|
أغنية البرتقالة ومدينتنا العزيزة دبي
نعيم عبد مهلهل
الحوار المتمدن-العدد: 1154 - 2005 / 4 / 1 - 10:49
المحور:
الادب والفن
ا البترول ، مجرد أراضي قاحلة لاتصلح سكناً مرفهاً لأحد ، فلا ماء ولازرع ، وكانت سواحلها مشتى لقراصنة البحر وأستراحة لنصف نهار لأدميرالات الأساطيل البرتغالية والأسبانية والهولندية وأخيراً الأنكليزية ، وعدا البحرين التي تعلق حلمها التأريخي بالخيال السومري كونها كانت موطناً للجنة التي أفترضها عراقيو الأمس وكانت تسمى دلمون ، فأن البقية الباقية من أمارات هذا الشريط لاتمتلك من التأريخ سوى حداثة النشوء ، ولكنه كان في بعض فتراته نشوء وطني ، كما فعل القواسم مع المحتلين البرتغال وبعدهم الأنكليز . لكن البترول ومنافع أخر ، هادنت التأريخ وأستكانة الى حكم العشيرة ، ومنح البترول لمواطني تلك الأمارات ثراءاً ونعمة وهدوء حال وحياة ، بعيداً عن مشاكسات التحرش بولي النعمة تشرشل وأيزناهاور ، وعكس تفاعلات الأرث الأستعماري على بلدان العروبة الأخرى حيث الأفرازات القومية والأممية والأصولية ، نأت أمارات الساحل ومشايخها عن التماس بتلك الحداثات التي لاتعود الشعوب إلا على المطالبة بحقوقها وتقديم الشباب نذورا في مقاصل الحروب والتظاهرات والعمل السري ، وربما التأريخ العربي الحديث قد صنع رؤى الذات العربية على هذه الشاكلة وخلطت أوراق الحدث التأريخي والحضاري لمنجز تلك الذات وصار الحاضر بالنسبة لها ركوناً الى مجد غابر نعيده ونصقله فوق منارنا فيما أحفاد القيصر يسرحون ويمرحون بثقافتهم ومستشاريهم وعسكرهم ، .في الرؤية المشهدية لوقيعة اليوم العربي ثمة غرابة في التصنيف ، عرق واحد وقومية واحدة ودين واحد وجامعة عربية واحدة ، ومفردة واحدة هي < دبي > ولكن بمكانين مختلفين ، واحد يطلق على حي من الصفيح والفقر والأقتتال في كل الأوقات في ضواحي < مكاديشو > العاصمة الصومالية ، ودبي أخرى هي الأمارة الخليجية ضمن الأمارات السبع التي يتكون منها < الأمارات العربية المتحدة > . والمقارنة بين < الدبيين > مثل المقارنة بين < كلب أجرب > و < كلب تملكه الملكة اليزابيث > . فالأولى معروف حالها من نساءها العاريات وهن يحملن على صدورهن أبناءهن النحف والذي مشى الأيدز في دماءهم حتى وهم صغار ، وفوق رؤوسهن صفائح الماء ، ومعهن تمشي بقرة تكاد عظامها ترى من وراء جلدها العتيق لشدة التعب من البحث عن رغيف يابس أو عرنوص ذرة ، لتسد رمق جوعها .. متذكراً كلمات جورج أمادو القائلة : نحافة البقر يكشف يباب الأرض.أما الثانية فهي أمارتنا العزيزة < دبي > ، معجزة الأقتصاد العربي ، وحاضرة الرمل والماء المالح التي تحوي واجهات محلات الصاغة فيها على ربع مخزون العالم من الذهب ، كل شئ فيها مرتهن بالدولار ، حتى الدمعة والأبتسامة ، وفي فنادقها تجلس أوربا بكل مجتمعها وطقوسها ، ويقال أن < حرائر جمهوريات الأتحاد السوفيتي السابق > يباع لحمهن الطري على سرير< الفزع والجشع والولع والدفع والهجع والدلع والخلع والطمع واللطع والركع > أولئك الذين أثروا بالصدفة أو من جراء وهم صفقات مذكرة التفاهم أو أمراء < البئر > وآخرون جاءوا من بقاع آخر ليكون لهم نصيب من حظ المغامرة ، < كحظ الأمريكيين يوم همس أليهم مبشر كاثوليكي ، أنه رأى البخار والزيت يخرج من أرض تكساس >.من الذي صنع دبي ، النفط أم القدر أم حسن التدبير والمطاوعة والتعلم من درس مدن النفط الفقيرة ككركوك والبصرة ؟ لتصير هذه الحاضرة ، واحدة من ليالي الكون الأسطورية ، ولترمي بهونك كونك وبروناي بعيداً ، فهي المدينة الوحيدة التي يستخدم مواطنها عدة خدم لبشر واحد ، سريلانكي يلمع الحذاء ، وهندي يحضر الحليب ، وبورمي يجهز السفرة ، وباكستاني يسوق السيارة وأنكليزي يعطي درس اللغات وسوري لدرس العود ومصري لأطلاق النكات وعراقي < لرقصة الجوبي >.وهنا بالنسبة لي الطامة الكبرى ، وأنا أرى وأعيش آخر تأثيرات العزيزة < دبي > علينا ، وهي أنتاجها لأغنية < البرتقالة > والتي تؤديها حفنة الطرب العتيدة < مي أكرم وزوجها وحيد سعد وأخيه علاء وأخ ثالث نسيت أسمه من فرط ما سمعت هذه الأغنية بواقع عشرين مرة في اليوم الواحد في أعادة متكررة ومقصودة ، لسلب الذوق وخلق الهيمنة ، حتى أن طفلتي زهراء الناجحة تواً من الصف الأول الأبتدائي تعرف تماماً مواعيد بثها ، وتتحدث بأغراء عن نعمومة رقص < صولة الأغنية > وهي من ترتدي الفستان البرتقالي ، وبسرعة البرق عرف الناس ، أن هذه الغندوره العراقية التي تطفح بغجريتها في الهز والوز ربما هي < أبنة المطربة مي أكرم > صاحبة الأغنية الشهيرة < أستعجل ياميل الساعة >.وهكذا جعلتنا أغنية البرتقالة نستعجل أميال ساعاتنا ، وأرتنا بضاعتنا من < الخصور المهاجرة > التي لم يرق لها حال العيش في بغداد بعد أن تحول تلفزيون الشباب الى ذكرى ، أغنية تفضح المرام والقصد في جعل المشهد الصوري المقترن بعطش الى اللذة السطحية هو الثقافة التي ينبغي تصديرها الى شعب متعب من كل التغيرات التي لم تمر بسلام بل يصاحبها دوي يومي من القاذفات الى السيارات المفخخة الى أطلاق النار في الأعراس والمواليد والمآتم وتصفية الحسابات أو لمجرد < ليلى رجعت الى عيالها > كما في مشهد كوميدي لتلفزيون الشرقية .دبي والجزيرة والعربية ومجلة زهرة الخليج ومجلة لها وبرنامج سوبر ستار وستار أكاديمي ومس لبنان ومذيعات روتانا المولودات في الشوف وبصرى والأشرفية كلها تتوجه للعراقي تسيس فيه جوعه للجديد بعد أن غيب لقرون من الحصارات والحروب ، وأزاءها تمسكه الحيرة والذهول ، وصار يأكل < اللبلبي > ويغني البرتقالة ، ينام ويغني ، يكتب الأنشاء ويغني ، غير أن البعض من الذين أمتلكوا أيمان الدين والثقافة لم تنطلي عليهم لغة التبشير الخليعة والتي لاتعمر في الذوق سوى أسابيع ، لأنها لن تستطع أن تلغي لذة السماع التي يجلبها صوت داخل حسن وحسين نعمة وكاظم الساهر وناظم الغزالي وقحطان العطار وصديقة الملاية وسورية حسين ، ولو صدرت لنا دبي أطنان من هذا البرتقال فهو برتقال ذابل ، والهز الذي تقوم به راقصات الأغنية لن ينسينا رغبتنا أن نعيش بدون تلك الهزات الأرضية التي تحدثها شاحنات الديناميت .وأخيراً نحن نحب البرتقال ، ولكن ليس على حساب سرقة الحلم وجعلنا طافحين في خيال السذاجة بعيداً عن القيم التي صنعها تراثنا الذي سرق أيام الحرب من متحفنا الوطني في علاوي الحلة .سلمتم وسلم العراق …………..
#نعيم_عبد_مهلهل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مكاشفة الروح الكبيرة للروح الصغيرة..ايها الولد للآمام الغزال
...
-
!تضاريس وجه المونليزا ..( مقاربة حسية مع وجه الوردة )..ا
-
.. بعد فيلم آلام المسيح لبيل جيبسن..من أصلح لعمر الشريف ..دو
...
-
الفنان أحمد زكي ذاكرة مصر السمراء وفرعونيتها المدهشة
-
الشعر يرثي مشهد قتل وردة ..
-
ذكريات رواقم حوض بنجوين
-
أور المدينة التي ولد فيها إبراهيم الخليل ع
-
المقهى السومرية والخوذة الأيطالية
-
التأريخ السومري بين غبار الألواح وغبار اليورانيوم
-
ونفشيوس وأمي والهدهد
-
الطريق الى حلبجة
-
ثقافة الجنوب العراقي فيدراليا
-
زيارة مسائية لعزيز السيد جاسم
-
بورشيا محتجزة في معتقل أم قصر
-
الجواهري العظيم أستعادة لثلاثة مشاهد
-
ليلة تحت سقف النجوم في قرية بعاذرا الكردية
-
الفرق بين جرنيكا والأباتشي
-
البحث عن الارصدة المالية لنوري السعيد والزعيم عبد الكريم قاس
...
-
.. بالسحر تبرق عيناك ياأخمانوتوفا وبالحب تضئ عيون أمي ليل وط
...
-
بغداد في انتظار النيون ولقاء ليلى بقيس المجنون
المزيد.....
-
الكوفية: حكاية قماش نسجت الهوية الفلسطينية منذ الثورة الكبرى
...
-
رحيل الكوميدي المصري عادل الفار بعد صراع مع المرض
-
-ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
-
-قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
-
مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|