|
صراع الرغبات المكبوتة في نص الكاتبة المبدعة إيمان الدرع (أتغفر الروح..؟)
سالم وريوش الحميد
الحوار المتمدن-العدد: 4013 - 2013 / 2 / 24 - 10:03
المحور:
الادب والفن
هل تغفر الرّوح ؟!
شدّت اللّحاف على أكتافها، لمّا تسلّلتْ إليها برودة الجدران؛ لعلّها تلمّستْ بعض الدفء الهارب فيها من صوته الشجيّ العابق بالرجولة ، عبر أسلاك الهاتف الذي أخفته قربها على الوسادة ، كعذراء تعيش قصّة حبّها الأول . سألها : هل ما زلت ترتجفين برداً ؟ أدارت وجهها بحركة دلالٍ لا شعوريّة ، إلى الجانب الآخر من السرير: لا...أنت معي ..كيف سأشعر ؟ وماذا ترتدين الآن ؟ احمرّ وجهها ؛ كأنه يراها ، وراحت تداعب خصلات شعرها ، متجاوزة الوقوف عند حدّ السؤال. أنتظرك غداً على الهاتف ، في ذات الموعد..لا تتأخّر ..تصبح على حبّي الكبير. : نامي بخير حبيبتي ( وزفر بحرقةٍ قبل أن يطبق سمّاعته )
التفتت بفرح ، بدمٍ يتقافز سعادةً ، والسماعة لا تزال في يدها ، تعيش لحظات عشقٍ ، أورقت رقصاتٍ ذات إيقاعٍ حالمٍ ، بين خلايا نامت طويلاً ، في سُباتٍ شتويّ ممتدّ ٍ ، لزمن ليس كالزمن ، لقسوته وعهر ثوانيه . ثمّ شهقت ، لطمتْ خدّها، توقّفت أنفاسها ، شيء ما ، طلقةٌ ما أتتها مباغتة ، أنهتها ، غيّبتها ، ثمّ أعادتها. خُيّل إليها إطباق سمّاعة أخرى بعد إنهاء المكالمة. : ياويلي ..ياويلي ..أيكون ابني على الجانب الآخر، طرفٌ ثالث ، شاهد وسمع فصول مسرحيّةٍ ، كان هو الوحيد جمهورها..ياإلهي كان نائماً ، تأكدت من ذلك. قالتها ، وقفزت على أطراف أصابعها تنضو لحافها عنها ، وهي ترتجف . وجدت بابه مغلقاً بالمفتاح ، وصوت نشيجٍ مكتومٍ ، يصدر عنه ، إنها أنّاته ، حنجرته التي خالطت دمها ، بواكير رجولته التي تداخلت مع طفولة يزحزحها رويدأً ...رويداً عنه . حاولت أن تنقر الباب ، خانتها أصابعها..وصلت باب غرفتها ، ثمّ عادت إليه . لقد تعوّدت أن تمسح شعره ، وتقبّل جبينه قبل أن تؤوب إلى فراشها ، تغطّيه ، وتستشفّ من عبيره غابات عشقٍ أبديّ ، تُزرع في نبضها .
لم تقوَ على الإصرار في الوقوف عند بابه ، لأوّل مرّة تحسّ بالعجز، تمنّت عليه في هذه اللحظة ، التي كانت بها في أوج ضعفها ، لو يتبادلا الأدوار، فتكون هي الابنة ، وهو الأب الذي يتفهّمها ، يعنّفها ، يقسو ، ويحطّم كلّ أواني الدار ؛ ولكن ليستمع إليها أخيراً. لم تنم..قلّبت الأمور، سارتْ بها بكلّ أطياف الكون ، بجهاته الأربع. تأكلها شفتاها اللتان لم يلامسا جبينه ، وهو من بعض تكوينها ، وأنفها هذا الذي تدغدغه بأنفه تحبّباً ، أحسّت به يأتي إليها بروائح موت ، أصاب قلبيهما معاً وإلى الأبد. عند الصباح كانت تمنّي النفس ، بأن تستفيق على صحوٍ ، يقول أن الذي مرّ ليلة أمس ، كان كابوساً بشعاً ، وأنها لفرط خوفها ، تهيّأت لها أحداث فيلمٍ مرعبٍ ، لم يكن له وجودإلاّ في قوّة الإخراج. صارت ترقب باب غرفته . هاهو يدير المفتاح ، ويخرج منه.هاهو الشحرور يستفيق عند الصباح، بكلّ هذا الجمال، والوداعة والإلفة . حاولت أن تتماسك ، ألاّ تتهوّر بالنظر إلى عينيه ؛ لتترك الدقائق تسير على رسلها. تشاغلت عنه ، والقلب يرقبه بإعداد الإفطار، تخيّلت يديه يحجبان من الخلف عينيها كما كان يفعل، انتظرته ، كثيراً انتظرته . دقائق كالسنين انتظرته ، لكنّه لم يبادرها كعادته بتحيّة الصباح. صفّفت الأطباق على طاولة الطعام ، أتتْ إليه بكأس الحليب . الصمت المطبق ، ثمّ ارتطام درفة الباب بقوّةٍ وراءه وهو يخرج من البيت، أوضحت أنّ الأمر صار حقيقةً. لحقتْ به عبر النافذة ، لمحته وهو يتباعد عن عينيها رويداً...رويداً نحو شارعٍ فرعيّ ٍ آخر، أيقنت أنّ الموت فعلاً أطبق عليها من كلّ جانبٍ ينهش في ثناياها، وأنّ عطباً أصاب السفينة فأغرقها احتبست الدماء في عروقها، جمّدتْ صور جدران بيتها في ناظريها، الابتسامة الباهتة التي تعلو وجه زوجها المتوضّع في برواز فخمٍ ،يكمل أثاث المنزل أناقةً ،جعلها تصرخ فيه وتقول: أنت المسؤول ، قم وابحث معي عن ابنك الذي هام على وجهه . وهاجمتها نوبةٌ عنيفةٌ من البكاء، من الانهيار، من لسعاتٍ كهربيّةٍ تبطئ ضخّ قلبها ، ثمّ ترفعه. نظرت إلى المرآة ، ساءلت نفسها عن تيك التي تراها ؟ شعرها المشوّش ، عيناها المتورّمتان ، وجهها الما عاد له لون..، ساعات فاصلة ، كانت فيها بين الموت والحياة.
كلّ شيء فيها كان يرتعد. هبط ماتبقّى من أوردتها ، وهو يعود من جديد إلى البيت، دخل غرفته ،أقفل بابها ، عذّبها بصمته القاتل،عندما تجاهل تحيّتها ولهفتها بأن تكسر جدران الصمت بينهما. انسحبت إلى عالمٍ يفتّتها بذكرياته القاتلة ، فرحها القديم ، أمنياتها، عشقها لزوجٍ كان يحمل كلّ أمانيها. هذا الفارس الذي كسر زغاريد أنوثةٍ تفتّحتْ على يديه ، لم تعدْ تلتقط أنفاسه إلاّ عبر الهاتف ، حيث يأتيها بصوتٍ يغيب ، ثمّ يعود في أبعد مسافاتٍ تفصله عنها، وقد عشق غربته بحثاً عن قصورٍ يباهي بها أقرانه ، لم تدرِ متى كانت زيارته الأخيرة الخاطفة ، التي زرعت أسلاكاً أقوى بينهما ، كم شدّته إلى أضلاعها كي لا يرحل من جديد..؟؟ أن تستبقيه رجل حياتها الأوحد ، ما ذنبها إذا كان أصمّ ،أعمى ؟ حاولت أن تدفن هذا القلب ، قصّت الورود عنه ، لم تعد تسقيها ، أرادتْ إذبالها، لم تعرف كيف تسرّبت إليها بعض أغراس جديدة..تفتّق الربيع فيها، وتبختر في حناياها ،هازئاً من كلّ احتياطاتها وتدابيرها ، شيئاً فشيئاً كبر هذا العالم البديل في خيالها ، استعاضت عن سني قحطها به ، عبر فيها إلى دروبٍ لم تسلكها ، ولم تستحمّ بينابيعها ، وصفاء قمرها.
لم تكن تقصد الخيانة ، بقدر ما كانت تقصد دواء لروحها التي تماوتتْ قسراً. وكزها شرودها لما عاود ، يفتح باب غرفته ، يطلّ منها حاملاً حقيبة سفرٍ، يهزأ من سطوتها المزعومة ، وهي تشدّ عنه الحقيبة قائلة: هيه أنت ..اسمع..تكلّم ..إلى أين..هيه..إلى أين ؟ بحركةٍ قاسية أبعد يدها كي لا تصيب أوردته التي كانت تنزّ قهراً ووجعاً. تحجّرتْ مآقيه، كأنها قُدّتْ من حجرٍ . يا إلهي ...كيف تحوّل شحرورها إلى هذه القسوة..كيف طاوعه قلبه في لحظة ألمٍ أن يتنكّر لها .. كيف لم يتلهّف لأناملها التي كان يلثمها ، دون مللٍ..؟
أدار ظهره لها قاصداً باب الدار ، شدّته من قميصه قبل أن يخرج مستجمعةً بعض قوّة ما قبل الانطفاء: اسمع ..قبل أن تغادر اسمعني انظر لي .. إني أحبّك ياولدي ، لم أكره بيتي ، لم أكُ في يومٍ بغيّاً ، أنا الأمّ العذراء ياولدي .. أنت تعرفني .
أكملت وهي تمسح دمعها بطرف كمّها: أنت لم تشعر بما أعاني ، كنت لك الأب والأمّ ، كنت جنّتك التي عوّضّتْ كلّ شيء وأكثر...أمّا أنا.. لم أجد من يمسح دمعي، من يدثّرني بعطفه وحنانه ، من يضمّني عند الخوف ، يسارع لنجدتي إن دعوته، كان أبوك غائباً ، وكأن ريحاً قد اقتلعت جذوره من هنا ، لم يملأ بطنه بالدولارات بعد، ولن يمتلئ أبداً. كم قلت له اكتفينا ، عدْ إلينا ،لا نريد أكثر من ذلك ، أنت الأغلى عندنا من كلّ مال الكون ، وكأنّي أعانق السراب ، وكأني أحاور الصخر. كم كنت شاهداً على دموعي ياولدي..كم مسحتها بيديك..كم انفردت بغرفتك التي تتركها الآن للأشباح ..وأنت عاجزٌ عن الحل فيما يتنازعني مدّاً وجذراً.
تهالك على أقرب أريكة ، انفجرت بواكير رجولته الجريحة ، انطلقت حممها: لا تقولي يا ولدي ..انكسر ما بيننا ، لا تقنعيني أن أتجرّع سُمّ الحجرات هانئاً ، لن أغفر لك ما حييتُ. والآن..اذهبي ..اخرجي من قلبي.. وروحي . وهمّ بالوقوف من جديدٍ محاولاً الإمساك بحقيبته ، دفعته بيديها بغضبٍ يتبعه انكسار ، ثمّ ضعفٍ ، ثمّ انهيار . تتهاوى حروفها: إذن اذهب ..اذهب ياسندي.. يا قطعة من فؤادي... كما تحبّ..اتركني أغرق بألمي ، أصارع الحياة وحدي..يارجلي القويّ: أسألت نفسك لمَ كلّ هذا ؟ وأيّ إعصارٍ زلزل كياني حتى طرحني، أكنت ترقب بعينيك كم وردة أشبكتها بشعري المنسدل على كتفي ، ثمّ انتزعتها وهي ذابلة آخر المساء ، وأنا أفتّتها بين أصابعي، لمَ تتجاهل عذاباتي وأنا أدافع عن مركبة بيتي ، وأحميها من الغريب والقريب ، حتى تثلّمت سيوفي ، تعبت ياولدي ، تعبت من أجلك ، تعبت وأنا أرمّم كلّ يومٍ أحجار بيتي الذي ينهار ، وصاحب الأسوار ليس هنا ، يرزم أمواله التي تتنامى ، ولا أدري إن كانت تنام على يديه ألف جميلة غيري . أبوك صار عندي صدى صوتٍ لا وجود له ، أنت تعلم وتكابر ..اذهب ...اذهب دفعته من جديد أمامها ، ودون أن يلتفت ، فتح الباب بنزقٍ وأغلقه وراءه بعنفٍ أصاب منها ، لم تستطع أن تلامس منه بعد خروجه إلاّ طيفه على الباب ، راحت تخبط بقبضتها على درفته بصوتٍ يقطعه البكاء قائلة: وأنا أيضاً لا أريد أن أراك بعد اليوم ، لن أشتاقك ، حسبتك تسمع ، تغفر ، تلتمس لي الأعذار، تقول لي: أنا أعرفك..أنت أمّي الطاهرة التي أحبّها .. ستكذّب أذنيك حتى ولو سمعتا ، لأنّي عند كلّ عشيّة أنام قرب غرفتك ، أحنو عليك ، أشمّ طيبك ، وأهدهد أنفاسك ، اذهب. سحبت يدها عن الباب تنزلها مع جسدها الذي تكوّر خلفه على الأرض وهي تخبط بلاطها: لا ..لا ياولدي عُد لي أحبّك ، لن أطيق البعد عنك ، لا تتأخّر ، سأبقى هنا خلف الباب أنتظرك ، لن أغادر !
جاء المساء ، وكاد ينتصف الليل ، ما عادَ . توجّهتْ إلى غرفتها ، بعثرتْ محتوى أدراج خزانتها ، عثرتْ على شيءٍ ما ، حدّقتْ به بعيونٍ مجمّدةٍ ، وأصابع لم تهتز ، وفي ثوانٍ أحسّتْ أن ّ أوجاعها تتخدّر، أنها تنسلّ عن هذا العالم .أن طيف ابنها عاد إليها ، احتضنته ، خالها أنها تصطحبه معها إلى ذاك الدرب البعيد الذي كانت تقصده ، غابت ، تلاشتْ ، مااستبقتْ في إطباقة جفنيها غيرصورته.. مرّ من الزمن بعضه.. استفاقت فجأة لتجد أمام وجهها عينيه تبتسمان لها ، قال لها : الحمد لله على سلامتك تنحنحتْ بوهنٍ بادٍ ، استحثّتْ ذاكرتها علّها تسعفها في تفسير ما يجري ، أخذ المكان يتوضّح لها شيئاً .. فشيئاً . سريرٌ في المشفى ، ضمن غرفة منفصلةٍ منعزلةٍ ، محاليل إسعافيّة مغروسة في يدها ، أغراضها البسيطة المرميّة على طرف الكرسيّ المقابل لها ، زجاجات دواء، وأكواب عصيرٍ وماء ، وضوء خافت يتسرّب من حائطٍ أخضر. وهمهمات بين طبيب وممرّضة فوق رأسها. أرادتْ أن تتكلّم لم يسعفها لسانها المتخشّب في حلقها ، أسكت فمها بأطراف أصابعه قائلاً: الآن لا كلام ...ارتاحي..وكرّر : الحمد لله على السلامة..
التفت إلى الممرّضة التي كانت تحقنها بإبرةٍ وريديّة ، يعلمها نيته المغادرة قليلاً ، من أجل إحضار بعض المتعلّقات الشخصيّة من المنزل لابدّ منها.
دخل الصالة، وجد آثار نبضها، حتى نبضها يفتح ذراعيه له الآن ، ولج غرفتها ، وجد سجادة صلاة تحضن جلبابها وسبحتها، وعلبة دواءٍ فارغةٍ كادت أن تميت حشاياها ، وعلى مخدّتها وجد بقايا دموعٍ نديّةٍ، وورقةٍ كتب عليها: لا شيء يعادل نار قلبي ياولدي ...أحبك. في كلّ خطوةٍ كان يتهشّم ضلع منه ، وصل إليها ، كانت إبرة المهدّئ قد أخذت مفعولها ، وجدها مغمضة العينين شاحبة الوجه ، مكسورة الجناح، سارع إليها، جلس على طرف السرير يتأمّلها ، أخذ يخنق الشيطان الذي كاد يصيبه بمسّ جنونٍ ويلتهمه.. حتى دحره. هاتفه يرنّ ، أبوه يحادثه بصوته الذي يلعلع كأنه قادم من كوكبٍ آخر بادره السؤال.
أين أنتم ياولدي لقد شغل فكري إذ لا أحد في الدار بهذه الساعة المتأخرة...؟ أجابه ويده تمسح شعر أمه المبتلّ من فرط التعرّق الموهن :لا شيء تسمّم غذائي تعرّضت له أمي إثر تناولها وجبة ملوّثة وقبل أن يقفل الخط متمنيّاً لها الشفاء ، مختصراً متملّصاً كعادته ،من واجب روتينيّ أنهاه على عجل.. عدّل من جلسته وحشر كلّ قهره في صوته المنقول إلى أبيه: أبي ...أبي لا تغادر قبل أن تسمعني ، يجب أن تتصرّف ، أن تحسم الأمر، إمّا العودة ، وإمّا أن نذهب إليك ، أو فلتطلقْ سراح أسيرتك...لا خيار غير ذلك ، أتسمع أبي ؟ كرّر ماقاله مراراً إمعاناً في التأكيد، وأطبق الخطّ دون أن ينتظر الجواب، وهو يرتجف، ولكنه يشعر برجولته الكامنة تتدفّق ، تهدر، تنصف . لمح دموعها تبرق على وجنتيها ، قالت له : اقترب يا حبيب أمك.. لم يتردّدْ، شمّ كفيها، لثمهما، قبّلت جبينه، ودغدغتْ أنفها بأنفه كما كانا يتمازحان... وسؤال يرفرف بينهما : هل تغفر الروح ؟
-
مدخل قرأت لافتة ضوئية في أحد شوارع بغداد كتب عليها (الرفق بالقوارير دستور إنساني ومطلب حضاري ) ، الحقيقة أثارت تلك الكلمات شجوني ، ترى ما الذي أريد بهذا الرفق هل هو عدم ممارسة العنف ضدهن أم ماذا ... وكلمة الرفق هنا جاءت بمعنى الرأفة دون المعاني الأخرى وهي عادة تمارس من المقتدر على الشخص الضعيف فلذا نقول الرفق بالحيوان والرفق بالوالدين عند الكبر ، أن هذا الفهم الخاطيء لحق المرآة بالحياة جاء كعرف اجتماعي وهو حالة انتقاص بقدرات المرأة الكبيرة والطاقات الخلاقة لديها ، لذا جاءت كلمة قوارير لتحجمها وتعطيها هذا الدور المحدود والذي لايتعدى حدود بيتها
صراع الرغبات المكبوتة في نص الكاتبة المبدعة إيمان الدرع
نحن أمام نص رائع ، هو تصوير بارع لحاجات المرأة السياكولوجية والبايلوجية ،وهو انعكاس لواقع مرير تعيشه المرأة في مجتمع لايقدر تلك الحاجات حتى ولو كانت في ظروف غير طبيعية الكاتبة لم تطرح حالة امرأة شاذة أو بغي همها أشباع رغباتها الجنسية الحيوانية ، ولم تطرح دعوة للتمرد على القيم والتقاليد الأجتماعية والدينية ، بل طرحت حالة انسانية واقعية ، وهي حالة يفرزها واقع وحال رغبة الرجل في الهجرة حبا بالمال وتحسين وضعه الاقتصادي أو رغبة في الهروب إلى مباهج الحياة وما رسم في مخيلته من مزايا جمال للطبيعة والعمران وتوفر للجنس قد لايجده في بلده ، ويبقى الدافع الأقتصادي هو الأهم في طموح المهاجر ، لأن بقية الدوافع مرهونة بالأكتفاء المادي لذا جاء النص محملا بكل هذه الأفكار مع سؤال قد يفرض نفسه ( ما ذا عن مشاعر الزوجة ماذا عن حاجتها الجنسية وهي تنتظر زوجها الغائب سنينا طويلة ..؟) النص جاء بتساؤل في العنوان وجاء في الخاتمة ايضا ،هل تغفر الرو ح ....؟ من ذا الذي يغفر ..؟ ، ومن الذي يغفر له ..؟ ، وأي ذنب يستدعي الغفران ..؟ ، أب هائم في ديار الغربة ..! ، امرأة تعيش بين أربعة جدران تحن إلى دفء رجل كان يشاركها يوما سرير أحلامها ...! ، ولد يرى في أمه كيان بلا أحساس ولا شعور عليها أن تظل وفية لذكرى زوج غادرها سنوات طويلة لايمر عليها إلا طيفا ، اوصوتا مسموعا عبر أسلاك التلفون ..! ، أن ماطرحته الأستاذة إيمان حقا يستدعي منا وقفة تامل وتفكر جادة تقودنا إلى تساؤل مشروع ماهي الخيانة تعتبر الخيانة إخلال بعقد مبرم بين اثنين فيه إضرار مادي أو نفسي لأحدهما و دون معرفة الشريك لما أقدم عليه الآخر سواء أكان ذلك في التعامل المادي أو العاطفي وسواء أكانذلك عقدا مبرما أو تعاهدا شفويا أو عرفا اجتماعيا وتندرج تحت هذا الباب الخيانة الزوجية إن علماء الاجتماع أجمعوا على أن الرجل خلافا للمرأة يكون أكثر ميلا للتعددية وللخيانة الزوجية ، في حين المرأة لا تمتلك هذه النزعة وتكاد تتفق الآراء على أن المرأة ميالة إلى اختيار شريكا واحدا كما إن المرأة بطبيعتها ميالة إلى عدم التنوع ، وتنفر من هذا التنوع والتبدل هذاإذا كانت الظروف طبيعية ولكن حين تكون الظروف غير اعتيادية ونحن نعرف أن المرأة كما الرجل لها غرائز يجب أشباعها بشكل طبيعي وبشكل شرعي وقانوني هنا يبرز سؤال مهم هل يمكن للمراة ان تصمد سنوات طويلة وزوجها غائب عنها أمام قوة جارفة من دوافع غرائزها الجنسية ..؟ وهل المرأة قادرة على كبت مشاعرها أمام رجل غير قادر على أشباعها غريزيا ،للحفاظ على حصانتها وصون نفسها من الوقوع في براثن الخيانة ..؟ وفي النص يتجلى مثل هذا الصراع صراع أقطابه الثلاثة أم وابن وزوج ، الأم تعيش حالة من التعويض النفسي لاالجسدي هذا مارسمته لنا الكاتبة لتخفف من وقع الخيانة على انفسنا الرافضة لهذه العلاقة خصوصا إذا جاءت من امرأة متزوجة وأما لولد وهي طبيعة غريزية واكتساب عرفي اجتماعي ، بالمقابل هناك رادع نفسي يرفض مثل هكذا أعمال بالنسبة لامرأة عاشت طويلا وهي تحتفظ بذكريات حلوة عن زوجها الغائب أولهما عاطفة الأمومة التي تجبرها على ألا تمارس شيئا يشوه صورة تلك الأمومة المقدسة لديها وثانيهما إنها زوجة وعليها أن تكون وفية لزوجها وهذا منطق العقل والدين والعرف الاجتماعي ، ولكن هناك دوافع خفية قد تكون أقوى من كل هذه الروادع ، تحركها غريزتها كامرأة لها أحساس وعندها طاقات يجب أن تخرج بالشكل الطبيعي وإلا أن أي ممارسات شاذة ستلحق بها أذى نفسي قد يقودها إلى امراض عضوية ونفسية استبدالية حسب علم النفس البطلة بحاجة إلى رجل يوقظ مشاعر الأنوثة النائمة لديها ، يدفء جدران أربعة لازالت باردة منذ هجرها زوجها أرادت أن تسمع صوت رجل فقط لذا فأنها ما أن سمعت منه كلاما لايتلائم وطببيعتها المحافظة ،كلام راح يتعدى حدود تلك الرغبة لذا جاء تجاوزها للسؤال الذي طرحه والذي أراد منها أخباره بماكانت تلبسه ، أن القاصة ترى في المرأة كيان واحساس وليس مجرد أثاث في بيت تهجره دفء الكلمات وحرارة المشاعر ، لذا فصورت لنا امرأة سوية محبة لزوجها محبة لبيتها وولدها الوحيد ، رافضة لمثل تلك العلاقات الشاذة في نفسها ، نابع ذلك من طبيعتها كامرأة ، يجب الا يتملك مشاعرها وجسدها أكثر من رجل ، لذا بررت تصرفها الذي يلاقي رفضا في داخلها من قبل الضمير لأقناع الأنا من خلال السارد الذي تكلم بلسان حالها محاولا إيجاد تفسيرا منطقيا لما حدث ، لم تكن تقصد الخيانة ، بقدر ما كانت تقصد دواء لروحها التي تماوتتْ قسرا)اً). أما الأبن فقد رسم لأمه صورة مثالية مقدسة لايمكن أن تدنس حتى ولو من خلال مكالمة عابرة مع رجل ما ، الغيرة هي التي حركت مشاعره وولدت لديه الاحباط نتيجة صدمة ماكان يتوقع حدوثها ، تحركه احاسيس مزدوجة إذ يجب أن يكون هو البديل للأب بحمايتها بعد غيابه ، والحفاظ على سمعتها وسمعة أبيه ، أن غريزة الرجولة عنده والتي أيقضتها تلك المكالمة قد هدت كل تلك الصروح من النقاء والعفة التي كان قد بناها لشخص أمه ،وهو بذات الوقت أحساس بعجزه لعدم قدرته على حفظ الأمانة التي تركها أبوه في عنقه وهذا مايعارض رجولته وما يتملكه من حب غريزي لأبيه يشعره بالغيرة على أمه ، هذا الصراع المركب جعله يحاول الهرب لأنه غير قادر على المواجهة ولأن الصدمة كانت قوية ، وفي الجانب الآخر يقف الأب وبعيدا عن كل هذه الصراعات بعيدا عن المعاناة وهو يعيش عالم آخر تتوفر فيه كل حاجات الأشباع الجسدي والتعويض النفسي نراه سادرا في حياته الخاصة التي رسمها لنفسه وتآلف معها ناسيا أن له امرأة تشتاق إلى دفء أنفاسه متجاهلا كل دعواتها بالعودة همه هو جمع المال ليباهي به اقرانه وأصدقائه ، دون مراعاة لمشاعرها أو حاجتها إليه قد يجد مبررا لهذا السفر وهذه الغربة قد يقنع نفسه بما ركنإليه من وهم ( و هو إن الأكتفاء المادي قد يغنيهما عن أي عوز آخر ) ولكن بالنسبة لها يدور في ذهنها سؤال بدا يؤرقها قد تجد فيه مبررا لكل أعمالها ( ايهما اهم عندها المال ام الزوج ) خبرت ذلك الضياع وهذا التداعي في صراعاتها مع ذاتها وجدت ما يبرر لها السير بهذا الطريق الذي ما أردت أن تلجه لولا ذلك الصمم الذي اصاب سمعه بالحاحها والعمى الذي اصاب بصيرته بأن هذا الغياب قد يسلبها القدرة على البقاء وفية له كم شدّته إلى أضلاعها كي لا يرحل من جديد..؟؟ أن تستبقيه رجل حياتها الأوحد ، ما ذنبها إذا كان أصمّ ،أعمى ؟
البطلة تمارس ملهاة للتعويض عن حاجات النفس العاطفية انها لاتشكل حالة خاصة إنها قصة قد تحياها اكثر من امرأة عشق زوجها الغربة وفاضت نفسها اشتياقا له وأمام الرغبات والدوافع الجنسية وممارسة الخيانة تجد جملة من العقبات تقف بطريقها هناك روادع للمرأة تحول دون الخيانة سواء أكانت عاطفية أم جنسية قد تجسدت في تصرفات البطلة وصراعاتها الداخلية ومن خلال دراسة لي عن الخيانة الزوجية رأيت إن هناك عدد من الروادع التي تحول دون أن تمارس المرأة الخيانة 1.الرادع الذاتي يعتبر الرادع الذاتي المتمثل بالضمير والذي يؤدي دور الرقيب على تصرفات الفرد والمحاسب لأنا الشخص من أهم العوامل التي تحد من هذه الظاهرة ، علما أن الرادع الذاتي يأتي تعبيرا عن مجموع الروادع الفاعلة ، ويندرج تحت هذا الباب الحب الذي يربط الرجل والمرأة والذي يعمل كصمام أمان وعامل مساعد للحيلولة دون السقوط في براثن الخيانة وكذلك الأمومة فهي وازع قوي للحيلولة دون ارتكاب لتلك الخيانة 2.الرادع الاجتماعي المجتمع والعائلة على حد سواء يتحملون قسط وافر في التحكم في سلوكيات الأفراد السوية وذلك عبر بث ثقافة عقلانية ونفسية تعمل على النفور من العلاقات المتعددة والتي تبيح الممارسات الجنسية الشاذة والمسماة بالخيانة 3.الرادع الديني يعتبر الرادع الديني هو الأكثر تأثيرا وهو بمثابة الفيصل للامتثال إلى أوامر الله أ ونواهيه وبما إن الله حرم الزنا لذا فالابتعاد عنه تعد من الطاعات المفروض على كل مسلم ومسلمة وإن الإخلال بها يعد من المعاصي 4 الرادع القانوني إن الرادع القانوني ليس بالقوة الفاعلة والقادرة على الحد من ظاهرة الخيانة الزوجية فالقاضي يحكم بروح القانون وليس هناك إي عقوبات رادعة يمكنها أن تكون بمستوى الجرم ، وعادة ما يميل القاضي إلى تسوية القضية بالتراضي إذا ما كان الزوج هو المتهم وعدم إطالة القضية ، ألا بما يضمن الحقوق القانونية والشرعية للزوجة هنا نرى ازدواجية الحكم القانوني والشرعي والعرفي المطبق بحق المرأة دون الرجل فالمرأة يجب أن تظل وفية للزوج طيلة حياتها حتى لوأن الزوج تجاهل حاجاتها النفسية والجسدية حتى لوكان غائبا لسنوات في غربة لامبرر لها فيما لاتتخذ هذه المعايير بحق الزوج (هو رجل يمكنه أن ينشأ من العلاقات مايشاء ماملكت أيمانه دون وازع من ضمير أو عرف أوقانون بل العكس أن الرجل تجده يفاخر بتلك العلاقات مع أصحابه حتى لوكان محبا لزوجه وحتى وإن كانت تعطيه كافة حقوقه ) هذا ما أرادت أن توصله الكاتبة لنا صرخة واعية ومدركة لهذا الأجحاف بحق المرأة يستمر الشحن الدرامي في النص وكانت ماتريده البطلة أن يفهم ابنها أنها لم تشأ خيانة والده ، لكن كل تلك القيود التي تحيط بها وتكبل رغباتها يمكن أن تقد ، قد تفقد السيطرة على قدرتها على الصمود أمام رغباتها وتلك التيارات الجارفة من الطاقات النفسية والجسدية والغير موظفة ، مادام الزوج بعيدا ، أنها تعاني الوحدة والفراغ القاتل ، فما دام الزوج غير آبه لتلك الرغبات فقد تجد لنفسها الدوافع المبررة لفعلها أما ولدها فتجد نفسها عاجزة عن أعطاءه مبررا واحدا لتلك الخيانة كان احساسا بالذنب لأنها قد تفقد أعز شيئا في الكون ولدها قد تفقده في لحظة لاتستطيع أن تلجم غريزتها ، لذا كان عقابا لهاجس فعل قد ترتكبه في لحظة ضعف ولم يكن فعلا حقيقيا لذا أرادت أن تبقي تلك الصورة الناصعة البياض مرسومة لها في عيون أبنها لم ترغب في قتل امومتها في داخله ولم ترغب الكاتبة في قتل صورة المرأة الغفيفة في ذهن المتلقي ، لذا أقدمت على الأنتحار أعطت لنفسها الحق بأن تعاقب نفسها على ذنب لم يكن ذنبها ووجدت الحل لتخلصها من كل عذاباتها هنا يتصاعد النص دراميا بل يتسامى وجدانيا تجدنا متعاطفين مع الأم توقظ في داخلنا سؤال لا أجابة حاضرة في نفوسنا عليه (هو هل للمرأة حق في أن تمارس حقها الإنساني في ظل ظروف غيرطبيعية ) عودة الأبن هو غفران لها لكن هل تغفر هي لروحها هذه النزوة ، ، تفهمه للوضع وقناعته بأن أمه بحاجة لمن يعوضها عن جوعها العاطفي والجسدي قد جعله يعود إليها فلم يعطها حلا مبتذلا بأن يعطيها تلك الحرية بممارسة ماتريد ، لقد وجد مفتاح الحل هو عودة الأب أو إعطائها مفاتيح اطلاق سراحها من هذا السجن الذي طال مكوثها فيه لتجد حياتها مع رجل آخر ولكن هذا التفهم من قبل الأبن هل يقابله قناعة من قبل الأم بفعلها لوكانت تملك مثل تلك القناعة لما أنهت النص بسؤال موجها لنفسها هل تغفر الروح ....؟ رائع جدا ماكتبت ياسيدتي
#سالم_وريوش_الحميد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
فطور بعد صمت .....إلى روح الشهيد شكري بلعيد
-
قراءة في نص خاطرة أنفاس الرمان للكاتبة المبدعة لبنى علي
-
زائر الليل
-
( زائر الليل )
-
رؤية في نص شعري للأديبة التونسية سليمى السرايري / صمت الصلوا
...
-
احتضار
-
احتضار / قصة قصيرة
-
ومضات 2
-
مسرح البانتو مايم
-
يادعاة الحروب ، ياقساة القلوب
-
أدب الطفل
-
الشيوعيون قادرون على أدارة أعقد الملفات
-
غرابيب الطغاة
-
قراءة تحليلية في نص (خروجا على الصف ) لربيع عقب الباب
-
بلون الغضب / إلى روح الشهيد شهاب التميمي
-
حب يحيه صمت القنابل - قصة قصيرة
-
مسرحية (( الحلم ))
-
مخادع مستباحة
-
بغداد تستعد لقمة القمم
-
فارس بني دولار
المزيد.....
-
الكوفية: حكاية قماش نسجت الهوية الفلسطينية منذ الثورة الكبرى
...
-
رحيل الكوميدي المصري عادل الفار بعد صراع مع المرض
-
-ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
-
-قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
-
مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|