قاسم حسن محاجنة
مترجم ومدرب شخصي ، كاتب وشاعر أحيانا
الحوار المتمدن-العدد: 4008 - 2013 / 2 / 19 - 16:47
المحور:
الادب والفن
موت الفقير
دخلت الى مكتب احدى شركات الهاتف الخليوي ، وجلست بأنتظار دوري ،واذا بأحدهم يناديني قائلا : كيف حالك ؟؟
نظرت صوب الصوت ، وللوهلة الاولى لم استطع التعرف عليه ، مرت برهة وعندها استطعت تمييز ملامحه ، فقد مرت فترة طويلة مذ رأيته اخر مرة ، لقد نحف قليلا ، واطلق لحيته التي خالطها شيب اعطاه قليلا من المهابة والجدية والنضج .
- الحمد لله ......اجبته ، وكيف حالك انت ؟ وكيف حال والديك ؟ شو اخبار ابوك؟
- لقد توفي ابي ! قالها، بأسى واضح .
- ماذا ؟؟ متى حصل ذلك ؟ ...لم يصلني خبر وفاته .....لا بد انك تمازحني !! قلت له وأنا احاول استنباط الحقيقة .
- والله ..لقد توفي . قالها بتأكيد ووضوح
- ألم يعلنوا عن وفاته عبر مكبرات الصوت في الجامع ؟؟سألته ..
صمت طويلا ، ولكنني ارفض التصديق ...بادرته مرة اخرى بالسؤال : متى حصل ذلك ؟؟
- منذ فترة ..اسبوعان على الاقل !!
لكن الشك ما زال "يحفر " في داخلي ...
- لا بد أنك تمازحني ... اليس كذلك ؟
- يكفي ..!! اجابني ، وكأنه يريد أن يقول ، صدق او لا تصدق ، فهذا شأنك .
صمتت وصمت ، قمت من مقعدي وتوجهت الى جهاز يزود الماء البارد للزبائن ، ملأت كوبا بلاستيكيا.. شربت واعدت ملء الكأس .....سمعت المنادي المحوسب يستدعيني ، لا ليس بأسمي ، بل ينادي على الرقم الذي بحوزتي ويطلب مني التوجه الى الموظف رقم 4 .
انهيت عملي وغادرته مودعا ، لم اترحم على الفقيد ،أو أدعو لأبنه بطول سلامة !!
ما زال الشك ينخرني ، فأنا لم اسمع بالنبأ عبر وسيلة الاعلان عن الوفيات ، الا وهي مكبر الصوت في المسجد ، وعندي اسباب اخرى ، فالأبن والوالد من قبله يعانيان من مشاكل نفسية ، وقد يكون الابن " واهما "، لكن نبرة حديثه وسلوكه وتصرفاته ، كلها تدل على أن وضعه مستقر ، ويمارس نشاطه الحياتي الانساني كأي شخص اخر !!
- لماذا لا اريد تصديقه ؟
شعرت انني قد اهنته بعدم تصديقي اياه ، لكن اليس من المفروض ان ينعاه الناعي كغيره عبر مكبرات الصوت في الجامع ؟؟ هل وصل بهم الامر الى الاستهتار بحياة أو موت انسان ، لمجرد أنه فقير ، لم يملك طيلة حياته غير ما يسد به رمقه ، ورمق عائلته ، واحيانا لم يملك هذا حتى !!!!
هل لأنه كان يتلقى العلاج النفسي يتم شطبه من قائمة مستحقي ابسط الحقوق ، وهي الاعلان عن وفاته وموعد جنازته بالطرق المتبعة !!!!
اجريت اتصالا للتأكد من الخبر ، واتضح لي انه صحيح . لقد توفي كغيره ممن يموتون يوميا على هذه الارض ، لكن وفاته اعادت الى الذهن مثلا شعبيا ، لطالما كررته السنة الاباء والأجداد والذي يقول :موت الفقير و... بنت الغني ، لا يدري بهم احد !!!!!
وعمدا اغفلت كتابة الكلمة التي تصور فعل بنت الغني ، لأنها قاسية !!!!!!!
#قاسم_حسن_محاجنة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟