أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - محمد زكريا توفيق - الفن في بداية المسيحية















المزيد.....


الفن في بداية المسيحية


محمد زكريا توفيق

الحوار المتمدن-العدد: 4018 - 2013 / 3 / 1 - 07:46
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    



مدينة روما، في القرن الأول الميلادي، كانت تعتبر عشيقة العالم. اهتم بها الامبراطور الروماني العظيم أغسطس. زينها بالمباني الفاخرة والتماثيل الجميلة. كان يفتخر بأنه استلمها مدينة مبنية بالآجر، وسلمها مدينة مشيدة بالرخام والمرمر.

في ذلك الوقت، بينما كان النحاتون مشغولين بعمل التماثيل لآلهة الرومان الوثنية، والمهندسون يخططون لبناء معابد جديدة لتكريمها وعبادتها، حدث شئ خطير.

هناك بعيدا في مدينة بيت لحم، في الشرق الأوسط، ولد السيد المسيح. مع مجيئه، بدأ تغيير موضوعات الفنون من الوثنية إلى المسيحية.

بدلا من بناء معابد بها تماثيل لكبير الآلهة جوبيتر، أو إلهة الحكمة والصيد منيرفا، ظهرت الكنائس المسيحية وزينت بالتماثيل واللوحات التي تمثل السيدة العذراء والطفل، والمسيح والقديسين والملائكة، إلخ. بالطبع، هذا التغيير لم يأت طفرة واحدة، إنما استغرق من الوقت عدة قرون.

بعد صلب السيد المسيح، أتباعه المسيحيين، كانوا يضطهدون بقسوة بالغة من أباطرة الرومان الوثنيين. الأباطرة الرومان كانوا يدعون أنهم آلهة أو أنصاف آلهة يجب على الرعايا عبادتهم. لذلك، لم يرحبوا بالديانة المسيحية الوليدة ودعوة المسيح.

عاش المسيحيون الفقراء منهم، في خوف وكبت. لجأوا إلى المعاقل والمحاجر والكهوف تحت الأرض يختبئون فيها. عاشوا وماتوا فيها ونصبوا داخلها المصليات وأماكن العبادة.

داخل هذه السراديب المظلمة، يمكننا تتبع بداية الفن المسيحي. لم يعد، ما تبق لنا منها، سوى نحتا بسيطا هنا، أو صورا على الجدران ذهب لونها أو كاد هناك. تمثل قصصا دينية عن النبي موسى وهو يضرب بعصاه البحر أو الصخر، أو للنبي دانيال وهو في عرين الأسد، أو يونس في بطن الحوت.

المسيح نفسه، يظهر في هذه الرسوم على أنه راع حنون يحمل بين ذراعية حمل وديع. بعض الأحيان، ترى صورة الصليب على الجدران كرمز لمعانات وآلام المسيح. أو ترى رسما لكرمة عنب وفروعها، رمزا للمسيح والكنيسة. أو شجرة نخيل يحملها الشهداء، علامة للنصر. أو حمامة للدلالة على الروح القدس.

بعد مئات السنين من اضطهاد المسيحيين وغبن الرومان لهم، حدث شئ عجيب وخطير. في يوم من الأيام، كان الامبراطور الروماني العظيم، قسطنطين، يخوض أحد معاركه الحربية.

وقف الامبراطور قسطنطين على شاطئ نهر التيبر. سجد للصلاة ثم نظر إلى السماء، فوجد شكلا على هيئة صليب متوهج فوق قرص الشمس. عندما ذهب للنوم في المساء، سمع صوتا يبشره بالنصر في معركة اليوم التالي.

عندما انتصر قسطنطين في معركة جسر نهر التيبر، أرجع الفضل لإله المسيحية. منذ ذلك الحين، تغير وجه العالم الغربي. اعتنق واحتضن قسطنطين المسيحية منذ ذلك التاريخ، وأصبحت جيوشه تحمل شعار الصليب في كل معاركها إلى النصر.

ابتهج المسيحيون وخرجوا من جحورهم ومخابئهن المظلمة تحت الأرض. يبغون مكانا على السطح تحت الشمس، يمارسون فيه طقوسهم وصلواتهم بطمأنينة وأمان. لكن أين؟

الغرف العادية لم تعد تسع أعدادهم الكبيرة المتزايدة. المعابد الوثنية لا تصلح، لأنها لا يوجد بها صالات كبيرة، العبادات الوثنية كانت تتم خارج المعبد. داخل المعبد كان يوجد فقط غرفة صغيرة بها ضريح أو تمثال للإله.

البازيليكا هي إحدي المباني الهامة في حياة سكان المدن الرومانية. أخذها الرومان عن الإغريق في العصر الهيلنسيتي(ما بعد الإسكندر الأكبر). كانت موجودة أيضا في مدينة الاسكندرية، أيام حكم البطالمة، تستخدم كصالة الملك أو العرش أو القاعة الملكية.

كانت البازيليكا في روما في العصر الروماني، تبني لغرض تجاري بالقرب من الأسواق، وبجانب الطرق الرئيسية والميادين العامة. ثم بدأت تستعمل كدار قضاء، تجري فيها المحاكمات والمرافعات، أو مكان لعقد الصفقات وتصديق العقود.

بعد انتشار المسيحية وتزايد أعداد المسيحيين، أضحت البازيلكا مكانا فسيحا مناسبا يمكن أن يستغله المسيحيون لكي يقيمون فيه صلواتهم وشعائرهم المسيحية. ثم قامت والدة الامبراطور الروماني قسطنطين بالتوسع في بناء البازيليكا للمسيحيين.

شكل البازيليكا المعماري مستطيل. مقسم إلي ثلاثة أجزاء، هي:
الصحن المركزي يتوسط المبني، وجناحين تفصل بينهما الأعمدة. تغطى بسقف وقبة، أو قباب، وتزين بالمنحوتات والثماثيل الجميلة والأرضيات الرخامية والجدران المكسوة بالرخام. نهاية المبنى على شكل نصف دائرة، مرتفعة عن المستوى العام للأرضية.

من أقدم البزيليكات في العصر الروماني في روما، بازيليكا إيميليا وبازيليكا جوليا، من عصر الجمهورية، وبزيليكا ميدان تراجان، من عصر الامبراطور تراجان. أجملها، بازيليكا سبتيميوس سويروس بمدينة لبدة العظمي في ليبيا.

عندما بدأ المسيحيون يبنون كنائسهم، بنوها في شكل البازيليكا وهذا شئ طبيعي. في بعض الكنائس، كان كرسي الأسقف، "الكاتيدرا"، يوضع في نصف الدائرة المرتفعة، لكي يراه كل الموجودين بالصالة. الكنيسة التي بها مثل هذا الكرسي، تسمى كاتيدرائية.

كل كنيسة، كانت مخصصة لقديس بعينه. كذلك كان الحال بالنسبة للمعابد الوثنية، كل منها كان مخصصا لإله معين. سرعان ما أصبحت الكنائس شئ مألوف، وأصبحت بالغة الثراء بسبب تبرعات الملوك والأمراء ومنح الأثرياء. وبدأت تزداد زينة ونقوشا ورسوما.

الكنيسة المعلقة بمصر القديمة، بنيت بالطابع البازيليكي أيضا، المكون من 3 أجنحة وردهة أمامية، وهيكل يتوزع على 3 أجزاء. صحن رئيسي وجناحين صغيرين ، بينهما ثمانية أعمدة على كل جانب . مستطيلة الشكل، صغيرة نسبيا. حوالي 23.5 متر طول، 185 متر عرض، 95 متر ارتفاع .

بين الصحن والجناح الشمالي، صف من ثلاثة أعمدة رخامية، أحد الأعمدة من البازلت الأسود. بها عدد من تيجان الأعمدة الكورنثية. في الجهة الشرقية من الكنيسة توجد ثلاثة هياكل هي: الأوسط يحمل اسم العذراء مريم ، و الأيمن باسم القديس يوحنا المعمدان، و الأيسر باسم القديس مار جرجس.

عرفت هذه الكنيسة باسم الكنيسة المعلقة، لأنها تقوم على أنقاض برجين كبيرين من أبراج الحصن الروماني الذي بناه الامبراطور تراجان في مستهل القرن الثاني الميلادي، حصن بابليون.

تعتبر من أقدم الكنائس المصرية. لها أهمية خاصة عند أقباط مصر، لأنها كان ينتخب فيها بطاركة الكرسي المرقسي حتى القرن الثاني عشر الميلادي.

يعتقد أن أصل هذه الكنيسة، هي مغارة، اختبأت فيها العائلة المقدسة أثناء رحلتها الى مصر. رأى آخر يقول أنها بنيت في بداية العصر الإسلامي كخلوة لراهب، أقام في هذه المنطقة، شأنها شأن السراديب المنحوتة في صخر جبل الفسطاط.

بسبب ثراء الكنائس، بدأت توظف أشهر وأفضل الفنانين للرسم على جدرانها صور للقديسين الذين خصصت الكنائس لهم. هذا لأنه من الأسهل للعامة معرفة قصة القديس عن طريق الرسم، لأن معظمهم كانوا لا يعرفون القراءة.

منذ البدأ في بناء الكنائس، ظهرت عدة تصميمات معمارية مختلفة. لكن في كل التصميمات، تجد بقايا من التصميم الأول البازيليكا، لاتزال في كل كنيسة.

الكنائس في العصور الوسطى، التي استمرت قرونا عديدة، كانت تحت إشراف الرهبان والكهنة. كانت تبنى على النمط البيزنطي أو الروماني أو القوطي أو طراز عصر النهضة الأحدث، لكن كلها كانت تشيد بهدف واحد. هو العبادة وتمجيد كلمة الرب.

آيا صوفيا، التي تقع في مدينة اسطنبول (القسطنطينية سابقا) بتركيا، كانت في الماضي كاتدرائية، ثم قلبت مسجدا، الآن هي متحف. تعد من أبرز الأمثلة على العمارة البيزنطية والزخرفة العثمانية.

بناها الامبراطور الروماني الشرقي (البيزنطي)، جستنيان في خمس سنوات، وتم افتتاحها عام 537م. لم يشأ جستنيان أن يبني كنيسته على الطراز المألوف، وكان يبحث عن طراز بيزنطي جديد. لذلك كلف مهندسين معماريين من آسيا الصغرى لبناء هذا الصرح الضخم.

يقال أن ملاكا ظهر للإمبراطور في المنام وأمره ببناء هذه الكاتيدرائية. من هنا جاء اسمها: آيا صوفيا أو "الحكمة الإلاهية". الإمبراطور نفسه كان مهندسا معماريا. وكان يلبس ملابس العمال التيل ويشرف على البناء ويوجه آلاف العمال بنفسه يوميا.

الكاتيدرائية خارج البناء تبدو عادية، لكنها من الداخل شئ رائع. لأنها بنيت لكي تنافس هيكل سليمان الذي كان موجودا بالقدس قبل تدمير الهيكل.

في الوسط، توجد قبة عظيمة، حولها أنصاف قباب وأقواس. الجدران مزينة بالفسيفساء والصور، تبين مشاهد من الإنجيل وتحكي قصصا عن حياة القديسين.

بالنسبة لرسم الفسيفساء، الأشكال غالبا ما تكون متجمدة، من الصعب بيان الحركة بها وانسياب طيات الملابس وتوزيع الإضاءة والظلال بين حناياها، وهي أمور توجد عادة في اللوحات الزيتية العظيمة.

لكن هنا على جدران الكاتيدرائية، نجد النقوش والفسيفساء مع خلفيتها الذهبية، تعطي للمشاهد بريقا ولمعانا رائعين. عمل فسيفساء حقيقي يبغي الخلود.

المعابد الوثنية تم نهبها وتجريف نقوشها ونقل أعمدتها لكي تبني بها آيا صوفيا. هنا أعمدة من الرخام على كل شكل ولون. المنابر والهياكل والأبواب من العنبر والعاج وخشب الأرز.

المذبح الذهبي، مطعم بالعقيق واللؤلؤ والياقوت والماس. الكنيسة توجت بصليب من الذهب الخالص. في ليلة كريسماس عام 548م، وهب جستينيان كنيسته بعد اتمامها إلى الرب. نزل من عربته الحربية، فاردا ذراعيه ودخل الكنيسة وهو يجري نحو المذبح قائلا: "المجد للرب. يا سليمان، لقد تفوقت عليك"

ظلت أيا صوفيا، لقرون عديدة، أجمل الكنائس البيزنطية في العالم. إلى أن فتح الأتراك القسطنطينية عام 1453م. ماذا يفعل الأتراك المسلمون بكنيسة مسيحية حتى وإن كانت أيا صوفيا؟

قاموا بغسل الكنيسة من الداخل بماء الورد. صور القديسين تم طلاؤها باللون الأبيض، وعليها ركبت صفائح مكتوبة بآيات قرآنية. الصليب المصنوع من الذهب الخالص الذي كان يعتلي قبة الكنيسة، بدل بالهلال رمز الإسلام. أيا صوفيا تم تحويلها من كنيسة مسيحية إلى جامع إسلامي.

كاتدرائية القديس مرقس، في مدينة البندقية بإيطاليا، هي مثال آخر للعمارة البيزنطية. كانت أصلا مصلى لحكام البندقية. ثم أصبحت مقرا لبطريرك البندقية عام 1807م. عرفت منذ القرن الحادي عشر بلقب كنيسة الذهب.

لكن، ما هي حكاية القديس مرقس؟
مار مرقس، ماركوس، هو صاحب إنجيل مرقس، السفر الثاني من العهد الجديد. لذلك يلقب بالانجيلي. ولد في ليبيا، جاء من صحبة المسيح عبر اليونان إلى مصر عام 55م، لكي يؤسس الكنيسة الأرثوكسية وكان أول بطريرك لها.

بعد أن قام القديس مرقس بالوعظ في مصر، ركب البحر متوجها إلى ليبيا. لكنه، بسبب عاصفة هوجاء في البحر الأبيض المتوسط، رست مركبه على جزيرة. عندما خطت قدميه على رمالها، ظهر له ملاك الرب يخبره أنه سوف يكون له أتباع في مدينة البندقية.

بعد وفاته في الاسكندرية على أيدي الوثنيين المتعصبين، سرق الرومان جثته ووضعوها في سلة أعلى صاري المركب. في أثناء العودة، داهمت المركب عاصفة مدمرة أدت إلى ارتطامها بالصخور. يقال أنه ظهرت للبحارة روح مرقس الرسول، وقادت السفينة إلى بر الآمان.

استقبل جثمان مرقس الرسول استقبالا كبير في البندقية، وأصبح مار مرقس، راعي مدينة البندقية. وأصبح شعاره هو الأسد المجنح. البندقية كانت مركزا للتجارة. وكانت مدينة في غاية الثراء. لذلك قرر أهلها بناء كنيسة رائعة لمار مرقس.

استورد تجار البندقية لكنيستهم الأحجار الكريمة والرخام الملون من كل أنحاء العالم. الواجهة، لوحة فسيفساء ضخمة. الأقواس مطعمة بالصور المرسومة بقطع الفسيفساء. فوق الواجهة، ترتفع أبراج طولية تحمل أعلاها تماثيل القديسين. بها قباب وصلبان مربعة يونانية الشكل.

تحت النافذة الرئيسية، يقف تماثيل برونزية لأربع أحصنة، حكايتهم حكاية. وزن كل منها تقريبا 2 طن. الأحصنة، جاءت إلى روما من مصر، وربما صنعت هناك. كانت تستخدم في أقواس النصر افي روما. بعد ذلك، نقلها الامبراطور قسطنطين إلى القسطنطينية.

ثم نقلت إلى البندقية مرة ثانية أثناء الحروب الصليبية. بعد ذلك، سرقها نابليون ونقلها إلى مدينة باريس لكي يزين بها قوس النصر هناك. عندما هزم نابليون، عادت الأحصنة البرنزية مرة ثالثة إلى البندقية، لكي تستخدم في تزيين كنيسة مار مرقس، هذا هو موطنها الأخير.

داخل الكنيسة، سوف نجد أعمدة رخامية جميلة من الرخام، مطعمة بالعقيق والأحجار الكريمة. الحيطان، مغطاة بصور من الفسيفساء، لقضاة مشهورين وقديسين وملائكة ومشاهد قصص من الإنجيل.

كنيسة مار مرقس، حقيقة، عبارة عن متحف لشغل الفسيفساء. التماثيل الرخام ال 14، التي تفصل الجوقة من الصحن، تمثل السيدة العذراء ومار مرقس وباقي الرسل ال 12.

تحت القوس الموجود أعلى المذبح، يوجد تمثال ضخم للسيد المسيح وهو يبارك شعبه. قبر مار مرقس تحت المذبح، مطعم بالذهب والجواهر وأعمدة المرمر.

في الساحة أمام الكنيسة، يوجد برج أجراس رائع. ارتفاعه 300 قدم، منقوش بالرسوم البارزة. في عام 1092م، عندما سقط برج الأجراس وتحطم، حزنت البندقية ومعها كل من يهتم بالفن الرفيع في كل أنحاء العالم.

ساحة الكنيسة في البندقية، ظلت لأكثر من ألف سنة، المكان المفضل للحمام والزوار. هنا أحداث كثيرة مرت. بحارة من جميع أنحاء العالم كانت تتجمع لعرض بضاعتهم وسرد حكاياتهم ومغامراتهم.

عندما تترك الجندول في البندقية، وتقف وسط هذه الساحة التاريخية، لتنظر إلى كنيسة الفسيفساء، كنيسة مار مرقس، سوف تكتشف أن لها سحر وجمال خاص. إنها بمثابة علم وتاج مجد لمدينة البندقية.

الكنائس البيزنطية، بقبابها العظيمة وسطها، استخدمت كثيرا في بلاد الشرق. لكن في بلاد الغرب، إيطاليا وألمانيا وفرنسا وإنجلترا، ظهرت كنائس مبنية بطراز معماري مختلف، رومانسيكي وقوطي.

رومانسيكي تعني روماني، الكنائس الرومانسيكية، تصميمها له علاقة بالبازليكات التي استخدمها المسيحيون الأوائل. لكنها أكبر وأعلى وأفخم.

البازليكا، يكون فيها برج الأجراس إلى جانبها. لكن الكنيسة الرومانسيكية، يكون برج الأجراس في برج أو برجين مربعين من أبراجها العلوية.

الطراز الرومانسيكي تم تطويره في غرب وجنوب أوروبا خلال القرن التاسع والثاني عشر .اتسم بالأقواس الدائرية والقباب، واستخدام الزخارف الكثيرة في الداخل والخارج. خصوصا على الأبواب والنوافذ. الجدار الخارجي مزين برؤوس الحيوانات المختلفة.

داخل الكنيسة أو الكاتيدرائية الرومانسيكية، تستخد الأقواس الكبيرة بدلا من الأعمدة. ممراتها مصممة في شكل الصليب اللاتيني (الجزء الرأسي لأعلى من الجزء الأفقي). تصميم الكنيسة بصفة عامة يبدو مدببا بعض الشئ، وتقترب في الشكل من أروع التصميمات كلها وهو التصميم القوطي.

هناك العديد من الكاتيدرائيات القوطية الجميلة. أحدها في ميلانو بإيطاليا وأخرى في كولونيا بألمانيا. كاتيدرائية ميلانو مبنية على الطراز القوطي الإيطالي.

مغطاه بالرخام الأبيض الصافي. المحجر الذي قطعت منه شرائح الرخام، كان مملوكا للكاتيدرائية. عندما كان المثالون يريدون شراء رخام خام من المعبد، كان يطلب منهم عمل تماثيل للكاتيدرائية في مقابل الثمن.

من الخارج، ترى العديد من الأبراج المدببة ترتفع إلى عنان السماء. مدعمة بالأحجار المنحوتة لكي تعطيها صلابة وجمالا في نفس الوقت. بها أكثر من 7000 تمثال، براويز الحجر التي تحتضن النوافذ الزجاجية الملونة، منحوتة على شكل زهور مختلفة، عدد أنواعها 1500 نوع.

السقف محمول من الداخل بأعمدة طويلة. الأعمدة التي تحيط بصحن الكاتيدرائية من الداخل، ارتفاعها 72 قدم. تيجان الأعمدة مختلفة الشكل. كل تاج به أشكال مختلفة. الأقواس العلوية منحوتة برقة تعادل شغل الدانتيلا.

في الكاتيدرائيات القوطية، قصص القديسين ترسم فوق النوافذ وعلى زجاجها، بدلا من تطعيم الأشكال بالفسيفساء على الحيطان. ألوان النوافذ الرائعة، تعطي الشعور بالدفئ والثراء حتى وقت الغروب.

كاتيدرائية ميلانو لونها أبيض، تبدو بأبراجها وقممها المدببة متلألئة في وضح النهار، ساحرة أسطورية في ضوء القمر.

هنا في مدينة كولونيا بألمانيا، على ضفاف نهر الراين، بنيت كاتيدرائية أخرى بأبراجها المدببة على النمط القوطي. براويز النوافذ الحجرية، التي تحتضن الزجاج الملون، منقوشة بأشكال أنواع عديدة من الزهور وأوراق النباتات والحيوانات والملائكة المجنحة.

في الواقع، كل نقش جميل في حجر، تجد له مثيلا هنا. الأبراج ترتفع إلى 513 قدما نحو السماء، وهي مشغولة أيضا بالحجر المنقوش. السقف من الداخل كأنه ارتفع لكي يناطح السحاب. يعطي الزائر شعورا بالضآلة، ويجبره على التواضع. الأقواس تتقابل وتتشابك فوق الرؤوس مثل أشجار الغابة الكثيفة.

مثل أشعة الشمس المتسربة من بين أشجار الغابة، أرض الكاتيدرائية مفروشة تفيض بكل أطياف الضوء البراقة المنكسرة من زجاج النوافذ الملون. صور القديسين والعائلة المقدسة تشع بالنور والضياء. النوافذ الدائرية الكبيرة الملونة ببتلات النباتات، تضوي مع ضوء الشفق.

الكاتيدرائية مليئة بالكنوز التي لا تقدر بثمن. أحدها، الذي جعل الكاتيدرائية لها هذه الشهرة الكبيرة، هو ضريح ذهبي مرصع بثراء بالغ. محفوظ بخزانة الكنوز خلف المذبح العالي.

في خزانة الكنوز هذه، يوجد صندوق به ثلاث جماجم بتيجانها المرصعة بالجواهر. يقال أنها تخص ملوكا من الشرق. الملوك الثلاثة، كما يخبرنا الإنجيل، قدموا من بلاد بعيدة، لكي يقدموا هداياهم للمسيح الطفل. علموا أن المسيح قد ظهر، عندما رأوا النجم الساطع. ساروا مع النجم حتى توقف عند مكان ميلاد المسيح.

خلع الملوك الثلاثة تيجانهم وأروابهم الرسمية، ليتفرغوا للدعوة وهداية الفقراء. بعد وفاتهم، وجدت جماجمهم، ونقلت إلى القسطنطينية، ثم إلى ميلانو، وأخيرا إلى كولونيا.

هناك قصص وحكايات وأساطير كثيرة أخرى تخص كاتيدرائية كولونيا. فهي قد بدأ بناؤها في القرن الثالث عشر، لكن لم يتم البناء إلا في شهر أكتوبر 1880م. عندما وضع امبراطور المانيا آخر حجر فيها، معلنا للأمة أنه تم بناؤها أخيرا. لكي تصبح من أهم الصروح المعمارية والدينية في المانيا. كانت تعتبر أطول بناء في العالم في ذلك الوقت، حيث يبلغ ارتفاع برجيها 157 مترا.

استمر العمل في بنائها أكثر من 600 سنة. لنا أن نتخيل طول المدة، إذا علمنا أن الهرم الأكبر تم بناؤه في 20 سنة فقط. عام 1996م، اختارت اليونيسكو الكنيسة، كأحد مواقع التراث العالمية. في عام 2004 م، تم إدراجها في قائمة مواقع التراث العالمي المهددة، بسبب كثرة أعمال البناء حولها.

وللحديث عن الفن والإنسان وحضارتة الرائعه، بقية. فإلى اللقاء.



#محمد_زكريا_توفيق (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كنوز الفن الروماني القديم
- الفن الإغريقي القديم – الرسم
- الفن الإغريقي القديم – النحت
- الفن المصري القديم
- حفريات سبقت كتبنا المقدسة
- الطريق إلى المدرسة رايح جي
- حوار مع المجلة العلمية أهرام
- قصة خلق الكون
- هل التطور يتعارض مع الإنتروبيا؟
- كيف كانت بلادنا حلوة؟
- قضاة في شكاير
- حكم الجماعات الدينية والمليشيات
- لقد قبل الإخوان الحكم وبلعوا الطعم
- دولة دينية أم حرب أهلية
- السلطة مفسدة
- كيف كانت القاهرة وكيف أصبحت
- حقيقة الأديان
- دولة دينية أم دولة مدنية
- لماذا أشعر بالقلق من حكم الإخوان؟
- ما يقوله العلم عن نشأة الحياة


المزيد.....




- دام شهرًا.. قوات مصرية وسعودية تختتم التدريب العسكري المشترك ...
- مستشار خامنئي: إيران تستعد للرد على ضربات إسرائيل
- بينهم سلمان رشدي.. كُتاب عالميون يطالبون الجزائر بالإفراج عن ...
- ما هي النرجسية؟ ولماذا تزداد انتشاراً؟ وهل أنت مصاب بها؟
- بوشيلين: القوات الروسية تواصل تقدمها وسط مدينة توريتسك
- لاريجاني: ايران تستعد للرد على الكيان الصهيوني
- المحكمة العليا الإسرائيلية تماطل بالنظر في التماس حول كارثة ...
- بحجم طابع بريدي.. رقعة مبتكرة لمراقبة ضغط الدم!
- مدخل إلى فهم الذات أو كيف نكتشف الانحيازات المعرفية في أنفسن ...
- إعلام عبري: عاموس هوكستين يهدد المسؤولين الإسرائيليين بترك ا ...


المزيد.....

- الانسان في فجر الحضارة / مالك ابوعليا
- مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات ... / مالك ابوعليا
- مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا ... / أبو الحسن سلام
- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - محمد زكريا توفيق - الفن في بداية المسيحية