أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - قطع رأس أبي العلاء














المزيد.....

قطع رأس أبي العلاء


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 4009 - 2013 / 2 / 20 - 18:49
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


تتجه أقوى الشبهات إلى أن رأس التمثال النصفي لأبي العلاء المعري في معرة النعمان، مسقط رأسه ومثواه، قد قطع من قبل مجموعة سلفية، ربما تكون "جبهة النصرة". إن صح ذلك، ولا يبدو أن هناك رواية تنفيه، فإننا حيال حالة كلاسيكية لقتل مفكر حر لأسباب دينية، لا تختلف في شيء عن قتل الحلاج في بغداد العباسية، والسهروردي في حلب أيام صلاح الدين، أو قتل جيواردنو برونو وكثيرين غيره على يد محاكم التفتيش في أوربا مطلع "عصر النهضة". لا يغير من الأمر أن "رهين المحبسين" رحل قبل ألف عام. بل لعله يزيده سوءا، ويضفي عليه طابعا رمزيا وعاما، يفيض كثيرا عن شخص فيلسوف المعرّة. قطع رأس تمثال أبي العلاء اليوم هو معادل رمزي لقطع رأس الفكر الحر والمفكرين الأحرار في مجتمعنا الذي يجري فيه صراع مركب، تفجر أصلا للتحرر من طغيان قاطع للرؤوس.
يخطئ كثيرا من يقولون، تخفيفا: كيف تنشغلون بقطع رأس تمثال بينما يجري قتل بشر أحياء، منهم أطفال، كل يوم؟ حين لا يكون مقصد السؤال تبرير التمثيل بتمثال المعري، فإنه ضيق الأفق وبليد. فحين يرسم كاريكايتري دانمركي رسما لنبي الإسلام، وقد جعل رأسه قنبلة موقوتة، فإنه يمارس قطع رأس رمزي للمسلمين عموما، ويُخفِّض من مرتبتهم الإنسانية، ويجعل الاعتداء عليهم أمرا قليل الأهمية، إن لم يكن بالشيء المرحب به. ومثل ذلك حين يحرق قس أميركي موتور القرآن. إنه يُعرّي المسلمين من ارتباطهم بالمقدس، ومن معنى لحياتهم يعزّ عليهم كثيرا.
وعندما يجري قصف مسجد، فإن الرسالة التي تصل إلى عموم المسلمين تقول إنه لا حماية رمزية أو أخلاقية لهم من أي نوع، أن حياتهم مجردة من كل قيمة. لقد عني قصف المساجد على يد النظام الأسدي أنه لا يعترف بأية حرمة للثائرين عليه، مؤمنين أو غير مؤمنين، ولا يقر لهم بأدنى حصانة، وأنه يعتزم قتلهم حيثما تمكن منهم. وحين كان المحتل الفرنسي يتوقف عند أبواب المساجد التي يلجأ إليها ثائرون سوريون مطاردون من قبل قواته، كان يعني ذلك أن له حدودا يقف عندها، أن صراعه مع السوريين ليس صراعا مطلقا، ليس حرب إبادة.
وحين أخذ الثائرون يحرقون صور حافظ وبشار الأسد، ويدمرون تماثيل الأب، كانوا يعبرون عن جذرية قطيعتهم مع النظام ويعلنون العزم على الإطاحة به واجتثاثه من جذوره. وهو ما فهمه النظام جيدا. وكان التعامل باستهانة مع صور حافظ موردا للمهالك في أيامه.
وهذا كله صحيح أيضا حين يمارس مسلمون أفعالا مشابهة، كأن يحرقون كتب مفكر حر على ما جرى لأعمال ابن رشد الذي غاب قبل أكثر من 8 قرون. فلم يكن أبو الوليد وحده من كان معنيا بذلك، بل كل مفكر حر في ديار الإسلام. ومثل ذلك حين يدمر مسلمون تماثيل هندوسية على ما فعل متعصبو طالبان في مطلع هذا القرن. هذا يعني أنهم لا يكنون أي احترام للهندوس ورموزهم، ولا يقيمون وزنا لحياتهم، فوق أنه علامة على ذوق فظ. وما استنتجه الأميركيون من تدمير مركز التجارة العالمي عام 2001 هو أن المعتدين لا يقرون لهم بحرمة أو كرامة، وأن قتل 3000 منهم، وتدمير مبنيين لهما قيمة رمزية عندهم، وبطائراتهم المدنية أيضا، هو إعلان صريح عن الرغبة في قتل الأميركيين جميعا.
قطع رأس أبي العلاء، بالمثل، هو معادل رمزي لقطع أية رؤوس حرة أو تفكر تفكيرا غير نمطي، وهو إعلان عداء لسلالة فيلسوف المعرة المعاصرة، لمجايلي قاطعي رأس تمثاله، جيلنا نحن الأحياء. الأحرار منا.
وبالدفاع عن رأس تمثال أبي العلاء إنما ندافع عن رؤوسنا نحن.
لأبي العلاء رأي مكثف نافذ في المذاهب وأصحابها. يقول:
إنما هذه المذاهب أسباب/ لجلب الدنيا إلى الرؤساء
طاقة "المذاهب" على "جلب الدنيا إلى الرؤساء" أكبر كلما كانت أكثر تشددا وامتلاء باليقين. والترؤس وقطع الرؤوس قرينان، بخاصة قطع تلك الرؤوس التي لا تقر بالمذاهب والرؤساء. ومنها رأس أبي العلاء ذاته.
لذلك فإن الدفاع عن رؤوس الأحياء يمر عبر مقاومة الترأس ونقد اليقين. اليقين يقتل ما في الرؤوس، ويسهل أمر قطع الرؤوس ذاتها.
كان أبو العلاء يقول: أمّا اليَقين فلا يَقـــين وإنّمَا/ أقصَى اجتهادي أن أظُنَ وأحدِسَا.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عن الانتقال الديمقراطي والثورة الديمقراطية...
- ثورة أكثر، سياسة أكثر
- سورية الفلسطينية... -النظام- الإسرائيلي
- ... ولكن أين هو -الحل السياسي-؟
- هل هناك عرب في سورية؟
- تحطيم متعدد الأشكال للمجتمع السوري
- اقتراح معاذ الخطيب: خطأ إجرائي وصح سياسي!
- ما هي مشكلتنا مع -جبهة النصرة-؟
- المرحلة الأخطر في الثورة السورية
- الأسد أو لا أحد/ الأسد أو نحرق البلد: نظام العدمية السياسية
- المراقب المثالي والصراع السوري
- المنسى السوري... المنساة السورية
- في شأن -جبهة النصرة- والسياسة الملائمة حيالها
- ليس لدى -السيد الرئيس- من يشاركه!
- قبول -الحل الإبراهيمي-، وليس رفضه، هو ما يؤدي إلى -الصوملة-؟
- الثورة، الإسلام، وامتلاك السياسة: في نقد -التيار المدني- وال ...
- تحولات صورة الأميركيين أثناء الثورة السورية
- خوارج الثورة السورية و-خوارجها-
- ثلاث قوى منظمة و...ثورة
- تكوين سورية وتاريخها و...الثورة


المزيد.....




- -لقاء يرمز لالتزام إسبانيا تجاه فلسطين-.. أول اجتماع حكومي د ...
- كيف أصبحت موزة فناً يُباع بالملايين
- بيسكوف: لم نبلغ واشنطن مسبقا بإطلاق صاروخ أوريشنيك لكن كان ه ...
- هل ينجو نتنياهو وغالانت من الاعتقال؟
- أوليانوف يدعو الوكالة الدولية للطاقة الذرية للتحقق من امتثال ...
- السيسي يجتمع بقيادات الجيش المصري ويوجه عدة رسائل: لا تغتروا ...
- -يوم عنيف-.. 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية على ...
- نتنياهو: لن أعترف بقرار محكمة لاهاي ضدي
- مساعدة بايدن: الرعب يدب في أمريكا!
- نتانياهو: كيف سينجو من العدالة؟


المزيد.....

- المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية / ياسين الحاج صالح
- قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي / رائد قاسم
- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - قطع رأس أبي العلاء