|
ثالوث الصراع الثوري: المستبد- الثوار والمتكيفون
حاتم الجوهرى
(Hatem Elgoharey)
الحوار المتمدن-العدد: 4012 - 2013 / 2 / 23 - 04:05
المحور:
الثورات والانتفاضات الجماهيرية
فى كتابى عن نظرية الثورة عند المصريين (المصريون بين التكيف والثورة: بحثا عن نظرية للثورة)، أتحدث عن علاقة ثلاثية أزلية عبر تاريخ المجتمع المصرى، تقوم هذه العلاقة بالأساس على صراع المستبد مع الثوار، وتنافسهما على كسب تأييد عموم الشعب المتكيف، والذى هو رد فعل طبيعي لظروف القهر والتنميط.
بنية الصراع الثلاثي: مصدر قوة المستبد وبنيته التاريخية تقوم على الجهاز "الإداري والأمني"، وما يملكه من سلطة "دمج وتسكين اجتماعي" تعطى من تكيف وتمنع عمن تمرد، حيث تكون أداة صنع التكيف فى مصر باستمرار متمترسة حول ذلك الجهاز "الإداري والأمني"، وما يخلقه من شبكة علاقات ومصالح تنتظم حوله. طبيعة الثوار وبنيتهم التاريخية تقوم على "معامل الرفض القيمى" العالي لمنظومة قيم وأخلاق التكيف التى يفرضها الاستبداد عبر الجهاز "الإداري والأمني"، وتعتمد على قدرة الفرد فى رفض مغريات "الدمج والتسكين" الاجتماعي، وتحمله الخسارة الناتجة عن ذلك وقدرته فى التحايل على الاستبداد وأداته. أما طبيعة عموم الشعب المتكيف، فتقوم على استجابته لآليات المكسب والخسارة التى يستخدمها المستبد من خلال الجهاز "الأمني والإداري"، ومغريات "الدمج والتسكين" والاجتماعي.. بحيث تكون لدى الشعب المصرى المرونة الكافية، للتعايش والتكيف مع أي وضع ومنظومة قيم يفرضها الاحتلال/ الاستبداد عبر التاريخ.
آلية الصراع الثلاثي: ويدور الصراع والجدال بين الأطراف الثلاثة، من خلال صراع أساسي لا يتغير أبدا بين الثوار والاستبداد، حيث يحاول الاستبداد التأكيد على آليات "المكسب والخسارة" لردع عموم الشعب واستعادته لحظيرة التكيف، ويحاول الثوار التحايل والعمل المستمر لجذب تأييد الناس ومشاركتهم فى التمرد والعصيان الجماعي، الصراع يدور بين طرفين حول التأثير فى سلوك طرف ثالث، هذه هى المعادلة التاريخية وآلياتها للصراع بيت التكيف والتمرد فى مصر، وعادة ما يلجأ الاستبداد لمجموعات مصالح ( أيا كانت: عرقية، طائفية، أجنبية، مذهبية، سياسية)، لغلق المسار الاجتماعي أمام الثوار وتشويهم متبعا طرق التشويه المعتادة عبر التاريخ ( الجنس والأخلاق- الدين ومساحاته – السياسية والولاء للجماعة). اقتباس من داخل الكتاب: ثم أقتبس هذا الجزء من داخل الكتاب (الفصل الأول ص 58)، لتوصيف وإلقاء الضوء على هذه العلاقة الأساسية، وأطرها المستمرة حتى الآن فى المجتمع المصرى والتى تحاول كسر وتنميط ثورته، عبر آلياتها التاريخية، ولكن الانتصار سوف يكون للأكثر ثباتا على مبدئه، فى صراع الإرادات بين الاستبداد ومنظومته والثوار ومنظومة قيمهم الأعلى:
عناصر التفاعل والتدافع والصراع فى "المجتمع المتكيف": - "المستبد": المسيطر والمستفيد هو ومن معه من ثقافة الخضوع والتكيف . - "عموم الناس": المتكيفة مع الوضع. - "الثوار": الخاصة التى ترفض منظومة المجتمع المتكيف.
وهذه العناصر المتفاعلة داخل المجتمع المتكيف لها ثلاثة مستويات من التصنيف: - تصنيف: سياسي/سلطوي - تصنيف: قيمي/أخلاقي. - تصنيف: سلوكي/روحي/ ديني/ نفسي .
التصنيف السياسي/السلطوي : - مستبد ( يملك السلطة السياسية ) . - متكيفون ( راضون بالوضع السياسي وخاضعون للسلطة ) . - ثوار ( متمردون على الوضع السياسي ، ورافضون للسلطة ) .
أما التصنيف القيمى الأخلاقي: - مستبد ( قيم إنسانية أقل : فردية – أنانية – طمع – تسلط – تبلد روحى ). - عموم الناس ( قيم إنسانية مائعة : تكيف – تعايش – خضوع – تحايل ). - ثوار ( قيم إنسانية أعلى : جماعية – عدل – حرية – كرامة – سمو روحى ).
ولهم تصنيف من ناحية منبع السلوك الروحي والنفسي والإيماني والديني: - المستبد: سلوك أصيل فاعل يسعى للسيطرة والمنفعة الفردية (روح فاسدة) . - عموم الناس: سلوك رد فعل للواقع المحيط غير أصيل أو مبادر(روح متكيفة) . - الثور: سلوك أصيل وفاعل يسعى للحرية والمنفعة العامة (روح خيرة) .
ومن ناحية "الوزن النسبي العددي" للقوى الثلاثة فى المجتمع : المستبد – المتكيفون – الثوار:
نجد أننا أمام شكل لاسطوانة منتفخة عند المنتصف، ولها طرفان على شكل عنق صغير محدود من أعلى ومن أسفل ، العنق الصغير الذى فى الأعلى يمثل: المستبد، والعنق الصغير الذى فى الأسفل يمثل: الثوار، أما منتصف الإسطوانة فيمثل: المتكيفون، فعادة ما يشغل "جموع الشعب" منتصف تلك الاسطوانة، ويحاول "الثوار" قلب الإسطوانة؛ لتسود فكرة "القيم الإنسانية الأعلى" الجماعية، ويحاول "المستبد" الإبقاء على "منظومة التكيف"، لتسود فكرة "القيم الإنسانية الأقل" الفردية والأنانية التى يستفيد منها هو وحاشيته وبطانته، أيا كان شكلها وتدرجها النفعى.
فالوزن النسبى للصراع الثلاثى بين : المستبد – المتكيفون – الثوار ، يكون كالتالى : - قلة ذات وزن نسبى عددى صغير مستبدة (تسيطر على عنق الإسطوانة الأعلى) - أغلبية متكيفة ذات وزن عددى رئيسى ( تشغل منتصف الإسطوانة ) - قلة ذات وزن نسبى صغير ثائرة ( تسيطر على عنق الإسطوانة الأسفل)
و"الصراع والتدافع" يكون على: قلب "معادلة التكيف" ومنظومتها وقيمها ، لينجح "الثوار" فى جعل السيادة لمنظومة "القيم الإنسانية الأعلى" ومبادئها .
وهذه العلاقة الثلاثية التى يحكمها فكرة الشد والجذب والتدافع والجدل والصراع، هى التى تحدد عبر التاريخ مصير "المجتمعات المتكيفة" فالثوار "أصحاب الإيمان بالقيم الإنسانية الأعلى" يحاربون "المستبد" أو المحتل لبلادهم، ويحاولون كسب تأييد "جموع الشعب" المتكيف إلى جانب ثورتهم ومطالبهم القيمية .. ليكون مجمل تاريخ "المجتمعات المتكيفة" عبارة عن: صراع وجدل ثلاثى بين: "مستبد" و"ثوار" و "جموع شعبية". المستبد يسعى لثبات الوضع والإبقاء على "منظومة قيم التكيف" ، "الثوار" يسعون للتمرد ولفكرة "الثورة القيمية" التى تقوم على العدل ، و"جموع الناس" المتكيفة تقف فى المنتصف بين هذا وذاك وتتعايش مع الوضع القائم ..
وغالبا ما تتشكل "طليعة" ونخبة تلك "الثورات القيمية" من مجموعات من "المؤمنين بالقيم الإنسانية الأعلى" الذين يرفضون عملية "الدمج والتسكين" الاجتماعى والاقتصادى، التى يسيطر عليها المستبد/ المحتل لأسباب قيمية فقط رغم إتاحتها أمامهم، لذا فتلك الطليعة الثورية القيمية تكون على درجة من: الوعى والمعرفة والثقافة والإيمان واليقين الشخصى؛ بما يمكنها من رفض مغريات "الدمج والتسكين الاجتماعى" ومكتسباته فى المجتمع المتكيف (داخل منظومته الاقتصادية /الاجتماعية وفئاتها وطوائفها وطبقاتها المتعددة)؛ ويشاركهم فى الحركة بشكل "تدرجى متصاعد" كل من كان معامل "الرفض القيمى" عنده مرتفع من "المندمجين والمسكنين" فى منظومة المجتمع المتكيف، ويكون هدف هذه الطليعة ومن شاركها: هو رفض منظومة "قيم التكيف"، والسعى لبناء مجتمع "القيم المقاومة"، وحالة "المجتمع الفعال" الثورى، التى ترفض مكتسبات ومغريات ورشاوى "الدمج والتسكين" الاجتماعى فى مجتمع التكيف والخضوع ..
وإذا كان هناك من شرط لتشكل تلك "الطليعة" للثورة القيمية واستمرارها؛ فسيكون:
"معامل الرفض القيمى" لمنظومة قيم "التكيف"، والقدرة على خلق الظرف التاريخى، أو وجوده الذى يؤدى لـ "تجمع كتلة حرجة" لتلك الطليعة القيمية، وعادة ما ستكون "رأس الطليعة" القيمية إما: خارج إطار منظومة الدمج والتسكين الاجتماعى/الإقتصادى للمجتمع المتكيف ومنظومته، وخارج طوائفه وفئاته وطبقاته المتكيفة مع حالة الاستبداد/الاحتلال ، أو: إن كان بعض من رجالها قادمون من داخل منظومة "الدمج والتسكين الاجتماعى" فلابد أن يتوفر فيهم: القدرة على التخلص المؤقت أو الدائم، من ضغط: منظومة التكيف، وسلطة: جهاز الدولة "الإدارى والأمنى" لأسباب ذاتية أو موضوعية قد تتوفر لهم .
وتلك الطليعة الثورية للثورات القيمية بمجموعاتها العاملة المتعددة، سوف تكون "المعضلة الثورية" الرئيسية أمامهم، هى: الانتقال من مرحلة العمل الثورى إلى مرحلة تقديم "البديل السياسى" الذى لابد أن يسيطر على السلطة التنفيذية فى البلاد، فتلك المرحلة التى تتعلق بالانتقال من العمل الثورى للعمل السياسى المنظم أخطر كثيرا من ذى قبلها، لأنها ستحتاج لخبرات جديدة فى ظل الصراع مع القوى المتكيفة المصادة للثورة، وربما الأجدر والأذكى أن يكون التشكل النهائى لذلك البديل السياسى المنظم، فى المرحلة الأخيرة من الثورة، بعدما يكون الصراع مع القوى المتكيفة المضادة (النظام القديم والمتعاونون معه سياسيا)، قد وصل لمدى يسمح بذلك .
إنما تكمن إشكالية الصراع التاريخى داخل المجتمعات المتكيفة فى: العثور على آلية تمكن "جموع الناس" الأكثرية المتكيفة، من مشاركة "الثوار" الأقلية المتمردة، فى إيمانهم بالثورة القيمية وكسر "منظومة التكيف" والثورة على "المستبد" أو "المحتل" .. - "حالة تحررية ": آلية لتمكين الناس من المشاركة فى التمرد . - "ثورة قيمية": تقوم على مطالب عادلة وقيم إنسانية أعلى . - "مجتمع فعال": يدافع عن قيمه ويعطى الفرصة لأفضل عناصره بشكل مستمر ومتجدد .
فالخلاصة: أن المطلوب لكسر إطار "الطبيعة التاريخية" للشعوب التى تحكمها "فلسفة التكيف"، يكمن فى آلية أو فكرة أو "نظرية للثورة" تنطلق من طبيعة المجتمع المتكيف ومنظومته، وتسعى للوصول به لحالة تحرر (حالة تحررية) من سلوكيات التكيف، تسعى لفرض منظومة قيم جديدة (ثورة قيمية )، يكون الهدف منها هو الوصول لحالة "المجتمع الفعال"، الذى جوهره هو: القدرة على الدفاع عن قيمه التى كسرت حالة التكيف.
#حاتم_الجوهرى (هاشتاغ)
Hatem_Elgoharey#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
جدلية الانسحاق والصمود فى أدب التسعينيات
-
الثورة وصراع الأنماط البشرية: التصعيد والإزاحة
-
انتصار الثورة القيمية ومجموعات المصالح
-
حكايات غريب الثورة: عصام
-
الدافع السياسي لأحداث بورسعيد الأولى والثانية
-
الطريق إلى الاتحادية: دماء الثوار ومليشيا الوهم
-
من ديوان: الطازجون مهما حدث
-
طرق مطاردة الذات فى قصيدة النثر المصرية
-
25يناير2013 : سجال الأطراف الأربعة
-
-الحوار المتمدن- و-أنا علماني-
-
ذكروهم: التجمع الصهيونى فى فلسطين ومنظومة قيم - الطفرة - (mu
...
-
فى استراتيجية الثورة: الفرصة والفرصة المضادة
-
الثورة وإرث العلمانية والدين
-
الثورة والأيديولوجيا الشعبية والوعي الانتقائي
-
المسارين الثوري والسياسي: بين التكيف والتمرد
-
-محمد محمود- الماضى والمستقبل
-
الفلسطينى بين: الأيديولوجيا والتاريخ.. حين يكون الموقف مأزقا
...
-
كيف يكون الشعر إنسانيا فى المساحة السياسية!
-
اليسار: المصري، والفلسطيني، والصهيوني و خرافة -الاحتلال التق
...
-
-الصهيونية الماركسية-وجذور: المرحلية والنسبية، فى الفكر الصه
...
المزيد.....
-
الوزير يفتتح «المونوريل» بدماء «عمال المطرية»
-
متضامنون مع هدى عبد المنعم.. لا للتدوير
-
نيابة المنصورة تحبس «طفل» و5 من أهالي المطرية
-
اليوم الـ 50 من إضراب ليلى سويف.. و«القومي للمرأة» مغلق بأوا
...
-
الحبس للوزير مش لأهالي الضحايا
-
اشتباكات في جزيرة الوراق.. «لا للتهجير»
-
مؤتمر«أسر الصحفيين المحبوسين» الحبس الاحتياطي عقوبة.. أشرف ع
...
-
رسالة ليلى سويف إلى «أسر الصحفيين المحبوسين» في يومها الـ 51
...
-
العمال يترقبون نتائج جلسة “المفاوضة الجماعية” في وزارة العمل
...
-
أعضاء يساريون في مجلس الشيوخ الأمريكي يفشلون في وقف صفقة بيع
...
المزيد.....
-
ثورة تشرين
/ مظاهر ريسان
-
كراسات شيوعية (إيطاليا،سبتمبر 1920: وإحتلال المصانع) دائرة ل
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي
/ الحزب الشيوعي السوداني
-
كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها
/ تاج السر عثمان
-
غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا
...
/ علي أسعد وطفة
-
يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي
/ محمد دوير
-
احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها
/ فارس كمال نظمي و مازن حاتم
-
أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة-
/ دلير زنكنة
-
ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت
...
/ سعيد العليمى
-
عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة
/ حزب الكادحين
المزيد.....
|