أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رانية ع. حداد - التوظيف | الإنسانية المهدورة على عتبة الرأسمالية














المزيد.....

التوظيف | الإنسانية المهدورة على عتبة الرأسمالية


رانية ع. حداد

الحوار المتمدن-العدد: 4010 - 2013 / 2 / 21 - 09:51
المحور: الادب والفن
    


أجساد مشبعة بصمت ثقيل... وهو مرثيتها في عالم لا ينثني عن تأكيد اتجاه بوصلته نحو المادة، فهي ألفه وياؤه، شغفه وألمه.
قاسٍ ومعذب كل هذا الغياب لملامح الحياة في قسمات شخصيات فيلم التحريك الارجنتيني القصير “التوظيف” من إخراج سانتياغو جراسو، قاسٍ لأن الأجساد غدت بلا روح مجرد شيء، بلا اسم ولا معنى، شخصيات فقدت هويتها الإنسانية وأمست تتساوى مع الجماد في وظيفته.

“التوظيف” من زمرة الأفلام التي تندرج تحت أفلام السهل الممتنع، فعبر خمس دقائق فقط يقدم سانتياغو فكرته على نحو مختزل ومكثف وبليغ، بأسلوب سينمائي محكم، إذ تجتمع مفردات اللغة السينمائية لتعمق الفكرة والإحساس بفداحة الخراب الذي خلفه النظام الرأسمالي، ونخر عميقا في الإنسان فأفقده إحساسه وكرامته.

يتتبع الفيلم مسار حياة رجل -وهو الشخصية الرئيسية في الفيلم – من لحظة استيقاظه من النوم، مرورا باستعداده للذهاب إلى العمل، انتهاء بوصوله مكان عمله واستلامه وظيفته، ماذا يمكن أن يلفت في هذه الرحلة الروتينية اليومية التي نمارسها جميعا، ما الخبرة الجديدة التي يمكن أن نكتشفها؟

يدق المنبه، يستيقظ الرجل، يوقد الضوء، يحلق، يحتسي القهوة، يتناول سترته، ويغادر الشقة، ثم يؤشر لسائق التاكسي، يقفان عند اشارة المرور، ثم يدخل بوابة مقر العمل، يضع أغراضه في الخزانة الخاصة به، ثم يذهب إلى الحيز الخاص بالوظيفة التي يشغلها، إلى هنا ينتهي الفيلم، لكنه بالتأكيد لن ينتهي تأثيره وحضوره في ذاكرتنا، ثمة دهشة وألم يخلفها، ونحن نشهد كيف تحول الإنسان الى جسد بلا روح الى شيء، تحول الى لمبة، شماعة، طاولة، كرسي، حامل للمرآة، تكسي، او حتى إشارة مرور… فقد اصبحت هذه هي وظيفته في المجتمع الرأسمالي الذي يشيئ الإنسان، وهناك مفردات سينمائية تعزز هذا الشعور، فجميع شخصيات الفيلم الرئيسية والثانوية مجهولة بلا اسم، لان هويتها الانسانية تلاشت لتتماهى مع هوية الجماد، كما يختفي نبض الحياة عن تعابير وجوهها، رمشة العين هي فقط ما يشعرنا بانها لا زالت تتنفس، وعندما يتحرك الرجل فيتحرك في فضاء فقد ألوانه الزاهية، والأكثر من هذا إن لون بشرته وملابسه ليس إلا إمتدادا لألوان الجدران والبيئة المحيطة،وإذ يغيب الحوار بين الشخصيات فيطغى الصمت، لأن التواصل هي سمة بشرية فقدتها تلك الأجساد التي تبدو كتماثيل طوع بنان مُلاّكها، ليس إلا صوت الأشياء وصوت الالة يعلو؛ المنبه، المصعد…

بدت شخصية الرجل –الشخصية الرئيسية- منذ بداية الفيلم وكأنها شخصية مسيطرة تدور الاشياء في فلكها، فتتحول الاجساد الى طاولة وكرسي وشماعة في خدمتها، لنكتشف في نهاية الفيلم مفاجأة تغيير الامور، وتعمق احساسنا بالالم، اذ انه حتى في التشيئ هناك تدرج هرمي.

يختار سانتياغو لقطاته بعناية دون اسراف، يحتفظ من خلال احجامها بمسافة عن شخصياته، اذ ان اللقطات القريبة توظف غالبا في اظهار المشاعر، لكن والحال هنا ان الشخصيات فقدت انسانيتها ومعها الاحساس، لذلك كان لا بد ان يُغلّب اللقطات العامة والمتوسطة، الا في استثناءات منها لقطة البداية التي وظفت لاظهار المفارقة، فهي عبارة عن لقطة كبيرة جدا لوجه يبتسم، ما تلبث الكاميرا بالابتعاد تدريجيا، ليتضح ان الوجه ليس الا ارضية تزين خلفية الساعة، وللمفارقة ان هذا الوجه المرسوم هو الوحيد في الفيلم الذي يمتلك انفعالاً وقدرة على الابتسام، وكأن الانسانية حلم مهدور، ولا يمكن استعادته الا عبر الخيال والرسومات.

الفيلم التحريك القصير “التوظيف”



#رانية_ع._حداد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التوظيف/ الانسانية المهدورة على عتبة الراسمالية


المزيد.....




- -البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
- مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
- أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش ...
- الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة ...
- المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
- بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
- من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي ...
- مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب ...
- بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
- تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا ...


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رانية ع. حداد - التوظيف | الإنسانية المهدورة على عتبة الرأسمالية