|
(الدولة العلوية) ورقة الأسد الأخيرة
عبد الكريم بدرخان
الحوار المتمدن-العدد: 4006 - 2013 / 2 / 17 - 08:50
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
(الدولة العلوية) في ظلّ الانتداب:
ليست (الدولة العلوية) فكرةً جديدة، بل هي واقعٌ عاشته سوريا خلال فترة الانتداب الفرنسي. فقد قامتْ فرنسا بتقسيم سوريا إلى أربعِ دويلات، ثم أعلنتْ في أيلول 1923 قيام (الدولة العلوية) وعاصمتُها اللاذقية، وقد استمرّتْ هذه الدولة حتى عام 1936 عندما تم ضمُّها إلى سوريا نهائياً. وقد كشفتْ سجّلاتُ وزارة الخارجية الفرنسية عن وثيقةٍ سرّية أرسلها بعضُ زعماء الطائفة العلوية إلى رئيس الحكومة الفرنسية (ليون بالوم) - والوثيقة مؤرشفة برقم 3547 ومؤرّخة بتاريخ 15/6/1926 - تضمّنتْ هذه الوثيقةُ التماساً من الحكومة الفرنسية لإعطاء العلويين دولةً مستقلةً عن سوريا، لأن دينهم يختلف عن دين مسلمي سوريا كما ذكروا، ويطالبون أيضاً بمنحهم لواء الإسكندرون باعتباره الامتداد الجغرافي والديموغرافي لـ (جبال العلويين)، بعد أن منحته فرنسا إلى تركيا. وفي هذه الوثيقة أيضاً، يشبّه زعماءُ الطائفة العلوية وضعهم في سوريا؛ بوضع اليهود المستوطنين في فلسطين، وقد ذكرت الوثيقة حرفياً: " هؤلاء اليهود الطيّبون الذين جاؤوا إلى العرب المسلمين بالحضارة والسلام، والذين نثروا فوقَ أرض فلسطين الذهب والرفاه، أعلنَ المسلمون ضدّهم الحرب المقدّسة". ثم يشيرون إلى أن مصيرهم مشابه لمصير يهود فلسطين، فكلاهما مهدَّدان بالذبح والتهجير من قبل العرب المسلمين؛ ما لم تتدخل الدول الكبرى (بريطانيا- فرنسا) لحماية هذين الكيانين، وإعطاء كلٍ منهما دولةً مستقلة على أساس الهوية الدينية. وكان من أبرز الشخصيات الموقعة على هذه الوثيقة: سليمان الوحش (جدّ الرئيس حافظ الأسد)، سليمان المرشد، محمد سليمان الأحمد.
نهاية هذه الدولة:
لم يكتبْ لهذه الدولة البقاء، لأن معظم العلويين رفضوا فكرة التقسيم، وأصرّوا على أنهم جزء لا يتجزأ من الشعب السوري، وكان الشيخ صالح العلي على رأس من أفشلوا هذا المشروع، فقد رفضَ كافة العروض الفرنسية التي أرادتْ منحه دولةً في (جبال العلويين). وأصرَّ على ضمّ هذه الجبال إلى الداخل السوري، وكانت النتيجة أن تعرّضتْ عائلته لعدة محاولات اغتيال، فقد سُمّمتْ زوجته، وقتل عددٌ من أطفاله. وهكذا.. فقد ضحّى بعائلته في سبيل وحدة سوريا، وأصبح من الآباء المؤسسين لهذا الوطن. ونتذكّر.. أنه مع دخول الشهر الثالث من الثورة السورية، اختار المتظاهرون اسم (جمعة صالح العلي) لتكون عنواناً لمظاهرات يوم 17/6/2011، مؤكّدين أنهم سائرون على نهجه في إعلاء مصلحة الوطن على مصلحة الفرد أو الطائفة.
الخطوات التمهيدية التي قام بها النظام:
سوف تمتدّ (الدولة العلوية) المتخيَّلة من نهر العاصي شرقاً حتى البحر المتوسط غرباً، وسوف تضمُّ محافظتي اللاذقية وطرطوس، والجزء الغربي من محافظة حماه، وكذلك الجزء الغربي من محافظة حمص، مع مدينة حمص بأكملها. أما القرائن التي تدلّ على تخطيط النظام لقيامها: 1- التركيز على حمص منذ بداية الثورة، فمدينة حمص حتى الآن.. تم تدمير ثلاثة أرباعها، وتمّ تهجير ثلاثة أرباع سكانها، ومعظمهم من السُـنّة، بالإضافة إلى المسيحيين المقيمين في أحياء حمص القديمة. ومحافظةُ حمص بأكملها تتعرّض لحصارٍ خانقٍ من كل الجهات، وقد ساهم حزبُ الله في هذا الحصار عن طريق نشرِ قواتهِ على الحدود السورية اللبنانية، بالإضافة إلى مشاركته في العمليات العسكرية في ريف حمص الغربي. وحمص هي أوّل مدينة شهدتْ مجازرَ تطهيرٍ عرقيّ ذبحاً بالسكاكين، ابتداءً من مجزرة كرم الزيتون الأولى يوم 26/1/2012 ثم مجزرة كرم الزيتون الثانية يوم 11/3/2012، بغرض إرهاب السكّان وتهجيرهم قسراً. تلتهما مجزرةُ الحولة يوم 26/5/2012، فسهلُ الحولة الذي يقع غرب العاصي، تسكنُهُ غالبيّةٌ سُـكانيّة سُـنّية، وقد أصبح تهجيرهم أمراً ضرورياً من أجل إقامة (الدولة العلوية)، لأنها بحاجة إلى الأراضي الزراعية الخصبة، والتي لاتتوافر غربَ العاصي إلا في سهل الحولة. بالإضافة إلى مجزرة دير بعلبة يوم 29/12/2012، وكانت مجزرةُ الحصوية يوم 15/1/2013 آخر حلقةٍ من سلسلة مجازر التطهير العرقي، مترافقةً مع 42 حالة اغتصاب. 2- محافظة حماه أيضاً، تعرّضتْ لعددٍ من مجازر التطهير العرقي، كمجزرة القبّير يوم 6/6/2012، ومجزرة التريمسة يوم 12/7/2012، وجميعها قرىً تقع غرب العاصي، وقد تمّ لحدّ الآن تهجير سكّانِ خمسِ قرىً في محافظة حماة، وجميعها غرب العاصي أيضاً. 3- أما اللاذقية، فقد شهدت قمعاً عنيفاً للثورة منذ بدايتها، وتهجيراً كاملاً لسكّان حي الرمل الجنوبي، وتشهد في هذه الأيام قصفاً عنيفاً ومتواصلاً على مدن الحفّة وسلمى، وتهجرياً قسرياً للطائفة السنية من جبال اللاذقية. 4- نقل الذهب والقطْع الأجنبي من البنك المركزي السوري والخزينة العامة إلى اللاذقية، وافتتاح فرع للبنك المركزي فيها لم يكن موجوداً من قبل. 5- تصريح بشار الأسد في خطابه في دار الأوبرا: " إن سوريا تتعرّض لمخطّط يستهدف تقسيمها"، فهو يعترف أنْ أسيادهُ في الخارج يريدون تقسيم سوريا، وأنه أداة بيدهم. 6- القرار الصادر عن مجلس الوزراء مؤخراً، والمتضمّن تفكيك المصانع السورية، ونقلها إلى المناطق الآمنة، أي اللاذقية وطرطوس.
الأطراف المستفيدة من إقامة هذه الدولة:
1- النظام السوري: هذه الدولة ستكون الملاذ الأخير لأركان النظام وكبار ضباطه، فهي المهرب الوحيد لهم من المساءلة القانونية عن جرائم الحرب التي ارتكبوها. وهناك سوف ينعمون بالأموال التي سرقوها من جيوب الشعب خلال العقود الماضية، ويحتمون بالأسلحة التي دفع الشعبُ ثمنها. بالإضافة إلى اكتشافِ بحرٍ من النفط والغاز تحت اللاذقية برّاً وبحراً، لن يسمح آل الآسد أنْ يهرب من أيديهم. 2- روسيا: بعد أن انتعشتْ روسيا اقتصادياً، أصبحتْ تريدُ أن تلعب دوراً دولياً أكبر من حجمها، وقد نجحتْ في لعبِ هذا الدور على حساب الدم السوري، وهي تعرف أن نجاح الثورة السورية يعني نهاية مصالحها في المنطقة. ولذلك سوف تدعم روسيا قيام (الدولة العلوية) من أجل الحفاظ على القاعدة العسكرية الموجودة في طرطوس، فروسيا التي خاضت حروباً طويلةً أواخر القرن التاسع عشر؛ من أجل أن تضع قدماً لها في البحر المتوسط، وتصل إلى المياه الدافئة، تبدو اليوم مستعدةً لخوض حروبٍ مشابهة، من أجل تحقيق الهدف نفسه. ثم إن سيطرة (الدولة العلوية) على الساحل السوري؛ سوف يمنع دول الخليج من تصدير النفط والغاز إلى أوربا عن طريق المتوسط، وبالتالي سوف تبقى روسيا هي المصدّر الرئيسي لأوربا. 3- إيران: النظام السوري هو الحليف العربي الوحيد لإيران، ولذلك تدافع عنه لآخر لحظة، وسوف تدعم بقاءه في دويلةٍ صغيرةٍ تكون خيراً لها من خسارته نهائياً، وبالتالي سوف تحصل على مستعمرةٍ في غرب سوريا، بالإضافة إلى مستعمرتها في جنوب لبنان. والأهم من ذلك، إن قيام هذه الدويلة سوف يشكّل ورقة ضغطٍ إيرانية على عدوّتها التاريخية تركيا، فتركيا تمتلك تركيباً ديموغرافياً مشابهاً لسوريا والعراق، وهي تخشى أن تسري موضة التقسيم الطائفي في الشرق الأوسط، وأن تبدأ إيران والنظام السوري بتحريك العلويين والأكراد داخل تركيا. 4- إسرائيل: بعد نهاية الصراع العربي الإسرائيلي، يبدو أن الصراع الجديد الذي بدأتْ القوى الكبرى بإشعاله في المنطقة، هو الصراع السنّي- الشيعي، وذلك لكي يبقى الشرق الأوسط منطقة حروب وصراعات واضطرابات، بحيث تشكّل الضمان الأمثل لبقاء دولة اسرائيل. إن قيام (الدولة العلوية) على أساس طائفي ضمن المحيط السنّي: (تركيا- الداخل السوري- شمال لبنان)، سيكون مشابهاً لقيام دولة اسرائيل على أساس ديني ضمن المحيط العربي، وسيكون الدور المفروض على هذه الدويلة من القوى الكبرى الداعمة لها؛ مشابهاً للدور الذي لعبته إسرائيل خلال 60 عاماً، أي إشغال المنطقة بحروب متواترة. وقد أصاب سليمان الوحش (جدّ الرئيس حافظ الأسد) عندما شبّهَ (الدولة العلوية) بدولة اسرائيل، وقبلَ إعلانها رسمياً بعشرين عاماً.
اصطدام الحلم بالواقع:
إن قيام هذه الدولة أصعب بكثير مما تبدو الأمور عليه، لأن مدن الساحل السوري: (اللاذقية- جبلة- طرطوس- بانياس) هي مدنٌ ذات غالبية سكّانية سنّية، وفيها أقليّات مسيحية وأقليات علوية. والمشكلة هي أن الطائفة العلوية ليست طائفة مؤيدة للنظام، بل هي طائفة مخطوفة ومرتهنة بيد النظام، وبيد الدول الداعمة له. فهي لا تملك رأيها المستقل. ولإفشال هذا المشروع.. لا يمكننا إلّا أن نعوِّل على الطائفة العلوية بأكملها، التي لم يشكّك أحدٌ بوطنيتها أو انتمائها إلى سوريا يوماً، والتي قدّمت للوطن العديد من الرجال العظام. فحتى المؤيدون للنظام وحتى الشبّيحة منهم، لا نتوقّع منهم أن يقبلوا بتقسيم سوريا. صحيحٌ أنهم مغسولوا الأدمغة، لكن لا بدَّ أن يعودوا إلى صوابهم يوماً. وسوف تكون معركتهم في مواجهة الدول الداعمة للتقسيم معركةً كبيرة، مثلها مثل المعركة التي يخوضها ثوّار سوريا اليوم.
#عبد_الكريم_بدرخان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قصيدة الأرض
-
موت المؤلف والصحف العربية
-
التحوّل الديمقراطي ومشكلة الأقليّات
-
الدولة المدنية في الإسلام
-
الإسلام السياسي والمأزق الفكري
-
الشباب العربي وقتل الآباء
-
قراءة في تاريخ الموت المقدس
المزيد.....
-
بعد تحرره من السجون الإسرائيلية زكريا الزبيدي يوجه رسالة إلى
...
-
أحمد الشرع رئيساً انتقاليا لسوريا...ما التغييرات الجذرية الت
...
-
المغرب: أمواج عاتية تضرب السواحل الأطلسية وتتسبب في خسائر ما
...
-
الشرع يتعهد بتشكيل حكومة انتقالية شاملة تعبر عن تنوع سوريا
-
ترامب: الاتصالات مع قادة روسيا والصين تسير بشكل جيد
-
رئيس بنما: لن نتفاوض مع واشنطن حول ملكية القناة
-
ظاهرة طبيعية مريبة.. نهر يغلي في قلب الأمازون -يسلق ضحاياه أ
...
-
لافروف: الغرب لم يحترم أبدا مبدأ المساواة السيادية بين الدول
...
-
الشرع للسوريين: نصبت رئيسا بعد مشاورات قانونية مكثفة
-
مشاهد لاغتيال نائب قائد هيئة أركان -القسام- مروان عيسى
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|