سيماء المزوغي
الحوار المتمدن-العدد: 4018 - 2013 / 3 / 1 - 17:12
المحور:
كتابات ساخرة
لا أعرف لماذا تتيه نظراتي عندما ترى الأرواح المعذبة؟ كل شيء فيّ يتجمّد، عيوني، دقات قلبي وأنفاسي.. ألمي فقط يزداد نبضا وهيجانا.
في هذا الصباح الندي رأيتها مرمية أمام النسيان، عجوز مكوّرة مع كرسيها المتحرّك، متدثرة بأغطية لا تدفئ ولا تقي من برد، اتّحدت مع كرسيها حتى أصبحا كائنا واحدا عاجزا مهملا.
أراها كل يوم أمام مقبرة الدندان ولا أعرف من هم الأموات تحديدا، هي أم من يرقدون تحت التراب؟
عندما أراها يعتصرني الألم ويصفعني الحزن ويدميني العجز، فأنا لا أملك مفاتيح سقف حتى آويها وأحميها من تجاعيد الفقر والغبن، لا أملك من الدنيا غير قلب مليء بهموم وطن لم يشف من أحزانه التي تزداد يوما بعد يوم.
أفواه جائعة، بطون خاوية وقلوب متآكلة من الأحزان والهموم.. بطالة من تحتها عجز من تحتها ظلمات من الحيرة والأسى والفقر والضيق واِنسداد الآفاق..
عيون هائمة غريبة وسط مدن الملح الباردة، أحلام تتلاشى وتتبخّر وشباب شاخ على طرقات الأفيون وقوارب الموت الهاربة إلى عيون روما..
حرب على الكراسي وكل شيء مباح من أجلها، وشعب غارق في سبات الفقر وأدران الجهل القادمة من أساطير جزيرة العرب. يتكلمون ولا يصمتون أبدا، يكيلون التهم إلى بعضهم البعض يتناحرون ويتقاتلون، يغتابون بعضهم ويغتالون، يسحلون إخوانهم وييتمون أطفالهم ويرمّلون نساءهم، يكفّرون أترابهم ويتوعدونهم بالنار والعذاب في الدنيا والآخرة، يحجبون نور الشمس ورائحة الورد ويرسلون أبناءهم إلى الجهاد في سبيل الحور العين،
يسرقون الفرح والبسمة من أفواه العشاق ويتوعّدونهم بالسواد وعذاب القبر.
وشعبنا يعاني من ظلمات الحرمان والصقيع والجهل المقدس.. والأدهى من هذا كله أن الانتهازية تتغلغل في صفوف الكثيرين من النخبة السياسية، انتهازية من أجل الكراسي الحكم والسيطرة، كراسي مبنية على الآلام والدموع والظلم. وأي ظلم أشد من ظلم أجيال بأسرها؟
أي نهضة هذه ونسبة الفقر تجاوزت ربع التونسيين؟ أي نهضة هذه وشيوخ الجهل والسواد وبول البعير من الأولويات في سياساتهم؟ أي نهضة هذه وشبابنا شبكوا أفواههم بالإبر والخيوط بحثا عمّن ينتبه إلى أوجاعهم ودموعهم؟
لقد اتفق أغلب الجميع أن أغلب النخبة السياسية بعيدة كل البعد عن آهات الشعب، ولن يمروا ما لم يكفّروا عن أخطائهم وينزعوا أطماعهم ونرجسيتهم وينزلوا من أبراجهم العاجية الجوفاء.
#سيماء_المزوغي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟