|
الثورة وصراع الأنماط البشرية: التصعيد والإزاحة
حاتم الجوهرى
(Hatem Elgoharey)
الحوار المتمدن-العدد: 4003 - 2013 / 2 / 14 - 12:54
المحور:
الثورات والانتفاضات الجماهيرية
الأصل فى الطبيعة البشرية هو الاختلاف والتعدد والتنوع، وينتظم هذا التنوع فى أنماط سلوكية رئيسية تجمع داخلها البشر، وكذلك الأصل فى النفس البشرية هو الثبات على الطباع والميول، وعادة ما يكون هناك نمطا واحدا سائدا فى كل مجتمع محدد؛ يتم تصعيده ودعمه فى مقابل إزاحة باقي الأنماط البشرية. والأنماط البشرية فى حالة صراع وتدافع ودفع دائم، مهمة المجتمع الفعال الباحث عن التطور والرقى وبناء الحضارة، هو فتح الطريق أمام الأنماط البشرية الخلاقة وتصعيدها، وخلق حالة مجتمعية عامة تنتظم حولها باقي الأنماط البشرية الأقل قدرة وانضباطا، القوى السياسية والسلطوية الفاعلة فى المجتمع (ممثلة فى الجهاز الإداري والأمني) مسئولة عما نسميه: فتح وإغلاق المسارات الاجتماعية؛ لتصعيد أو إزاحة النموذج البشرى السائد فى المجتمع. ومنذ انطلاق الثورة وحتى الآن، ونحن نتعرض لعملية فتح وإغلاق للمسارات الاجتماعية فى مصر، كل غرضها هو تشويه الثورة وربطها بالخسارة الاجتماعية! يتم فتح الطريق أمام أنماط سياسية واجتماعية بعينها، بغرض السيطرة على المشهد السياسي وتوجيه الرأي العام بطريقة ناعمة غير ملحوظة، أولى أهداف النظام القديم كان تشويه وتغييب النموذج الثوري؛ وتمثل ذلك فى "ائتلاف شباب الثورة" أيقونة الثورة المصرية والتنظيم الوحيد القادر على هز النظام والتواصل مع الشارع بالفعل، فتم تمييع اسم وفكرة "الائتلاف" واختراع عشرات الأسماء الوهمية من أجل هذا الغرض! وشيئا فشيئا – لضعف الوعي السياسي النسبي عند الشباب وغياب جهاز إعلامي حقيقي معبر عنهم- تاه "ائتلاف شباب الثورة" فى الزحام، حتى تم حله وتوزيع كوادره على التشكيلات السياسية القديمة والجديدة. ثم تم فتح المسار الاجتماعي أمام ملف الفتنة الطائفية، وتم تصعيد أنماط بشرية ترتبط بمفهوم معين للدين قائم على مهادنة السلطة، فتم شغل الرأي العام والمسار الاجتماعي بقضية زائفة مفتعلة، وتم شق صف المعارضة السياسية للنظام القديم، بتفاهمات مع "الإخوان" تم بمقتضاها فتح المسار الاجتماعي أمام تجمعات سياسية كانت تقدم مفهوما للدين رفضه النظام القديم، لكنه رأى إمكانية لاستغلاله للخروج من أزمة مواجهة الثوار. وشجع النظام القديم وفتح المسارات الاجتماعية أمام الوقفات الفئوية، والمطالب الأحادية، ليرتبط مفهوم الثورة والحرية عند الناس بتلك المسارات الاجتماعية المشوهة، ويرتبط بالبلطجة وتجبر الباعة الجائلين وظهور مافيا مواقف السيارات، وعصابات الأحياء العشوائية وتبجح وانفلات أخلاق سائقي سيارات الأجرة وتأزيم يوم الإنسان المصرى عموما وتصعيبه، وإصابته بالإحباط واليأس والانكسار وكراهية الثورة. تم فتح المسار الاجتماعي أمام صعود أنماط بشرية أقل انضباطا واكتراثا بفكرة القيم والثورة والجماعة، أنماط بشرية – أنتجها وهمشها النظام السابق- تكترث فقط بذاتها ومنفعتها الفردية وليذهب المجتمع وثورته للجحيم. تحدثت فى كتابى "المصريون بين التكيف والثورة" عن خطورة سلطة "الدمج والتسكين" الاجتماعي التى يملكها الجهاز "الإداري والأمني" فى مصر الذى هو أداة الاستبداد التاريخية، لن يكون للثورة فرصة للنجاح السهل، طالما ظل ذلك الجهاز يملك قدراته التاريخية، لابد من تفريغ الجهاز "الإداري والأمني" من دوره التاريخى كأداة للاستبداد وخلق وتشكيل وتوجيه المسارات والأنماط البشرية والاجتماعية؛ نحو التكيف والخضوع وربط الثورة بالخسارة والثوار بالفوضى، الهدف الأول للثورة فى مصر هو نزع أظافر الجهاز "الإداري والأمني"، وتحويله لفكرة دولة المؤسسة والدور الوظيفي لا الدور السياسي التنميطى. يعتقد النظام الحالي أنه سوف ينتصر على الجهاز "الإداري والأمني" للنظام القديم المتمرس حول المؤسسة العسكرية، يعتقد انه سيستطيع القفز على مواجهة النظام القديم، ثم اختراقه وتطويقه عبر مرور الزمن بالتدريج! لكن ذلك احتمال بعيد جدا! لأن النظام القديم هو الذى استحضر النظام الحالي، وهو الذى فرض عليه معادلات الوجود السياسي وآليات تصعيد وإزاحة الأنماط البشرية، كذلك جاء النظام الحالي على حساب خسارة دعم الثوار، ومحاولة إنكار وجودهم، والاكتفاء بإشاعة وجود بديلين أمام الناس إما النظام الحالي أو معارضته السياسية، والتأكيد على غياب الثوار وخنق المسار الاجتماعي أمامهم! الافتعال المشوه للمسارات الاجتماعية وتعمد تصعيد وإزاحة أنماط بعينها لا تعبر عن الواقع التاريخى الراهن لحالة الثورة (معارضة كانت أو سلطة)؛ قد تنجح عبر آليات التنميط والمكسب والخسارة فى تكييف الناس مع الوضع إلى حين! لكن الخطورة حينما تتسع المساحة بين القاعدة الاجتماعية والنمط المعبر عنها؛ ساعتها سوف ينفجر الوضع الاجتماعي فى مصر فى ثورة تصحيحة، مطالبا بتصعيد الأنماط التى تعبر حالة الثورة وفكرتها.. ثورة مصر تتم عبر مراحل متدرجة، كان يمكن أن تأخذ الطريق السريع لولا أن وضع مبارك الثورة فى مأزق، حينما أسقط الثوار نظامه السياسي فأعاد إنتاج نفس النظام مرة أخرى، عبر مؤسسته العسكرية مستندا لدورها التاريخى فى مصر المعاصرة، نحن الآن فى منتصف الطريق تقريبا، وسوف تأخذ الطبيعة مجراها عبر الانتخاب والاستبعاد الطبيعي للأنماط البشرية لو سارت الأمور على ما يرام، لكن الوضع الحالي يشير لأننا سوف نمر بعمليات تكييف وتنميط مفتعلة، ثم انتفاضات ثورية تصحيحة، حتى نصل للمجتمع الفعال الذى يعطى السيادة والتصعيد للأنماط البشرية والاجتماعية الأكثر قدرة وانضباطا وإبداعا.
#حاتم_الجوهرى (هاشتاغ)
Hatem_Elgoharey#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
انتصار الثورة القيمية ومجموعات المصالح
-
حكايات غريب الثورة: عصام
-
الدافع السياسي لأحداث بورسعيد الأولى والثانية
-
الطريق إلى الاتحادية: دماء الثوار ومليشيا الوهم
-
من ديوان: الطازجون مهما حدث
-
طرق مطاردة الذات فى قصيدة النثر المصرية
-
25يناير2013 : سجال الأطراف الأربعة
-
-الحوار المتمدن- و-أنا علماني-
-
ذكروهم: التجمع الصهيونى فى فلسطين ومنظومة قيم - الطفرة - (mu
...
-
فى استراتيجية الثورة: الفرصة والفرصة المضادة
-
الثورة وإرث العلمانية والدين
-
الثورة والأيديولوجيا الشعبية والوعي الانتقائي
-
المسارين الثوري والسياسي: بين التكيف والتمرد
-
-محمد محمود- الماضى والمستقبل
-
الفلسطينى بين: الأيديولوجيا والتاريخ.. حين يكون الموقف مأزقا
...
-
كيف يكون الشعر إنسانيا فى المساحة السياسية!
-
اليسار: المصري، والفلسطيني، والصهيوني و خرافة -الاحتلال التق
...
-
-الصهيونية الماركسية-وجذور: المرحلية والنسبية، فى الفكر الصه
...
المزيد.....
-
الحراك الشعبي بفجيج ينير طريق المقاومة من أجل حق السكان في ا
...
-
جورج عبد الله.. الماروني الذي لم يندم على 40 عاما في سجون فر
...
-
بيان للمكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية
-
«الديمقراطية» ترحب بقرار الجنائية الدولية، وتدعو المجتمع الد
...
-
الوزير يفتتح «المونوريل» بدماء «عمال المطرية»
-
متضامنون مع هدى عبد المنعم.. لا للتدوير
-
نيابة المنصورة تحبس «طفل» و5 من أهالي المطرية
-
اليوم الـ 50 من إضراب ليلى سويف.. و«القومي للمرأة» مغلق بأوا
...
-
الحبس للوزير مش لأهالي الضحايا
-
اشتباكات في جزيرة الوراق.. «لا للتهجير»
المزيد.....
-
ثورة تشرين
/ مظاهر ريسان
-
كراسات شيوعية (إيطاليا،سبتمبر 1920: وإحتلال المصانع) دائرة ل
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي
/ الحزب الشيوعي السوداني
-
كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها
/ تاج السر عثمان
-
غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا
...
/ علي أسعد وطفة
-
يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي
/ محمد دوير
-
احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها
/ فارس كمال نظمي و مازن حاتم
-
أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة-
/ دلير زنكنة
-
ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت
...
/ سعيد العليمى
-
عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة
/ حزب الكادحين
المزيد.....
|