فيكن شيتريان
الحوار المتمدن-العدد: 1152 - 2005 / 3 / 30 - 13:02
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
يرتفع وسط دوشنبه، عاصمة طاجيكستان، تمثال ضخم لاسماعيل سوموني، الملك الفارسي الذي بنى في القرن العاشر امبراطورية آسيا الوسطى. بعد المرور تحت نوع من قوس النصر القائم خلف التمثال مباشرة، ندخل الى مزرعة رائعة من الورد مع جدارية من الرخام تمثل امبراطور سوموني من ساحل بحر قزوين الى حدود الصين. لم تكن العاصمة دوشنبه بل بوخارا وهي مدينة قائمة حالياً في أوزبكستان. يختصر هذا الأمر، بصورة واضحة، المشكلات النموذجية التي تشهدها آسيا الوسطى حول مسألة الهوية والحدود الوطنية. وقد وصلت كلفة هذا النصب، الذي شيّد في العام 1999، الى ما يقارب العشرين مليون دولار (حوالى 18 مليون يورو)، في حين لم تكن تتخطّى موازنة الحكومة 250 مليون دولار سنوياً (230 مليون يورو). يعود ذلك الى القيمة الكبرى المعطاة للرموز في آسيا الوسطى، حيث أنّ التعبّد لتلك الامبراطورية القديمة له أهمّية قصوى، وذلك أبعد بكثير من حدود طاجيكستان. أما في أوزبكستان المجاورة، فقد تمّ استبدال تمثالي لينين وماركس بنصب لأمير تيمور (تيمورلنك)، وهو عبارة عن تمثال فروسي لذلك المنتصر الذي عاش في القرن الرابع عشر شاهراً سيفه، يرتفع في وسط طشقند. من خلاله، تسعى سلطات أوزبكستان الى عرض صورة عن مدى قوّتها، في الوقت الذي تحتفظ فيه الشعوب المجاورة بذكرى مختلفة جداً عن الاحتلالات التي حققتها تلك الأخيرة، فاسمها يذكّر، انطلاقاً من قرغيزيا وصولاً الى جورجيا، بصور المدن المدمّرة وأهرام الجماجم [1] . المشكلة الثانية هي أن تيمور لم يكن اوزبكيا، علماً بأن القبائل الأوزبكية (الشايبانديز) التي احتلت آسيا الوسطى قد طردت من بقي من التيموريين، فلجأ بابور، حفيد تيمور، الى الهند حيث أسّس إمبراطورية المغول. يشرح العالم السوسيولوجي سودات أوليموفا الآتي: "نحن بحاجة هنا لبناء هويّة قوميّة موحّدة لكل المنتمين السابقين لطاجيكستان، وذلك للتخلّص من مشاعر الكبت والعار التي خلفتها الحرب. خلال الحكم السوفياتي، كانت طاجيكستان هي الأكثر فقراً بين الجمهوريات الخمس عشرة، لكن ذلك لا ينفي حقيقة انتمائها الى قوّة عظمى. نحن اليوم نشكل جزءا من البلدان الأكثر فقراً في العالم". ليس الافتقار الى الخيال التاريخي سبباً قي دحض محاولة إحياء القومية، إنما ذلك يعود الى الفقر الشديد الذي تعاني منه البلاد. وبالرغم من النموّ النسبي الذي شهدته في مجالي الزراعة والتجارة، تحصي طاجيكستان عددا قليلا من الوظائف، مع العلم أن نصف سكانها هم دون الثامنة عشرة. هكذا رحل حوالى المليون طاجيكي بحثاً عن العمل في روسيا أو في كزاخستان، متسللين في أغلب الأوقات. وبسبب الكره المتصاعد للأجانب في روسيا فانّ هؤلاء المهاجرين، إضافة الى سواهم القادمين من بلاد آسيا الوسطى، يعيشون حياة لا تحتمل، حيث يستغلهم أرباب العمل ويتعرّضون لتنكيد الشرطة. وفي كلّ سنة يعود المئات منهم الى بلادهم ملتفّين بأقماط داخل نعوش.
خرجت طاجيكستان ببطء من الحرب الأهلية المدمّرة التي اندلعت فجأة عام 1992، مخلّفة وراءها آلاف الضحايا [2]. مع العلم أنه تمّ وضع حدّ لها بعد خمسة أعوام، من خلال ميثاق للسلام صدر في العام 1997، وخصّ المعارضة الاسلامية بقيادة حزب التجدّد الاسلامي، بثلث المراكز الحكومية. وفي منطقة لم يتقبّل فيها القادة الشيوعيون السابقون السياسة الاسلامية أبدا، حقّق دخول الحزب الى الحكم تقدماً كبيراً نحو حلّ الصراع وإرساء حدّ أدنى من الديموقراطية. وقد أصبح للحزب مقاعد في البرلمان بجانب الحزب الديموقراطي الشعبي (المترئس) والشيوعيين، وهو لا يهتمّ بمصالح البيروقراطية الحكومية بقدر اهتمامه بمصالح تجار الأسواق. ولكن بعد أحداث 11 أيلول/سبتمبر، تغيرت موازين القوى، وتمّ تهميش حزب التجدد الاسلامي الذي، وبحسب قول المحلل السياسي في دوشنبه، السيد بارفيز مولوغانوف، "لا يريد زعزعة علاقاته الجيدة بالرئيس، فيبقى متكتماً في الوقت الراهن". وحين قامت السلطة بقمع المناضلين السابقين في المعارضة وأقالتهم من مناصبهم الحكومية وزجتهم في السجن، لم يحرّك الحزب ساكناً، حفاظاً على تعاونه مع الحكومة. لذلك، ظهرت في طاجيكستان، كما في سواها من بلدان آسيا الوسطى، أشكال جديدة لحركات أصولية اسلامية سرّية. أشهرها حزب التحرير، وهو حركة سنّية أصولية نشأت في أوساط اللاجئين الفلسطينيين في الأردن، تدعو الى عودة الخليفة [3]. ان هذا الحزب المهمّش في الدول العربية، يتمتّع بشعبية كبيرة في آسيا الوسطى. وبحسب السيد مولوغانوف، يقتصر تأثير هذا الحزب في الوقت الحالي على الأقليات الأوزبكية في طاجيكستان. يقول: "تقوم شعبية الحزب على تيار الطورانية الذي يتخذ أشكالاً مختلفة في آسيا الوسطى. لقد عرفنا في ما مضى حركة التجديد الاسلامية [4] ،ومن بعدها القومية، ثمّ الاسلام اليوم." على مدى أيام عدة من شهر آذار/مارس 2004، وقعت معارك في شوارع بخارا وطشقند، حيث اعتدى العشرات من الناس على مراكز للشرطة. بعدها، في شهر تموز/يوليو، قامت نساء من الانتحاريات بالهجوم على سفارة الولايات المتحدة وسفارة اسرائيل. وقد أسفرت هذه الاعتداءات عن أكثر من خمسين قتيلا وعشرات الجرحى، الأمر الذي أكّد هشاشة الوضع في أوزبكستان. وكانت البلاد قد شهدت هذا النوع من الاعتداءات، لكنّ عنصرين جديدين أضيفا عليها هذه المرة: أوّلا ان الأحداث انطلقت من بوخارا التي كانت تعدّ مدينة هادئة حتى الآن، وليس من وادي فرغانا الذي كان أكثر عرضة للاعتداءات. ثانياً، حظيت تلك العمليات الارهابية بموجة من التعاطف الشعبي. ويعتبر الكثير من سكان طشقند أنفسهم غير معنيين بذلك، طالما أن الاعتداءات تستهدف الشرطة رمز الفساد والقمع. وفي ظلّ المشكلات الاقتصادية الخطيرة التي تعاني منها أوزبكستان، وانعدام امكانات التعبير العلنية، هنالك احتمال لاندلاع العنف بطريقة أخطر بكثير. الرئيس الأوزبكي السيد إسلام كاريموف اتّهم حزب التحرير بالوقوف وراء تلك الاعتداءات. وقد تحول هذا الحزب الذي ينفي اللجوء الى العنف الى ما يشبه تنظيم "القاعدة" [5] ، بالنسبة لقادة آسيا الوسطى والمعلقين الروس والأميركيين. أما الخطورة الحقيقية فهي أن تؤدي عملية القمع القوية والمتواصلة لحزب التحرير الى تشكل جماعات سرية أكثر تشدداً وأكثر ميولاً من الحزب الى اعتبار العنف وسيلة شرعية للعمل السياسي. وتعود نواة حزب كهذا الى حركة أوزبكستان الاسلامية التي تشكلت في العام 1998 ، على ايدي مناضلين سابقين من اوزبكستان كانوا طرفا في المعارضة في حرب طاجيكستان الأهلية. منهم السيد طاهر يولداش المسؤول عن الادارة السياسية للحركة والسيد جوما نامانجي الذي يتكفل بالمسائل العسكرية. وينتمي كل منهما الى وادي فرغانا، وهي منطقة محرومة على خلاف مع الرئيس كاريموف. لقد تمركزت الحركة في المناطق الجبلية في طاجيكستان وقرغيزيا (تافيلدارا وباتكين) وقامت بهجومات عسكرية في قرغيزيا عام 1999 وساندت أوزبكستان بجرأة عام 2000. وبمؤازرتها لنظام طالبان في أفغانستان، تعرّضت للخسائر إثر الاجتياح الأميركي، فقتل نامانغاني خلال عمليات القصف على قندوز. ومنذ ذلك الحين، دخل المحاربون الأوزبكيون في المواجهات بين القوات الحكومية الباكستانية والمتمردين الاسلاميين في المناطق القبلية في وزيرستان . [6]
لم يكن باستطاعة كل من الحزب أو الحركة الاسلامية زعزعة الاستقرار في أوزبكستان لو لم يكن نظام البلاد عرضة لأزمة قوية. ففي بداية التسعينات، اختارت أوزبكستان طريقة مختلفة عن نظام الخصخصة الشاملة الذي اعتمدته سائر دول الاتحاد السوفياتي السابق، بحيث يستمر الحكم، في ظل نظام قمعي، بالاشراف على معظم النشاطات الاقتصادية. وهذا النظام الذي يؤدي الى استقرار فعلي وتراجع اقتصادي كبير في الوقت نفسه، قد تمّ اعتماده في أوزبكستان ولكن بجدّية أقلّ. الأمر الذي يصبّ في مصلحة المستثمرين الأجانب، بمن فيهم صانعو السيارات من ألمانيا وكوريا الجنوبية، إضافة الى شركات الزراعة الغذائية السويسرية والبنوك الهولندية. لكنهم جميعا لاذوا بالفرار بسبب المستوى العالي للفساد وسيادة التعسّف، إضافة الى التدقيق في الرقابة الادارية،. حالياً، لا يزال النظام صامداً بفضل تصدير المعادن غير الخالصة والقطن ـ يتمّ شراء هذا الأخير من المزارعين الذين يفرض عليهم سعر أدنى بكثير من السعر المتداول عالمياً.
بعد ثلاث عشرة سنة من سقوط الاتحاد السوفياتي، لا تزال ظروف الحياة في أوزبكستان الى تراجع. وتكاد حالة المزراعين تتحوّل الى نوع من الاستعباد، إذ لا يحق لهم مغادرة الكولخوز، ولا اختيار ما يزرعون ولا وجهة بيع منتوجاتهم. وفي آسيا الوسطى، يشهد هنا وهناك نزوح كثيف نحو العاصمة للمزارعين والعاطلين عن العمل في المناطق الريفية، الأمر الذي يؤدي الى ظهور كل أنواع المشكلات الاجتماعية الجديدة، من بينها انتشار وباء السيدا [7]. وقد اقتصرت ردة فعل السلطات على عزل البلاد، من خلال فرض نظام لاعطاء تأشيرات الدخول لسكان البلاد المجاورة وبإقفال الحدود ـ التي قامت حتى بتلغيمها. والاجراءات الأخيرة التي تهدف الى تقليص حجم التجارة في الأسواق التقليدية، قد أدّت الى تظاهرات عمّت دول وادي فرغانا. وخلافاً لبداية التسعينات، لم يعد هنالك أحد في طشقند يؤمن بأن الاستبدادية قد تؤدي يوماً ما الى زيادة الاستثمارات الخارجية والى الاصلاح والتطور.
أما بالنسبة الى تركمانستان، فقد أصبحت أشبه بمتنزه ذي محور ستاليني، فهي تشهد تضاعفا لعدد الفنادق الفخمة والقصور الرئاسية، في الوقت الذي لا يستطيع فيه بعض المواطنين الحصول حتى على مياه الشفة. السيد سابارمورات نيازوف، الملقب بتركمان باشا، موجود في كل مكان، فهو الذي أسس رسمياً كل الصحف في البلاد، وتظهر صوره في كل البرامج التلفزيونية، كما يفرض على كل الطلاب والموظفين قراءة كتاباته تحت عنوان "روحناما" ("كتاب الروح").
لقد أطلق السيد نيازوف ابتكاراً اجتماعياً يهدف الى صقل جيل جديد من التركمان على صورته ومثاله. فألغى تعليم اللغات الأجنبية، وقام بحلّ الأوركسترا الموسيقية، وأصدر مرسوماً بإلغاء التركمانية، وأعاد فترة التعليم الاجباري من اثنتي عشرة سنة الى عشر فقط، وأبطل جميع الشهادات العالية التي تمّ الحصول عليها من خارج البلاد بدءًا من العام 1993. هكذا انخفض عدد الطلاب في التعليم العالي من ثلاثين ألفا في السنوات العشر للحكم السوفياتي الى ثلاثة آلاف [8] . وقد تمّ اخضاع وسائل الاعلام للرقابة ومراقبة الانترنت، وقد أصبح من الصعب الدخول الى البلاد والخروج منها.
بلغ القمع العنيف للمنشقّين درجة لا مثيل لها، وذلك بعد محاولة اغتيال السيد نيازوف في العام 2002 [9]. وترفض الإدارة التركمانية أيّ انتقاد توجهه المنظمات الدولية، الأمر الذي تعتبره تدخلاً في مسائل البلاد الداخلية. وقد طالب باللجوء أكثر من إثني عشر ديبلوماسيا تركمانيا مع عائلاتهم خلال الأعوام الأخيرة. إن ثمانين في المئة من أراضي تركمانستان صحراوية، وليس لدى القبائل البدوية سوى شعور عابر بالانتماء القومي. كما أن البلاد غنية بالغاز الطبيعي، لذا يصبح من السهل تمركز السلطة بين يدي رجل واحد، وتأمين التمويل اللازم لتركيب شرطة قمعية. لكن قيادة تركمان باشا النزوية قد أدّت الى شلل تامّ في البلاد، والى تراجع الزراعة، والى بطالة كثيفة في أوساط الشباب الى درجة تدعو الى التخوّف على مستقبل البلاد.
لا تزال تعدّ قرغيزيا، حتى اليوم، المجتمع الأكثر انفتاحاً في آسيا الوسطى، بالرغم من السياسات الاستبدادية السائدة فيها منذ بضع سنوات. ذلك أن التعدّدية الكرغية عائدة فعلياً الى عدم قدرة الرئيس أسكار أكاييف على تدعيم حكمه الاستبدادي، وليست ناتجة فقط من تطوير مؤسّسات سياسية حقيقية تسمح للمواطنين بممارسة حقوقهم. وخلال سنوات الخصخصة، نشأ نظام تمحور حول "عائلة" الرئيس. وقد حصل الأمر نفسه في البلاد المجاورة، في كزاخستان وأوزبكستان، حيث يحتكر أقارب الحكام كامل القطاعات الاقتصادية المربحة أو جزءا منها ـ وبحسب مصادرنا، تشكل تلك القطاعات كل المؤسسات التي يتعدّى مجموع مبيعاتها المليون دولار، أي النقليات الجوية، واستيراد المواد الاستهلاكية، والأشغال العامة والنقل، الخ.
يتوقع اجراء انتخابات تشريعية ورئاسية في قرغيزيا في العام 2005. لكن الرئيس المنتخب لن يطمع باعادة انتخابه، مما سيؤدي الى تجديد الطبقة النخبوية للمرة الأولى منذ استقلال البلاد، انّما ذلك سيتم على حساب صراع عنيف من إجل الوصول الى السلطة. وبحسب تقدير السيد ألكسندر كولينسكي، وهو صحافي مقيم في بيشكك "إن الرئيس وعائلته سيحاربون بكل الوسائل المتاحة لهم. لا يوجد سوى القليل من الأحزاب الديموقراطية، والأكثرية تدعي الديموقراطية للحصول على امتيازات من الغرب". في بداية التسعينات، شهدت قرغيزيا وضع نظام اصلاحي جاهز للتطبيق في مجمل الاتحاد السوفياتي السابق. لكن الرئيس أكاييف كان عالماً وليس شيوعيا سابقاً في الحزب، فقد قام بفرض الحرية السياسية وأنشأ صحافة حرّة، كما خصخص الاقتصاد بفضل التبرّعات التي تكارمت بها المنظمات الدولية. لكن للأسف، لم تشكّل تلك الاستثمارات سوى جزء بسيط من المساعدات التي قدّمها الاتحاد السوفياتي في السابق، ممّا أدّى الى إقفال المناجم والمصانع، والى مغادرة العمّال الروس المؤهّلين بصورة كثيفة. وبالرغم من محاولة انقاذ الاقتصاد المتدهور، لا يزال عدد الولادات ينخفض كل سنة بمعدل 55000. يضاف هذا التراجع الديموغرافي "الطبيعي" الى هجرة حوالى النصف مليون عامل قرغيزي الى روسيا أو كزخستان.
في ظلّ تلك الظروف، وبحسب تحليل اميل جوراييف أستاذ العلوم السياسية،" إن كل الجهود التي بذلتها الحكومة من أجل خلق هوية قومية جديدة قد باءت بالفشل. في المقابل، قوي الشعور بالانتماء العرقي، إضافة الى المشاعر القبلية والمناطقية. وإنّ السلطة في البلاد تعتمد، بشكل أساسي، على مكاتبها المركّزة في العاصمة بيشكاك، وعلى النظام القبلي في الوقت نفسه." كما تفتقر قزخستان، كونها بلادا جبلية، الى طرق رئيسية كفيلة بتوحيدها. لذا يخشى أن يؤدي الصراع حول السلطة، وبحسب العديد من المراقبين، الى انقسام بين وادي شوي شمالاً، الذي يضمّ العاصمة، ووادي فرغانا جنوباً الذي يضمّ أوش، وهي ثاني أكبر مدينة في البلاد.
إن كزاخستان هي الوحيدة، بين الدول، التي شهدت ارتفاعاً في انتاجيتها الاقتصادية، وذلك بفضل تصديرات البترول التي تدرّ عليها أرباحا كبيرة. فقد ارتفع اجماليّ نتاجها القومي بنسبة تسعة في المئة في العام 2003، وفي ذلك العام تخطّت قيمة الاستثمارات الأجنبية فيها ملياري أورو [10] . وقد تصدّر الانتخابات التشريعية في تشرين الاول/أكتوبر 2004 حزبا "أوتون" ("الأمّة") بقيادة الرئيس نور سلطان نازارباييف، و"أسار" ("معاً") بقيادة داريغا ابنة الرئيس. ان التحالف الاساسي للمعارضة المؤلّف من الحزب الشيوعي والخيار الديموقراطي لا يملك مقاعد في البرلمان. ولا تكمن أهمية عملية "أسار" بالنتائج التي حققتها ـ لم يحصل الحزب سوى على أربعة مقاعد من أصل سبعة وسبعين ـ بقدر ما حققته على الصعيد السياسي. والبعض يردّ ذلك الأمر الى إرادة الرئيس نازارباييف، بعد أن سيّر وسائل الاعلام وفرض وجوده الناشط في الاقتصاد، بالتأمين على خلافة ملوكيّة مع ابنته داريغا، على غرار ما قام به حيدر عالييف وابنه الهام في أذربيدجان. [11]
إن الدول الخمس التي تؤلّف آسيا الوسطى السوفياتية، لم تحصل على استقلالها في العام 1991 بفضل تحرّك الجموع معها بل ضدّها. خلافاً لدول البلقان والقوقاز، أيّدت الأكثرية الساحقة من الشعوب وقادتهم المحافظة على الاتحاد السوفياتي وذلك حتى اللحظة الأخيرة. إن الرؤساء الخمسة الذين ما زالوا حاكمين حتى الآن في آسيا الوسطى، والذين يصنعون المستقبل، قد وصلوا جميعاً الى الحكم في الثمانينات، خلال فترة حكم البيريسترويكا. ومن المؤكد أنّ كلا من تلك الدول قد عملت على إعادة إثبات شرعيتها، كل واحدة على طريقتها الخاصة. فانطلقت كل من قزخستان وقيرغيزستان على طريق الخصخصة والاصلاح، وحافظت كل من أوزبكستان وتركمانستان على الحكم السلطوي وتسيير الاقتصاد، وتوصّلت طاجيكستان الى مصالحة وطنية مدهشة بعد أن فكّكتها حرب أهلية عنيفة. لكن تلك البلدان تتّجه نحو تركيز السلطة بين أيدي حاكم الدولة.
لم تقتنع غالبية الشعب بفكرة الاستقلال القومي. فبسبب تراجع ظروف المعيشة، يصبح التخطيط لدولة قومية جديدة أمراً غير شرعي سياسياً. وبالفعل، إن الشبكات القائمة على الاتحاد المناطقي هي التي تفرض نفسها في الوقت الحالي، وتتعارض مع الأفكار المثالية التي كانت تنشدها بعض الجماعات منذ عشر سنوات، في ما يخصّ توحيد المناطق تحت الراية التركية ـ لا تزال تلك الجماعات تطالب بذلك إنما تحت راية الاسلام. إن النخبة السياسية المتخرّجة من المدارس السوفياتية لا ترى في الاسلام سوى "التطرّف" و"الارهاب". وهي لم تعترف له يوماً بمركز ما خارج المظاهر الفولكلورية، في الوقت الذي أصبح من الضروري إعادة تقويم ماضي الاسلام وحاضره في مجتمعات آسيا الوسطى، بعد انهيار الايديولوجيا وأساليب القمع الشيوعية. من الآن فصاعداً، أصبحت عملية قمع الجماعات السياسية الاسلامية، والعديد من التجمعات السرية، تترافق مع ارتداد متزايد للاسلام في تلك المجتمعات، بمن فيهم كزاخستان وقرغيزيا حيث لا يزال الاسلام السياسي يزداد تزمّتاً.
--------------------------------------------------------------------------------
* صحافي، يريفان, جنيف
--------------------------------------------------------------------------------
[1] Christian de Brie, “Au temps de Gengis Khan et de Tamerlan”, Manière de voir n˚ 76, « Les génocides dans l’histoire », aôut-septembre 2004.
[2] Alain Gresh, “Les Républiques d’Asie centrale s’engagent sur des chemins différents », Le Monde diplomatique, décembre 1992.
[3] إن مصطفى كمال، الملقب بأتاتورك، هو الذي أعلن نهاية الخلافة، أي كل سلطة سياسية دينية متمحورة حول الاسلام، وذلك غداة الحرب العالمية الأولى.
[4] إن هذه الحركة التي نشأت في آسيا الوسطى قد طالت النظام التعليمي والفكر الاجتماعي والمعايير الأخلاقية. لكن عمليات الابادة السوفياتية في الثلاثينات وضعت حداً لها.
[5] Jean -Francois Mayer, Hizb ut-Tahrir -The Next Al-Qaeda, Really? PSIO Occasional Paper, Geneve, 2004.
[6] Artie McConnell, “Tashkent bombings signal rise in Islamic activities”, Jane’s Intelligence Review, Londres, mai, 2004.
[7] Gulnoza Saidazimova, “HIV Infections Mount In Uzbekistan As Prostitution Rises”, Radio Free Europe/Radio Liberty, Prague, mise en ligne à www.rferl.org le 30 novembre, 2004.
[8] “Cracks in the Marble: Turkmenistan’s Failing Dictatorship”, International Crisis Group, Asia Report n˚ 44, Osh/Brussels, 17 Janvier 2003, page 26.
[9] كان على صلة بمحاولة الاغتيال تلك، اعتقال كل من وزير الخارجية التركماني السابق، السيد بوريس شيكمورادوف، ومفتي الجمهورية السابق، السيد نصرالله بن عبدالله
[10] Andrew Jack," Kazakhstan turns into magnet of central Asia", Financial Times, London, May 26, 2004.
[11] “Relevé de générations dans le sud du Caucase”, La Monde diplomatique, Janvier 2004.
#فيكن_شيتريان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟