|
العلموإعجازيون
سامر حجيجي
الحوار المتمدن-العدد: 4012 - 2013 / 2 / 23 - 22:21
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
في محاولة لإقناع أنفسنا أنا مازلنا على قيد الحياة، نصر على خلط الحابل بالنابل، ولا ضير من بعض الأكاذيب الخادعة مع رشة من العبارات التي تدغدغ الشعور الديني و أخيرا لنصل ربما إلى حقيقة وهمية تلاعب مشاعرنا وهي حقيقة أننا سبقنا الأمم في العلم والاكتشافات العلمية. في كل يوم يتحفنا تجار الإعجاز العلمي بالاكتشافات العلموإعجازية، التي تخلو من أي منطق يمت بصلة إلى المنهجية العلمية في البحث والتوثيق، ولكن ما أصبح مثيرا للاهتمام هو انه رغم الأدلة الدامغة التي تُقدَم على بطلان وعدم منطقية ما يدَّعونه، سواء بقراءة تفسير النصوص الدينية المختلفة من آيات وأحاديث وعدم مطابقتها لما يقدمه العلم والاكتشافات العلمية إلا أن وتيرة هذه الادعاءات تتزايد باضطراد، و ما يثير الاشمئزاز هنا هو مقدار الكذب الذي يمارس سواء من حيث العبث باللغة و ليّ عنق الكلمات أو من حيث الكذب في تقديم "الحقائق العلمية" أو من حيث التضليل الذي يمارس على القراء المسبحين المهللين، حيث يتم تقديم خرافات على أنها حقائق علمية قال العلم فيها قولته الأخيرة، وقد ارتأيت أن أناقش هنا هذه النكتة الإعجازية، واقرأها قراءة المتفحص، هذا، وما ينطبق عليها فانه ينطبق على بقية الخدع المترامية هنا وهناك. إليكم نص الخبر: اكتشف أن أكل التمر أو البلح يولد هالة زرقاء اللون حول جسم الإنسان، حيث وجد أن تلك الهالة الطيفية ذات اللون الأزرق تشكل درعا واقيا وحاجزا مانعا للعديد من الأمواج الكهرومغناطيسية اللامرئية من الجن والحسد والسحر والعين الحاسدة وخلافه .. والجن يصبحون غير قادرين على اختراق هذا الحاجز الذي ولدته الطاقة ......المنبثقة من العناصر الموجودة في التمر، وخاصة عنصر الفسفور الغني بالالكترونات والتي تزيل الشحنات الموجبة التي يحبها الجن ومظهرها الإثارة والتهيج لدى الإنسان .. ومن المعروف أن لمركبات هذا العنصر إشعاعات تألقية فوسفورية تدعم الطيف الأزرق وتمنع اختراق الجن لهذا الحاجز الطيفي في حين أنهم قادرون على اختراق كافة الأطياف والتعامل معها . طبعا من المفترض أن هذا تدعيم علمي للحديث النبوي الذي يقول – وبعيدا عن العنعنة - ( من تصبح بسبع تمرات عجوة لم يضره ذلك اليوم سم ولا سحر)، كالعادة يبدأ الخبر العلموإعجازي بعنوان براق يخطف الأبصار، و كأنه خبر علمي حقيقي، فهناك التمر الذي يمثل موروث ثقافي عربي، ليتم ربطة بـ "الهالة" والتي يتم تفسيرها فيما بعد بالأمواج الكهرومغناطيسية، نسي أو تناسى صاحب الكذبة أن الأمواج الكهرومغناطيسية إما أن تكون مرئية أو غير مرئية وإذا كانت مرئية فان لها لون يميزها فقوله أن الهالة لونها ازرق هذا يعني أنها مرئية و إذا لم تخنّي الذاكرة لم أشاهد شخصا من قبل وقد تلون بالأزرق بعد ما تصبح بسبع تمرات، الأفعال الكبيرة مثل "اكتشف" و "وجد"، من الذي اكتشف؟ في علم الغيب، من الذي وجد؟ في علم الغيب. يقدم المؤلف في هذا الصدد الكثير من الغيبيات على أنها حقائق علمية لا يتجادل فيها اثنين مثل الجن والحسد والسحر والعين الحاسدة وهذا ناتج طبعا عن عدم قدرته على التفريق بين المسلمات الغيبية والحقائق العلمية، وان الفسفور غني بالالكترونات أما بقية العناصر الكيميائية فهي غنية بالأرز واللحمة المفرومة، أما الجن فقد أثبتت الدراسات العلمية وجودة بما لا يقبل الشك وحاز المكتشفون على جائزة نوبل في علم الغيبيات، والحسد والسحر الذي يفني معظم الناس في البحث عن علاج له، ومن سخافة القدر أن هذه الأمراض لا توجد إلا في مجتمعاتنا فلم نسمع مثلا أن أمريكا "عملت عمل" للاتحاد السوفييتي أيام الحرب الباردة مما أدي إلى انهيار الأخيرة، بالإضافة إلى ذلك فان علماء سيكولوجيا الجن اثبتوا أن الجن يحب الشحنات الموجبة ويكره السالبة، لا اعرف حتى ألان موقف الجن من "النيوترينو". حتى لو كانت هذه الأخبار ملفقة من "أعداء الإسلام" فان ذلك يعبر عن ثقافة أصبحت مستشرية في مجتمعات المسلمين، ثقافة التفسير العلموإعجازي للنصوص الدينية و إلصاق صفة الإخبار بالاكتشافات العلمية للنصوص الدينية بدون الحاجة إلى بذل الجهد لنكون نحن أصحاب هذه الاكتشافات فما الحاجة لذلك إذا كان كل شيء موجود لدينا رغم أني لم اسمع عن اكتشاف توصل له المسلمون أنفسهم من النص نفسه، ولكن العكس هو ما يحدث دائما، أن مجرد تناقل هذه التفاهات على صفحات التواصل الاجتماعي بين العامة هو ضرب من التخلف الفكري وانعدام لأدنى مستويات الثقافة والتحضر فكيف إذا كان المهللون لهذه الأخبار هم الطبقة المثقفة أو ذوو التعليم العالي.
#سامر_حجيجي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الثيوقراطية الشعبية
المزيد.....
-
وجهتكم الأولى للترفيه والتعليم للأطفال.. استقبلوا قناة طيور
...
-
بابا الفاتيكان: تعرضت لمحاولة اغتيال في العراق
-
” فرح واغاني طول اليوم ” تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 اس
...
-
قائد الثورة الإسلامية: توهم العدو بانتهاء المقاومة خطأ كامل
...
-
نائب امين عام حركة الجهاد الاسلامي محمد الهندي: هناك تفاؤل ب
...
-
اتصالات أوروبية مع -حكام سوريا الإسلاميين- وقسد تحذر من -هجو
...
-
الرئيس التركي ينعى صاحب -روح الروح- (فيديوهات)
-
صدمة بمواقع التواصل بعد استشهاد صاحب مقولة -روح الروح-
-
بابا الفاتيكان يكشف: تعرضت لمحاولة اغتيال في العراق عام 2021
...
-
كاتدرائية نوتردام في باريس: هل تستعيد زخم السياح بعد انتهاء
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|