|
بيان اعتذار الى الشعب العراقي والى الشعراء العراقيين
نصيف الناصري
الحوار المتمدن-العدد: 4018 - 2013 / 3 / 1 - 20:33
المحور:
الادب والفن
أعتذر الى الشعب العراقي وخصوصاً ضحايا النظام الديكتاتوري وضحايا المقابر الجماعية ، وأعتذر الى الشعراء العراقيين أيضاً عن تلك القصيدة السخيفة التي أُجبرتُ على كتابتها في عيد الميلاد االمزعوم للطاغية صدام حسين في 28 / 4 / 1992 واشتراكي مُجبراً في مهرجان " الميلاد العظيم " الذي أقامه " منتدى الأدباء الشباب " الذي كان يرأسه عدنان الصائغ وبرعاية وزارة الثقافة والاعلام . كنتُ قد وضحّتُ في مناسبات عديدة ظروف كتابتي لهذه القصيدة مُجبراً ومضطراً من قبل جلاوزة النظام السابق وهم شعراء يعملون في منتدى الأدباء وفي وزارة الثقافة والاعلام ولهم حظوة عند الابن الأكبر للطاغية ، عدي . من المعروف انني موجود في الوسط الثقافي منذ عام 1980 وقد بدأت حياتي الأدبية أكتب الشعر السوريالي الفكاهي . لم أعمل في دوائر النظام الثقافية والاعلامية قط وكنتُ قد عملتُ غسّالاً للسيارات في وظيفة على ملاك وزارة النفط ، وبقيت هذه هي وظيفتي لحين مغادرتي العراق في 14 / 12 / 1994 الى الأردن .
في صحيفة { بابل } التي كان يملكها عدي صدام حسين ، نشر مستشار وزير الثقافة شاعر أم المعارك بمرسوم جمهوري ، رعد بندر في يوم الاثنين المصادف 30 / 12 / 1991 مقالاً تحريضياً ضدي ، يتهمني فيه انني { لم يكتب قصيدة ولا أيّ شيء آخر يديم روح النصر في المعارك الخالدة بقيادة السيد الرئيس العظيم } ويطلب منّي أن لا أستخدم لقب الناصري { لا من قريب ولا من بعيد لأنه خاص بعشيرة السيد الرئيس القائد } وانني { منشغل بالغنائم وبعيداً عن خيام الوطن } . كان يريد إيهام الدوائر الأمنية لنظام صدام حسين ، من انني أقيم بمحافظة الناصرية وبالتالي فأنني مشترك بالانتفاضة التي قامت ضد النظام في 14 محافظة . يا إلهي ، هل حقّاً أن كاتب هذا المقال هو الذي سيصبح رئيساً لاتحاد الكتاب والشعراء العراقيين ؟ ماذا أفعل وكاتب المقال هو نفسه الذي أصبح السكرتير الثاني لرئيس التجمع الثقافي بالعراق ، عدي صدام ؟
كتبت ردَّاً طويلا بعنوان " جروح عميقة ، تصحيحات حول مقال رعد بندر " و دفعته في البريد . نشر الرد بتاريخ 5 / كانون الثاني / 1992 ودافعت فيه حول اتهامي : { يرفض الكتابة عن الحرب بدعوى الوقت وبدعوى عدم الاستعداد } ودافعت فيه كذلك عن مجمل شعر الشباب و أوضحت أن شعرهم غير معني بمصطلحات التعبئة والحماسة وتمجيد البطولة وقلت أن : { الشعر الثمانيني يواكب التطورات الحاصلة في الحساسية الشعرية الجديدة ومازال يواصل البحث المضني عن الخارق والمطلق والجوهر الحقيقي اللشعر الذي فرَّطَ فيه أصحاب المواهب الضعيفة من أجل تثبيت كيانات اجتماعية لهم على حساب ثورة السيَّاب التي أحرقت مشاعلها ليل الشعر العربي } وكتبت أيضاً { ومما يلفت النظر في تجارب شعراء الثمانيينات هو أن شعرهم كثير التوَّغل في المسائل الوجودية التي لها صلة في الحياة والموت والطفولة والتحول والصيرورة ، عكس الشعر الآخر الذي هو مجاز جماهيري . أن الفعل الشعري عند شعراء الثمانينات والذي بسببه يحاربه البعض ويضيّق عليه الخناق ، ليس في انه قائم على رموز واشارات وايحاءات وترنيمات متداخلة ، ان هذه إلاّ أشكاله وعناصره التكوينية . بل هو في اكتشاف الكوى النفسية التي ترتسم لمصائرنا ومخيلاتنا عبر الشقوق والفجوات التي نراها في العالم الواقعي المحيط بنا ، ومن خلال هذه الكوى نفذ هؤلاء الشعراء الى العالم الأبدي الكامل ومنها تطلعوا الى رحاب فسيحة من الجمال الذي ينشدونه ، ولئن وصل هؤلاء الشعراء الى هذه النتيجة - الجمال - فان فعلهم الابداعي ، هو انهم لجأوا الى جوهر الشعر وحده واتخذوا الشعر اداة تعبير عن أحلامهم المشروعة في التجريب وخرق المألوف } وكتبت أيضاً انني كنت جندياً و : { أمضيت خدمتي العسكرية البالغة 12 عاماً في جبهات القتال } .
وكتبتُ في خاتمة الرد { هنا أود القول أن رعد بندر قد أمضى سنوات خدمته العسكرية طوال سنوات الحرب ، حاسر الرأس في صحيفة القادسية وكان ينعم بمغانم السفر والايفادات الى خارج العراق ، وكان يشعر بالراحة والطمأنينة في شقّته الفخمة ذات الاثاث الفاخر في شارع حيفا . أخيراً ، آملُ أن لا أحسب على جمعية الشحاذين بسبب اعترافاتي التي اضطررت الى البوح بها مجبراً . حمداً لله أنا سعيد الآن وصحتي أكثر من جيدة وعندي وظيفة وغير محتاج الى أيّ شيء } .
عام 1986 قدّمت الى مدير دائرة التأليف والنشر في دائرة الشؤون الثقافية مجموعة شعرية عنوانها { جهشات } من أجل النشر . وذهبت في يوم ما الى مكتب هذا المدير لأستفسر هل أحال مجموعتي الى رقيب ممن يعملون في دائرة الشؤون الثقافية ؟ أخبرني بعض الأصدقاء الأدباء ممن يعملون في هذه الدائرة أن مجموعتي قد أُلقيت في برميل النفاية . قلتُ لنفسي حسناً ، سأنشر قصائدي بطريقتي الخاصة أعددت 4 مجموعات شعرية وكتبتها بخط اليد بعد أن اشتريت { حبر صيني أسود } وذهبت الى مكتب استنساخ وتصوير بالدفلوب في منطقة الوزيرية . دفعت راتبي الشهري كلّه واستلمت 50 نسخة ، وزّعتها على أصدقائي الشعراء والكتّاب والنقاد داخل العراق وخارجه .
الكثير منّا يتذكّر منتدى الأدباء الشباب واقامته مهرجان { الميلاد العظيم } في 28 نيسان الذي خصّص لتمجيد الطاغية صدام في عيد ميلاده المزعوم ، ولو عدنا الآن الى صحف نظام صدام الصادرة قبل اسبوع من اقامة هذا المهرجان التهريجي ، سنجد أن المنتدى قد وجّه الدعوة الى 25 اسماً ولم يكن اسمي من بين هذه الأسماء ، ولم توجّه الدعوة لي بسبب موقفي الذي يعرفه رئيس المنتدى عدنان الصائغ ، وكنت مطمئناً لكوني بعيداً عن عرس الجلاوزة ، لكن في الليلة سبقت اقامة المهرجان ، تمت الوشاية بي الى وزير الثقافة والاعلام حامد يوسف حمادي الذي كان يشغل قبل هذا المنصب ، سكرتير صدام للشؤون الأمنية ، انني أرفض المشاركة في المهرجان ، وسألهم الوزير كما أخبروني : { هل عند نصيف موقف ما ضد السيد الرئيس الله يحفظه ؟ } ماذا أفعل ؟ لماذا يقيم عدنان الصائغ هذا المهرجان ؟ تمت محاصرتي من قبل رعد بندر وعدنان الصائغ ووسام هاشم عضو المكتب التنفيذي لمنتدى الأدباء الشباب وخالد مطلك الذي سلّمه عدنان الصائغ رئاسة المنتدى في صيف عام 1993 . كتبت قصيدة نثر حلمنتيشية في نفس الليلة وأخبرتهم انني سأشارك بالمهرجان ، وبدأتها بمقاطع من قصيدة لمحمود درويش :
صدام يا نجمتنا الأخيرة يا خيمتنا الأخيرة .
وأضفت لها مقطعاً من كتاب هتلر } كفاحي . }
{ الأمة العظيمة لا تنتجب قادمة عظماء إلاّ في الأيّام المباركة } .
كانت قصيدة تندّر أكثر مما هي قصيدة مديح . بعد شهر من هذه الزفّة ، قام عدنان الصائغ رئيس المنتدى ورئيس تحرير المجلة التي يصدرها المنتدى { أسفار } بتخصيص عدد لهذا المهرجان والقصائد التي القيت فيه ووضع قصيدتي بعد المقدمة التي كتبها للعدد ، ليثأر منّي بسبب خدمته الطويلة في دائرة التوجيه السياسي { صحيفة القادسية ، مجلة حرّاس الوطن } واصداره للعديد من مجموعاته ضمن سلسلة { ديوان الحرب } وصدرت مجموعته { غيمة الصمغ } ممهورة ب { طبعت على نفقة الاستاذ الفاضل عدي صدام حسين } .
حين فضحت الصائغ في مناسبات عديدة ودوره ضد الأدباء الشباب ، راح يحاول الحصول على العدد الخاص الذي أصدره بمناسبة ميلاد صدام وبدأ ينشر في هذا الموقع أوذاك 6 مقاطع من قصيدتي عن ميلاد صدام حسين .
أود أن أكرّر اعتذاري بأسف شديد الى الشعب العراقي ، والى الشعراء العراقيين ، على كتابتي لقصيدتي السخيفة واشتراكي بمهرجان { الميلاد العظيم } الذي أُجبرت فيه على هذا الفعل المشين من قبل جلاوزة النظام الدكتاتوري ، وآملُ أن أكون قد أوضحت تلك الظروف التي رافقت هذه الكارثة التي تشعرني بالعار .
تحية الى ضحايا وشهداء النظام الدكتاتوري تحية الى كلّ الشعب العراقي تحية الى أصدقائي الشعراء العراقيين
#نصيف_الناصري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سهرنا بين الوخزات الطويلة للبرد
-
أكثرنا استعجالاً للموت
-
كراديس مَن ماتوا بحميمية
-
السير تحت ندى السنبلة
-
الفوران الصامت لإثمار السنبلة
-
الحجارة المتعزّية في الزمن
-
ندى ثقيل للتاريخ
-
نوافذ السنة
-
التوق الى الخلود
-
الجحيم الذي نسمّيه الأمل
-
أنسبُ مرض في الزمن
-
اخوتنا الالزامية للوردة
-
مجد المهجورين على الشواطىء المرتعدة
-
الطرق الكاملة لحياتنا
-
العوالم السفلى للوجود
-
في تسلّقنا الغصن الأسود للصيف
-
الحاضر في لهبه واشاراته
-
الأوغاد الذين يشرّعون لنا القوانين
-
حياتنا المريضة ، متكلَّفة بثقل صلصالها العتيق
-
الأطلال الخادعة للماضي
المزيد.....
-
الكوفية: حكاية قماش نسجت الهوية الفلسطينية منذ الثورة الكبرى
...
-
رحيل الكوميدي المصري عادل الفار بعد صراع مع المرض
-
-ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
-
-قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
-
مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|