|
تهافت القداسة أم استقالة البابا
محمد حسين يونس
الحوار المتمدن-العدد: 4002 - 2013 / 2 / 13 - 19:28
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
سأحاول قدر جهدى أن أتعامل مع هذا الموضوع بحذرحتي لا أصيب قوما (دون قصد ) بجهالة فأصبح علي ما اقترفت من النادمين. المسيحي الصالح مقتنع ومؤمن بأن إختيار وتنصيب البابوات علي عرش بطرس الرسول جاء بإرادة ربانية لذلك مارس ببوات العصور الوسطي (علي رعاياهم ) سلطات روحية ودنيوية واسعة علي اساس انهم كلمة الله التي قد تجسدت و انهم لا ينطقون عن هوى انما هو سبحانه ملهمهم ومسيرهم علي درب الرشاد لهداية عابدية الي قصد السبيل . ما كان يتم من محاكمات وتعذيب وارهاب باسم الدين طال شعوبا ،ملوكا ،علماء، فنانين وفلاسفة من اسماء مثل هنرى الثامن ،كوبرنيكس ، جاليليو، جويا ،روجر بيكون واقباط مصر حتي انه قامت في اوروبا حركات إعتراضية (بروتستانت ) ضد فاشيستية الكاثوليك وإرادة البابا المطلقة قادها قسس مثل كلفن و لوثر وانتهت الي انفصال الكنيسة البريطانية ورفض كنائس الشرق الانصياع للهيمنة البابوية واتساع أعداد البروتستانت المتحولون عن الكاثوليكية. عصر النهضة في اوروبا بدأ بالثورة علي سلطات البابا الربانية وانتهي بأن ما لقيصر لقيصر وما لله لله، فتم الفصل بين الدين والدولة والكنيسة والحكومة وإن ظلت للبابا سلطة روحية واسعه علي ابناء كنيسته ومريديه تتبدى صباح كل احد في ميدان سان بيتر في الجموع الخاشعة المنتظرة طلته والاستماع الي موعظته وارشاده فالمسيحي الكاثوليكي حريص علي ان يبدى دائما محبته وتجاوبه لتعاليم الفاتيكان ورجلها القوى علي عرش الرسل. أسلوب إنتخاب البابا من بين الكرادلة ثم اللجوء الي السماء لتحدد من تختار يجعل من منصب البابوية منصبا يشغله صاحبه بارادة ربانية وبالتالي لا يمكن ازاحته عنه الا بالموت او الاغتيال، أما أن يستقيل البابا فهو مؤشر لتغير النظرة الي هذا المنصب الديني الرفيع لم تحدث منذ ألفي سنة ،فالبابا بذلك يعلن علي الملأ انه إنسان طبيعي يمارس عملا بشريا يجب ان يحوز مهاراته التي لو افتقدها لأى سبب فعليه التنحي ليشغل مكانه من هو أكثر مقدرة، بمعني النزول بالمنصب من علياء القداسة الي الواقع العملي وجعل من يشغل المنصب أن يضع في اعتباره أن النجاح و الفشل انما هو نتاج اختياراته وأعماله و ليس ارادة عليا سماوية. يالعظمة الانسان الاوروبي وقياساته وقراراته وفلسفته وقدرته علي التصحيح ، ففي اللحظة التي يتواضع فيها الكرسي الباباوى وينهي عصر قداسة شاغله ليحوله الي موظف عام (مدني الطابع ) يخضع لمتطلبات شغل الوظيفة واستمرارها نجد في شرقنا المنكوب من يحولون وظائفهم المدنية (الادارية ) الي تابو ويدعون لانفسهم قداسة ببوات العصور الوسطي رغم افتقادهم لأدني درجة علي مسطرة قياس التحضر. السلفيون والاخوان المسلمين الجوعي الشرهين لمتع الدنيا التي حرموا منها لسنين إستولوا علي مقاليد الحكم والسلطة المدنية اما غصبا او بالخديعة، وهم يسعون جاهدين لتحويل مناصبهم الي كراسي (مقدسة ) تسمح لشاغلها بنهب بيت المال ومراقبة البشر والتحكم في انتاجهم والحد من قدرات المبتلين بحكمهم من متخصصين ومبدعين لتقصر حتي مستوى ادراكهم الضيق وفهمهم المغلوط لآليات الحياة المعاصرة و تطور اساليب النهضة . ماهي الأسباب التي جعلت البابا المبجل من العالمين يتنازل عن سلطانه ،هيله ،هيلمانه مستقيلا في حين أن حثالة القوم من المدعين بانهم رجال دين مسلمين يسعون مجاهدين للقفز علي كراسي السلطة في بلادنا واحدا اثر آخر ولا يهتمون بجموع حاشدة تزأر ليغادروا مناصبهم. السؤال (في رأيي ) له إجابة واحدة إنه الفارق الرهيب في درجة تطور الذين يعيشون في المجتمعين .. فالمجتمع الاوروبي حقق وضمن لكل مواطن نفس الحقوق والحد الادني (وهو في الحق كثير ) من أسباب الحياة التي تجعل منه بشرا سويا ما دام يعمل وينتج ،أما من يقود ويتميز فهو الأكثر قدرة، علما ،وعطاءً ولا محل لأى انحرافات ،فساد ،رشوة او للعواطف المتوهجة لنصرة الاهل والعشيرة في هذا المجتمع البراجماتي، أما في مجتمعات الشرق السعيد فإن سحر الكرسي يمثل فارقا بين الوجود والعدم فالشحص الذى يعاني خلال رحلة حياته من الظلم ، التهميش ، الجور ،عدم الاحترام والتعرض للاعتقال والسجن وقطع الرزق بسبب معتقداته (هذا الشخص ) عندما يجلس علي كرسي من الكراسي السحرية يتحول بقدرة القادر ليصبح ذو حصانة تقية فتك الضوارى، حتي لو ضبط علي الطريق الزراعي في سيارة تتستر بالظلام يعبث مع خليلته. كارثة قدرة الكرسي علي تعديل المواقع في بلادنا إستفحلت وتعاظمت مع تعاظم ضيق الحال لذلك فالتمسك بالكرسي والصراع من اجله يتحول لدى المسئول الي معركة حياة او موت تجعله يسلك كل طريق ملتو للتخلص من المنافسين وضمان بقاؤه للأبد وزيرا او مديرا او حتي غفيرا. القصة قديمة عمرها نصف قرن يزيد عقدا عندما ازاح البكباشية من صغار الضباط قادتهم من الباشوات والبكوات وحلوا محلهم ( ببساطة غير متوقعة) يصادرون الاموال و ينهبون العزب والقصورويتمتعون بنمط حياة تاقوا اليه اثناء رحلة الفاقة التي عاشها بعضهم قي محاولات يائسة ( للفكاك من أسر طبقتهم والولوج الي الطبقة التالية المنعمة ) لم تنجح الا بعد التهديد باستخدام القوة والصعود علي فوهات مدافع الدبابات. عندما ملك صغار الضباط مصر وأصبحوا أصحاب القرار الذى لا رجعة فيه نظموا مجتمعا يتمتعون فية بسلطات لم يحزها الأباطرة يتحكمون بها في شعب فقير هدًّهُ الاستعمار والاستغلال فأصبحوا النموذج الذى يَحتـَذى به الشباب المعدم مركزا جهدة وأحلامه في الوصول الي كرسي من كراسي السلطة وكان الطريق في ذلك الزمن واضحا إنه التعليم الذى بات متيسرا لشرائح واسعة من المواطنين .. بمعني ان اختراق الطبقات الأعلي كان يتم اذا ماحصل شخص ما علي مؤهل دراسي ثم منصبا حكوميا يصعد به درجات السلم الوظيفي حتي منطقة اتخاذ القرار . الانفتاح الاقتصادى الذى تلي هزيمة الحلم القومي الناصرى أحدث خلخلة في البنية الطبقية للمجتمع، جعل العلم وسيلة ثانوية والعلاقات العائلية أو الخدمات المتبادلة هي الطريق الأساسي للثروة والنفوذ .. وهكذا اصبح للكرسي سحرا لا يقاوم فهو الذي يهدى لشاغله الثراء والرفاهية ونفوذا لصاحبه وعائلته ومعارفه وإلحاقهم بقطار الطبقة الجديدة. الكرسي السوبر الذى أعده السادات لنفسه فسقط بين يدى المبارك حول شخص عادى محدود الخبرة قليل الامكانيات الي رب صغير يأمر فيطاع ويتحكم في البشر ولا راد لارادته او نزوات زوجته وولديه. وهكذا كان من الصعب ان يقوم المبارك بمبادرة استقالة تشبه تلك التي قام بها البابا فيفقد السلطة والنفوذ لولا ضغط من أوباما وكلينتون . في امريكا واوروبا تستطيع أن تجد العديد من الرؤساء السابقين يعيشون بين القوم باحترام ولهم أدوار في خدمة المجتمع يقبلها ويقدرها الرئيس الجديد لذلك فعندما تغادر تاتشر او بوش اوكلينتون او جوربتشوف يظل مرحبا بهم في حين أن من يتجرأ ويرشح نفسه أمام رئيس مصرى فان مصيره اما السجن او النفي او الاغتيال فالرئيس الجديد لا يغفر له أنه كان منافسا وكاد ان يحرمه من السلطات التي تكفلها دساتير معيوبة يشكلها ترزية قوانين من اجل قوام الجالس علي العرش وتحاكي سلطات الاله. الكرسي في بلدنا يحول الإمعة الجاهل المتخلف الذى تسخر منه الجماهير الي عبقرى ينتظر الجميع قراراته الحكيمة ،و يتحول المسخ الاشوه ذو السحنة التي تشبه معتادى الاجرام الي الرئيس المفدى صاحب النهضة والعبور والتقدم ومايخترعه له قوَّادى اعلامه من صفات وأوصاف ومزايا وكرامات لذلك فمن المستحيل أن يترك مسئول كرسيه كما فعل بابا روما الا اذا غالبه من كان اكثر منه تناحة وبلطجة. إن الفارق الحضارى بين مجتمع يتمتع فيه الفرد بحقوق الانسان وآخر تساق فيه الرعية بالكرباج والتهديد، وبلطجية أمن الدولة تجعل من كرسي الأول مهمة ،شرف ،تكليف للأجدر ومن كرسي الآخر وسيلة تكسب ،ارهاب ،سطوة السلطة لذلك عندما يحال رئيس مجلس ادارة مؤسسة أوروبية للمعاش، فمعني هذا انه سيبدأ رحلة استمتاع بحياته بعيدا عن كد العمل يحصل علي معاش مقارب لدخله وتسهيلات تجعله يشارك في الحياة الثقافية والاجتماعية والرحلات التي تجوب العالم يلقي المحاضرات ويشارك فى النشاط ويصبح مواطنا لازال من حقه الحياة، أما رئيس مجلس إدارة الهيئة القومية المصرية فعندما يحال الى المعاش ينخفض دخله بعد حجز البدلات والمكافآت والهدايا والسيارات والرحلات الحكومية وعائد السمسرة ويصبح معاشه لا يكفى لتغطية أقل القليل من إحتياجاته ، إنه شخص مكروه من مرؤوسيه السابقين ومطرود من المشاركة فى الانشطة المختلفة وليس لديه الدخل الذى يسمح له برحلات ترفيهية وهو مطالب بالانفاق على أولاده وبناته وأحفاده مما دبر أو ادخر، لذلك فهو فى أثناء تواجده فى مغارة على بابا لا يكف عن النهب والسلب والتآمر والابتزاز للآخرين ليصبح ما وفره أو دبره عوضا عن معاش محدود القيمة ، تتدهور قدرته الشرائية بمرور الزمن. فليتأمل القارئ ما سيكون عليه حال رئيس وزراء أو وزير داخلية أو لواء فى الجيش بعد خروجه على المعاش وانسحاب كل مميزات الوظيفة ، إذا لم يكن قد عمل من أجل هذا اليوم وراكم الملايين والمليارات فى بنوك العالم لا تمس إلا عندما يقرر سيادته أن يستعيض عن متع المنصب بمتع الثروة. إن الاحالة على التقاعد الأوروبى رغم ما يسببه كسر إعتياد العمل من ألم إلا أنه فى النهاية إستعداد لاستكمال حياته فى هدوء ومتعة ، أما تقاعد المواطن المصرى فهو كارثة ومأتم وأحزان يعيش فيها يتذكر ما كان عليه من قوة ونفوذ وثروة، ولا يجد أغلبهم إلا طريق الدروشة والعمل للآخرة بالذهاب الى الجامع فى مواقيت الصلاة ولبس الجلباب والعباءة والطاقية والمسبحة وإطلاق لحية بيضاء كثيفة وإدعاء أنه كان صالحا، لهذا لن نجد بيننا البابا الرائع الصادق المحترم الذى يخرج على الناس قائلا إنى مستقيل من خدمة الانسان رغم أن الرب سبحانه بجلاله هو الذى إختارنىو اصطفاني وفضلني ووضعنى على هذا الكرسى.
#محمد_حسين_يونس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
التوحد والزهايمر في القمة الاسلامية.
-
تلويث الميدان بسلوكيات الاخوان
-
د.جمال حمدان وشخصية مصر
-
نكبة،نكسة ،وكسة وهزيمة
-
كلمات القدرة ولغة الضاد
-
ايش تعمل الماشطة في الوش العكر
-
هل سنزرع الأفيون في 2013
-
وضاع كفاح قرنين..يا مصر.
-
تأملات في مفهموم الجمال
-
محمد حسين يونس - كاتب وروائي مصري - في حوار مفتوح مع القارئا
...
-
يا شباب إسلامهم غيرإسلامنا
-
قوانين سيدى مرسي علية السلام .
-
هذه الخرابة تسمي مصر
-
بشرالقاع يتحدون العالم
-
الاستراتيجية الامريكية بلاء لبلادنا
-
تغير المفاهيم السائدة للاخلاق
-
الإنزلاق الي أسفل سافلين.
-
الحياة.. ليست عادلة.
-
تحرير العقل في زمن الثوابت.
-
آن الآوان للصمت و الانتظار.
المزيد.....
-
وجهتكم الأولى للترفيه والتعليم للأطفال.. استقبلوا قناة طيور
...
-
بابا الفاتيكان: تعرضت لمحاولة اغتيال في العراق
-
” فرح واغاني طول اليوم ” تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 اس
...
-
قائد الثورة الإسلامية: توهم العدو بانتهاء المقاومة خطأ كامل
...
-
نائب امين عام حركة الجهاد الاسلامي محمد الهندي: هناك تفاؤل ب
...
-
اتصالات أوروبية مع -حكام سوريا الإسلاميين- وقسد تحذر من -هجو
...
-
الرئيس التركي ينعى صاحب -روح الروح- (فيديوهات)
-
صدمة بمواقع التواصل بعد استشهاد صاحب مقولة -روح الروح-
-
بابا الفاتيكان يكشف: تعرضت لمحاولة اغتيال في العراق عام 2021
...
-
كاتدرائية نوتردام في باريس: هل تستعيد زخم السياح بعد انتهاء
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|