|
الثورات العربية ليست فعل حر!
محمد نزيه
الحوار المتمدن-العدد: 4014 - 2013 / 2 / 25 - 15:29
المحور:
الثورات والانتفاضات الجماهيرية
الثورات العربية في تعريفيها او توصيفها تتدافع الافكار في رأسي الصغيرة كتدافعنا نحن العرب قبل الصعود الى الحافلة، وتتناقض اوصافها التي تدور في فلك عقلي كتناقض شخصية العربي، وتتسم الاوصاف التي تباغتني بالانفعالية تماما كذلك العربي الذي توقف في وجه طوفان الزمان، ولكن الفكرة الاكثر سيطرة هي المطابقة المخيفة بين الطرح والمشاكل التي ناقشها رواد النهضة في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين امثال الطهطاوي ومحمد عبدو والافغاني وواقع الثورات اليوم، وهذا لا يعني الا اننا مكانك راوح، ولكن ما علاقة ذلك في الثورات العربية؟
ان الشعوب العربية عاشت تحت ضغط هائل خلال فترة تجاوزت المئة والعشرون عام ابتداء من استبداد وجور الامبراطورية العثمانية في اواخر حكمها ومن ثم كابدت تلك الشعوب وطأة الاستعمار الذي احرق عمرا من اعمار هذه الشعوب وسعى لتجهيلها واغراقها في السعي وراء حاجاتها البيولوجية، ومن ثم ترك الاستعمار ابناء له بررة ليحكموا تلك الشعوب بشروط الدول المستعمرة وبتبعية تجعل من تلك الشعوب ردة فعل دائمة لفعل الغرب او الدول التي تقدمت ولا تصبح تلك الشعوب اي الشعوب العربية في يوم من الايام فعل مستقل غير محكوم بالتبعية التي كبلت تلك الشعوب حتى اللحظة التي اكتب بها هذه الكلمات، في تلك الفترة اي فترة نهاية الدولة العثمانية وفترة الاستعمار علت بعض الاصوات التي نادت بنهضة ولكن تلك النهضة كانت ايضا ردة فعل للاحتكاك بالغرب وردة فعل للتغلغل الغربي في العالم العربي خاصة فرنسا في لبنان وسوريا من خلال المدارس، والشباب الذين هاجروا للغرب مثل هجرة اللبنانين والسوريين في اواخر القرن التاسع عشر نحو الامريكيتين بسبب جور العثمانيين وبعثات محمد علي الى الغرب، وبالتالي النهضة لم تكن فعل اصيل نابع من شعور الفرد بالازمة وانما الاحتكاك بالغرب هو الذي خلق ردة الفعل وهو الذي جعل العربي يرى ان وضعه يرثى له.
واليوم شبيه للامس فالعربي لم يتغير ومازال ردة فعل في كل ما يفعله، فبعد كل الاستبداد والفساد، والنهب، والجهل ، وفقر، والتهميش، والتمثيل اليس من الطبيعي ان يكون هناك ردة فعل؟ ولكن اية ردة فعل تلك التي ليست سوى تعبيرا عن قانون فيزيائي لكل فعل ردة فعل مساوية له في في القدر ومعاكسة له في الاتجاه، فثورات الربيع ليست الا ردة فعل محكومة بالفعل القائم عليها اي انها "تنفيسة" بالعامية وبالتالي ليست حرة عكس ما يميز السلوك الانساني هو انه ليس كالجمادات غير حر في فعله واستجابته الاحداث، فالانسان اذا جاع قد يأكل وقد لا فهناك من يتضورون جوعا ولا يأكلون كسامر العيساوي وغيره اللذين اختاروا ردة فعلهم، ولكن الثورات لم تكن الا ردة فعل فيزيائية سطحية لا ترقى للعمق الانساني.
ان احداث ما بعد الثورة لعلها الدليل الاكبر على ميكانيكية الثورات فان الثورات ليست سوى وليدة انفجار لضغط حار في تصريف نفسه، فالشعوب الثائرة لم تضع خطة لما بعد الثورة، لا وبل لماذا سكتت الشعوب كل تلك الفترة، لماذا لم يكن هناك وقت ابكر اكثر مناسبة للانفجار؟ الجواب ببساطة لانها لم تختمر بعد ولم تتولد ردة الفعل التي يخلقها الفعل الفاسد والضغط الكبير الذي عاشته تلك الشعوب. انظر لتلك الشعوب بعد الثورة لتتأكد ليبيا ما زالت تعيش ظروف سيئة العنف يسيطر على الجنوب والحروب بين المدن الكبيرة ثأرا للماضي ومستويات الجريمة مرعبة والتشدد يشرق من الشرق، مصر بعد الثورة عادت لتنتفض ضد رضيعها الذي انتجته رافضة اياه ومجازر وجرائم وافلاس في الافق القريب، واستبداد في ثياب جديدة، اليس حان الوقت ان يعترف العربي ان الثورة يجب ان تبدأ داخل كل فرد عربي، اليست المجتمعات العربية التي تأكلها المشاكل الاجتماعية والنفسية والثقافية هي بحاجة ان تثور على نفسها، كيف لتلك الشعوب التي لا تعتبر الشارع امتداد لكيانها فقذارته لا تعني احد ان تنتج ثورة بالمعنى السامي للثورة، ان ثورة الشعوب العربية خيط مقطوع ثورة وفقط انتهينا لا يوجد اية استراتيجية او فلسفة لما بعد الثورة هي صرخة جوع والم ولكن الصرخة لا تشبع ولا تشفي الالم، وقد اشار الى ذلك الكواكبي قبل قرن تقريبا في كتابه طبائع الاستبداد على ان ضرورة التغير يجب ان تبدأ من الاسفل الى الاعلى وليس العكس. الرشوة واللهث وراء المصلحة الانانية ليست صفة مبارك في مصر فقط وانما هي صفة متفشية في الشعب المصري، وان قلنا ان الرئيس مصدرها فهذا شتيمة لشعب اغمض عينه وسار اما لكسل او جبن او لمنفعة. لم يكن معمر القذافي وحيدا جاهلا في مجتمعه فنسبة الامية كانت في الوطن العربي حتى الثمانينات من القرن العشرين 60% مع الاخذ بالحسبان ان المتعلمين اي 40% المتعلمين لا يعكسون جودة التعليم ابدا، ليس النظام الحاكم وحده بالطرياركيا ان سمة من سمات الاسرة العربية هي انها ابوية هل ايضا الحاكم هو الذي اجبر الناس على الخنوع والخضوع دون اية مسائلة لهذا الواقع واي جهد لتغيره، هل الرؤساء هم فقط من يمنعون التعبير اليست الاسرة تكبل عقول افرادها بقيود المحاذير والعيب فتزرع بها القبول بدون استجواب او مسائلة او اقناع.
اخيرا ليس على العربي اليوم سوى ان يحرر عقله من سطوة الماضي التليد وان يسعى دوما وراء الدليل وان يتجرأ ليوجه اصبع اللوم لنفسه اولا والا يقبل ان يكون ردة فعل مأزومة، وان كان ردة فعل على الاقل ليكن واعيا انه كذلك وليفهم لماذا هو هكذا يحرر نفسه من دائرة لم يكن هو ابدا من رسمها ولكنه رمى نفسه في دوامتها و لم يعد قادرا على الافلات منها فهناك من فعل وكان العربي ردة الفعل.
المصادر: المجموعة الإحصائية السنوية لليونسكو 1999 ص 7-11 وما بعد.
#محمد_نزيه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الوزير يفتتح «المونوريل» بدماء «عمال المطرية»
-
متضامنون مع هدى عبد المنعم.. لا للتدوير
-
نيابة المنصورة تحبس «طفل» و5 من أهالي المطرية
-
اليوم الـ 50 من إضراب ليلى سويف.. و«القومي للمرأة» مغلق بأوا
...
-
الحبس للوزير مش لأهالي الضحايا
-
اشتباكات في جزيرة الوراق.. «لا للتهجير»
-
مؤتمر«أسر الصحفيين المحبوسين» الحبس الاحتياطي عقوبة.. أشرف ع
...
-
رسالة ليلى سويف إلى «أسر الصحفيين المحبوسين» في يومها الـ 51
...
-
العمال يترقبون نتائج جلسة “المفاوضة الجماعية” في وزارة العمل
...
-
أعضاء يساريون في مجلس الشيوخ الأمريكي يفشلون في وقف صفقة بيع
...
المزيد.....
-
ثورة تشرين
/ مظاهر ريسان
-
كراسات شيوعية (إيطاليا،سبتمبر 1920: وإحتلال المصانع) دائرة ل
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي
/ الحزب الشيوعي السوداني
-
كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها
/ تاج السر عثمان
-
غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا
...
/ علي أسعد وطفة
-
يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي
/ محمد دوير
-
احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها
/ فارس كمال نظمي و مازن حاتم
-
أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة-
/ دلير زنكنة
-
ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت
...
/ سعيد العليمى
-
عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة
/ حزب الكادحين
المزيد.....
|