|
بلزاك: الروايةُ والثورةُ (1-2)
عبدالله خليفة
الحوار المتمدن-العدد: 4001 - 2013 / 2 / 12 - 09:10
المحور:
الادب والفن
أونوريه دي بلزاك cazlaB ed éronoH (20 مايو 1799 - 18 أغسطس 1850) روائي فرنسي، يُعتبر مع فلوبير، مؤسِّسَي الواقعية في الأدب الأوروبي. إنتاجهُ الغزير من الروايات والقصص، يُسمى في مجموعه الكوميديا الإنسانية eniamuh eidémoC كان بمثابة بانوراما للمجتمع الفرنسي في فترة عودةِ المَلكية (1815-1830) ومَلكية يوليو (1830-1848). وكان أونوريه دي بلزاك من رواد الأدب الفرنسي في القرن التاسع عشر في الفترة التي اعقبت سقوط نابليون وكان روائياً وكاتباً مسرحياً وناقداً أدبياً وناقداً فنياً أيضاً كما اشتهر بكونه كاتباً صحفياً وطابعةً وقد ترك بصمةً كبيرة في الأدب الفرنسي برواياته التي تتعدى الـ91 رواية وقصص قصيرة (137 قصة) نُشرت ما بين 1829 إلى 1852 وقد وُلد في 20 مايو 1799، وتُوفي في باريس 18 أغسطس .1850 وقَيل إنه كان من مدمني العمل الأدبي مما أثر على وضعه الصحي (توفي في سن مبكرة عن عمر ناهز الـ51 عاماً)، (وكان في حياته يعاني من الديون التي أثقلت كاهله بسبب الاستثمارات المحفوفة بالمخاطر التي غامر بالقيام بها، وقضى عمره فاراً من دائنيه مختفياً ومتقمصاً أسماء وهمية وفي منازل مختلفة، وعاش بلزاك مع العديد من النساء قبل أن يتزوج في 1850 الكونتيسة «هانسكا» التي ظل يتودد إليها أكثر من سبعة عشر عاماً)، موسوعة لوكيبيديا. لقد حظي بلزاك بتقدير المفكرين التقدميين ولهذا كان كارل ماركس يتصور أن بلزاك قدم تحليلاً واسعاً نقدياً عن النظام الرأسمالي في فرنسا، ولكنه كان مرتبكاً من الناحية الفكرية حيث اعتبر أن النموذج الملكي الرأسمالي البريطاني هو الأفضل لفرنسا لو طُبق، واعتبر ذلك رؤيةً خيالية من جانبه لكون النماذج الاجتماعية تظهر من خلال نضال الشعب ولا تُستورد. ويقول جورج لوكاش عن بلزاك: (لقد بيَّن أنجلس أن بلزاك، رغم أنه مَلكي سياسيا، توصل في أعماله تحديداً إلى فضح فرنسا الإقطاعية، والملَكية، وإلى توضيح بطريقة قوية وممتازة، كيف أن النظامَ الإقطاعي كان محكوماً بالموت)، بلزاك والواقعية الفرنسية، دار الناشرين المتحدين، ص.18 (لا أحدَ مثل بلزاك أحسَّ بعمق الآلام اللاحقة بكل طبقات الشعب من جراء الانتقال إلى الانتاج الرأسمالي والانهيار الروحي والأخلاقي العميق الذي كان ضرورياً في تطور كل طبقات الشعب..)، السابق، ص.22 لم يكن بلزاك متناقضاً مع نفسه، لأنه هو ذاته تجسيدٌ للتناقض. المحللون التقدميون لم يكتشفوا شخصية بلزاك ذاته كبرجوازي صغير، فهذا الكائنُ الاجتماعي الإنساني عبّر عن التناقضات الاجتماعية من داخل رؤيته المتناقضة كعضو في فئةٍ مترجرجة. فهو كاتبُ يبيعُ بضاعتَه الورقية ويطمحُ إلى الغنى، وهو تاجرٌ صغير ومساهم ومضاربٌ يسعى للارتفاع إلى طبقة البرجوازية بسرعة شديدة، لكنه مَدين ومفلس ويخاف السقوط في طبقة العمال والمعدمين، وهو عاشق موله يحب ارستقراطية ثرية ترثُ الكثيرَ ولكنه يموت دون أن يطال شيئاً من ثروتها. بين هذا وذاك عاش، وذبذبتُهُ الاجتماعيةُ السياسية تؤرجحُهُ هنا وهناك، تغدو تأييداً لنضال الجمهوريين الشجعان وبقاءً على الولاء للملَكية، تصيرُ رغبةً شديدة في الثراء والوصول إلى الرأسمالية وتكتب كذلك تصويراً لاذعاً للرأسمالية. هو كاثوليكي مَلكي ويعري الكاثوليكيين المَلكيين. هو خيالي شديد الخيالية حيناً وهو دارسٌ مختبري مدقق حيناً آخر. هو واقعي وهو رومانسي. هذه الكتلةُ الحساسة المبدعة التي ظهرتْ من بين فئات البرجوازية الصغيرة رأت الثورةَ التي قادتها فئات البرجوازية الصغيرة، بخلاف المتصور أنها الطبقةُ البرجوازية، فقد مهدتْ لها وعبّدت الطريق أمامها بعد عقود تلك الفئاتُ المترجرجة، وخلقتْ من زمن الثورة اضطرابات واسعة وتحولات شاسعة، فعبرَ بلزاك عن الاضطراب وعن لحظات التقدم المتوارية في الأشياء والعلاقات، وطمحَ إلى الاستقرار السياسي ورفضَ حكمَ الثورة ولكنه أحسَّ بالثورة التي ستتفجر لاحقاً. كره الثورةَ وعبدَ نموذجها العسكري الذي صعدَ على أكتافها وغيرَها وسحقَها: نابليون بونابرت. علينا أن نقرأ بشكلٍ واسع كيفيةَ تجسد هذا التناقض روايةً، وسياسةً، وخاصة عبر التكوينات الإبداعية التي تعكس هذه الرؤية المتضادة ونرى أن نموذجَها الشخصي المستمر والواسع هو البرجوازي الصغير، هو نموذجها الخلاق المأزوم. تتحكمُ فيه البُنى الاجتماعيةُ المتحولة، ويضع قدماً في اليسار ويضع قدماً في اليمين، يضعُ قدماً في العمال والفلاحين وأخرى في الأغنياء والمترفين! يضعُ يداً في العلم ويتناول أدوات الباحثين ويضعُ يداً أخرى في الفن والتحليق في الخيال. بلزاك يعطينا مفاتيح ليس لفهم الثورة الفرنسية بل كذلك الثورات التالية في القرن العشرين التي صنعتها نفسُ الفئاتِ الصغيرة المتناقضة، وبالتالي يحتاجُ الأمرُ إلى تحليل مطول وهنا بعضٌ منه.
#عبدالله_خليفة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
التوصيفُ الطبيعي للربيع العربي
-
تسريحُ العمالِ ومسئوليةُ الانتهازيين السياسيين
-
أسباب تمكن الحركات الطائفية من الاختراق
-
تصادمُ المذاهبِ المُسيّسة
-
مشكلاتُ عمالِ الريف
-
ثورةٌ مع مَن وضد مَن؟
-
الجمهوريةُ والمَلكيةُ عربياً
-
الأشكالُ السياسيةُ والتطور الصناعي
-
الجمهورية والرأسمالية
-
إسحاق يعقوب الشيخ وحلمُ شعب (4-4)
-
إسحاق يعقوب الشيخ وحلمُ شعبٍ (3)
-
ديمقراطيةٌ متدرجةٌ في الخليج
-
ثورةٌ تقودُها البرجوازيةُ الصغيرة (2-2)
-
ثورةٌ تقودُها البرجوازية الصغيرة (1-2)
-
العمال والنقابات والطائفية
-
الديمقراطيةُ أو الفاشيةُ
-
إيران و مخاطر تجربة ألمانيا الهتلرية
-
نضالٌ ديمقراطي مشتركٌ
-
صراعُ الطائفيين في سوريا: الخاتمةُ المروعةُ
-
اليسارُ والطائفيةُ (2-2)
المزيد.....
-
تلاشي الحبر وانكسار القلم.. اندثار الكتابة اليدوية يهدد قدرا
...
-
مسلسل طائر الرفراف الحلقة92 مترجمة للعربية تردد قناة star tv
...
-
الفنانة دنيا بطمة تنهي محكوميتها في قضية -حمزة مون بيبي- وتغ
...
-
دي?يد لينتش المخرج السينمائي الأميركي.. وداعاً!
-
مالية الإقليم تقول إنها تقترب من حل المشاكل الفنية مع المالي
...
-
ما حقيقة الفيديو المتداول لـ-المترجمة الغامضة- الموظفة في مك
...
-
مصر.. السلطات تتحرك بعد انتحار موظف في دار الأوبرا
-
مصر.. لجنة للتحقيق في ملابسات وفاة موظف بدار الأوبرا بعد أنب
...
-
انتحار موظف الأوبرا بمصر.. خبراء يحذرون من -التعذيب المهني-
...
-
الحكاية المطرّزة لغزو النورمان لإنجلترا.. مشروع لترميم -نسيج
...
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|