|
هل أنهى الظهور على التليفزيون مكانة هيكل
هويدا طه
الحوار المتمدن-العدد: 1153 - 2005 / 3 / 31 - 10:15
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
منذ قيام ثورة يوليو في مصر وحتى يومنا هذا، ظل جيل وراء جيل.. يلهث وراء كل كلمة(يكتبها)محمد حسنين هيكل، على اختلاف الهدف من ملاحقة ما يقول، فقد كان متحدثا باسم جمال عبد الناصر، أو هكذا أراد هيكل لنفسه، أو هكذا أراد أن يوحي إلينا، أو ربما حتى أوحى بها البعض- من خصومه أو محبيه-، أياً كان منشأ هذه الحالة، فقد كانت، وكان الجيل السابق علينا يلهث وراء كلمة هيكل، سعيا لمحاولة كشف ما يعتمل بداخل(رأس عبد الناصر)، وسعيا لمعرفة أو استشفاف الخطوة الناصرية القادمة، ثم رحل عبد الناصر ورحل معه عصره بكل ملامحه، وجاء عصر مختلف.. كان هيكل ذكيا فيه بما يكفي.. كي يحافظ على مكانة جديدة.. لا يقل ألقها عن تلك التي حظي بها في الستينات، فلم يسر في ركاب انقلاب السادات على سلفه(رغم أنه ساعده في انقلابه ذاك!)، بعد ذلك وطوال فترة حكم مبارك لمصر.. توالت كتب هيكل.. يحلل فيها(التاريخ)القريب والبعيد بشكلٍ رائع، تاريخ السياسة والنظم والإمبراطوريات، وكان مقاله الشهري في مجلة(الكتب وجهات نظر)أحد أهم أسباب انتشار هذه المجلة الممتازة، وظل هو يقدم نفسه باعتباره(صحفي)في المقام الأول، أو(جورنالجي)كما أحب أن يقولها بالعامية المصرية، لكنه ظل بعيدا عن نقد نظام مبارك إلا بقليل من(التلميحات)، وهو ما كان يخيب أمل الجيل الجديد.. الذي لقبه بلقب(الأستاذ)وأراد منه أن يشفي غليله في هذا النظام بشكل أو بآخر، وظل كثيرون من جيلنا ينتظرون(كلمة ما)يقولها هيكل حول مبارك، لكنه لم يقلها! وعندما بدأ بث القنوات التليفزيونية الخاصة في مصر، جاءت قناة(دريم)بالأستاذ.. ليلقي محاضرات تليفزيونية حول(أزمات الأمة)، لكن هيكل استمر فيها(يحلل التاريخ)! كالعادة.. وعندما كان يتعرض للنظام.. فإنه كان يمسه بكثير من التحفظ غير المبرر، غير مبرر لأن الرجل صنع لنفسه حصانة بمكانته العالمية.. يمكن لها أن تحميه من(غضب)النظام عليه إذا انتقده.. أو كشفه! ومع ذلك لم يفعل! لكن الحدث نفسه كان جديدا، أن يظهر الأستاذ على التليفزيون مخاطبا من كانوا(قرائه)وجها لوجه.. حتى ولو بحديثٍ مسترسل في اتجاه واحد، حتى لو كان حديثه(يتشتت)في قضايا من الشرق والغرب، حتى لو كان في حديثه هذا.. يبدأ نقطة ثم(يشت)عنها ولا يكملها، فالكتابة تختلف عن(الحكي)! والبعض بررها- بل هو نفسه برر ذلك- بتقدمه في السن، ثم ذات يوم تحدث عن(الحكم في مصر)، لكنه ومرة أخرى راح يسرد الأمر(تاريخيا)من عبد الناصر إلى مبارك.. وتحدث عن(تغيير)يجب أن يحدث في مصر.. أخيرا قالها.. الأستاذ! لكنه فاجأ الجميع بأن هذا التغيير المأمول هو(واجب)السلطة نفسها! وهو.. الذي علمنا(تحليل التاريخ)، فاته أن لا سلطة تغير نفسها! ثم بعد اعتزاله الكتابة، أعلنت قناة الجزيرة أنها ستبث سلسلة حلقات بعنوان(مع هيكل)، استبشر قرائه خيرا.. فالقناة مشهورة بسقف عالٍ من الحرية، ولابد أنه سيتحدث إلي الناس بما يتوقعون من(هيكل.. مخزن المعلومات)، لكنه فضّل أن يسرد تاريخا عاشه، وشخوصا قابلها، قالت له تعليقا ما على حدثٍ ما، ومنها عباراته الشهيرة التي يتندر بها خصومه.. وحتى بعض محبيه.. من مثل(كيسنجر مرة قال لي..أو قابلت مرة رئيس الجمهورية الفلاني فقال لي.. أو مرة كنت في حديقة الملك فلان فقال لي.. أو في عشاء بمطعم ما في لندن قال لي وزير الخارجية الفلاني.. إلخ!)ليبدأ الناس في اليوم التالي يتبادلون عبارات من مثل(مقالش حاجة.. كالعادة..)، وبدأ البعض.. بعد أن كان يرتب مواعيده حسب موعد حلقة هيكل.. تفوته بعض الحلقات فلا يهتم بمتابعتها في الإعادة، ولا يهتم أن يعرف.. ماذا كانت(الخلاصة)فيها، وفي الجمعة الماضي بثت معه حلقة تطرق فيها إلى مسائل الحاضر.. من اغتيال الحريري إلى الإصلاح في العالم العربي، وكانت تلك أكثر مرة يتحدث فيها عن مبارك بتلك الدرجة من(المباشرة)، لكن ماذا قال؟.. قال إن خطوة التعديل الجزئي للدستور هي مفاجئة، وإن الانتخابات الرئاسية المنتظرة في مصر ستكون عرضا لمبارك وحده، لأن أجهزة الدولة كلها ستكون معه، ماذا قال الرجل؟! الأستاذ الذي كان الناس ينتظرون كلمته؟! إن ما قاله لا يزيد عما يقال في الصحف كل يوم.. من كبار الكتاب إلى تعليقات الجمهور في بريد قراء الصحف! فأين(رسالة هيكل)المنتظرة؟! هل منحته الأجيال الأصغر سنا مكانة هائلة بأكثر مما ينبغي؟ أم أن الظهور المتكرر على التليفزيون وتلك المواجهة المباشرة مع الناس بالملامح وخلجات الوجه.. أفقداه(سحر)كلمته المكتوبة.. التي يستقبلها القارئ بعقله.. دون الاحتكاك المباشر بشخص وشكل وملامح الكاتب، والتي جذبت الملايين على مدى عقود؟ أم أننا حملناه مهمة ثورية- وهو الذي لم يكن ثوريا أبدا في يوم من الأيام- فأصابنا الإحباط عندما رأيناه(محافظا)بأكثر مما ينبغي؟ أم أنه- وإن كان مثقفا كبيرا- اعتاد أن يكون(رجل السلطة)؟ حتى أنه في حديثه عن مبارك قال(أنا أحب أن احتفظ لمقام الرئاسة في مصر بمكانته)!، وهذا قول تُشّتم فيه رائحة التقديس.. الذي دمر الشخصية العربية.. لماذا ينبغي أن نحتفظ لمبارك بمكانة لا شرعية له أصلا فيها؟ وحتى لو كان له، لماذا نقدسه؟ وحتى لو وجب احترامه لأنه(رئيس مصر)، فإن- احترام مصر نفسها- يحتم علينا الآن.. لا أن ننتقد مبارك فقط.. بل أن نرد له ربع قرن من هوان بلادنا على يديه بمصير يشبه مصير نيقولاي شاوسيسكو! لا شك أن هيكل هو بالفعل.. صحفي واسع الثقافة والإطلاع، عايش مرحلة هامة في تاريخ العالم، بذلك القرب من صناع القرار.. فأصبح(مخزنا للمعلومات)واكتسب قدرة هائلة على ربط الأحداث والاستراتيجيات المتباعدة ببعضها البعض، وكل ذلك بالإضافة إلى أسلوبه الشيق في الكتابة جعل من(مقاله وكتابه)مادة مفيدة وساحرة، لكن التليفزيون يختلف.. التليفزيون لم يكن ساحة مناسبة لمحمد حسنين هيكل.. خاصة أمام المشاهد العربي.. الذي يعاني في(الحاضر)ولن يفيده مباشرة ما قاله شواين لاي لهيكل في الخمسينات، بقدر ما يفيده أن يفتح له(مثقفوه الكبار)ثغرات في النظم الكاتمة على نفسه! كما أن تلك النظرة(التشاؤمية)التي يرى بها الأستاذ الواقع العربي.. وإن كانت بالفعل مبنية على حقائق ملموسة لا شك فيها.. إلا إنها بدت وكأنها(طلقة أخيرة)على حياة.. يجب أن(تتغير)لا أن تنتهي، ربما جاء ذلك التشاؤم بحكم(كبر السن)، لكن العالم لن ينتهي عندما يتركه هيكل، وحتى قراء هيكل.. أو مشاهدوه!..لا يعني هذا أن الرجل شر مطلق كما أنه ليس خيرا مطلقا، لا يوجد أصلا في حياة البشر هذا الصنف أو ذاك، فحياة أي كاتب هي(تجربة بشرية)تحوي الكثير من التناقضات، وهيكل الذي قدم الكثير من التحليلات الرائعة للواقع العربي والعالمي، وجاء حديثه مشتتا في حلقة الجمعة الماضي، تفلت منه عادة توصيفات.. يمكنك التقاطها(كمفاتيح)لمسائل عربية.. قلقة، ربما أدقها ما اختتم به الحلقة عندما قال:" السلطة كما هي وسيلة للقوة.... قد تكون.. أداة تدمير للنفس..."
#هويدا_طه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حل آخر يقدمه النموذج القرغيزي: هروب الريس وعياله
-
البرلمان المصري: نواب لكن ظرفاء
-
امرأة أمريكية تؤم المصلين، ليه يزعل ذكور العرب!
-
هل تلقى حركة كفاية التأييد من الشارع والمؤسسات المصرية؟
-
تفتيش في أوراق القمم العربية.. من المواجهة والتصدي إلى استجد
...
-
إدوارد سعيد والرسالة الأخيرة
-
عمرو موسى : شاهد مقالش حاجة!
-
الثاني من مايو يوم العصيان المدني في مصر
-
الأفلام الوثائقية العربية: عقلية ثنائية ترى العالم شرا مطلقا
...
-
بعد الأرز في بيروت، النسر المصري يستعد للإقلاع: استغلال الفض
...
-
الذهنية العربية الإسلامية تكره الأنثى المتمردة النشطة عقليا
...
-
مبارك: تعدّل.. متعدّلش... برضه كفاية
-
الحسين كان رجل سياسة وليس رجل دين، فلماذا القداسة؟
-
إصلاح الشرق الأوسط يبدأ بالتغيير حول ضفتي البحر الأحمر
-
من لا يربيه شعبه.. كونداليزا تعرف تؤدبه!
-
صفوت الشريف: الريس مقبل على-ضبط إيقاع-المعارضة المصرية!
-
الرئيس مات قبل التمديد: اللي خلف مماتش، المثل من مصر والريس
...
-
مآخذ على التيارات السياسية المصرية في ظل نظام يحتضر
-
رحيل ماهر عبد الله الإخواني الحداثي
-
عدوى الخوف من الغزو الثقافي تنتقل من العرب إلى الفرنسيين
المزيد.....
-
هل يعارض ماسك الدستور بسبب حملة ميزانية الحكومة التي يقودها
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وأخرى تستهدف للمرة الأولى-..-حزب
...
-
حافلة تسقط من ارتفاع 12 مترا في حادث مروع ومميت في فلاديفو
...
-
بوتين يتوعد.. سنضرب داعمي أوكرانيا بالسلاح
-
الكشف عن التاكسي الطائر الكهربائي في معرض أبوظبي للطيران
-
مسيرات روسية اختبارية تدمر مركبات مدرعة أوكرانية في اتجاه كو
...
-
مات غيتز يتخلى عن ترشحه لمنصب وزير العدل في إدارة ترامب المق
...
-
أوكامبو: على العرب الضغط على واشنطن لعدم تعطيل عمل الجنائية
...
-
حاكم تكساس يوجه وكالات الولاية لسحب الاستثمارات من الصين
-
تونس.. عبير موسي تواجه تهما تصل عقوبتها للإعدام
المزيد.....
-
كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل
...
/ حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
-
ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان
/ سيد صديق
-
تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ
...
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
المثقف العضوي و الثورة
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
الناصرية فى الثورة المضادة
/ عادل العمري
-
العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967
/ عادل العمري
-
المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال
...
/ منى أباظة
-
لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية
/ مزن النّيل
-
عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر
/ مجموعة النداء بالتغيير
-
قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال
...
/ إلهامي الميرغني
المزيد.....
|