛ وفي عموم التجمع. بالمقابل لا يمكن ان نهمل وجود احزاب راديكالية في التجمع؛ رافضة لطريق التسوية الانتهازية الذليلة التي يدفع اليها التيار الانتهازي في التجمع؛ ومن بينها حركة تحرير السودان والتحالف الفيدرالي؛ وكذلك مؤتمر البجة وتنظيم الاسود الحرة؛ وهي التي عارضت في البدء صراحة اتفاق القاهرة؛ ولم يتم الوصول معها الي مصالحة الا بعدجهد جهيد؛ والتي يبدو انها تنسق فيما بينها الان بشكل اكبر مما تعمل به في التجمع؛ وذلك بدعم ارتري واضح؛ وتبدو امكانية انفصالها عن التجمع وتكوينها لمحور معارض جديد ممكنة كثيرا؛ وخصوصا اذا ما قرانا تصريحات خليل ابراهيم في هذا الصدد؛ والذي يدعو الي اقامة تحالف مهمشين جديد؛ من حركات الغرب والشرق واقصي الشمال؛ وربما مدعوم من حزب المؤتمر الشعبي. من جهة اخري لا تهمل وجود عناصر معارضة جذرية في التجمع؛ وفي حزبه الاكبر الاتحادي الديمقراطي؛ وفي هذا الاطار ننظر الي تصريحات الناطق الرسمي باسم التجمع؛ الاستاذ حاتم السر علي؛ والتي دعا فيها الي ( إلى تنظيم الصفوف وحشد الطاقات المعارضة لتصعيد المواجهة ضد مواقف السلطة الداعية إلى تهميش وإقصاء القوى السياسية السودانية)؛ وفيما اعتبر اكبر هجوم نشنه احد قيادات التجمع علي النظام؛ ومحاولة لموازنة هزال وضعف قرارات اجتماع هيئة قيادة التجمع في ارتريا ( انظر مقالنا : تمخض التجمع فولد فارا ميتا) ؛ والذي حرك الكثير من ساكن الصراعات حول موقف التجمع من النظام؛ وكذلك بيان التجمع في غرب اوروبا؛ يتوقيع عادل سيداحمد؛ وتصريحات محمد المعتصم حاكم؛ وغيرها من المواقف التي ادت مع غيرها في المحصلة؛ الي تاجيل مفاوضات التجمع والنظام ؛ والتي لا يبدو النظام حريصا عليها ابدا؛ والي تعليق التوقيع النهائي علي وثيقة الاستسلام من قبل التجمع لنظام الخرطوم. ان هذه القوى المعارضة والرافضة للتسوية داخل التجمع الوطني الديمقراطي مطالبة بالافصاح عن مواقفها بصورة واضحة؛ ومطالبة ب (فرز عيشتها) عن مدسوسي المؤتمر الوطني داخل التجمع؛ والتي تدفع به حثيثا نحو الاستسلام التام لنظام الخرطوم؛ وكذلك عن العناصر الانتهازية واليائسة في صفوف التجمع؛ والتي افصحت عن نفسها بالقول ان التجمع ضعيف وهذه هي مقدراتها؛ ولذلك هي تسير فيما تفعل؛ ومن اراد ان يدعو لاسقاط النظام فليفعل؛ وعهدا لنا تجاه الجماهير التي لا يثق بها هؤلاء اننا لفاعلون.
النظام في اضعف حالاته: ان نظام الانقاذ هو من اكثر الانظمة التي مرت علي السودان شراسة ودموية؛ العنف فيه جزء من ايدلوجيته الاصلية؛ والمسمى زورا بالجهاد؛ وهو نظام قائم علي المراوغة السياسية واستخدام تقنيات الديماجوجيا الاعلامية واستغلال عواطف ومشاعر الجماهير وما يسمي بسيكلوجيا التجمعات؛ وهو قد استغل ويستغل لتابيد وجوده كل التراث القهري الذي تم تطويره في مختلف الانظمة الشمولية والقهرية. الا انه مع ذلك؛ فان هذا النظام قد انكشف تماما امام الجماهير؛ وما عادت اساليبه المراوغة تجديه كثيرا؛ وهو محاصر داخليا وعالميا؛ ويعاني من عزلة خانقة في المحيط السياسي لمحلي؛ حيث لا حليف له يعتمد عليه؛ وكذلك في المحيط الاقليمي والعالمي؛ وانه يقف علي كف عفريت؛ او كما قال الدكتور فاروق كدوده: (ان هناك احساسا عاما لدى الناس بأن الانقاذ بدأت تتفكك بسرعة اكثر مما كنا نتصور. وضعف الاحساس بوجود حكومة أصلاً) (فاروق كدوده – تصريحات وردت في التحليل السياسي: قبل أن تنزلق البلاد إلى حافة الفوضى ,انتخابات مب?رة.. هل ت?ون هي الحل؟ ) في ضمن ذلك نشير الي ما اوردته القوي السياسية والمدنية والافراد الموقعين علي وثيقة: خارطة الطريق السودانية لاسقاط النظام الديكتاتوري القائم؛ من ان : (نثبت ان النظام الان هو في اضعف حالاته، وانه يعاني من ازمات عميقة، وانه قد استنفد كل امكانيات القمع والتضليل، وانه ما عاد قادرا علي الحكم، وان سبب وجوده الرئيسي حتي الان وعدم انهياره، يتمثل في عدم وجود القوي المعارضة البديلة التي تطرح واجب اسقاطه، وتنظم نفسها والجماهير الشعبية من اجل تحقيق هذا الهدف.) (خارطة الطريق السودانية لاسقاط النظام الديكتاتوري القائم – 21 نوفمبر 2004) . ان بعضا من ازمات النظام؛ يتجلي في حالة الحرب المستمرة في اقليم دارفور؛ وفقدان سيطرة النظام تماما علي قواته وحلفاؤه في ذلك الاقليم؛ وخروج الامر من بين يديه؛ والغضب العارم الذي اشعله وسط مواطني وابناء وبنات ذلك الاقليم؛ سواء في دارفور او الخرطوم او المهجر؛ بممارساته الرعناء؛ والتي سيدفع الثمن عنها غاليا؛ بتقديم المجرمين والمسؤولين عنها؛ الي محكمة دولية؛ كما اقر مجلس الامن اخيرا. كما يتجلي عجز النظام وضعفه الشديد؛ في اسلوب المواجهة العنيفة التي قام بها تجاه مواطني شرق السودان من جماهير البجة؛ حينما سيروا مظاهرة سلمية؛ اجاب عليها النظام بعنف مفرط تبدى في اطلاق النار على المتظاهرين وعلي بعض القيادات في بيوتهم؛ واثبت النظام بذلك انه يرتعب من كل تحرك شعبي؛ وفتح علي نفسه ابواب الجحيم يقفل كل حوار سياسي مع ابناء الشرق . (في هذا الصدد راجع مقالنا : انتفاضة الشرق وواقعية مطلب اسقاط النظام). ان الاعتقالات العشوائية والتعذيب وعودة بيوت الاشباح في ممارسات النظام؛ والتي يعاني منها ابناءدارفور وابناء البجة وابناء حلفا والمناصير؛ وكذلك العديد من الناشطين المدنيين والسياسيين؛ كما تبدى في حالة د. مضوي ابراهيم آدم والاستاذ صلاح محمد عبد الرحمن؛ انما تكشف ان امكانيات المناورة والمداورة قد انتهت للنظام؛ وانه يلجا الي القوة الغاشمة العمياء؛ كآخر سلاح في جعبته؛ وما دريى ان هذا دليل ضعفه الاكبر. بالمقابل فان النظام يتعرض الي ضغط عالمي وانساني كبير؛ مكن قبل الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة والامم المتحدة؛ فيما يتعلق بسجله الفاشل ؛ وفي ذلك يمكن النظر الي تصريحات رئاسة الاتحاد الاروبي؛ : (ان السلطات السودانية عاجزة عن ايجاد حل للنزاع في دارفور، داعية الاسرة الدولية بالحاح الى بذل كل الجهود من اجل المساعدة على ايجاد حل.) وتصريحات وزيرة التعاون من اجل التنمية؛ انييس فان اردين في بروكسل (لقد زرت السودان مرات عدة واعرف جيدا ان السلطات الموجودة ليست قادرة على حل النزاع؛ لا بد من تدخل انظمة اخرى يمكنها ان تقدم او تدافع عن رؤية اخرى، وان تساهم بالتالي في حل المشاكل على الارض) وكذلك قولها : (الخطأ لا يقع على الاتحاد الافريقي، ولا على الامم المتحدة، ولا على الاتحاد الاوروبي.. بالتأكيد النظام السوداني هو المسؤول عن الوضع على الارض.) ( الفقرات اعلاه من خبر عنن وكالة الانباء الفرنسية بعنوان: رئاسة الاتحاد الاوروبي: الخرطوم عاجزة عن حل النزاع في دارفور؛ 23 نوفمبر 2004) اما الضغط الاكبر الذي يتعرض له النظام؛ فهو الضغط الذي يمارسه مجلس الامن؛ والذي اجبر النظام عمليا؛ في جلسته في نيروبي في اواخر العام الفائت؛ علي توقيع اتفاقية "سلام" مع الحركة الشعبية لتحرير السودان؛ وها هو الان يطرح محاكمة 51 من مسؤولي النظام المتهمين في جرائم ضد الانسانية؛ في محكمة دولية في لاهاى؛ مما يشكل التحدي الاكبر للنظام؛ وهو يواجه الشرعية الدولية. كل هذا يأتي في ظل ضعف شديد في تحالفات النظام الاقليمية؛ فالحكومة المصرية تبدو مشغولة بمشاكلها الداخلية وحركة الرفض التي تواجهها؛ اكثر مما هي مشغولة بانقاذ النظام؛ والذي ستشكل الاطاحة به ممارسة ديمقراطية جديدة؛ تنفخ الروح في الحركة الديمقراطية المصرية؛ وخصوصا بعد انتفاضة لبنان؛ وبدء التغييرات في سوريا نفسها؛ وطرح واجب التغيير الديمقراطي كاحد اهم قضايا النظام السياسي العربي؛ ولذلك فقد لجات السلطات المصرية الي محاولة هندسة مصالحة ما بين النظام والتجمع الوطني الديمقراطي؛ هذه المصالحة التي تعترضها عقبات كثيرة؛ ليس اقلها طبيعة النظام الاقصائية والاحادية نفسها. من الجهة الاخري فان بعض خصوم النظام التقليديين يبدو اكثر اهتماما اليوم بقضية اسقاطه؛ وقد تبدى هذا في المشاركة الارترية الكبيرة والتي شملت وزير الدفاع ووزير الخارجية في المظاهرة السياسية والعسكرية التي قامت بها قوات البجة والاسود الحرة في شرق السودان مؤخرا؛ وسط تصريحات من القيادة الارترية تدعو سكان شرق السودان للتأهب؛ وتقول : " ان عدم استقرار السودان اثر سلبا علي ارتريا وحملها اعباء جمه."؛ كل هذا في اطار خطوات فسرها المراقبون بانها المحاولة الاخيرة لارتريا لتكوين حلف سياسي عسكري فاعل من حركات غرب السودان وشرقه والمؤتمر الشعبي يكون بديلا عن التجمع الوطني الديمقراطي الذي فقدت فيه الثقة. ضعف النظام وتخبطه؛ تبدى في الحوارات الاخيرة حول وحدة الحركة الاسلامية؛ ودعوات الاصلاح المزعومة التي تقدم بها غازي صلاح الدين في ورقته " دعوة لإحياء العمل الاسلامي" ؛ والتي لا تخرج عن كونها محاولة يائسة لدفع الدم فيعروق النظام؛ كما تتبدى في التصريحلت والمواقف المتناقضة لاقطاب النظام من مختلف القضايا المحلية والعالمية؛ مما يؤكد وجود مجموعات متناقضة وربما متناحرة وسط النظام؛ لا تتحدث بصوت واحد وتمارس السياسة لا تزال باسلوب الفهلوة والديماجوجية؛ والذي ما عاد يجدي فتيلا.
الحركة الديمقراطية في الشمال والوسط هي اضعف حلقات المشروع الثوري: في مقابل ضعف النظام البين؛ يتراءى لنا ضعف المعارضة الديمقراطية المواجهة له؛ كاحد الاسباب الرئيسية لاستمرار النظام؛ اذ يستمد النظام فقط قوته من ضعف خصومه؛ ومن انعدام التفكير الاستراتيجي وسطهم؛ ومن حالة التشرذم والتشظي التي تعاني منها القوي الديمقراطية والمعارضة؛ ومن انخراط اغلبها – عن مصلحة او ياسا وعجزا – في مشروعات التسوية التي لا تخدم الا النظام. لقد كتب الدكتور ابكر ادم اسماعيل التالي في وصفه لمآلات الحال في السودان(كما ذكرنا، أن جدلية المركز والهامش، هذه الوضعية التاريخية المأزومة قد وصلت أزمتها (في السودان) إلى قمة تجلياتها بتفشي الحروب الأهلية. ومنهجياً، ليس بمقدورها إعادة إنتاج نفسها واستمرارها مرة أخرى، وتبقى مآلاتها في الاحتمالات التالية) ثم يسرد استاذ ابكر الاحتمالات؛ وهي الثورة ؛ والمساومة التاريخية ؛ والانهيار. ؛ فيكتب التالي عن الثورة:(قيام الثورة: وذلك بتشكل كتلة تاريخية Historical Mass عبر تحالف الكيانات المهمشة مع قوى الوعي والتقدم في (المركز) للإطاحة بهذه الوضعية التاريخية التي باتت تضر بغالبية الناس في السودان بمن فيهم السواد الأعظم من أبناء المركز أنفسهم. وبالتالي تأسيس الأوضاع بشروط جديدة تستند على حقيقة التعددية وتلتزم بتوجهات العدالة والمساواة والتعايش السلمي، والارتفاع بقضية الهوية المشتركة ـ هوية الدولة ـ من الظرفية إلى التاريخ (أي لكل هويته والدولة للجميع) حتى يحكم التاريخ في مسألة (الذاتية السودانية) جيلا بعد جيل). (أبكر أدم إسماعيل:جدلية المركز والهامش وإشكال الهوية في السودان – القاهرة ديسمبر 1999م) وقد كنا تداخلنا وقتها مع اطروحات الاستاذ ابكر ادم اسماعيل؛ فكتبنا التالي: (من طرف أخر؛ فان اضعف حلقات المشروع الثوري؛ تبدو في الوسط. وقد كانت قوات التحالف السودانية؛ عند الكثيرين؛ هي طليعة القوي المدينية التي يمكن ان تبني حلفا ثوريا تاريخيا؛ مع كيانات المهمشين؛ يساهم بالقضاء علي السلطة المركزية بمشروعها الاجتماعي – الثقافي القديم ؛ ويبني "السودان" الجديد؛ بتحالف فونجي- عبدلابي جديد؛ يكون قائداه هم عبدالعزيز خالد وجون قرنق. الا انه يبدو ان قوات التحالف قد عجزت عن االقيام بهذا الدور؛ رغم محاولتها المتفردة في توحيد خطابها واشكال نضالها مع خطاب ونضال قوي الهامش الواضح الان؛ ان القوي الثورية في الوسط؛ هي في حالة ضعف وتفكك؛ والدليل مشروع الوحدة بين الحركة الشعبية وقوات التحالف السودانية؛ والذي هو بحيثياته مشروع لتكبير كوم الحركة الشغبية؛ اكثر منه بناء لحلف جنوبي – وسطي جديد. كما ان الاطراف الاخري التي يمكن ان تنخرط في مشروع الحلف المقترح؛ مثل الحزب الشيوعي؛ حركة حق؛ حركة جاد ؛ الخ لهي من الضعف والتشتت؛ بحيث انها لا تشكل رفيقا مؤتمنا وقويا يمكن ان تعول عليه كيانات الهامش في سعيها لاختراق الوسط وهزيمة قواه المسيطرة.) (عادل عبدالعاطي : جدل المركز والهامش ومآلات الصراع السياسي في السودان - مقاربة لاطروحات الاستاذ ابكر آدم اسماعيل - 10 مايو 2003) ان نفس ما قلناه وقتها؛ يمكن ان نكرره اليوم؛ وذلك بعد اضافة الحزبين التقليديين الي قوي الوسط؛ اذا ما صح اعتبارهما من القوي الديمقراطية؛ فهذه القوي في مجموعها؛ من ثورييها واصلاحييها؛ يسارها ويمينها؛ هي في حالة من التفكك والعجز وانعدام الارادة والعمي السياسي؛ بما سهل من استمرار النظام؛ والذي يواجه مشاكلا جمة في الاقاليم؛ وفي المجتمع الدولي؛ والذي يتخوف حد الموت من اي انتفاضة شعبية في الوسط والشمال؛ ترفد التحركات الثورية والديمقراطية في الاقاليم وتسندها. ان غفلة هذه القوى عن واقع ضعف النظام؛ وانخراطها في مشاريع للتسوية لا تؤدي الي شي؛ بسبب من طبيعة النظام وتنكره للعهود؛ انما هوخداع وانخداع سياسي لا يليق؛ وخداع للشعب عن الحقيقة البسيطة؛ والتي جائت في وثيقة خارطة الطريق السودانية لاسقاط النظام ؛ من ان ( نؤكد ان النظام الحالي بسبب من نهجه الأحادي وأيدلوجيته الشمولية وتركيبته البنيوية وطبيعة قيادته التي نعرف، ليس مؤهلا ولا راغبا لاستشراف اي حل سلمي وتفاوضي للازمة السودانية، وانه يستخدم الطريق التفاوضي لخداع الرأي العام المحلي والعالمي، ولثلم النضال الديمقراطي المناهض له، وضرب القوي المعارضة ببعضها، واكتساب شرعية لا يملكها) اننا بقدر ما ندرك ان هذا الضعف يرجع لاسباب بنيوية في تكوين هذه القوي؛ الا اننا كنا ولا نزال نعول علي حدوث فرز سياسي وتنظيمي فيها؛ يؤدي الي خروج التيار الديمقراطي والجذري في معارضته للنظام؛ عن مختلف التيارات الانتهازية؛ وان يعتمد هذا التيار علي الحركة الشعبية والجماهيرية؛ في استشراف التغيير وفي مناهضة النظام.
الحركة الشعبية ومأزق نيفاشا: لا يمكن ان يتم تغيير حقيقي في السودان؛ دون المشاركة الفاعلة للحركة الشعبية لتحرير السودان؛ وهي واحدة من اهم الحركات السياسية والعسكرية حضورا وفاعلية في المسرح السياسي السوداني. لقد كتب كاتب هذه السطور عشرات المقالات النقدية عن الطبيعة المركزية للحركة الشعبية؛ واسلوب قيادتها اللاديمقراطي؛ وتقلباتها السياسية والفكرية؛ وسجلها السئ في مجال حقوق الانسان؛ ولا نزال نحتفظ بارائنا النقدية هذه ونجهر بها؛ حتي يتم الاصلاح المطلوب قي بنية الحركة الشعبية؛ حيث لا يمكن ان نتوقع حكما رشيدا وديمقراطية مستقرة في ظل اي نظام تشارك فيه الحركة؛ وهي لم تتجاوز هذه العقبات. مع ذلك فاننا لا نكون واقعيين سياسيا؛ اذا ما حاولنا اقصاء الحركة الشعبية عن الميدان السياسي؛او استهنا بقوتها وفعاليتها؛ او تجاهلنا انها تحظي بدعم كبير وسط العديد من الجماهير الجنوبية؛ بنفس القدر الذي تواجه فيه باعتراضات حادة من قبل قطاع كبير من تلك الجماهير؛ ومن قطاعات اخري من الجماهير في مناطق السودان المختلفة؛ وذلك لما اشرنا اليه من سلبيات ونقائص في ادائها السياسي. هذا الامر يجعلنا نناقش مع الحركة الشعبية جملة مواقفها الاخيرة؛ وخصوصا موافقتها علي مبدأ اقتسام السلطة مع نظام الانقاذ الفاشي؛ وهو نظام لا يحفظ العهود والمواثيق؛ وهو نظام متورط في جرائم ضد الانسانية؛ وهو نظام ضعيف ومتهالك؛ ومستقبله السياسي في كف عفريت. لقد حللنا في مقالنا الخدعة الكبري؛ بعضا من سيرورة الحركة الشعبية لتحرير السودان؛ وراينا كيف انطلقت من آفاق ثورية وقومية؛ لتنتهي الي ممارسات انتهازية ومتقلبة؛ ولتحصر نفسها في قضية الجنوب؛ وذلك بسبب من الضغط الاقليمي والعالمي عليها؛ وضغط بعض الراي العام الجنوبي المتبرم بالحرب؛ وبسبب من الثمن الفادح للحرب في الجنوب؛والذي كان ضحيته 2 مليون شخص؛ وهو ثمن لا تستطيع تجاهله حتي القيادة المركزية المتعالية للحركة الشعبية. وكنا في نفس المقال قد اشرنا الي دور القوي الشمالية المعارضة؛ من تقليدية وديمقراطية؛ في هذه السيرورة السلبية؛ حيث كتبنا: (لا يغيب عنا كذلك؛ الدور المتخاذل الذي لعبه من يٌحسبوا علي تيار التغيير من المثقفين او الاحزاب في المركز؛ والذين مارسوا تنظيرهم عن الحركة من البعيد؛ دون ان يدعموها او يرفدوها بعمل يوازي حجم التحديات المطروحة؛ بل قبعوا اما في ابراجهم العاجية او في قوقعاتهم الايدلوجية او في مصالحهم الذاتية؛ ينظروا وينظِّروا وينتظروا نتيجة الصراع؛ دون ان يسهموا ولو باقل القليل؛ في التاثير عليه ودفعه في اتجاه التغيير الحقيقي والثورة الديمقراطية المرتجاة.) وكذلك (عبر كل هذا الوقت كان الطائفيين والعقائديين والثوار المزعومين واهل السودان الجديد المنبت والمبني للمجهول ؛ يطبلوا للحركة ويتمسحوا بها؛ في انتهازية نادرة المثال؛ حيث هم لا يدعموها دعما حقيقيا ولا ينقدوها نقدا حقيقيا؛ لانهم ظنوا انها ستحارب وهم سيحصدوا الثمر؛ كما يفعلوا كل مرة؛ ولانهم ظنوا انهم وجدوا مغفلا نافعا جديدا يخوض لهم معاركهم؛ ويدخل بدلا منهم المحرقة؛ لتسقط الثمرات من بعد طيبة في اياديهم؛ وهيهات.) (لو كان هؤلاء قد قاموا بدورهم الوطني؛ واقاموا جهدا مقابلا لاستنهاض الجماهير في الوسط والشمال وبقية المناطق المهمشة؛ ولو تعاملوا مع مسؤولياتهم الوطنية بجدية؛ وراجعوا مواقفهم ومواقعهم التي افضت الي الازمة؛ ولو تعاملوا بمبدئية مع الحركة الشعبية؛ فدعموها حين تستحق الدعم؛ ونقدوها حين تستحق النقد؛ لربما ما كان آل الحال الي ما آل اليه؛) ( عادل عبد العاطي: الخدعة الكبري – 10-12يناير 2005) إننا نعتقد انه قد حان الاوان لبناء علاقة تبني علي حسن النية والصراحة والاصلاح السياسي والنضال المشترك والالتزام بالعهود؛ ما بين الحركة الشعبية والقوي الديمقراطية في الوسط والشمال وعموم السودان؛ بعد استكمال الاصلاح الديمقراطي فيهما؛ وذلك في اتجاه السير معا نحو ضمان حقوق المواطن السوداني عامة؛ ونحو احلال العدالة والمساواة بين ابناء وبنات الوطن الواحد؛ واعادة بناء ما دمرته الحرب؛ وبناء دولة المواطنة والمؤسسات والحريات؛ واستشراف افاق التنمية المتوازنة وفتح ابواب التقدم الاقتصادي والاجتماعي. في هذا الاطار علي الحركة الشعبية اعادة تقييم مواقفها من استراتيجية الاتفاق مع هذا النظام؛ واقتسام السلطة معه؛ لان هذا طريق لا يؤدي الي ضمان مصالح المواطن الجنوبي خصوصا؛ ولا المواطن السوداني عموما؛ وها ان ازمة دارفور والشرق قد وضعت الحركة الشعبية في مأزق تاريخي؛ وها ان النظام يناطح المجتمع الدولي؛ بل ويتراجع علي لسان مسؤوليه عن اتفاقيات نيفاشا؛ فهل يمكن مع هكذا شريك بناء اي شي سوى الدمار والخراب؟ بالمقابل علي القوي الديمقراطية والمعارضة؛ الالتزام بما اتفقت عليه مع الحركة الشعبية في اسمرا 1995؛ في مؤتمر القضايا المصيرية؛ وعليها البدء في تفصيل اجراءات سلام عادل وشامل يضمن حقوق كل الاقاليم؛ بما فيها جنوب السودان؛ ولا بأس من الاستفادة هنا من بعض الحلول الايجابية التي اتت بها نيفاشا وتثبيتها؛ وتطوير حلول اخري تؤدي الي تقديم ضمانات اكبر؛ لمصلحة السلام العادل والشامل في كل السودان. هذا يستدعي تفعيل الحوار ما بين الحركة الشعبية والقوي الديمقراطية السودانية؛ ويستدعي انخراط حركات الغرب والشرق في هذا الحوار علي قدم المساواة؛ وذلك لكيما تكون الحلول شاملة ومجمع عليها؛ وليست حلولا ثنائية لا ضمان لها مع نظام لا عهد له ومشهور بنقض المواثيق والعهود؛ كما فعل مع اتفاقية الخرطوم واتفاقية فشودا ومع حزب الامة الاصلاح والتجديد وغيرها من مواثيقه التي تنكر لها. بالمقابل فان حوارا آخر يجب ان يتم مع المجتمع الدولي؛ وذلك لايضاح ان افاق نيفاشا مغلقة؛ وان هذا النظام المغامر يجب ان يذهب؛ وان الحل الحقيقي والشامل لقضية السودان ولقضية السلام لا يمكن ان يتم بوجود هذا النظام؛ وان الضامن الحقيقي لوحدة وتطور السودان هو بناء السلام والعدالة ضمن اطار نظام ديمقراطي ومؤسساتي؛ يطمح اليه الشعب السوداني ولا يرضي عنه بديلا..
جبهة جديدة بادوات واضحة: هذا كله يستدعي ضرورة تنظيم العمل الديمقراطي المعارض للنظام في جبهة جديدة؛ تقوم بالمهام القديمة المعلقة علي عاتق المعارضة السودانية؛ وتتصدى للمهام الجديدة التي تفرضها التطورات الخطيرة والتي تتسارع في السودان كل يوم. هذه الجبهة لا يمكن ان تقوم علي قاعدة التجمع الوطني الديمقراطي؛ كما يدعو الي ذلك بعض اقطاب التجمع ومنظروه؛ وذلك لان التجمع قد اهدر الفرص والامكانيات الغالية التي اتيحت له ذات يوم؛ ولانه اصبح مترهلا ومنقسما علي نفسه ومعزولا عن الجماهير؛ ولان اسمه ورسمه اصبح ينعكس سلبيا في اذهان المواطنين؛ لذلك لا طريق هناك سوى حل التجمع وانخراط الاحزاب المكونة له؛ في سيرورة تكوين الجبهة الجديدة المرتقبة. هذه الجبهة الجديدة ينبغي ان تقوم علي اسس الندية والاحترام المتبادل بين الاطراف المكونة لها؛ حيث لا قيادة ابدية فيها لتنظيم واحد او فرد؛ وانما قيادة دورية للقوي الاساسية فيها؛ وكذلك ضرورة الا تقتصر علي القوي السياسية فحسب؛ وانما تضم كذلك المنظمات المدنية والافراد النشطين ؛ وان تهتم اهتماما واضحا بالعناصر الشابة من كوادر المعارضة وتقدمها للعمل القيادي؛ وان يكون مركز عملها الرئيسي داخل السودان؛ مع الاستفادة القصوي من امكانيات المهجر السوداني والمغتربين السوداتنيين الهائلة. هذه الجبهة الجديدة لا يمكن ان تتجاهل الاعتراضات الجدية التي قدمت تجاه مسيرة التجمع وحزب الامة والحركة الشعبية وغيرها من الحركات السياسية في السودان؛ وهي اذ تستدعي توجها جماهيريا وديمقراطيا عميقا في طريقة عملها؛ فانها تستدعي كذلك اصلاحا ديمقراطيا كبيرا وشاملا في بني القوي المنخرطة فيها؛ لان فاقد الشئ لا يعطيه؛ والجماهير لن تمحض ثقتها لتلك القوي القديمة ؛× اذا اتت في لبوس جديد؛ باساليبها القديمة وتعاليها وقياداتها الديناصورية واحتقارها للديمقراطية الداخلية الخ؛ فلا مناص اذن من الاصلاح الحزبي؛ كخطوة اولية لبناء هذه الجبهة المرتقبة. كما ان هذه الجبهة الجديدة يجب ان تخرج من مرحلة الشعارات والمواقف المتخبطة المرتجلة؛ والتي لا تحكمها استراتيجية واضحة؛ الي مرحلة البرامج التفصيلية والفكر التطبيقي والعمل الاستراتيجي؛ فلا يجوز ان تكون لها عدة خيارات سياسية متناقضة تتارجح فيما بينها؛ بل لا بدان تقوم علي الوضوح النظري والسياسي والخيارات الديمقراطية الواضحة التي لا مساومة عليها؛ لان الوضوح السياسي واعلان الهدف السياسي وتمليكه لللقواعد والكوادر والجماهير؛ هو اول اسس القيادة السياسية. في هذا الاطار فان الحد الادني لعمل هذه الجبهة؛ ينبغي ان يكون مطلب اسقاط النظام؛ وفي هذا فان كل الحديث عن التفاوض والمشاركة والاتفاق والتفكيك والحكومة القومية الخ؛ ينبغي ان يلفظ مرة واحدة والي الابد .. لقد سال حبر كثير حول طبيعة هذا النظام الشمولية غير القابلة للاصلاح؛ ما لا نري سببا لايراده هنا؛ وبذلك فان برنامج الحد الادني لهذه الجبهة يجب ان يكون هو مطلب اسقاط النظام؛ وليس تفكيكه من الداخل او التعايش معه. اما ادوات اسقاط النظام؛ فاننا نرى ان تكون حصرا كامنة في العمل الشعبي الجماهيري المدني؛ ورفض طريق العمل المسلح والمغامرات العسكرية؛ الذي اورث مواطنينا الخراب؛ ولم يقدم اي انجازات لقوى المعارضة؛ وفي هذا فان علي القوي المسلحة الالتزام بوقف اطلاق النار وعدم ممارسة اي عمليات هجومية؛مع حق الدفاع المشروع عند الهجوم عليها؛ ونقل هذا التحول للمجتمع الدولي وكسب تضامنه مع النضال المدني لاسقاط النظام؛ وضد تحرشات النظام العنيفة والعسكرية المحتملة تجاه قوى المعارضة. كما ان دورا مهما في ادوات اسقاط النظام؛ يكمن في العمل الدبلوماسي؛ في وقت اذداد فيه اهتمام العالم بالقضية السودانية؛ وانخرطت فيه القوي الاساسية العالمية؛ من الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة والامم المتحدة في خطوات حل المشكلة السودانية؛ ولا شئ افضل يمكن ان تمارسه الدبلوماسية المعارضة الديمقراطية من كسب المجتمع العالمي لدعم النضال الديمقراطي السوداني من اجل اسقاط النظام واقامة نظام ديمقراطي دستوري. ان التعويل هنا علي دور المجتمع الدولي لا يمكن ان يكون بديلا عن العمل الداخلي وعن الحركة الديمقراطية لشعب السودان من اجل اسقاط النظام وتغييره؛ فالمجتمع الدوةلي كما اثبتت كل التجارب؛ غير متجانس وذو مصالح ورؤي متناقضة؛ وهو لا يدعم الا الاقوياء؛ ولذلك فان العامل الاساسي في النضال يكمن في جهد شعب السودان وقواه الديمقراطية؛ والذي سيجبر المجتمع الدولي عاجلا او اجلا علي دعم هذا النضال المشروع؛ ورفع يده عن النظام ؛ وعن الدعوات والضغط للتفاوض معه او اقتسام السلطة معه. ان تكوين هذه الجبهة لا يشكل عملا صعبا؛ اذا ما توفرت الارادة السياسية؛ وهناك ادب معارض كثير يمكن الاستفادة منه في هذا الصدد؛ كما ان كاتب هذا المقال يلتزم بتقديم اقتراحات محددة في هذا الشان؛ لكل القوى التي ترغب في الانخراط لتكوين هكذا جبهة؛ حلا لازمة العمل المعارض وتكوينا لادوات اسقاط النظام الاساسية؛ والتي اصبحت ضربة لازب؛ في وقت يمكن ان يمارس فيه النظام مختلف المغامرات؛ مضحيا فيها بمصالح الشعب وحياة المواطنين وامنهم وحرياتهم.
خاتمة: نختم هذا المقال؛ بما جاء بمدخل وثيقة خارطة الطريق السودانية لاسقاط النظام الديكتاتوري القائم؛ ورغم ان تلك الوثيقة قد تجاوزها الزمن؛ وما عادت تصلح قاعدة لتوحيد القوى المعارضة؛ في ظل الظروف الجديدة؛ الا انه يمكن الاستفادة من روحها؛ ومن روح كل الدعوات المماثلة لها؛ في استشراف البديل؛ وفي تثبيت الثوابت ؛ كما جاءفي تلك الوثيقة؛ والتي لم تخدعها مناورات النظام ولا تقلباته؛ ولذلك نقول معها: 1. ننطلق من ان النظام الديكتاتوري القائم في السودان؛ والذي استولي علي السلطة في يوم 30 يونيو 1989؛ هو نظام غير شرعي وغير دستوري بكل المقاييس؛ وهو نظام معتدي علي حقوق المواطن الاساسية؛ يمارس اكبر الجرائم في حق الشعب السوداني؛ وهو من اكبر المعوقات في طريق حل الازمة السياسية السودانية. 2. نؤكد ان النظام الحالي بسبب من نهجه الاحادي وايدلوجيته الشمولية وتركيبته البنيوية وطبيعة قيادته التي نعرف؛ ليس مؤهلا ولا راغبا لاستشراف اي حل سلمي وتفاوضي للازمة السودانية؛ وانه يستخدم الطريق التفاوضي لخداع الراي العام المحلي والعالمي؛ ولثلم النضال الديمقراطي المناهض له؛ وضرب القوي المعارضة ببعضها؛ واكتساب شرعية لا يملكها. 3. نشدد علي ان ممارسات القمع والعنف والابادة في دارفور؛ والمماطلة في التفاوض مع الحركة الشعبية؛ ومطاردة المعارضين السياسيين في الخارج عن طريق الانتربول وغيره؛ هي ممارسات اصيلة ترجع لنهج النظام الاساسي؛ وان واجب اسقاط النظام هو الحل الرئيسي للتخلص من الازمات التي خلقها ولا يزال يخلقها. 4. نثبت ان النظام الان هو في اضعف حالاته؛ وانه يعاني من ازمات عميقة؛ وانه قد استنفد كل امكانيات القمع والتضليل؛ وانه ما عاد قادرا علي الحكم؛ وان سبب وجوده الرئيسي حتي الان وعدم انهياره؛ يتمثل في عدم وجود القوي المعارضة البديلة التي تطرح واجب اسقاطه؛ وتنظم نفسها والجماهير الشعبية من اجل تحقيق هذا الهدف. 5. ندعم كافة الوسائل المشروعة لاسقاط هذا النظام؛ ونتضامن مع كل القوي العاملة تجاه هذه الهدف؛ ونتبني طريق الانتفاضة الشعبية والعمل الجماهيري كاداة رئيسية في نضالنا وعملنا من اجل اسقاط النظام القائم؛ وإقامة البديل المدني والديمقراطي.))
علي هذه القاعدة؛ وفي هذا الطريق؛ ندعوالجميع للسير؛ ونمد ايدينا للتعاون والعمل المشترك؛ وفي هذا الجهد الوطني النبيل فليتنافس المتنافسون
#عادل_عبد_العاطى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تأملات في أفق المعرفة والشهادة: في نضال واستشهاد عبد الخالق
...
-
لماذا يرفض الليبراليون السودانيون تعدد الزوجات والطلاق الاعت
...
-
مرة اٌخري نحو قانون مدني موحد للاحوال الشخصية في السودان
-
نحو قانون مدني موحد للاحوال الشخصية في السودان
-
الحملة الدولية لاطلاق سراح دكتور مضوي ابراهيم آدم ورفاقه
-
النظام السوداني يهدف الي قتل الدكتور مضوي ابراهيم آدم
-
تمخض التجمع فولد فاراً ميتاً : قراءة في قرارات هيئة- قيادة-
...
-
كمال دُقدُق: نجمة الحياة في سماء العدم
-
الخِدعة الكبرى
-
العام 2005
-
المنجز والمؤمل :إطلاق سراح عبد العزيز خالد والدور المرتقب لل
...
-
ندى علي وتيسير محمد احمد وعودة بيوت الأشباح
-
طلب بالتحقيق والتدخل في قضية المعتقلين والمفقودين من اعضاء ق
...
-
رسالة مفتوحة الي بروفيسور تيسير محمد احمد علي
-
رسالة مفتوحة الي الدكتورة ندى مصطفي علي
-
رسالة مفتوحة الي شباب وشابات حزب الامة السوداني
-
عبد العزيز خالد الشاهد والشهيد- مهام الحركة الجماهيرية علي خ
...
-
ثلاثية الهزيمة والمؤامرة والصمود:في اسباب وخلفيات اعتقال الع
...
-
مطالبة السلطات الاماراتية باطلاق سراح قائد سياسي سوداني
-
لماذا ندعو للفيدرالية وكيف نراها؟ مساهمة في تطوير برنامج ال
...
المزيد.....
-
روسيا أخطرت أمريكا -قبل 30 دقيقة- بإطلاق صاروخ MIRV على أوكر
...
-
تسبح فيه التماسيح.. شاهد مغامرًا سعوديًا يُجدّف في رابع أطول
...
-
ما هو الصاروخ الباليستي العابر للقارات وما هو أقصى مدى يمكن
...
-
ظل يصرخ طلبًا للمساعدة.. لحظة رصد وإنقاذ مروحية لرجل متشبث ب
...
-
-الغارديان-: استخدام روسيا صاروخ -أوريشنيك- تهديد مباشر من ب
...
-
أغلى موزة في العالم.. بيعت بأكثر من ستة ملايين دولار في مزاد
...
-
البنتاغون: صاروخ -أوريشنيك- صنف جديد من القدرات القاتلة التي
...
-
موسكو.. -رحلات في المترو- يطلق مسارات جديدة
-
-شجيرة البندق-.. ما مواصفات أحدث صاروخ باليستي روسي؟ (فيديو)
...
-
ماذا قال العرب في صاروخ بوتين الجديد؟
المزيد.....
-
كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل
...
/ حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
-
ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان
/ سيد صديق
-
تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ
...
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
المثقف العضوي و الثورة
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
الناصرية فى الثورة المضادة
/ عادل العمري
-
العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967
/ عادل العمري
-
المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال
...
/ منى أباظة
-
لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية
/ مزن النّيل
-
عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر
/ مجموعة النداء بالتغيير
-
قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال
...
/ إلهامي الميرغني
المزيد.....
|