|
هل تعود الولايات المتحدة إلى عزلتها ؟ - 2-
نجيب الخنيزي
الحوار المتمدن-العدد: 4013 - 2013 / 2 / 24 - 21:50
المحور:
العولمة وتطورات العالم المعاصر
هل تعود الولايات المتحدة إلى عزلتها ؟ " 2" اصبحت الولايات المتحدة زعيمة العالم الغربي بلا منازع إبان الحرب الباردة والمواجهة مع المعسكر الشرقي بزعامة الإتحاد السوفيتي ، و تفيد المعطيات بأن الولايات المتحدة التي امتلكت (بعد إنهاء الحرب العالمية الثانية) منفردة حوالي 50% من ثروة العالم على الرغم من أنها تمثل حوالي 6% فقط من سكانه سعت إلى إحكام قبضتها وسيطرتها العالمية بدءا من أوروبا وانتهاءً بدول العالم الثالث. فعندما وضعت الولايات المتحدة خطة "مارشال" في سنة 1947م لإعادة بناء أوروبا كان الهاجس الرئيس المسيطر عليها هو احتمال وصول الشيوعيين إلى السلطة في العديد من دول أوروبا الغربية في ضوء الخراب والانهيار الاقتصادي في وتوطد مواقع الشيوعيين نتيجة مشاركتهم في المقاومة الشعبية ضد الفاشية، لذا كان الشرط الأول لتنفيذ خطة مارشال هو إخراج الوزراء اليساريين من السلطة، وقد تحقق ذلك بالفعل في مايو 1947م، وأعلن رسمياً عن "مشروع مارشال" في يونيو عام 1947م وظلت هذه السياسة الأمريكية مستمرة فيما بعد على هذا المنوال. وعلى صعيد آخر فإن العلاقة بين الولايات المتحدة ودول أمريكا اللاتينية ومنطقة الكاريبي مرت بمراحل مختلفة من التوتر الذي وصل إلى حد التدخل السافر في الشؤون الداخلية لتلك الدول تجسيداً لمبدأ مونرو سيئ الصيت واتخذ التدخل الأمريكي في شؤون القارة الجنوبية أشكالاً مختلفة سواء عن طريق الغزو أو تدبير الانقلابات العسكرية وتغيير الحكومات المدنية المنتخبة بالقوة أو فرض الحصار والمقاطعة الاقتصادية والسياسية أو دعم حركات التمرد المناهضة في حال تعرض المصالح الأمريكية للخطر أو لدى بروز النزعات والحركات الوطنية والقومية واليسارية ذات الطابع الاستقلالي في تلك البلدان، كما حصل مع جواتيمالا والدومنيكان وكوبا والأرجنتين ونيكاراجوا وهايتي وشيلي والسلفادور وبنما وغرينادا وغيرها من بلدان القارة الأمريكية الجنوبية، وظلت الولايات المتحدة الأمريكية تحتفظ لأمد طويل بعلاقات وثيقة مع الأنظمة الديكتاتورية وجنرالات الجيش والأمن في معظم تلك الدول تحت يافطة التعاون المشترك في مكافحة الخطر اليساري في القارة الأمريكية الجنوبية. الدور الذي مارسته الإدارات الأمريكية المتعاقبة في دعم وإسناد الأنظمة الديكتاتورية والتسلطية تعدى أمريكا اللاتينية ليشمل عملياً بلدان العالم الثالث قاطبة، ففي القارة الآسيوية لم يعد خافياً الدعم الذي قدمته المخابرات المركزية الأمريكية للانقلاب الدموي الذي قاده الجنرال سوهارتو في أندونيسيا والذي ذهب ضحيته مئات الألوف من القتلى والمعتقلين ،إلى جانب دعم الأنظمة الديكتاتورية أنذاك في الفلبين وكوريا الجنوبية وتايلند وفيتنام الجنوبية وباكستان وتركيا ، ولا ننسى مسؤوليتها المباشرة عن الإطاحة بحكومة مصدق المنتخبة في إيران ،ودعمها اللامحدود لنظام الشاه رضا بهلوي الذي نصبته وكيلا لمصالحها في منطقة الخليج ، ولم تتردد في خوض غمار حربين مدمرتين في كوريا وفيتنام منعاً لوحدتهما القومية. والأمر ذاته ينطبق على إفريقيا حيث وقفت الإدارة الأمريكية بكل قوة إلى جانب الأنظمة الديكتاتورية والتسلطية ونظمت ومولت حركات التمرد والمعارضة القبلية المسلحة في الكونغو و أنغولا وموزامبيق وإثيوبيا ، كما ساندت و لأمد طويل نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا على الضد من تطلعات ومصالح ألأغلبية الساحقة من الشعب. وعلى صعيد المنطقة العربية فإنها وقفت بقوة ضد تطلعات الشعوب العربية في الحرية والديمقراطية والاستقلال والسيادة ، ودعمت بلا حدود الغزو والعدوان الإسرائيلي المستمر على العرب ، وما تمارسه من أعمال همجية ومجازر وحشية في الأراضي الفلسطينية. كتب آدم سميث (مفكر ومنظر اقتصادي بريطاني شهير) عام 1776م "أن اكتشاف أمريكا واكتشاف طريق الهند الشرقية عبر رأس الرجاء الصالح هو أعظم وأهم حدثين في تاريخ البشرية ولا تستطيع حكمة البشر أن تتنبأ أية فوائد أو أية مصائب للبشرية ستنتج عن هذين الحدثين العظيمين من الآن فصاعداً". صحيح أن الولايات المتحدة أقدمت على إحداث بعض التعديلات التكتيكية في غضون العقدين الماضيين، ورفعت الدعم والغطاء المباشر عن الأنظمة الديكتاتورية في أمريكا اللاتينية وأسيا وغيرها من مناطق العالم ، نتيجة تطورات الوضع الدولي، الذي يأتي في مقدمته انتهاء الحرب الباردة إثر انهيار المعسكر الاشتراكي وتفكك الاتحاد السوفيتي مما سمح بسقوط وانهيار العديد من تلك الأنظمة ، وتحقيق نوع من الانفراج والانفتاح السياسي إلى الحد المسموح والمقبول به أمريكيا وبما يخدم مصالحها في المقام الأول . وفي هذا الصدد كتب المفكر وعالم الألسنيات الأمريكي نعوم شومسكي "ثمة إذا عاملان جديدان في العلاقات بين الولايات المتحدة والعالم الثالث هي الحاجة لتعديلات تكتيكية وعقائدية والحرية الأوسع في اللجوء إلى القوة بمناعة عن العواقب وذلك جراء انحسار الرادع السوفيتي. ثمة عامل ثالث هو أن التدخل بالقوة ووجود الديكتاتوريات العسكرية ليسا من ضرورة الأمور كما كانا عليه في السابق. ومن أسباب هذا نجاح العنف ضد المنظمات الشعبية والكارثة الاقتصادية المحيطة بالعالم الثالث ، و في مثل هذه الظروف يصبح من الممكن تحمل الحكومات المدنية وأحياناً تحمل حتى الديمقراطية الاجتماعية، الآن وقد تلاشت الآمال بحياة أفضل" . وأضيف هنا أن تفرد الولايات المتحدة بالقيادة والقوة العسكرية والسياسية العالمية فقط لن يؤهلها لكي تلعب وتقرر منفردة مستقبل ومصير العالم لأمد طويل، في ضوء بروز منافسين عالميين أقوياء خصوصاً في الميدان الاقتصادي كالإتحاد الأوربي واليابان والصين و روسيا والهند والبرازيل للحديث صلة
#نجيب_الخنيزي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هل تعود الولايات المتحدة إلى عزلتها ؟
-
اغتيال شكري بلعيد يصعِّد الأزمة السياسية في تونس
-
العوامل المحركة للتغيير في العالم العربي
-
الموازنة السعودية .. ومستلزمات التنمية المستدامة
-
2012 .. أمال عريضة ، وخيبات كبيرة
-
الولايات المتحدة .. - هاوية مالية - أم أزمة بنيوية
-
مصر الجديدة .. المخاض الصعب!
-
تونس / مصر .. للصبر حدود
-
مصر .. معركة الدستور
-
مصر المحروسة .. عند مفترق طرق
-
مصر .. العودة إلى ميدان التحرير
-
الحرب على غزة والردع الفلسطيني
-
قضايا الإصلاح والمجتمع المدني في السعودية : الجزء الثاني وال
...
-
المنتدى الاجتماعي العالمي .. نحو عولمة جديدة
-
قضايا الإصلاح والمجتمع المدني في المملكة العربية السعودية
-
رحيل المناضل الكبير عبد الرحمن البهيجان
-
الوحدة الوطنية .. خط أحمر!
-
-الأصولوية الإسلامية - .. والدولة المدنية
-
الإسلام السياسي .. والربيع العربي
-
8 مارس .. ورهاب المرأة
المزيد.....
-
لثاني مرة خلال 4 سنوات.. مصر تغلظ العقوبات على سرقة الكهرباء
...
-
خلافات تعصف بمحادثات -كوب 29-.. مسودة غامضة وفجوات تمويلية ت
...
-
# اسأل - اطرحوا أسئلتكم على -المستقبل الان-
-
بيستوريوس يمهد الطريق أمام شولتس للترشح لفترة ثانية
-
لندن.. صمت إزاء صواريخ ستورم شادو
-
واشنطن تعرب عن قلقها إزاء إطلاق روسيا صاروخا فرط صوتي ضد أوك
...
-
البنتاغون: واشنطن لم تغير نهجها إزاء نشر الأسلحة النووية بعد
...
-
ماذا نعرف عن الصاروخ الروسي الجديد -أوريشنيك-؟
-
الجزائر: توقيف الكاتب الفرنسي الجزائري بوعلام صنصال
-
المغرب: الحكومة تعلن تفعيل قانون العقوبات البديلة في غضون 5
...
المزيد.....
-
النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف
...
/ زهير الخويلدي
-
قضايا جيوستراتيجية
/ مرزوق الحلالي
-
ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال
...
/ حسين عجيب
-
الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر )
/ حسين عجيب
-
التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي
...
/ محمود الصباغ
-
هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل
/ حسين عجيب
-
الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر
/ أيمن زهري
-
المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع
/ عادل عبدالله
-
الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية
/ زهير الخويلدي
-
ما المقصود بفلسفة الذهن؟
/ زهير الخويلدي
المزيد.....
|