أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - حسن عجمي - السوبر تاريخانية : صراع التواريخ الممكنة















المزيد.....

السوبر تاريخانية : صراع التواريخ الممكنة


حسن عجمي

الحوار المتمدن-العدد: 4009 - 2013 / 2 / 20 - 13:59
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    


سيطرت التاريخانية على التفكير البشري و سجنته في تحليل مُحدَّد للتاريخ. لكن من الممكن التحرر من التاريخانية و تقديم فكرة ممكنة ألا و هي السوبر تاريخانية التي مفادها أن للتاريخ ذاته تواريخ ممكنة عديدة و مختلفة , و رغم صراع هذه التواريخ الممكنة كلها تواريخ متحققة بالفعل في التاريخ البشري نفسه.

من الممكن تعريف التاريخانية على أنها تقول بوجود قوانين حتمية تحكم التاريخ فيغدو التاريخ في بعض نماذج التاريخانية مالكاً لهدف أو أهداف معينة. لذا تدرس التاريخانية الظواهر الإنسانية و الاجتماعية و الاقتصادية إلخ من خلال السياقات التي تظهر فيها تلك الظواهر فتفرض عليها معان ٍ و دلالات فيصبح التاريخ ذا معنى و دلالة. و بما أن التاريخانية تقول بوجود قوانين حتمية حاكمة للتاريخ , إذن بالنسبة إلى التاريخانية ثمة تاريخ واحد مُحدَّد. لكن السوبر تاريخانية تؤكد على أن التاريخ غير مُحدَّد , و بذلك توجد تواريخ عدة و متنوعة ضمن التاريخ البشري و الوجودي ذاته. هكذا تختلف السوبر تاريخانية عن التاريخانية. بالنسبة إلى التاريخانية, يوجد تاريخ واحد له ماهية مُحدَّدة بينما بالنسبة إلى السوبر تاريخانية ثمة تواريخ عديدة و مختلفة و بذلك يمسي التاريخ مالكاً لماهيات عدة و متنوعة. للتاريخانية قراءة واحدة للتاريخ بينما للسوبر تاريخانية قراءات عدة للتاريخ البشري. على هذا الأساس , للسوبر تاريخانية فضيلة أساسية ألا و هي أنها تحررنا من تحليل و تفسير الظواهر التاريخية من خلال نموذج فكري واحد و مُحدَّد سلفاً , و بذلك لا تسجننا في مذهب عقائدي معين. لكن التاريخانية تسجننا في عقيدة مُحدَّدة لأنها تقرأ التاريخ على ضوء نموذج فكري مُحدَّد. من هنا , تنتصر السوبر تاريخانية على التاريخانية. و بما أن بالنسبة إلى السوبر تاريخانية التاريخ نفسه يتكوّن من كل التواريخ الممكنة العديدة إن لم يكن يتكوّن من تواريخ لامتناهية في العدد , إذن تدفعنا السوبر تاريخانية نحو البحث الدائم عن التواريخ الكامنة في التاريخ البشري ذاته فتدعونا باستمرار إلى بناء نماذج و نظريات فكرية مختلفة حول التاريخ نفسه. و بذلك تضمن السوبر تاريخانية استمرارية البحث المعرفي. و هذه فضيلة معرفية كبرى للسوبر تاريخانية. لكن بما أن التاريخانية تصر على وجود تاريخ واحد كامن في التاريخ البشري , فهي بذلك توقِف استمرارية البحث المعرفي و العلمي حول ماهية التاريخ و كيفية تفسيره من خلال طرح نموذج فكري واحد و مُحدَّد قادر على تحليل و تفسير التاريخ. من هنا أيضاً , تنتصر السوبر تاريخانية على التاريخانية.

اختلف الفلاسفة و العلماء حول ماهية التاريخ فمنهم مَن رأى أن التاريخ تاريخ مادي محكوم بعوامل مادية كالاقتصاد بينما رأى آخرون أن التاريخ تاريخ عقلي محكوم بالعقل و تجلياته. لكن السوبر تاريخانية توحِّد بين التاريخ المادي و التاريخ العقلي من خلال تأكيدها على أن كل التواريخ الممكنة متحققة فعلا ً في التاريخ البشري نفسه. فالتاريخ المادي من الممكن قراءته قراءة عقلية كما أن التاريخ العقلي من الممكن قراءته قراءة مادية. فمثلا ً , نشوء التكنولوجيات المادية المعاصرة و تطورها نتيجة نشوء النظريات العلمية و تطورها علماً بأن التكنولوجيات مبنية على ضوء النظريات العلمية. هكذا التاريخ تاريخ عقلي. لكن في الوقت نفسه التكنولوجيات المادية تدفع إلى بناء نظريات علمية جديدة و بفضلها نحكم على النظريات العلمية أيضاً لأن التكنولوجيات المادية تمكننا من اختبار الواقع و النظريات على ضوء التجارب التكنولوجية الحديثة فتجعلنا قادرين على الحكم على مدى مصداقية نظرياتنا العلمية و تمكننا من التفكير بنظريات علمية جديدة على أساس ما نختبر في الواقع من خلال التكنولوجيا المادية. هكذا التاريخ تاريخ مادي أيضاً. من هنا , كل التواريخ الممكنة المتنوعة متحققة في تاريخنا البشري تماماً كما تقول السوبر تاريخانية. بالإضافة إلى ذلك , تنقسم نظريات التاريخ إلى نظريتين أساسيتين هما : أولا ً إن التاريخ تاريخ حتمي محكوم بقوانين حتمية , و ثانياً إن التاريخ ليس حتمياً و هو غير محكوم بقوانين حتمية. لكن بالنسبة إلى السوبر تاريخانية , التاريخ الحتمي كما التاريخ اللاحتمي متحققان معاً في تاريخنا البشري نفسه. و بذلك تقضي السوبر تاريخانية على هذا الخلاف الفلسفي فتحل هذه المشكلة المعرفية. فمثلا ً , بالنسبة إلى السوبر تاريخانية , نشوء الديمقراطية و الحريات يؤدي إلى نشوء العلوم و تطويرها لأن العلم كالديمقراطية عملية تصحيح مستمرة لِما نعتقد , و بذلك التاريخ حتمي. لكن لا تتحقق الديمقراطية و حرياتها سوى من خلال قبولها و تطبيقها من قبل الناس و إلا فلا تتحقق فلا تنشأ العلوم و لا تتطور , و بذلك التاريخ ليس حتمياً. من هنا , التاريخ حتمي و غير حتمي في آن كما تقول السوبر تاريخانية بالضبط . هكذا كل التواريخ متحققة.

لا يوجد تاريخ واحد للإنسانية بل ثمة تواريخ عديدة و متعارضة و متصارعة. و هذه هي حقيقة الواقع الكمي. بالنسبة إلى نظرية ميكانيكا الكم العلمية , الجسيم كالإلكترون يعبر من كل الممرات الممكنة في الوقت نفسه. مثل نظري على ذلك هو : إذا كان سيعبر الجسيم من نقطة ( أ) إلى نقطة ( ب ) فحينها سيعبر من كل الأمكنة و الممرات الممكنة ليصل إلى النقطة ( ب ) فيتخذ بذلك مساراً مستقيماً نحو ( ب ) و مساراً ملتوياً و آخر دائرياً باتجاه النقطة ( ب ) ذاتها إلى ما لا نهاية من مسارات ممكنة , و يحدث كل ذلك في الوقت نفسه. لكن كل هذه الممرات الممكنة و المتحققة فعلياً تختزل بعضها البعض لكونها متعارضة فيبدو في عالم ما فوق الذرة أن الأجسام تعبر من ممر واحد فقط . بكلام آخر , في عالم ما دون الذرة يعبر الجسيم من كل الممرات الممكنة من نقطة إلى أخرى بينما في عالم ما فوق الذرة يظهر عبور واحد فقط . لكن كل الكون يتكوّن من الجسيمات الموجودة في عالم ما دون الذرة. من هنا , من الممكن تطبيق نظرية ميكانيكا الكم , لكونها نظرية علمية , على الظواهر كافة. من هذا المنطلق , لا يوجد تاريخ واحد للبشرية بل توجد كل التواريخ الممكنة العديدة و المختلفة و المتعارضة أي كل التواريخ الممكنة متحققة فعلياً تماماً كما أن الجسيم يعبر من كل الممرات الممكنة و ممراته الممكنة كافة متحققة فعلياً. على هذا الأساس , التاريخ البشري تاريخ صراع الطبقات الاجتماعية تماماً كما هو تاريخ صراع الحضارات المختلفة و كما هو تاريخ صراع الهويات المتعارضة إلخ. هكذا كل التواريخ الممكنة متحققة رغم اختلافها و تعارضها. و هذا يحل مشكلة صراع النظريات التاريخية و الاجتماعية.

النظرية التي تفسِّر التاريخ على أنه صراع بين الطبقات الاجتماعية تختلف عن النظرية التي تفسِّر التاريخ على أنه صراع بين الحضارات أو بين الهويات. لكن بما أن كل التواريخ الممكنة كتاريخ الصراع الطبقي و تاريخ صراع الحضارات و تاريخ صراع الهويات متحققة بالفعل و في الوقت عينه , إذن يزول الخلاف بين هذه النظريات التي كانت تبدو متعارضة ؛ فكلها صادقة بسبب أن كل نظرية منها تصف تاريخاً ممكناً و متحققاً و مختلفاً عن التواريخ الأخرى الممكنة و المتحققة التي تصفها النظريات الأخرى. من هنا , السوبر تاريخانية التي تؤكد على تحقق كل التواريخ الممكنة تنجح في حل الخلاف الفلسفي و العقائدي بين المدارس و الفلسفات المتنافسة , و بذلك تكتسب فضيلة كبرى ما يدعم مقبوليتها. كما أن تحقق كل التواريخ الممكنة يفسِّر لماذا تنجح النظريات المتعددة و المتنوعة في تفسير التاريخ رغم اختلافها و تعارضها. فبما أن , بالنسبة إلى السوبر تاريخانية , يتكوّن التاريخ البشري من كل التواريخ الممكنة في الوقت نفسه كتاريخ صراع الطبقات و تاريخ صراع الحضارات و تاريخ صراع الهويات , إذن من الطبيعي أن تنجح كل هذه النظريات في تفسير ظواهر التاريخ رغم اختلافها. هكذا تتمكن السوبر تاريخانية من تفسير نجاح نظريات التاريخ العديدة و المختلفة رغم تعارضها , و بذلك تكتسب السوبر تاريخانية فضيلة معرفية أساسية.

الآن , بما أن كل التواريخ الممكنة متحققة بالفعل , إذن تاريخ العولمة و تاريخ اللا عولمة متحققان في الوقت عينه. لكن تاريخ العولمة يعارض تاريخ اللا عولمة ؛ تاريخ العولمة تاريخ حيازة كل البشر للسلوكيات و المعتقدات نفسها بينما تاريخ اللا عولمة هو تاريخ انقسام البشر و امتلاكهم لسلوكيات و معتقدات مختلفة. على هذا الأساس , بما أن تاريخ العولمة و تاريخ اللا عولمة متحققان معاً , و بما أنهما يعارضان بعضهما البعض , إذن يتحوّل التاريخ البشري إلى سوبر تاريخ يتمثل مثلا ً في السوبر عولمة التي تجمع بين تاريخ العولمة و تاريخ اللا عولمة في آن. فالسوبر عولمة هي عولمة افتراضية على شاشات الأنترنت و التلفزيونات الفضائية فقط ما يسمح بوجود اللا عولمة على مستوى سلوكيات و معتقدات الأفراد و الجماعات في الواقع المعاش. هكذا توحّد السوبر عولمة بين العولمة و اللا عولمة من خلال العولمة الافتراضية. و لقد كان من الطبيعي نشوء العولمة الافتراضية لأن الواقع ذاته افتراضي لكونه يتحقق فيما يفترض الإنسان أي فيما يفكر. فعلى ضوء ما يفترض الإنسان يتصرف , و بذلك الواقع الإنساني يتشكل من الافتراض ما يشير بقوة إلى أن الواقع نفسه ليس سوى عملية افتراضية.

بالفعل زال الفرق بين الواقعي و الافتراضي ؛ فالواقع أمسى افتراضياً , و الافتراضي أصبح واقعياً. و السبب الأساس وراء ذلك هو أن التاريخ نفسه ليس سوى مجموع كل التواريخ الممكنة العديدة و المختلفة و المتعارضة. الإنسان ذاته مشروع افتراضي , و لذا يستمر الإنسان في البحث عن إنسانية الإنسان. التاريخ الواقعي بلا التاريخ الافتراضي تاريخ بلا محتوى ؛ فمن المستحيل قراءة التاريخ من دون أن نفترض صدق بعض المسلّمات التي على ضوئها تحدث القراءة التاريخية. و الإنسان الواقعي من دون الإنسان الافتراضي إنسان خال ٍ من مضمون ؛ فمن المستحيل قراءة الإنسان من دون افتراض ما سوف يكون.



#حسن_عجمي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- السوبر عولمة
- السوبر تواصلية : إيصال المعلومات أم إنتاجها
- السوبر حداثة : فلسفة اللغة
- السوبر حداثة : فلسفة المنهج العلمي
- السوبر حداثة : فلسفة المعرفة
- السوبر حداثة : فلسفة الرياضيات
- السوبر حداثة في مواجهة السوبر تقليدية : فلسفة الكون و العلوم
- فلسفة الحقيقة بين السوبر مستقبلية و السوبر ماضوية
- السوبر مستقبلية : فلسفة المعنى بين الواقعية و اللاواقعية
- السوبر سيميائية في مواجهة السوبر ديكتاتورية
- الفلسفة بين السوبر حداثة و السوبر مستقبلية
- العلاج الثقافي : السوبر ثوار في مواجهة السوبر إضطهاد
- السوبر طائفية : تفكيك الحداثة و الأصولية و الإرهاب
- فلسفة السخافة
- التراث بين السوبر حداثة و السوبر مستقبلية
- السوبر علمانية في مواجهة السوبر عقائدية
- السوبر فلسفة: تزاوج الفلسفة والعلوم
- صراع اليقين واللايقين: العلم أساس زوال الديكتاتورية
- هل الحياة والعقل والكون مجرد كومبيوترات؟
- السوبر تخلف


المزيد.....




- رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن ...
- وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني ...
- الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
- وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ ...
- -بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله- ...
- كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ ...
- فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
- نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
- طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
- أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق


المزيد.....

- النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف ... / زهير الخويلدي
- قضايا جيوستراتيجية / مرزوق الحلالي
- ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال ... / حسين عجيب
- الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر ) / حسين عجيب
- التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي ... / محمود الصباغ
- هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل / حسين عجيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري
- المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع / عادل عبدالله
- الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية / زهير الخويلدي
- ما المقصود بفلسفة الذهن؟ / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - حسن عجمي - السوبر تاريخانية : صراع التواريخ الممكنة