أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ملف فكري وسياسي واجتماعي لمناهضة العنف ضد المرأة - يوسف ابو شريف - قصة لا دينية جدا جدا جدا















المزيد.....

قصة لا دينية جدا جدا جدا


يوسف ابو شريف

الحوار المتمدن-العدد: 4014 - 2013 / 2 / 25 - 03:54
المحور: ملف فكري وسياسي واجتماعي لمناهضة العنف ضد المرأة
    


قبل أن أبدأ حكايتي اليوم أريد تنبيه كل من تسول له نفسه برد حكايتي إلى أصول دينية أولا دينية، أو سيأخذه خياله إلى اكتشاف إسقاطات سياسية أو اجتماعية ، أو سيحاول الاستدلال على نواياي العنصرية الخبيثة التي خبأتها وراء سطوري، أو سيوجه مجسات ذكائه لكشف مخططاتي الاستعمارية، أو ربما سيقذفني بتلميحات جنسية يراها بوضوح في كلماتي، أريد القول لكل هؤلاء بأن يريحوا أنفسهم هذه المرة راحة حقيقية، فموضوعي نظيف من تلك الشوائب نظافة الثوب الأبيض الخارج من إعلان منظف غسيل، ولو لم أكن متأكدا من صدق نواياي لما فكرت بأن ابدأ حكايتي بهذه المقدمة السخيفة التي لم تعجبكم حتما.
ولا أنكر مع هذا بأن من عادتي تذويب النوايا السيئة كالسم في حلو كلامي ، وتضمين مواضيعي تلميحات غير بريئة أرقع لها بكارتها كلما زوجتها لقارئ جديد لسطوري، أو نصب شراك لتلويث أفكار الليبراليين ـ ممن يغازلون سطوري ـ بروحانية دينية، أو تلويث أفكار الدينيين بعقلانية ليبرالية . ولكني هذا اليوم بريء من كل هذه التهم براءة اليهود من دم سيدنا المسيح، وبناءً على هذه البراءة فإني لا أستقبل الاتهامات التي ربما ستكال إلي باخفاء المقاصد، ولا أتحمل مسؤلية تحميل النص مالا يحتمل من تفاسير ما وراء المواضيع، ولن أشارك في أي نقاش قد يذهب بنصي البريء إلى مكان منعته من الذهاب إليه حرصا على أن يهدر براءته فيه.
حكايتي اليوم هي مجرد تنفيس بريء عن قهر خمسة عشر عام قضيتها جارا لأبي عصام، نسيت فيها أن هناك شيء على هذا الوجود إسمه الهدوء والسكينة، وذقت خلالها الأمرّين من جيرته لدرجة أنني فكرت عدة مرات ببيع الدار أو الهجرة من الديار أو حتى الانتحار في رحلتي للبحث عن طريقة تخلصني من ذلك الجار .فلقد أرهق ذلك البغيض صبري، ذلك الصبر الذي كان جميلا فتشوه، و طويلا فتقطع، وهو الوحيد المسؤول عن تآكل هدوء نفسي و كثرة زياراتي إلى الأطباء بلا حدود، أقصد زياراتي اللامحدودة للأطباء النفسيين.
يبدأ جاري صباحه بالعراك مع زوجته، عراك من طرف واحد أول أسبابه زيت الزيتون في صحن الفول الصباحي، الذي يكون ناقصا مرة فيتهمها بالتقصير، وزائدا مرة أخرى فيتهمها بالتبذير. وتمر المعركة بعد ذلك على الجوارب المفقودة أو المثقوبة لينتهي إلى القميص المثني أو الحذاء المغبر. وحتى لو لم تكن كل هذه الأسباب التافهة موجودة لترفع من صوت جاري في تعنيف زوجته ، فإن أبا عصام لا يحتاج إلى الأسباب التافهة، والأعذار الواهية لتعنيف تلك الزوجة الصامتة التي لم أسمع صوتها طوال تلك المدة وأنا جار لها ولو لمرة واحدة لا هجوما مضادا ولا دفاعا ولا حتى بكاءاً .
ويستخدم جاري في معاركه اليومية ضد زوجته أكثر الأسلحة فتكا بكرامة الإنسان، فإذا لم نحسب الشتائم المهينة ، والضرب ذا النتائج الزرقاء والحمراء ، فإن انتقاص الرجل من أنوثتها، على الملأ بطريقته الشائنة المعهودة، أجبرت زوجتي على إضافة صلاة شكر على صلاح الزوج إلى مجموعة صلوات نوافلها اليومية ، وهذه هي الحسنة الوحيدة التي استفدها من جيرتي مع ذلك البغيض طوال تلك الفترة.
لم يكن عراك الرجل مع زوجته أو أسباب ذلك العراك هو الهاجس الذي يؤرقني، فهذه أموره الشخصية وهو حر بها، وإن كانت زوجته قادرة على تحمل ما لا يتحمله غيرها فإن عزائي في المقولة الشعبية الشهيرة (أنا راضي وأبوها راضي وأنت مالك يا قاضي) . أما مشكلتي أنا فهي في وصول تأثير ذلك العراك إلى حجرة نومي وحجرة نوم أطفالي، ليحمل معه بالإضافة إلى الإزعاج الصباحي أقذع العبارات التي أقضي جل وقتي وأنا أنهى أولادي عن التفوه بها أو سماعها أو حتى الاقتراب من الأماكن التي تتداول بها ، ولو استعرضت قائمة التعديات التي يقترفها جاري أبو عصام بحقي وحق الجيران الآخرين في الحياة الهادئة ابتداءً من كب النفايات في أفنيتهم ومرورا على صف السيارة أمام بواباتهم، إلى أن نصل إلى التجسس من خلال نوافذهم والاعتداءات الجسدية على أنوفهم، لأصابكم الملل من حكايتي قبل أن أصل إلى لبها ومضمونها ولانفضضتم من حولي كما تنفض الشظايا من عبوة ناسفة تستهدف عربة همر أصلية.
كنت أجبن من أن أغامر وأقف في وجه جاري أبي عصام في معركة ستكون خاسرة بكل المعايير ، فهو للأسف رجل قوي البنية ثخين الكفين عريض المنكبين، وأنا رجل نحيل يسقط سروالي من على خصري كلما عطست، وهو صاحب لسان سليط يتقن فن ابتداع الشتائم والعبارات القبيحة، وأنا بالكاد أحفظ من الشتائم البذيئة شتيمتين إن إضطرتني الحاجة الملحة لاستخدامهما فإني أحتاج الى جمهور من المشجعين حتى أستطيع التلفظ بإحداها لخجلي .و لكن أهم أسباب عدم التكافؤ بيني وبين ذلك الجار البغيض هو أنه يخدم في سلك الدولة الأمني، بينما أنا موظف بسيط في دائرة وجدت أصلا للتكثير من فرص الفساد في البلاد، وتوسيع رقعة نهب العباد، ولا يحتاج الناس إلى خدماتها إلاّ بالكاد.
تلك هي الأسباب التي كانت تجبرني على التسامح مع جاري وتجاوزاته، وكنت على الرغم من ذلك أدعو الله أن يحسب جبني أمام جاري اللعين صبرا ، وعدم تجرؤي على الرد عليه تسامحا. وكنت أقضي جل وقت فراغي بالصلاة أن يجعل الرب خلاصي قريبا ، وأحلم أحيانا بأن مصيبة ما قد غافلته فغيبته عني أو الهته إن لم تغيبه تماما، ولم أكن أعلم في تلك الأثناء بأن الفرج قريب وأن شر أعمال الشريرين فخ أكبر من أن يفلت منه أصحابه.
ففي يوم تاريخي من أيام حياتي، فيه الشمس ساطعة، والعصافير تغرد على أسلاك الكهرباء، رأيت جاري تجره دورية من رجال الأمن كما تجر الجدي إلى مسلخ، كان يصيح ويرجوهم أن يسمحوا له بلبس قميصه حتى لا يخرج أمام الجيران بتلك الطريقة المهينة، وكنت متأكدا بأنهم لو سمحوا له بذلك فإنه لن يعنف زوجته هذه المرة أو يرفع صوته حتى وإن كان زر القميص مقطوعا. ولكنهم لحسن حظ حقدي أخرجوه إلى سيارة النقل حافي القدمين ولا يرتدي حتى الجورب المثقوب، ـ الذي كان في يوم من الأيام سببا في طيران سنين من أسنان إم عصام من فمهاـ وكأني برجال الأمن قد تلقوا أوامرا بإهانته وليس القبض عليه.
ومع أني لا أحب الشماتة أبدا في الظروف العادية وأخجل من إظهارها على الملأ بهذه الوقاحة إلاّ أن هذه المرة كانت استثنائية، فتجاوزت فيها طبيعتي وتمنيت لو أني استطعت تصوير هذا المشهد التاريخي وتوثيقه كلحظة انتصار القدر لي لولا المحظورات الأمنية المعروفة من حولي .
كان لا بد لي من معرفة ماذا يحدث لجاري، وكنت آمل بأن معرفة المزيد من تفاصيل القصة سيجلب لي المزيد من الأخبار السارة التي ستبرد من مراجل قلبي الحاقد عليه. وبدأ الفضول بنهش أحشائي كالدود لدرجة أن زوجتي خشيت علي من الموت بالجلطة لتدافع الفضول في شراييني ، كما كانت في السابق تخشى علي من الموت بالسكتة من أفعال جاري المشينة. فبحثت معي بهدوء في مؤتمر ليلي عاجل عن أفضل طريقة لتحري الحقيقة، وكان الأمر من الأهمية بالنسبة لها بحيث الغينا باقي النشاطات المهمة التي تكون عادة على رأس جدول أعمالنا في مؤتمرات ليلية مماثلة.
أم سامي !!!!! قفزت من السرير لأقبل زوجتي على الفكرة العبقرية ،
ــ نعم يا عزيزتي أم سامي هي ثرثارة الحي ،صحيح أن الحي مليء بالثرثارين والثرثارات، لكن أم سامي هي المحترفة الوحيدة بينهم، أخبارها مضمونة، وسريعة حتى ولو كانت باهظة الثمن بعض الشيء.
أسرعت زوجتي في اليوم التالي إلى أم سامي ومعها ثمن الأخبار التي نبحث عنها ، قالب من الكعك لا ينقص قطعة ، ووشاح قطني جميل الشكل صيني الصنع، وكنت آمل أن يكونا ثمنا مناسبا لما أبحث عنه من أخبار تهمني
جاءتني الأخبار من وكالة أنباء أم سامي بنفس الطريقة التي تبثها قناتي المفضلة في التلفاز بدايتها من العناوين
ــ أبو عصام تزوج منذ شهرين من زوجة ثانية
ــ زوجته هي أخت لضابط كبير يخدم أبو عصام تحت إمرته
ـ الضابط قبل بأبي عصام ـ المخبرالبسيط ـ زوجا لأخته لأنها قبيحة ، كبيرة السن ، سيئة الأخلاق، ومطلقة مرتين، من طليقين كانا يعملان أيضا تحت إمرة أخيها الضابط.
ــ أبو عصام كان يأمل بزواجه ذاك بالحصول على الترقية الوظيفية ، وأن يشمل بحماية نسيبه الجديد
ــ اكتشف أبو عصام بأن زوجته كانت سليطة اللسان عديمة الشرف وأن كل ترقيات الدنيا لا تستحق أن يخسر شرفه من أفعالها أو كرامته من أقوالها، ثم أراد أن يؤدبها بنفس الطريقة التي كان يؤدب فيها أم عصام
ــ قالت العروس الجديدة للعريس الجديد:ـ ليس كل طير يؤكل لحمه (ولكن بلهجة مصرية طبعا) واتصلت بأخيها الذي اتصل بأصدقائه في مؤسسة (طوارئ المرأة المظلومة المسكينة) ـ
ــ حكم على أبي عصام بالسجن ستة أشهر بتهمة (ضرب أدى إلى البكاء) وفصل من عمله فصلا نهائيا بسبب أسبقيته.
ــ انتهت النشرة
بقيت أم عصام صابرة في انتظار أبي عصام أثناء سجنه، بينما مازالت شهرة أخت الضابط، ـ زوجة أبي عصام الثانية ـ تزداد في المدينة ويقال أن كتاب الأرقام القياسية سيسجلها قريبا كأكثر إمرأة استفادت من مؤسسة (طوارئ المرأة المظلومة المسكينة) في العالم ، وأن لها الفضل في سمعة المؤسسة الطيبة في المجتمع الدولي كمؤسسة ترعى حقوق المسكينات (والمنيلات بستين نيلة) وستحصل على عمولة سخية من مجموع التبرعات العالمية لهذه المؤسسة.
وعاد أبو عصام إلى بيت أم عصام بعد السجن وكأنه إنسان جديد، زوج محب، وأب حنون ، وجار طيب، وذلك بعد أن نخر جسده عض البق، وذاق من إهانات السجن ما جعله يعيد التفكير مليا بأمره.
وعندما سئلت أم عصام عن رأيها بمؤسسة(طوارئ المرأة المظلومة المسكينة) العتيدة قالت:
ـــ من يكون الله حسبه لا يحتاج إلى مؤسسات



#يوسف_ابو_شريف (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ايام الرسائل الورقية 2 لطيفة ونادرة
- كيف تقضي على الإسلام في 5 أيام بدون أوهام
- عمى الوان
- حياة جديدة من رواية طين بلادي رواية لم تنشر بعد
- رائحة ابطي بين المشوي والمحشي
- أيام الرسائل الورقية _ مرزوق وحسان


المزيد.....




- دعم للمرأة الجزائرية.. كيفية التسجيل في منحة المرأة الماكثة ...
- الوكالة الوطنية بالجزائر توضح شروط منحة المرأة الماكثة في ال ...
- -قرن- ينمو في جبين امرأة صينية تبلغ من العمر 107 أعوام
- الوكالة الوطنية للتشغيل 800 د.ج تكشف كيفية التسجيل في منحة ا ...
- طريقة التسجيل في منفعة دخل الأسرة بسلطنة عمان 2024 والشروط ا ...
- تقارير حقوقية تتحدث عن انتحار نساء بعد اغتصابهن في السودان
- أنبــاء عن زيـادة منحة المرأة الماكثة في البيت الى 8000 د.ج! ...
- جنود إسرائيل في ثياب النساء.. ماذا وراء الصور؟
- وباء -الوحدة الذكوري-.. لماذا يشعر الرجال بالعزلة أكثر من ال ...
- مساعدة الرئيس الإيراني: مستعدون للتعاون مع قطر في مجال الأسر ...


المزيد.....

- جدلية الحياة والشهادة في شعر سعيدة المنبهي / الصديق كبوري
- إشكاليّة -الضّرب- بين العقل والنّقل / إيمان كاسي موسى
- العبودية الجديدة للنساء الايزيديات / خالد الخالدي
- العبودية الجديدة للنساء الايزيديات / خالد الخالدي
- الناجيات باجنحة منكسرة / خالد تعلو القائدي
- بارين أيقونة الزيتونBarîn gerdena zeytûnê / ريبر هبون، ومجموعة شاعرات وشعراء
- كلام الناس، وكلام الواقع... أية علاقة؟.. بقلم محمد الحنفي / محمد الحنفي
- ظاهرة التحرش..انتكاك لجسد مصر / فتحى سيد فرج
- المرأة والمتغيرات العصرية الجديدة في منطقتنا العربية ؟ / مريم نجمه
- مناظرة أبي سعد السيرافي النحوي ومتّى بن يونس المنطقي ببغداد ... / محمد الإحسايني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - ملف فكري وسياسي واجتماعي لمناهضة العنف ضد المرأة - يوسف ابو شريف - قصة لا دينية جدا جدا جدا