|
تأملات في أفق المعرفة والشهادة: في نضال واستشهاد عبد الخالق محجوب
عادل عبد العاطى
الحوار المتمدن-العدد: 1152 - 2005 / 3 / 30 - 12:58
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
تأملات في أفق المعرفة والشهادة في نضال واستشهاد عبد الخالق محجوب قالوا له : ماذا قدمت لشعبك؟ أجاب: الوعي ؛ بقدر ما استطعت!!
حين اسقط مؤلف "أعلام الفكر السوداني"؛ عبد الخالق محجوب من قوائم عمله ؛ الذي أراد له الموسوعية؛ فقد تجاوز بذلك حدود التقصير المغتفر إلي مزالج الانكسار المنهجي. ونسمى هذا الإسقاط انكسارا؛ لأنه خضوع في أوله ومنتهاه؛ إلي منطق الضغط السياسي؛ والى دواعي الاستلطاف والكره؛ الشخصي أو الفكري؛ الفردي أو المؤسسي؛ والذي يناقض كل اتجاه للموسوعية او المنهجية . إن دواعي الاستلطاف أو عدمه؛ والتي يمكن أن تسود في تعامل المرء مع معارفه؛ المرغوب فيهم والمفروضين عليه بواقع "صديق له ما من صداقته بد"؛ قد تجد تفهما في دائرة الحياة اليومية. ولكن أن تتحول المشاعر الشخصية؛ أو عدم الاتفاق السياسي إلى مرجعية تحكم التقييم الفكري ؛ والتاريخ لإسهام الأفكار؛ وحامليها من النساء والرجال؛ فهذا في ظننا ضعف منهجي؛ يصل إلي دائرة الجنحة الفكرية؛ هذا إذا لم نبالغ ونوصله إلي مرحلة الجناية. بهذا ؛ فان مؤلف "أعلام الفكر السوداني" قد خسر الكثير؛ حينما اسقط فكر وشخص عبد الخالق من متن ذلك العمل. ولم يخسر عبد الخالق قطعا بذلك الإسقاط؛ فمعايير الربح والخسارة قد انمحت قديما عند الرجل وهو يعانق حبل المشنقة؛ وهو يطير بأجنحة الخلود محلقا في أفق الشهادة؛ ضاربا قبل تحليقه بأقدامه القوية على ارض السودان الصلدة؛ عساها تتفتح يوما للبذرة التي رماها؛ وسقاها بالدم المسفوح؛ فتنمو شجرا وتورق زهرا وتطرح ثمرا . لم يخسر عبد الخالق قطعا إذا تجاوزه واحد من الكتاب؛ أو عبر عنه عابر من المؤرخين؛ وهو في قبره لن يتألم إذا لم يحترم فكره ونضاله واستشهاده سياسي أو صحفي من عصور الانحطاط؛ أو ممثل لثقافة وسياسة وصحافة الطفيلية؛ فالقامات العالية؛ حية كانت أم ميتة؛ لهى اكبر من سقط القول ودجل الكذب وكذب الجدل. لكن الخسارة ستكون من نصيب القاري الواعي؛ والذوق السليم؛ والألم سيكون من نصيب أولئك الذين يروا في الصدق مرجعا ومصدرا يحكم العمل السياسي والتقييم الفكري؛ والذين يعرفوا بان فردا ما؛ أو إن شعبا ما؛ لن يكسب احتراما لنفسه إذا لم يحترم أقدار وتضحيات المناضلين والصادقين من الرجال والنساء في تاريخه؛ غض النظر عن التأييد لأفكارهم أو الاختلاف معها. وفي الحقيقة فان شخصية عبد الخالق محجوب ؛ في ساحة الفكر والسياسة والتاريخ السوداني؛ لهى من الشخصيات الغنية التي دار حولها الكثير من الجدل والاختلاف. فمعارضوه قد قالوا فيه ما لم يقله مالك في الخمر؛ ومؤيدوه قد رفعوه إلى آفاق من التقدير؛ كان في حياته يرى فيها نوعا من عبادة الفرد. وبين المتطرفين في الحب والوالغين في الكره تضيع شخصيته الحقيقية كمفكر وإنسان؛ له من الإنجاز الفكري والشخصي والسياسي ما له؛ دون إبخاس أو تجاهل؛ وعليه ما عليه من نواحي القصور والأخطاء؛ مما على أي فرد يدخل حلبة العمل العام . ان هذا التناقض والجدل والاختلاف في تقييم شخصية عبد الخالق محجوب؛ ليدل على غناها الثرى؛ وتفردها المتميز. انه دليل أولا وأخيرا على أنها شخصية فرضت نفسها على الجميع؛ وبالتالي فان أي محاولة موضوعية لدراستها وتحليلها ووضعها في موضعها الصحيح في التاريخ السوداني؛ تكون مهمة ومثيرة وضرورية. بل انه من الغريب ألا تكون مثل هذه المحاولة قد تمت إلى الآن. إننا في هذا المقال القصير إنما نطرق باب المحاولة ؛ قد نصيب أو نخطئ ؛ ولكن يبقى لنا اجر الاجتهاد إن أفلحنا أو جانبنا الصواب . ولئلا يأتي أحدهم ويعيب علينا روح التعاطف؛ أو يزعم فينا انعدام الحيدة التي انتقدناها عند غيرنا؛ فإننا نسجل منذ البدء ؛ إننا في مشاعرنا وأفكارنا؛ ننطلق من موقع الاحترام والود لهذا البناء الشامخ والإنسان الكبير؛ لا نخفي هذا ولا نخجل من البوح به. ولكننا نزعم؛ أن هذا الاحترام وذاك الود لن يمنعانا؛ بل على العكس يفرضان علينا؛ أن نكون صادقين في عرض هذا الإنسان؛ وفي محاولة قراءة صورته وحياته حقيقية وكما كانت؛ وهو الذي كان له الصدق؛ إضافة لروح الحرية والعدالة ؛ قواسم يستند عليها في كل نشاطه وحياته.
المؤثرات الأولى الأسرة والمدينة ومراحل الدراسة: ولد عبد الخالق محجوب في حي المكي بمدينة أمد رمان السودانية؛ أحد مدن العاصمة السودانية المسماة بالمثلثة (الخرطوم والخرطوم بحري وأمدرمان)؛ والعاصمة الوطنية لدولة المهدية؛ واحد معاقل الحركة الوطنية والثقافية؛ في 23 سبتمبر عام 1927؛ في أسرة كبيرة ترجع بأصولها إلى قبيلة الشايقية؛ والتي انطلقت عناصر واسر كثيرة منها؛ من مركزها بالمديرية الشمالية في أقصى شمال السودان؛ لتنتشر وتستقر في العديد من مدن ومناطق السودان. وقد اسماه والده؛ محجوب عثمان؛ باسم عبد الخالق؛ تيمنا بأحد المآمير المصريين؛ عبد الخالق حسن حسين. وقد كان هذا المأمور عاملا بالسودان في تلك الفترة؛ وكان متعاطفا ومتضامنا مع الحركة الوطنية السودانية الناهضة قبلها؛ والتي وجدت التمثيل الأكثر وضوحا لها؛ في ثورة 1924 بقيادة جمعية اللواء الأبيض. ولد عبد الخالق في فترة شهدت فيها الحركة الوطنية انكفاءة كبيرة؛ وذلك بعد هزيمة ثورة 1924 ؛ واعتقال واستشهاد قادتها؛ وتحطيم تنظيمها الأساس؛ حركة اللواء الأبيض؛ واتجاه الإدارة الإنجليزية للتعاون مع الفئات الطائفية والقيادات القبلية؛ وفي نفس الوقت التضييق علي المثقفين والطبقة الوسطي؛ وقد حكي عبد الخالق جزءا من ذلك؛ في الجزء الأول من كتاب لمحات من تاريخ الحزب الشيوعي السوداني. بنفس القدر فقد ازدهرت وقتها الحركة الأدبية والثقافية؛ حيث شهدت تلك الفترة إسهامات حمزة الملك طمبل الشعرية والتنظيرية؛ كما أشعار التجاني يوسف بشير الرومانسية؛ وكتابات معاوية محمد نور النقدية؛ وتكللت ببروز مجلة الفجر التجديدية القومية لعرفات محمد عبد الله في منتصف الثلاثينات؛ والتي اقتبس منها عبد الخالق فيما بعد اسم مجلة الفجر الجديد التي كان يصدرها ويرأس تحريرها في الخمسينات والستينات. نِشأ عبد الخالق في منزل وطني ومدينة وطنية؛ حيث كان والده من مؤيدي ثورة عام 1924؛ وقد انخرط معظم أشقاؤه في النشاط السياسي؛ وكان من بينهم شقيقه الأكبر عثمان؛ والذي كان من النشطين في التنظيم الشيوعي السوداني؛ حتى انقسام عام 1952؛ وتأييده لجناح عوض عبد الرازق؛ ثم اعتزاله العمل السياسي فيما بعد. كما كان أشقاؤه الأصغر علي ومحمد من النشطين في الحزب الشيوعي؛ وكان محمد الذي انضم للقوات المسلحة من المساهمين في عدة انقلابات عسكرية؛ كان أولها في عام 1959؛ وقد وصل محمد محجوب إلى موقع عضو اللجنة المركزية بالحزب الشيوعي السوداني. كما احتفظ عبد الخالق بعلاقات طيبة وتقدمية مع أخواته والعناصر النسائية من الأسرة؛ تشهد عليها مراسلات له ومخاطبات عديدة؛ وقد يكون جزءا من تقدمية عبد الخالق في المسألة الاجتماعية؛ غير توجهه الفكري اللاحق؛ علاقته القريبة بجدته آمنة بت علي؛ والتي كانت تسكن حي العرب بامدرمان؛ والتي كان عبد الخالق يقضي جل نهاية الأسبوع معها. لا ريب أن ولادة عبد الخالق محجوب وترعرعه في مدينة ام درمان؛ بما فيها من تراث مهدوي أنصاري من جهة؛ وما فيها من تراث حركة اللواء الأبيض وثورة 1924 من جهة ثانية؛ قد كان له دور كبير في إشعال روحه الوطنية منذ الصبا المبكر؛ هذه الروح التي ستقوده فيما بعد إلى خياراته الفكرية والسياسية التي اختارها. درس عبد الخالق أول مراحله التعليمية؛ كأغلب الأطفال في حيه؛ في خلوة إسماعيل الولي؛ التابعة للطريقة الإسماعيلية؛ حيث حفظ بعض القران وتعلم مبادئ اللغة العربية. وكان إضافة لتجربة الخلوة؛ من التجارب الروحية والاجتماعية للطفل عبد الخالق؛ هناك حلقات الذكر الأسبوعية لرجال الطائفة الإسماعيلية؛ والتي تقام كل خميس؛ بما فيها من طبول وإيقاعات وصور روحية؛ تتضخم في الاحتفال السنوي بحولية إسماعيل الولي. كما كان هناك احتفالات المولد النبوي بجامع الخليفة عبد الله؛ القائد الثاني للثورة المهدية؛ وهي الثورة التي ترك ارثها ولا يزال يترك؛ ظلاله الثقيلة علي مدينة أم درمان. وقد خلَّد عبد الخالق سيرة خليفتها عبد الله؛ في مقال له بمجلة الفجر الجديد؛ كان مخالفا لأغلب رموز المدرسة اليسارية والعلمانية في تقييمها للرجل؛ والذي اعتبره عبد الخالق قائدا وطنيا وثوريا؛ في المحصلة النهائية. تحول الطفل عبد الخالق بعد تجربة الخلوة إلى التعليم النظامي؛ حيث درس المرحلة الأساسية في مدرسة الهداية الأولية؛ وهي من مدارس التعليم الأهلي المنتشر حينها؛ والتي أسسها الشيخ طاهر الشبلي؛ ثم درس المرحلة الوسطي بمدرسة أمد رمان الوسطي المعروفة باسم المدرسة الأميرية. إن هناك العديد من الروايات؛ حول تفوق عبد الخالق محجوب في الدراسة والتحصيل؛ منذ بداية مسيرته التعليمية. وقد نلاحظ تأثير مرحلة الخلوة والتراث الديني عموما؛ في لغة عبد الخالق الأدبية؛ والتي تذخر بالكثير من الاقتباسات والتعبيرات ذات الصلة بالتراث الإسلامي؛ كما هناك شهادات علي تفوقه في مختلف العلوم التي حصلها في تلك المراحل؛ والتي نذكر منها الشهادتين التاليتين. الشهادة الأولى نجدها في تعليق أُستاذه لمادة الإنشاء؛ في العام 1941؛ وعمره حينها 14 عاما؛ حيث تنبأ له بمستقبل أدبي كبير؛ وبدور عظيم في حياة البلاد. تجلى هذا في احتفاظ هذا الأُستاذ بكراسة الإنشاء للتلميذ عبد الخالق؛ لسنين طويلة؛ حتى أظهرها للعلن أثناء التحضير للاحتفالات بالعيد الأربعين للحزب الشيوعي السوداني في الأعوام 1986 –1988. أما الشهادة الثانية فقد سجلها أستاذ الأدب واللغة الإنجليزية كرايتون؛ والذي أعلن في المرحلة الثانوية لدراسة عبد الخالق؛ إن عبد الخالق قد تمكن من الإحاطة بالأدب الإنجليزي واللغة الإنجليزية؛ بالشكل الذي يؤهله لتدريسهما. وقد سأل كرايتون فيما بعد عن عبد الخالق؛ وانفعل كثيرا عندما سمع بنبأ إعدامه؛ وكان مما قال حسب الرواية:" ألم يكن من الأجدر الإبقاء على حياة رجل في قامة عبد الخالق وعلمه و فكره الثاقب لدفع عجلة التطور فى بلدكم ؟" ويبدو ان عبد الخالق كان له تأثير مدهش علي من حوله؛ ومن ذلك ذكر أساتذته له بالخير والتقريظ؛ ومن بينهم من تم ذكرهم أعلاه؛ ويذكر محمد محجوب في شهادته كذلك الأساتذة أحمد محمد صالح و بشير عبادي وخالد موسى و أمين زيدان والطيب شبيكة و الصائم محمد إبراهيم؛ وكذلك أستاذ ومؤلف كتب التاريخ عن السودان هولت. ويلخص محمد محجوب عثمان؛ بعضا من الشهادات عن تفوق عبد الخالق الدراسي حيث يقول: "وعلى ذكر تفوقه الأكاديمي وسعة اطلاعه، لا بأس من الإشارة الى أن عبد الخالق قد بعد إكمال المرحلة الثانوية، جلس لامتحان شهادة كمبردج فى سنة 1945 وأحرز درجة الامتياز في كل المواد التي أداها وهى اللغة العربية والرياضيات واللغة الإنجليزية والكيمياء والفيزياء والأحياء والجغرافيا والتاريخ " ( محمد محجوب عثمان : اسم وضئ فى سماء الوطن؛ نقلا عن موقع امدرمان . يو اس)
فترة التكوين اليساري أو كيف اصبح عبد الخالق شيوعيا :
إن بدايات عبد الخالق السياسي نجدها معروضة في كتاب الشيوعي السابق احمد سليمان المحامي (مشيناها خطى)؛ حيث يكتب كيف كان عبد الخالق نشيطا في الجمعية الأدبية؛ وكيف نظم ندوة في المدرسة الثانوية عن المادية التاريخية تحدث فيها أحد المدرسين الإنجليز. ثم بعد ذلك يتحدث عن سفر عبد الخالق للقاهرة ومبرراته؛ بعد أن التحق لفترة بكلية الخرطوم الجامعية – كلية غردون-؛ فيراه في أن مقررات كلية غردون للآداب كانت تتواضع خجلا أمام مقدرات عبد الخالق الفكرية وقراءاته الواسعة. وهذه الإشارات تأخذ تميزها كونها تأتى من عدو لا من صديق؛ وقد أكدتها شهادات أخرى؛ ومن بينها شهادة محمد محجوب عثمان. إننا هنا لا نود الإشادة بموضوعية احمد سليمان ؛ فحول هذه "الموضوعية " لنا العديد من الملاحظات. ولكننا نود الإشارة لموقف احمد سليمان من عبد الخالق محجوب؛ والذي يراه العديدين في كونه علاقة كراهية بحته؛ والذي هو في الحقيقة اكثر تعقيدا واعسر على الفهم من ذلك التفسير البسيط . في ظني إن موقف احمد سليمان من عبد الخالق هو موقف انبهار دائم؛ يرفضه احمد سليمان في شكل الكراهية المعلنة. إن احمد سليمان قد وصف في يوم ما بأنه "ابن الحزب المدلل"؛ وبأن عبد الخالق كان يرعاه رعاية الأب للابن. والقاري لتاريخ الحزب الشيوعي يجد في الصعود الصاروخي لأحمد سليمان داخل الحزب وفي الساحة السياسية السودانية؛ ما يعزز هذا الرأي. وبالمقابل فان المتابع لكتابات و أقوال ونشاطات احمد سليمان وقتها؛ يرى جيدا انبهاره بشخصية عبد الخالق. ونذكر هنا انه في التعليق على مقولة احمد سليمان أن عبد الخالق كان يحب التطبيل لشخصه؛ قال أحد الساخرين إن احمد سليمان كان من اكثر المطبلين لعبد الخالق. على كل فان مشاعر الإعجاب والحقد نجدها حية في كل كلمة كتبها احمد سليمان عن عبد الخالق في مذكراته الشهيرة. إن هذه العلاقة تذكرنا بعملية نشوء الطوطم والتابو الفرويدية. حيث قتل الأبناء أباهم الكلى القدرة والنموذج والمثال؛ بتأثير من الغيرة والضعف؛ ثم عادوا بعد ذلك وندموا وقدسوه. إن احمد سليمان الذي قدر عبد الخالق وانبهر به؛ لم يستطع أن يبقى طويلا في الصف الثاني؛ وهو بشخصيته النرجسية حاول أن يبلغ مقامه وان يتجاوزه؛ حاول ان يكون "الحوار الغلب شيخه". لكنه لما عجز عن ذلك قتله. قتله بالوشاية والتحريض فعليا؛ ثم بعد ذلك حاول أن يقتله أدبيا وسياسيا في مذكراته آنفة الذكر. إن الانبهار والغيرة والعجز هي المحاور الأساسية التي يجب أن نبحث فيها في أي محاولة لتفسير كراهية احمد سليمان لعبد الخالق محجوب. إلا انه إذا كان عباد الطوطم البدائيين قد عادوا وندموا على فعلتهم؛ فان عابد الطوطم الحديث احمد سليمان قد صغر قامة عنهم؛ وسدر في غيه ؛ مغطيا على آثامه بالحديث عن توبة لله مصطنعة؛ وهداية كاذبة. اننا نورد إشارة أخرى؛ تأتي من مواقع الود والاحترام؛ تذكر دور عبد الخالق وسط معاصريه من الطلاب ؛ يدلى بها مرتضى احمد إبراهيم ؛ في رسالة للتجاني الطيب؛ حيث يكتب: " وإني لأذكر عندما تخرجنا من ثانوية أم درمان في عام 946 ؛ وهو أيضا عام نهاية حقبة من التعليم العالي في البلاد ؛ وبدء مرحلة في الكفاح الوطني من اجل الاستقلال. فيومذاك فضلت أنت ومجموعة ممتازة من خيرة أولاد الدفعة الرحيل الى مصر؛ لمواصلة العلم والمعرفة؛ وكظاهرة احتجاج وتمرد علمي ضد المستعمرين. وكان على راس تلك المجموعة الفريدة أول الدفعة دون منافس؛ ورائدها ومعلمها ومحبوبها؛ وصديق جميع أفرادها الشهيد عبد الخالق محجوب ." (مرتضى احمد ابراهيم . الميدان 16/4/1987) إن عبد الخالق لم يصبح ماركسيا ملتزما إلا في مصر. لكن ما يحكيه احمد سليمان من تنظيمه لمحاضرات عن المادية التاريخية في المدرسة؛ يوضح وجود هذا الاتجاه لديه قبل السفر. وعبد الخالق نفسه يروى عن تأثير كتاب ستالين: المسالة الوطنية ومسالة المستعمرات عليه؛ والذي تداوله العديد من الطلاب والمثقفين في ذلك الحين. ومما لا ريب فيه إن عبد الخالق قد كان على صلة ما بإحدى الحلقات الثقافية الماركسية التي بدأت في الظهور منذ منتصف الأربعينات في الخرطوم ؛ لكن من المؤكد أن نشاط عبد الخالق التنظيمي الفعلي في صفوف الحركة الشيوعية قد بدا في القاهرة؛ مما سنعالجه لاحقا . إن عبد الخالق قد انضم للحركة الشيوعية من مواقع الوطنية السودانية ؛ في اكثر صورها الثورية والمتطرفة. إن عبد الخالق نفسه يحكى عن ذلك ويسرد تجربته فيقول : " في نهاية الحرب العالمية الثانية؛ حينما دب الوعي الوطني في أرجاء بلادنا؛ انتظمت كغيري من الطلبة المتحمسين لهذه الحركة؛ يحدوني أمل هو المساهمة في تخليص بلادي من النير الاستعماري. تحدوني حالة الفقر والبؤس التي كان وما يزال يحس بها جميع المواطنين المتطلعين إلى مستقبل مشرق ملئ بالعزة والكرامة. وقد علقت الآمال حينذاك على زعماء حزب الأشقاء في تحقيق تلك الأهداف التي آمنت بها. وهكذا وبهذه الآمال العريضة ودعت وفد السودان في مارس من عام 1946. ولكن هذه الآمال العراض والأماني الحلوة بدأت تتضاءل أمام ناظري. ففي القاهرة وبعيدا عن أعين السودانيين دب التراخي في بعض هؤلاء الزعماء؛ واستسلموا للراحة الشخصية. وفي غمار هذه الحياة الجديدة تناسى هؤلاء الزعماء ما قالوه بان قضيتنا (لا يحلها الذين ودعونا في الخرطوم واستقبلونا في القاهرة). وصلوا وكانت تصريحاتهم بان قضية السودان سوف يحلها صدقي الأمين ؛ والنقراشى الأمين ؛ وعبد الهادي الأمين. تسائلت ضمن عدد من الشباب الحر؛ لماذا يتنكر الرجال لما قالوه بالأمس؟ ما هو السر في هذه التحولات التي طرأت على الزعماء ولا يدرى الشعب كنهها؟ بمجهودي المتواضع؛ وحسب حدودي الفكرية؛ اتضح لي أن هؤلاء الزعماء لا يحملون بين ضلوعهم نظرية سياسية لمحاربة الاستعمار. وانهم ما أن دخلوا مجتمع متقدم ومعقد كمصر؛ حتى صرعتهم النظريات المتضاربة؛ فاصبحوا يتقلبون كما تشاء مصالحهم. عرفت أن الاستعمار له نظريته السياسية التي يحارب بها الشعوب الضعيفة. وان هذه النظرية نشأت على تطور الرأسمالية الأوروبية منذ القرن الخامس عشر. وإذا كان لشعبنا المغلوب على أمره ان يتحرر؛ فلا بد أن يسير على هدى نظرية توحد صفوفه وتصرع الاستعمار؛ على هدى نظرية تسلط أضؤاءها على كل زعيم أو متزعم؛ ولا تترك له الفرصة لجنى ثمار جهاد الشعب لنفسه؛ على هدى نظرية سياسية تخلص الشعب من الجهل والكسل الذهني؛ الذي يتركه كقطع الشطرنج تحركه أيدي الزعماء أينما شاءت. لقد هداني هذا الجهد المتواضع إلى النظرية الماركسية. تلك النظرية السياسية التي نشأت خلال تطور العلم؛ والتي تقوم على إعتبار السياسة والنضال من اجل الأهداف السياسية علما يخضع للتحليل. ولأول مرة عرفت أن الاستعمار ليس شيئا أبديا؛ وانه كبقية الأنظمة خاضع للتطور؛ أي انه سينتهي ويحل محله نظام جديد. وهكذا عرفت أن جميع الزعامات السياسية التي لم تهتد إلى هذا التحليل العلمي للاستعمار؛ واكتفت بإثارة العواطف ضد (الأجانب) ؛ لم تصل إلى أهدافها؛ ولم يجن الشعب المؤيد لها ما كان يصبو إليه. أسماء كثيرة تحضرني؛ سعد زغلول وغاندي ومصطفي كمال اتاتورك وكذا. واقتنعت بان زعماءنا يسيرون في نفس الطريق؛ وأننا لن نجني من ورائهم اكثر مما جنت الشعوب الأخرى ؛ التي سارت وراء تلك الأسماء" (عبد الخالق محجوب: >. جريدة الأيام 5/10/1954 العدد 306) ان هذا المدخل الوطني قد كان هو المدخل الأساس الذي ولج به عبد الخالق ساحة الفكر الماركسي وارتبط عن طريقه بالحركة الشيوعية. إلا أن هناك مداخل أخرى؛ من بينها المدخل الثقافي. إن عبد الخالق الطالب المتفوق وكاتب المواضيع الإنشائية المتميزة والنشيط في الجمعية الأدبية؛ والقاري النهم للأدب الإنجليزي حتى صارت مقررات كلية غردون " تتراجع خجلا أمام حصيلته من ذلك الأدب "؛ والمتبحر في الأدب العربي القديم والتيارات الأدبية والنقدية النامية في مصر والعالم العربي خلال فترة الثلاثينات والأربعينات؛ قد كان مصابا بعطش ثقافي وجوع فكرى و بحث منهجي حكم العديدين من بنات وأبناء تلك الفترة؛ وقد كان هذا هو مدخله الثاني إلى النظرية الماركسية ؛ فلنقرأ ما كتبه عن ذلك : " وكشخص وضعته الحياة لا كزارع او صاحب أملاك؛ بل كمتعلم نال بعض التعليم المدرسي؛ كان لا بد لى كغيري أن أقوم بجهد لأنال شيئا من الثقافة ينفعني في تطوير فكرى وتوسيعه. لم اكن اهدف إلى أي ثقافة؛ ولكن الثقافة التي تعطى تفكيرا غير مضطرب أو متناقض للظواهر الطبيعية والاجتماعية. إن الكثيرين يقرون أن الثقافة الغربية ينقصها الانسجام؛ وهى مضطربة لا استقرار لها؛ وليس أدل على هذا الاضطراب من تزعم الفلسفة الوجودية لهذه الثقافة. ان النظرية الماركسية تمتاز بالتناسق؛ ولأول مرة تضع قيما عالمية للأدب والتاريخ والفن والفلسفة؛ مما كنا نعتقد أيام الدراسة أنها بطبيعتها لا يمكن أن تكون لها قيم او تشتملها قواعد؛ وإلا فقدت طبيعتها. إنني كشخص يحاول تثقيف نفسه وجدت في النظرية الماركسية خير ثقافة وأنقى فكرة ". (المرجع السابق) لا ريب أن الحديث عن النظرية الماركسية كنظرية خالية من التناقض ؛ قد كانت نظرة رومانسية سادت كثير من مثقفي ومفكري اليسار في تلك الفترة؛ وقد يكون هذا مبررا بمستوى الوعي السائد وقتها؛ والتعتيم والدوغماتية التي أضفتها المصادر الستالينية على معضلات وحوارات ومرجعيات الفكر الماركسي . إلا أن ما يطرحه عبد الخالق هنا؛ هو قضية البحث عن منهج؛ عن أدوات وآليات جديدة للفكر؛ وعن إعمال هذه المنهجية والأدوات في العمل السياسي والاجتماعي والثقافي. وهى منهجية كما أشار عبد الخالق بحق كانت مفتقدة في الساحة السودانية حينها؛ ولا تزال الحياة العامة السودانية تفتقدها في كثير من مجالات الحياة المعاصرة. إن عبد الخالق وحتى في هذه الفترة المبكرة يميل إلى الحديث عن الماركسية كعلم؛ وكأدوات؛ وليس كنظرية شاملة تقترب من حدود الدين الجديد؛ كما تتمظهر في كتابات القادة والنشطاء الاستالينيين لتلك الفترة. إن عبد الخالق في موضع آخر يوضح إن الماركسية والنظرة الاشتراكية في السودان قد كانت بديلا وتجاوزا لمدرستين فكريتين وأدبيتين؛ يرصدهما في التالي: " مع نشوء الحركة الوطنية في بلادنا وخاصة في الأربعينات ؛ سارت إلى جنبها حركة ثقافية ترجع أصولها إلى ما قبل الحركة الوطنية بكثير؛ ولكنها لمعت وتوهجت مسايرة للحركة الوطنية. وكان يتجاذب تلك الحركة تياران أو مدرستان؛ أحدهما تنادى بالرجوع إلى الماضي العربي وتراثه والتقيد به؛ تربط نفسها بالماضي وتنظر إلي الوراء ولا ترى المستقبل؛ وتحافظ ولا تتقدم؛ تتحسر على ما مضى ولا ترى البشائر المرتقبة ولا تفكر فيها. وكانت المدرسة الثانية يبهرها تقدم أوربا الغربية؛ وتشعر بضآلة شرقنا تجاهها؛ فشدت نفسها نحو الغرب ؛ فعاشت بجسدها في ارض الوطن؛ وبعقلها وعواطفها في الغرب". (عبد الخالق محجوب : >؛ نقلا عن كتاب "ثورة شعب") إن هاتين المدرستين قد وجدتا ممثليهما على ارض الثقافة السودانية؛ ووسط مثقفي وسط وشمال السودان المهيمنين حينذاك. إن المدرسة المحافظة الأولى قد أنتجت فيما بعد السلفية والأصولية؛ بينما أنتجت الأخرى الإنجليز السود؛ من البيروقراطيين اليمينيين. إن عبد الخالق يذكر أسباب رفضه للمدرسة التقليدية المحافظة فيكتب : "فالشرق العربي قد توقف عن التطور أحقابا من الزمان؛ تبدلت فيه معالم كوكبنا؛ وشارفت فيه البشرية مشارف جديدة؛ واندفع الإنسان خطوات واسعة في سبيل التحرر من الحاجة؛ في سبيل السيطرة على قوانين الطبيعة. والرجوع إلى الماضي يعنى دفن الرؤوس في الرمال والتخلف؛ وهو أمر لا يمكن حدوثه في عالم اليوم. وثقافة الأمس وحدها لن تصلح للمجتمع الحديث؛ ولن تحل مشاكل الرجل الحديث المادية والروحية". (المرجع السابق) من الجهة الأخرى يرفض عبد الخالق الثقافة الغربية الكلاسيكية ؛ أي الثقافة الليبرالية "الرأسمالية"؛ والتي تتحدث عن قيم الحرية والخير والجمال؛ لكنها انبتت الاستعمار؛ وضاقت الشعوب التي اكتوت بنار ممثليها الاستعماريين الضنك والعذاب؛ فيقول : " فالحديث عن الجمال والحرية ؛ وهى أسمى ما تهدف إليه الفنون والمعرفة؛ يسايرها القهر والاستعباد للشعوب؛ ومن ضمنها شعبنا. والدفاع الجاد عن حرية الرأي؛ يطبقه حملة الثقافة الإنجليزية نظاما تعسفيا قائما على مصادرة كل رأى معارض؛ ونابعا عن إرادة هي ابعد ما تكون عن إرادة الشعوب. فإذا كان أحفاد ال"ماجناشارتا" وورثة الحرية والانطلاق من عهد شكسبير انطلقوا يشوهون قيم الحرية والجمال في بقاع العالم؛ فلا بد أن يكون هناك داء عضال أصابهم وثقافتهم في الصميم". (المرجع السابق). ان عبد الخالق برفضه للنظرة التقليدية المحافظة؛ وبنقده للمدرسة الليبرالية التغريبية؛ رغم تسطيحه لمكونات الثقافة الغربية وتياراتها وصراعاتها؛ وفي نفس الوقت برفضه للتجريبية والتناقض في مسيرة الزعماء السياسيين؛ كان لا بد أن يصل إلي النظرة الماركسية؛ وهى البضاعة الفكرية الوحيدة المتيسرة حينها؛ في مقابل المدارس السابقة المذكورة؛ وهو يلخص ذلك فيقول: "إن تجربتي البسيطة توضح أنني لم اتخذ النظرية الماركسية لأنني كنت باحثا عن الأديان؛ ولكن لأنني كنت وما زلت أتمنى لبلادي التحرر من النفوذ الأجنبي؛ أتمنى وأسعى لاستقلال بلادي وإنهاء الظروف التي حطت علينا منذ عام 1898؛ أتمنى وأسعى لإسعاد مواطني؛ حتى تصبح الحياة في السودان جديرة بان تُحيا. ولأنني أسعى لثقافة نقية غير مضطربة؛ تمتع العقل وتقدم البشرية إلي الإمام في مدارج الحضارة". (<<كيف أصبحت شيوعيا>> مرجع سابق..)
عبد الخالق في مصر أو مدرسة العمل السياسي الأولى: بالمداخل السابقة ولج عبد الخالق أبواب العمل اليساري. وكان ولوجه إليه في مصر؛ حيث انتسب بكلية الآداب بجامعة فؤاد الأول؛ والتي سيغير اسمها فيما بعد إلى جامعة القاهرة؛ والتي قضي بها ثلاثة أعوام؛ قبل ان يقطع دراسته بسبب المرض ويعود إلى السودان. ان عبد الخالق وبعد فترة قصيرة من وصوله إلي القاهرة سيصبح كادرا قياديا في الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني (حدتو)؛ كبرى تنظيمات الحركة اليسارية والماركسية المصرية حينها. ويذكر احمد سليمان إن عددا من قادة تلك الحركة قد اعترضوا على هذا التصعيد السريع لعبد الخالق؛ لأسباب منها صغر سنه وقلة خبرته. ولكن هنرى كوريل؛ الماركسي المصري ذو الأصول اليهودية؛ والزعيم الفعلي للحركة؛ قد رأى في عبد الخالق ملامح عبقرية قادمة؛ حيث قال لهم " اتركوه فان لهذا الشاب مستقبل عظيم في الحركة الشيوعية وفي الحياة السياسية في السودان". إن احمد سليمان يحاول كعادته أن يضفي أهمية خاصة على اهتمام هنري كورييل بعبد الخالق؛ ولتأثر عبد الخالق بهنرى كورييل في التفكير والسلوك. ولكن أحد الكتب التي تحدثت عن هنرى كورييل وصفته بأنه " ماركسي أممي على النمط الستالينى؛ وبإمكانيات فكرية متوسطة". وفي الحقيقة فان الحركة الديمقراطية (حدتو) قد صعدت الكثير من الكادر الشعبي؛ العمالي والفلاحى ؛ والنوبي والسوداني؛ إلي مواقع قيادية بتنظيمها؛ وذلك قبل ظهور عبد الخالق. لذا فان موقع عبد الخالق في قيادة ذلك التنظيم قد أهلته له إمكانياته؛ إضافة إلى الطبيعة الديمقراطية لذلك التنظيم في مجال سياسة الكادر وخلق القيادات. في مصر ؛ تلقى عبد الخالق تدريبه النظري والعملي ؛ والذي انعكس فيما بعد في نشاطه العملي في السودان؛ إن إبراهيم زكريا يسرد شيئا من ذلك في مذكراته عن مرحلة تأسيس الحزب ؛ حيث يكتب: " في هذا الجو وفي المراحل الأولى زارنا في عطبرة الشهيد عبد الخالق محجوب أثناء عطلته المدرسية وكان يدرس في مصر. وقضى معنا فترة من الوقت كانت بحق حجر الزاوية في إقامة وتنظيم الفرع. منه ازدادت معارفنا بمبادئ الماركسية؛ ومنه عرفنا تجارب العمل الحزبي في مصر(حيث كان عضوا قياديا في الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني) ؛ ومنه أيضا خبرنا أسس العمل النقابي". ( إبراهيم زكريا << مذكرات حول تأسيس الحزب الشيوعي>> مجلة الشيوعي؛ العدد 152) في نفس الوقت ؛ أنجز عبد الخالق المرحلة الأساس من تأسيسه النظري؛ بإنجازه لقراءات ماركسية متنوعة؛ كما ساهم في تحرير الصحافة الماركسية العلنية منها والسرية؛ وترجم كتاب "الأدب فى عصر العلم" للكاتب الانجليزى هيمان ليفى؛ كما شارك في خضم الصراع السياسي الدائر؛ سواء بين مجمل القوى الوطنية ضد الاحتلال الإنجليزي والرجعية المصرية من جهة؛ أو في الصراعات الفكرية والسياسية بين القوى الوطنية واليسارية نفسها؛ من الجهة الأخرى. إن رفعت السعيد في كتاباته لتاريخ الحركة اليسارية المصرية يوضح بان عبد الخالق كان يشكل تيارا راديكاليا وسط كوادر الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني (حدتو)؛ وأنه كان يردد مقولة لينين بان الحزب يقوى بتطهير نفسه من العناصر الضعيفة. ولذلك فقد كان ضد كل محاولات التساهل والوحدة الشكلية مع العناصر –التي يراها ضعيفة – داخل حدتو؛ او في العلاقات مع غيرها من منظمات اليسار المصري المتعددة حينها. إن هذا النهج سيتواصل داخل السودان؛ وسوف تظهر الروح الصدامية لعبد الخالق في مختلف الصراعات والاختلافات التي جرت في صفوف الحركة الشيوعية منذ رجوعه إلى السودان في العام 1949وحتي استشهاده في عام 1971. إن إخلاص عبد الخالق؛ ومجمل الشيوعيين السودانيين؛ للمرحلة المصرية؛ يمكن أن نجده في صورة رمزية ؛ في تسمية صحيفة الجبهة المعادية للاستعمار؛ والحزب الشيوعي من بعد؛ ب"الميدان" ؛ والتي أخذت اسمها من اسم مكتبة الميدان؛ والتي كانت تملكها حدتو في القاهرة؛ وكانت المصدر الأساس للثقافة والتكوين الفكري لذلك الرعيل الأول من الماركسيين السودانيين في مصر آنذاك . سنوات 1949-1964 او بزوغ قائد من طراز جديد:
أن عبد الخالق ؛ بعد رجوعه إلى السودان نهائيا؛ عام 1949؛ بعد إصابته بداء الصدر؛ وعلاجه في مستشفي العباسية؛ قد أنجز تحولا نوعيا في داخل الحركة الماركسية الوليدة داخل السودان. إن عبد الخالق والذي قد أتى في إجازتين ؛ في عامي 1947 و 1948؛ كان قد خاض مع غيره؛ صراعا ضد ما أسموه بالاتجاه الذيلى داخل الحركة السودانية للتحرر الوطني (حستو)؛ والتي كانت قد تأسست عبر توحد الحلقات الماركسية السودانية عام 1946؛ والذي وفقا لهم حصر نشاطها ضمن نشاطات أحزاب الطبقات الوسطى. ويزعم مؤرخو الحزب الشيوعي السوداني؛ انه رغم وجود الحركة كتنظيم؛ إلا أن قيادتها قد اخفت ذلك الوجود المستقل؛ وكانت تعمل كعناصر متطرفة من داخل أحزاب الطبقة الوسطى(الاتحاديين أساسا وحزب الأشقاء تحديدا). ان البعض قد رأي في ذلك الصراع بعضا من شوفينية العناصر الشمالية داخل الحركة؛ والتي لم تطق أن تعمل تحت قيادة عنصر من أصول نوبية وجنوبية؛ وهى الأصول التي انتمى إليها عبد الوهاب زين العابدين عبد التام؛ أول سكرتير عام للحركة؛ وابن زين العابدين عبد التام؛ أحد نشطاء وقواد ثورة العام 1924. إننا لا نملك من الحيثيات ما يؤكد أو ينفي هذا الزعم. على كل حال فان صراع العام 1947 قد افرز بناء أول لائحة للحركة؛ وصعود عوض عبد الرازق إلي قيادة التنظيم؛ وصعود عبد الخالق ومناصريه إلى قوام اللجنة المركزية. كما شهد ذاك العام بداية توجهات الحركة الجادة تجاه العمال؛ حيث أنجز عبد الخالق زيارتين لمدينة عطبرة؛ مركز الحركة العمالية الناهضة. إن هذا الجهد مربوطا بوجود النواة اليسارية وسط العمال؛ قد افرز مع عوامل أخرى؛ بناء أول تنظيم نقابي جماهيري في تاريخ السودان؛ وهو هيئة شؤون عمال السكة الحديد ؛ في عام 1947؛ وهى التي سيكون للماركسيين الدور الكبير في إنشائها وفي قيادتها فيما بعد؛ وان لم يكن هو الدور الوحيد؛ حيث ساهم في إنشائها بنفس القدر؛ وخصوصا في مراحلها الأولى؛ الاتحاديين و"شيوخ العمال". إن هذه الهيئة - النقابة؛ ستصبح الدعامة الأولى والنموذج المحتذى لبناء كل الحركة النقابية لجماهير العمال والموظفين والمزارعين؛ وكذلك لحركة النساء والشباب والطلاب؛ في نهاية الأربعينات من القرن الماضي . في العام 1949؛ تفجر الصراع الثاني داخل الحركة (حستو)؛ والذي كان من نتيجته إبعاد عوض عبد الرازق عن قيادة التنظيم؛ واختيار عبد الخالق سكرتيرا عاما للحركة؛ وهو الموقع الذي سيحتله؛ حتى استشهاده في العام 1971. إن هذا الصراع قد أُرخ له في الحزب الشيوعي بأنه صعود الجناح الثورى لقيادة التنظيم. كما رأى فيه خصوم وأعداء عبد الخالق العلامة الأكيدة على نزعاته التسلطية؛ كونه انقلب على حليف الأمس. إننا نعتقد ان هذا الصراع؛ رغم دواعيه الفكرية والسياسية والتنظيمية؛ والتي رصدتها مصادر التأريخ للحركة اليسارية السودانية؛ من مختلف الاتجاهات؛ إلا انه كانت له مبرراته في طبيعة شخصية كل من القائدين: عوض عبد الرازق وعبد الخالق محجوب. إن هاتان الشخصيتان؛ تعبران بشكل ما عن تيارين في العمل الفكري و السياسي حينها. فعوض عبد الرازق الذي أتى للماركسية من صفوف الحركة الاتحادية؛ ومن مواقع العمل الجماهيري؛ قد كان يمثل نمط الزعيم الجماهيري الشعبي؛ المائل للعمل الخطابي والذي يرى ذاته فيه؛ والذي يتجاوز الاختلافات الفكرية في ظل الاتفاق السياسي؛ وفي نفس الوقت لا يولى القضايا التنظيمية اهتماما كبيرا. انه عبر بامتياز عن نمط القيادة الخطابية الجماهيرية التى كانت موجودة في أوساط الاتحاديين؛ والتي عبرت عنها بجدارة زعامة إسماعيل الأزهري. أما عبد الخالق فقد كان مفكرا ومنظما؛ ممن بدأ حياته السياسية في الحركة الشيوعية. إن إمكانيات عبد الخالق الخطابية لن تتبلور وتظهر إلا في فترة متأخرة نسبيا؛ إلا إن قدراته النظرية والتنظيمية ستظهر من البداية. وفي مقابل النفوذ الجماهيري الزعامي للقائد التقليدي (الكاريزمي)؛ سعى عبد الخالق الى بناء النفوذ التنظيمي للحزب ومؤسساته. إن هذه الاختلافات التي تبدو للوهلة الأولى اختلافات في المزاج وفي القدرات؛ إنما تعبر في الحقيقة عن مؤسستين مختلفتين للقيادة؛ مؤسسة القيادة التقليدية الجماهيرية الزعامية؛ ومؤسسة القيادة الحزبية الفكرية – التنظيمية. إن انحياز كوادر حستو في هذا الصراع لعبد الخالق إنما كان اختيارا للمؤسسة الأخيرة ؛ الأمر الذي سيلقى ظلاله على مجمل تطور الحركة الشيوعية في السودان لربع قرن تقريبا؛ وهى فترة قيادة عبد الخالق الفعلية للتنظيم الشيوعي السوداني(1949-1971) . لهذا نزعم؛ أن الحزب الشيوعي السوداني؛ ورغم نجاحه في بناء حركة جماهيرية ديمقراطية مستقلة عن القوى التقليدية وواسعة نسبيا ( النقابات اساسا)؛ إلا انه ظل وبقى حزبا للكادر؛ لا حزبا جماهيريا؛ وقد كان موليا الالتزام التنظيمي والاقتناع الأيديولوجي – لا بالبرنامج فقط وإنما بمجمل النظرية – اهتماما كبيرا . إن القاري لكتاب عبد الخالق محجوب << لمحات من تاريخ الحزب الشيوعي السوداني>> ؛ والمكتوب في عامي 1960-1961؛ والذي يعرض طرفا من مبررات صراع العامين 1947-1949؛ يجد مجمل منهجه –في بناء الحزب - مسطرا بصورة جلية هناك . إننا في حديثنا عن شخصية عبد الخالق؛ وعن بزوغ نجم قيادة جديدة؛ لا يمكننا أن نتجاهل الاتهامات الموجهة لعبد الخالق بحب القيادة؛ وبتصفية كل العناصر التي يمكن أن تهدده في موقعه القيادي؛ والتي يصر عليها احمد سليمان في كتاباته. ورغم أن الطبيعة الستالينية للحركة الشيوعية في وقتها؛ وسيادة مؤسسة القيادة الأبدية فيها؛ قد تكون ذات تأثير على شخص عبد الخالق وتصوراته للقيادة؛ كما ان ضعف الآليات الديمقراطية في التنظيمات العقائدية لحل خلافاتها دون انقسامات وأبعاد وتصفية ؛ قد تكون ذات اثر في مجمل الصراعات المدمرة التي عرفتها تاريخ الحركة الشيوعية العالمية ؛ والتي اكتوت بنارها أيضا هذه الحركة في السودان؛ إلا إن واقع الحال يبرهن على ضعف هذه الاتهامات؛ وعلى خطأ طابعها المطلق. إن وقائع التاريخ تثبت أن عبد الخالق – رغم كل صداماته وصراعاته - كان يسعى لنمط من القيادة الجماعية ؛ وفق توزيع جيد للأدوار وفق المقدرات الكامنة في القيادات والاحتياجات الملحة للتنظيم. إننا في الفقرات التالية نقدم بعض ما يثبت اعتقادنا هذا. ان التنظيم الجماهيري الديمقراطي الذي أنشأه الشيوعيون في نهاية العام 1953؛ باسم الجبهة المعادية للاستعمار ؛ والذي استمر نشاطه حتى العام 1958؛ قد كان في قيادته عبد الرحمن عبد الرحيم الوسيلة ؛ والذي ظل سكرتيرا عاما لذلك التنظيم وحتى انقلاب الفريق إبراهيم عبود في 17 نوفمبر 1958؛ وحل التنظيم ؛ كما إن عبد الخالق لم يكن من مرشحي ذلك التنظيم للانتخابات البرلمانية التي دخلها ذلك التنظيم. إن تقدير عبد الخالق لرفاقه القياديين قد تجلى في تقديره العظيم لشخصية الشفيع احمد الشيخ ؛ القائد العمالي الأشهر بلا منازع في تاريخ الحركة النقابية السودانية. ان عبد الخالق في كتابه: <<لمحات من تاريخ الحزب الشيوعي السوداني>>؛ وفي دفاعه أمام محكم عبود العسكرية؛ يذكر كيف أن الطبقة العاملة أقامت تنظيمات تتكسر على وحدتها كل المؤامرات؛ وانه مما يشرفه معرفته برجال عظام مثل الشفيع احمد الشيخ ؛ بنوا لطبقتهم وشعبهم المجد (النص بتصرف ؛ حيث لا يحضرني الأصل هنا) .. إن أي قائد -يمنيى أو يساري-؛ في تاريخ السودان؛ لم يتحدث عن رفيق له؛ من موقع قيادي؛ بمثل هذا الاحترام والتقدير والحب. ثم ما لنا نذهب بعيدا والحزب الشيوعي (وعبد الخالق شخصيا) قد رشح احمد سليمان لتولى مقعد الحزب الرسمي في وزارة أكتوبر الأولى؛ في حين لم يسع عبد الخالق لاحتلال ذلك المنصب. كما ان عبد الخالق بعد الثورة وإجراء أول انتخابات برلمانية بعدها؛ قد اختار لنفسه خصما صعبا لينزل أمامه مرشحا عن الحزب الشيوعي؛ ألا وهو الرئيس إسماعيل الأزهري؛ بما له من تاريخ ونفوذ وشعبية؛ في مهمة هي أشبه بالمستحيلة. فإذا كان عبد الخالق يتملكه حب الزعامة ويبحث عن القيادة بأي ثمن ؛ أما كان من الأجدى والأسهل له ان يرشح نفسه بدائرة أخرى ؛ يضمن له الفوز فيها ضعف مرشحها أمامه ؟ قد يقول قائل في هذا الصدد؛ وقد قيل؛ ان عبد الخالق لم يختر نفسه لتمثيل حزبه في وزارة أكتوبر؛ ودفع بأحمد سليمان لأنه لم يرد ان يحترق سياسيا؛ وهو الذي كان يعرف ان هذه الوزارة لن تدوم طويلا؛ ولذلك لم يشأ أن يكون فيها كبش فداء؛ وهو زعيم الحزب الذي كان يتوقع لنفسه ولحزبه مستقبلا كبيرا. والرأي أعلاه في عمومه منطقي ؛ ولكنه في الواقع يتجاهل واقع الحياة السياسية السودانية والتي احتل فيها الساسة الوزارات ورئاسة الوزارات مرات عديدة وفي ظل حكومات مختلفة؛ ولم يحترقوا؛ أو لم يشاءوا أن يعترفوا بهذا الاحتراق. من جهة اخرى فان عبد الخالق وفي ظل اكثر الظروف ملائمة لم يسع لمنصب وزاري أو حكومي ؛ بل أن وزارة هاشم العطا المقترحة؛ والتي نسبوا هندستها إليه؛ قد ضاقت عن ان تجد له فيها مؤطئ قدم. إننا نعتقد ان أفق هذا الرجل ومفهومه للقيادة قد كان أوسع كثيرا؛ من مفاهيم الزعامة التقليدية ممثلة في احتلال المناصب سواء داخل الحزب أو في المناصب الحكومية. الاتهامات لعبد الخالق بالديكتاتورية ؛ لم تأت من طرف احمد سليمان ومعاوية إبراهيم ومجموعتهما؛ بل قد سبقهما فيه الكاتب صلاح احمد إبراهيم ؛ حيث وصف عبد الخالق بلقب انانسى ؛ أي إله القبيلة. كما أن عدد من الاتهامات لعبد الخالق تركز على ضيقه بالرأي الآخر داخل الحزب؛ وسعيه لتشويه وتحطيم حملة هذا الرأي؛ كما جاء في شهادة فاروق محمد إبراهيم . ان هذا الرأي يجد ما يناقضه ضمن وقائع الصراعات داخل الحزب الشيوعي. ففي أثناء الصراع الذي نشب عام 1952؛ رفض الكادر الفني لجهاز الطباعة الحزبي ان يطبعوا وجهة نظر قادة الجناح المناؤي لعبد الخالق في أدبيات الحزب الداخلية؛ وذلك لأنها احتوت حسب رأيهم على تجريح وتهجم على قيادة الحزب؛ فكان أن أقنعهم بتغيير رأيهم وطبع ما فيها؛ لدواعي حسم الصراع وتطوير الحزب؛ ... عبد الخالق محجوب! (من مذكرات عباس على حول مرحلة تأسيس الحزب الشيوعي؛ مجلة الشيوعي؛ العدد 153؛ العام1987) إلا إن المظهر الأكبر المناقض لهذه الاتهامات؛ يكمن في إن المؤتمر التداولي لكادر الحزب الشيوعي والذي انعقد في أغسطس 970 ؛ والذي حسم الصراع وللخلاف داخل الحزب ما بين جناحي عبد الخالق محجوب ومعاوية إبراهيم؛ قد ناقش وثيقتين طرحتا على عضوية الحزب وعلى المؤتمر(وثيقة عبد الخالق ووثيقة معاوية)؛ الأمر الذي اعترض عليه بعض أعضاء الحزب باعتباره خروجا على تقاليد الحزب والحركة الشيوعية واللائحة؛ حيث يجب ان تقدم وثيقة الأغلبية (القيادة) فقط. وفي الحقيقة فانه في طول تاريخ الحركة الشيوعية – من العام 1921إلى العام 1990؛ حاكمة كانت أم معارضة؛ لم يسمح للأقلية ان تقدم رأيها وتصورها مكتوبا ومطبوعا ومنشورا على كافة العضوية؛ على قدم المساواة مع تقرير سكرتير الحزب والأغلبية. إننا بهذه القراءة السريعة لا ننفي جملة وتفصيلا هذه الاتهامات؛ وإنما نزعم بأنها لا تتفق مع شخصية عبد الخالق والدور الثوري الذي رآه لنفسه وحزبه. إننا لا نذهب كذلك إلي ما قاله الناقد والقاص بشرى الفاضل ؛ والذي يرى أن في كل إنسان قوقعة من الذاتية تصغر أو تكبر ؛ وان الإنسان الكبير هو الذي يضغط هذه القوقعة في داخله إلي حدودها الدنيا؛ ويزعم بشرى الفاضل ان عبد الخالق محجوب كان من القليلين الذين يملكون اصغر قوقعة من الذاتية في الحياة السياسية والفكرية في السودان (من ندوة بجامعة الخرطوم –قاعة الشارقة – 1985) . ولكننا في كل الحالات نرى في عبد الخالق إنسانا اعظم قامة وأوسع أفقا واكثر انسجاما مع نفسه من مجموع كل منتقديه . رجوعا مرة أخرى إلى مرحلة التأسيس؛ فإننا نرصد أن عبد الخالق في سنوات الخمسينات قد مارس نشاطه على جبهتين: نشاطا وطنيا عاما؛ من خلال مشاركته في النشاط الوطني التحرري العام؛ ومن خلال مشاركته في النشاط الجماهيري لحزب الجبهة المعادية للاستعمار؛ وقد كان في مجمله نشاط صحفيا وخطابيا وجماهيريا؛ ونشاطا حزبيا تجلى في تزعمه للتنظيم الشيوعي السري وقتها؛ وفي صياغته للخط النظري والسياسي والتنظيمي لذلك التنظيم؛ والذي تكرس في قيام مؤتمريه الثاني والثالث؛ في عامي 1952و 1956. في هذا الإطار ؛ فقد لعب عبد الخالق دورا رئيسيا في تأهيل ذلك التنظيم لان يخرج للعلن كحزب سياسي معترف به. هذا الدور نجده في محاولة إضفاء الصفة القانونية علي التنظيم؛ في مطالبة عبد الخالق لرئيس الوزراء في العام 1957؛ بالسماح بتكوين حزب شيوعي سوداني؛ الأمر الذي ووجه بالرفض والتجاهل من قبل السلطات " الوطنية "؛ وفي الكتابة والنشر كشيوعي والدفاع عن الشيوعية في الصحف؛ وفي بداية طرح الحزب الشيوعي لوجهه المستقل؛ و خاصة في الندوات الجماهيرية والبيانات التي بدأ ينشرها في الصحف. لقد كانت أول ندوة يتحدث فيها عبد الخالق باسم التنظيم الشيوعي مباشرة في مدينة عطبره في عام 1957؛ حيث طالب بتكوين جبهة من " الاتحاديين بجناحيهم وحزب الجبهة المعادية للاستعمار والجنوبيين والشيوعيين". إن عبد الخالق سيكون طوال فترة السنوات 1949-1964 الوجه العلني الأول للتنظيم الشيوعي – غير المعترف به رسميا – . إن ضمان علنية وقانونية نشاط الحزب الشيوعي لن تتم إلا بعد ثورة أكتوبر 1964؛ والتغييرات التي أحدثتها في الخارطة السياسية آنذاك . في خلال فترة حكم الفريق إبراهيم عبود 1958-1964؛ ساهم عبد الخالق في نشاط الحزب الشيوعي ومجمل القوى الوطنية ضد هذا النظام؛ واصبح لفترة المطلوب الأول لجهاز البوليس السياسي وقتها. إن عبد الخالق الذي اعتقل لاحقا ؛ ونظمت له ولرفاقه محكمة باسم " قضية الشيوعية الكبرى"؛ وقد قضى فترة تتعدى العامين في السجون. إن محمد احمد المحجوب سيقدم صورة إيجابية عن فترة اعتقاله المشتركة مع عبد الخالق محجوب. وهو يحكى كيف انه عرف عبد الخالق جيدا في هذه الفترة؛ وكيف انه وصل إلى القناعة بان الحزب الشيوعي السوداني تحت قيادته هو حزب سوداني مستقل ؛ وان عبد الخالق قد نأى به عن أي نفوذ أجنبي؛ حيث يقول: "إنني اعرف عبد الخالق محجوب منذ 30 سنة كان يتحلى بنزاهة وشجاعة بالغتين وكانت الأخلاق السودانية تأتى فى الطليعة فى تفكيره السياسي. وقد ساهم كثيرا فى إيجاد توافق بين تاريخ السودان الإسلامي والآراء الماركسية الثورية. وهذا ما يجعلني دائما اصف الحزب الشيوعي السوداني بأنه حزب سوداني صرف لا يدين بالولاء لموسكو أو أي بلد شيوعي آخر فى العالم". (محمد احمد محجوب :<< الديمقراطية في الميزان>> -دار جامعة الخرطوم للنشر). إن النضال السياسي للحزب الشيوعي ضد نظام عبود؛ والموثق له في كتاب " ثورة شعب "؛ وغيره من المقالات والكتب؛ ودور عبد الخالق شخصيا في هذا النضال؛ قد أهلا الحزب الشيوعي لان يكون الحصان الأسود؛ في حلبة الحياة السياسية السودانية بعد ثورة أكتوبر 1964.
عبد الخالق غداة ثورة أكتوبر من زعيم حزبي إلى قائد وطني
ان عبد الخالق الذي مارس العمل السياسي كالوجه الأول البارز للشيوعيين؛ وتحت رايات الجبهة المعادية للاستعمار؛ في طوال الفترة ما قبل الحكم العسكري؛ قد ارتفع بنضال الحزب الشيوعي ومجمل قوى اليسار إبان حكم الجنرال عبود (1958-1964)؛ ليصبح أحد قادة الحركة السياسية السودانية عشية وغداة ثورة أكتوبر 1964. إن ايريك لورو قد كتب من الخرطوم بعد ثورة أكتوبر قائلا: "إن في السودان ثورة اجتماعية يقودها رجل غامض يسمى عبد الخالق محجوب ". إن ثورة أكتوبر1964 ستطرح عبد الخالق محجوب ليس كمجرد زعيم حزبي فحسب؛ وإنما كقائد لتيار جديد ومتعاظم الأهمية في الحياة السياسية السودانية ؛ وهو ما نطلق عليه تعبير التيار اليساري. إن هذا التيار وقتها يشمل الحزب الشيوعي؛ لكنه لا يقتصر عليه؛ بل يمتد تأثيره إلي الحركة النقابية والطلابية والنسوية ؛ التنظيمات اليسارية (الاشتراكيين العرب؛ الاشتراكيين الديمقراطيين)؛ حركات قوى الريف النامية؛ حركة الضباط الأحرار؛ والعديد من الشخصيات السياسية والفكرية والعلمية الغير منضمة تنظيميا لهذه الحركات؛ ولكنها متأثرة بها ومحسوبة عليها. ان قوى اليسار هذه ستتأهل تحت قيادة عبد الخالق محجوب بعد ثورة أكتوبر 1964؛ لتكسر التنافس التقليدي بين حزب الأمة والاتحاديين في شمال السودان؛ بإدخال طرف جديد في حلبة الصراع السياسي. إن قوى القديم واليمين ستجتمع في مواجهة هذا البديل الجديد؛ مدعومة في ذلك بحركة الأخوان المسلمين الناشئة؛ فتقدم على أول انتهاك للقواعد الديمقراطية ونص الدستور؛ في قضية حل الحزب الشيوعي في العام 1965؛ وطرد نوابه من البرلمان. هذا الحل الذي سرى طوال الفترة الديمقراطية الثانية؛ والذي بقى مع ذلك قرارا اداريا في المقام الأول؛ لم يمنع نشاط الشيوعيين؛ أو كما عبر عن ذلك عبد الخالق شخصيا بان: " حل الحزب الشيوعي قضية لا يملكونها". وقد تواصل هذا النهج؛ من انتهاك القواعد الديمقراطية؛ في عدم الاعتراف بحكم المحكمة الدستورية؛ والرافض لقرار الحل؛ والحاكم بعدم دستوريته ؛ وفي تقنين الديكتاتورية المدنية تحت مشروع الدستور الإسلامي؛ كما انعكس التكتل المضاد في توحيد صفوف القوي اليمينية؛ كما جرى من توحيد حزبي الوطني الاتحادي و الشعب الديمقراطي في الحزب الاتحادي الديمقراطي؛ وفي توحيد حزب الأمة من جناحي الصادق المهدي والهادي المهدي؛ بل في محاولات إنزال مرشح واحد ممثلا لليمين؛ في الانتخابات الرئاسية المقترحة؛ والتي قطعها انقلاب مايو 1969. ان المتابع للأحداث السياسية طوال فترة ما بعد أكتوبر 1964 ؛ سيجد عبد الخالق مشاركا في كل الأحداث والنشاطات الوطنية ؛ ومبادرا في توحيد وتجميع التيار اليساري والاشتراكي. فنجده مساهما في مؤتمر المائدة المستديرة لحل قضية الجنوب وإيقاف الحرب الأهلية (مارس 1965)؛ واحد قواد هيئة الدفاع عن الديمقراطية (1965)؛ وهيئة الدفاع عن الوطن العربي (1967) ؛ وعضوا أساسيا في اللجنة التمهيدية لوضع ميثاق الجبهة الاشتراكية (1968) ؛ وغيرها من النشاطات. إننا لا نجانب الحق إذا قلنا أن عبد الخالق محجوب قد اصبح رمزا وقائدا لكل قوى الجديد التي خرجت عن الولاء للطائفية؛ واتجهت صوب اليسار؛ والتي ارتفع صوتها عاليا بعد ثورة أكتوبر 1964. ان عبد الخالق والذي كان في رأينا مدركا لدوره هذا؛ قد سعى إلي تقنينه من خلال الانتخابات البرلمانية. وفي هذا فقد ترشح ثلاث مرات عن دائرة ام درمان الجنوبية الجغرافية؛ المرة الأولى ضد إسماعيل الأزهري ؛ والمرة الثانية والثالثة ضد احمد زين العابدين ؛ الرجل القوى للاتحادي الديمقراطي؛ في دائرة محسوبة تقليديا للاتحاديين. إن عبد الخالق سيخسر الانتخابات في المرة الأولى مع الأزهري ؛ وبعد صعود الأزهري إلى مجلس السيادة سيخسر في الانتخابات التكميلية مع احمد زين العابدين. إلا أن الفروقات بينه وبين منافسيه ستضيق تدريجيا من 1000صوت مع الأزهري إلي 87 صوتا مع احمد زين ؛ حتى يكسب عبد الخالق الجولة الثالثة في العام 1968 بفارق 542 صوتا لصالحه ضد احمد زين العابدين ؛ ويكرس قيادته الفكرية والسياسية لليسار السوداني بدعم مباشر من جمهور الناخبين . إن عبد الخالق بنزوله الانتخابات ضد الأزهري؛ الزعيم الجماهيري المطلق في السودان؛ في منافسة شبه مستحيلة؛ إنما كان يكرس صورة الجديد والبديل الذي أتت به ثورة أكتوبر. إن عبد الخالق سيطلق تصريحا راديكاليا إبان معركته مع الأزهري؛ بان " الأزهري قد كان يشكل رمز الوطنية السودانية؛ ولكنه تراجع عن مواقفه وخان تاريخه ؛ فيجب أن يهزم في دائرته بالذات". وكان أن تصدى هو لهذه المهمة الصعبة. إن هذا الموقف والرأي فوق انه يعبر عن موقف فكرى وسياسي من الحزب الوطني الاتحادي والأزهري شخصيا؛ واللذان انحرفا نحو اليمين بعد ثورة أكتوبر وتحالفا بشكل كامل مع قوى الرجعية والقديم؛ إلا انه ينطبق اكثر مع أحد شعارات ثورة أكتوبر (لا زعامة للقدامى)؛ ويشكل بداية نمو لمفهوم وجيل جديد للوطنية السودانية؛ وقادة جدد يمثلون هذا المفهوم. إن هذا المفهوم لا ينبنى على الزعامة الطائفية أو القبلية؛ ولا على استغلال العواطف الدينية؛ وإنما على النضال وسط الجماهير وفق برنامج وسياسات جديدة. إن على عبد اللطيف؛ قائد جمعية اللواء لابيض وثورة العام 1924؛ قد كان الرمز الأول لهذه الوطنية السودانية؛ ثم حل محله إسماعيل الأزهري قبل أن ينتكس ويرجع لأحضان الطائفية؛ وعبر عنه بعد أكتوبر عبد الخالق محجوب؛ بعد ملئه بمضمون اجتماعي جديد؛ في تلك اللحظات الصاخبة من تاريخ السودان.
عبد الخالق وانقلاب 25 مايو : صراع في اتجاهين: داخل الحزب ومع النظام:
ان دور عبد الخالق محجوب فى تورة ما بعد اكتوبر ؛ كاحد اهم قادة الحركة السياسية ؛ مسجل وموثق ؛ سواء قى كتاباته ولقاءاته الصحفية ؛ او فى وثائق الحزب الشيوعى ؛ او فى اضابير البرلمان والوثائق الرسمية ؛ الا ان هذا الدور ما يزال يحتاج الى الكثير من التحقيق ؛ من جهة دراسة وتقييم جهده الفكرى والسياسى والتنظيمى ابان تلك الفترة . الا ان الدور الاكثر اثارة للجدل ؛ والفترة الاكثر عرضة للغموض والتزييف ؛ هي فترة عشية وبعد 25 مايو 1969 ؛ ودوره فى ذلك الانقلاب والسلطة التى نتجت عنه ؛ وبصورة اكثر دوره ومساهمته فى انقلاب 19 يوليو 1971 ؛ والذى لا يزال يثير العديد من الاسئلة بعد مرور الثلاثين عاما من قيامه . ان دور عبد الخالق فى انقلاب 25 مايو ؛ وموقفه من بعد من السلطة المايوية ؛ قد توضح للعلن ؛ سواء كان ذلك الموقف فى داخل الحزب الشيوعى ؛ او فى نشاطه فى المجال السياسى الوطنى . ان الموقف الذى اقرته اللجنة المركزية للحزب الشيوعى ؛ فى دورة انعقادها فى مارس 1969 ؛ والذى كان من تحرير عبد الخالق ؛ قد رفض بتاتا العمل العسكرى الانقلابى كوسيلة للتغيير ؛ فى محاولة لكبح ارهاصات الانقلاب المحتمل ؛ والذى كانت بوادره تلوح فى الافق .؛ حيث ورد فيها تحت عنوان : <<خطورة التفكير الانقلابى >>: (اكد تكتيك الحزب الشيوعى انه لا بديل للعمل الجماهيرى ؛ ونشاط الجماهير وتنظيمها وانهاضها لاستكمال الثورة الديمقراطية ؛ وليس هذا موضوعا سطحيا عابرا . فهو يعنى ان الحزب الشيوعى يرفض العمل الانقلابى بديلا للنضال الجماهيرى الصابر والؤوب واليومى . وبين النضال الجماهيرى يمكن ان نحسم قضية قيادة الثورة ووضعها بين قوى الطبقة العاملة والشيوعيين . وهذا هو الامر الحاسم لتطور الثولرة الديمقراطية فى بلادنا . ان التخلى عن هذا الطريق واتخاذ تكتيك الانقلاب هو اجهاض للثورة ونقل لمواقع قيادة الثورة فى مستقبلها وفى حاضرها الى فئات اخرى من البرجوازية والبرجوازية الصفيرة . وهذه الفئات يتخذ جزء منها موقفا معاديا لنمو حركة الثورة ؛ كما ان جزء اخر منها ( البرجوازية الصغيرة ) مهتز ؛ وليس فى استطاعته السير بحركة الثورة الديمقراطية بطريقة متصلة ؛ بل سيعرضها للالام ولاضرار واسعة . هذا الجزء اختبر فى ثورة اكتوبر فاسهم فى انتكاسة العمل الثورى فى بلادنا . التاكتيك الانقلابى بديلا عن العمل الجماهيرى يمثل فى نهايبة الامر وسط قوى الجبهة الوطنية الديمقراطية مصالح طبثة البرجوازية والبرجوازية الصفيرة ) ان نفس هذا الخط قد طرحه عبد الخالق من قبل فى مقالاته التى نشرها باخبار الاسبوع ؛ ردا على مقالات احمد سليمان بجريدة الايام ؛ والتى دعا فيها الاخير الى قيام ميثاق وطنى و حكومة قومية بدعم من الجيش ؛ حيث كتب أحمد سليمان" ولا سبيل الى هذا الاستقرار فى نظرى غير حماية القوات المسلحة ؛ التى يجب الاعتراف بها كقوة مؤثرة وعامل فعال فى حياة البلاد السياسية . ان الجيش عو القوة الوحيدة التى تستطيع ان تحمى الميثاق المنشود وحكومته ؛ والتى تقدر على ردع المارقين المفامرين على وحدتع العابثين بمكاسبه ) –احمد سليمان –الايام اعداد 5-6-8 ديسمبر 1968 . حيث رفض عبد الخالق الدعوة لتدخل الجيش فى الحياة السياسية ؛ موضحا ان الازمة ليست ازمة ظبط وربط؛ تحل بتدخل الجيش ؛ بقدر ما هى ازمة طريق التطور السياسى والاجتماعى القائم حينها ؛ كما رفض الحديث العام عن القوات المسلحة ؛ كانها جسم واحد ؛ واوضح انها قد اختبرت فى حكم كبار الجنرالات تحت عبود فسامت الشعب العذاب؛ حيث قال: "فى مجالس الناس كثر الحديث عن القوات المسلحة بوصفها الأمل الوحيد للانقاذ. والحديث بهذا الاجمال خطر ويتجاهل تجربة الشعب فى بلادنا . فقد خبر السودانيون طيلة ست سنوات حكما عسكريا بعينه ، هو حكم كبار الجنرالات من المستوى المركزى الى مستوى الادارة الاقليمية.. وما خرج عملهم ونشاطهم فى حيز القضايا الجوهرية التى تواجه بلادنا بعد الاستقلال عن بعض الاجراءات ، وماكان فى امكانهم ولا فى مصلحتهم ، احداث تغيير جوهرى فى طريق تطور بلادنا . وحاجة بلادنا التاريخية ليست اليوم فى مستوى بعض الاجراءات مثل "الضبط والربط والتنفيذ السريع" كما أنها ترفض قطعا المسخ الذى سموه حزما فى وسياسة ، فكانت وبالا على حركة الثورة فى بلادنا - احتقر كل فكر تقدمى وأهانه . وعزل بلادنا عن كل تقدم ، فأصبحت مريض افريقيا والعالم العربى بحق .. وشعبنا يعرف جيدا أن طريق الرأسمالية والخضوع لمتطلبات رأس المال الأجنبى التى أصابت الحرية الوطنية فى الصميم ، ما وجدت تمهيدا كما وجدته على أيام حكم الجنرالات . أن الحديث عن أجهزة الدولة باعتبارها قوة اجتماعية منفصلة عن بقية المجتمع ، ومن ثم اعتبارها شيئا مميزا عن الفئات والطبقات التى جربت فى السلطة وفشلت ، غير سليم ومجاف للحقيقة ". (عبد الخالق محجوب؛ في الرد علي احمد سليمان) ان هذا الخلاف العلنى بين قائدين للحزب الشيوعى ؛ يوضح جذور الخلاف الكامن فى ذلك الحزب ؛ والذى سيتفجر بقوة بعد انقلاب الخامس والعشرين من مايو .(راجع نصوص هذه المقالات فى كتاب د: محمد سعيد القدال : الحزب الشيوعى السودانى وانقلاب 25 مايو ) ان موقف عبد الخالق من الانقلاب قبل قيامه كان هو الرفض ؛ اما بعد قيامه فقد كان نفض اليد عنه وعدم دعمه ؛ باعتباره عملا لم يتم بتطور الحركة الجماهيرية . الا ان راى عبد الخالق هذا قد انهزم فى داخل اللجنة المركزية ؛ والتى اقرت دعم الانقلاب ؛ وان كان تصنيف عبد الخالق لمايو كانقلاب لاحد شرائح البرجوازية الصغيرة ؛ قد توثق فى البيان الداخلى الموجه لعضوية الحزب ؛ والصادر في 25 مايو 1969؛ بينما اتجه الحزب فى العلن الى التاييد ؛ منظما موكب 2 يونيو لدعم الانقلاب . وقد اشار الى كل ذلك محمد ابراهيم نقد فى افادته امام محكمة مدبرى انقلاب 25 مايو ؛ حيث قال : ( ان راى الحزب الشيوعى قبل وقوع الانقلاب ان الظروف السياسية لا تستدعى انقلابا عسكريا ؛ وان المشاكل السياسية فى السودان لا يمكن حلها عن طريق الانقلابات العسكرية ؛ وقال ان موقف الحزب بعد حدوث الانقلاب كان اختلافا فى الراى وانقساما فى التقييم . واشار نقد الى انه وعبد الخالق والشفيع التقوا النميرى قبل الانقلاب ؛ واكدوا له ان الحزب ضد الانقلاب ؛ وان محاولات الضغط على الحزب واخذ واجهات لها علاقة به امر مرفوض ؛ وان عبد الخالق ذكر لنميرى انه فى حالة نجاح الانقلاب فان العسكريين سيتخلون عن تلك الشعارات ويبدا الصراع ) – من افادة محند ابراهيم نقد ؛ كما وردت بصحيفة الميدان 19-5-1985 بعنوان : تنبأ الشهيد عبد الخالق بما حدث تماما -. ان نفس هذا الموقف قد ذكره جعغر نميرى ؛ فى كتابه النهج الاسلامى لماذا ؛ حيث كتب عن معارضة عبد الخالق لفكرة الانقلاب قبل وقوعه ؛ وعن زيلرته هو والشفيع له لاثناءه عن فكرة الانقلاب ؛ الامر الذى يؤكد شهادة نقد . ان نميرى ؛ فى منهجة فى دمج انصاف الحقائق ؛ مع الاكاذيب الكاملة قد حاول ادعاء البطولات ؛ حيث لا بطولة ؛ حين زعم انه ذهب الى عبد الخالق قى ليلة الانقلاب ؛ وهدده بعدم الوقوف ضدهم ؛ الامر الذى رضخ له عبد الخالق ؛ فى محاولة من السفاح لادعاء شجاعة زائفة ؛ لا يتحلى بها ؛ واظهار جبن وانكسار مزعوم من عبد الخالق ؛ وهو حلم مريض لم يتحقق له فى حياته . كل ذلك ضمن واقعة كاذبة ؛ لا يملك عليها من دليل . ان موقف عبد الخالق المعارض لمبدأ الانقلاب ؛ قد تنبه له حتى احد اقطاب اليمين السودانى ؛ الاستاذ محمد احمد المحجوب ؛ حث نفى فى كتابه الديمقراطية فى الميزان؛ تدبير الحزب الشيوعى لانقلاب 25 مايو ؛ ووصفه بانه انقلاب المخابرات المصرية . كما انه قام بتحليل دقيق لاعضاء مجلس قيادة الانقلاب ومجلس الوزراء ؛ بتحديد دقيق لالوانهم السياسية ؛ وليس بايراد وصف عام لهم باليسارية والشيوعية؛ كما درجت على ذلك دعاية اليمين السودانى المبتذل . ان كل ما ذكرنا ؛ لا ينفى اشتراك عناصر من الحزب الشيوعى فى التحريض على الانقلاب؛ وربما فى التدبير له ؛ واخص هنا احمد سليمان ؛ والذى كان له دور كبير فى التحضير للانقلاب . الا ان هذا الموقف يبدو وكأن ذلك قد كان بالضد ومن خلف قيادة الحزب الفعلية ؛ الممثلة فى مكتبه السياسى؛ وبالضد من خطه السياسى والفكرى المعلن؛ والرافض للعمل الانقلابى ؛ والذى اجازه المؤتمر الرابع للحزب فى اكتوبر 1967 ؛ واكدته اللجنة المركزية فى دورتها فى مارس 1969 ؛ ومن باب اولى بالضد من فكر ورغبة عبد الخالق محجوب شخصيا . لكن بالمقابل حين اصبح الانقلاب واقعا؛ فقد دعمه الشيوعيون بقوة؛ وخصوصا في الجيش؛ حيث يكتب محمد محجوب عثمان: شقيق عبد الخالق و عضو التنظيم الشيوعي السري داخل الجيش " فقد شارك العسكريون الشيوعيون في العملية الانقلابية بتوجيه من الحزب ؛ ودخلوا في ساعات الصباح الأولى القيادة العامة وقاموا بتأمينها والاستيلاء عليها بجسارة أذهلت بقية الانقلابيين الآخرين" كتاب الجيش والسياسة في السودان – ص 35 . كما يؤكد نفس الشي الرائد مامون عوض ابو زيد في شهادته عن الامر: والذي قال " نحن نحفظ للحزب الشيوعي أخلاقه . لم يفشى الأسرار رغم رفضهم للانقلاب .. لكن كلم ناسوا ؛ فشاركوا في التنفيذ " – الجيش السوداني والسياسة – صفحة 61 . إن مجمل الصراع الذي تم بعد ذلك في الحزب الشيوعي قد تمحور حول رايين: الدعم الكامل لمايو والاندماج بها كما طرح جناح أحمد سليمان/معاوية ابراهيم؛ او دعمها – نقديا – مع الاحتفاظ بوجود الحزب وموقفه المستقل كما طرح عبد الخالق. من المهم هنا ان نقول ان تيار معاوية ابراهيم قد كان قويا في البدء؛ وان اغلببة اللجنة المركزية كانت معه؛ وانه حتي العناصر التي بدأت تنتقل لمواقف عبد الخالق تدريجيا؛ كانت تفعل ذلك متأثرة بشخصية عبد الخالق اكثر منها بطرحه؛ ولذلك فليس غريبا ان كل ازمات الحزب الشيوعي مع السلطة قد كان عبد الخالق محجوب قاسمها المشترك الاعظم؛ باعتباره القطب الرئيسي المواجه لها داخل الحزب الشيوعي؛ فكانت ان قامت باعتقاله مرتين؛ وخلال ذلك نفته الي القاهرة مباشرة بعد احداث الجزيرة ابا. ان الصراع في الحزب الشيوعي خلال ذلك سيشتد ما بين التيارين وعلي خافية الموقف من السلطة ومؤسساتها ؛ حتي يصل مرحلة الانقسام العمودي بعد مؤتمر الكادار التداولي في اغسطس 1970 ؛ والذي كان من نتائجه خروج ثلث اعضاءاللجنة المركزية من قوامها؛ وما لبثت ان قامت السلطة بابعاد العناصر اليسارية الثلاثة ( بابكر النور؛ هاشم العطا وفاروق حمد الله ) من قوام مجلس قيادة الانقلاب في نوفمبر 1970؛ فيما اسماه الشيوعيون بالانقلاب البيميني . وتوالت بعد ذلك الاحداث لتحل السلطة منظمات الشباب والنساء اليسارية ؛ وكذلك تنظيم وحدة المزارعين؛ وذلك بعد ان فشلت في السيطرة عليها؛ وهي تنظيمات جماهيرية ياماع فيها الحزب الشيوعي بنفوذ كبير؛ ثم ما لبثت الاحداث ان تتابعت ودعا جعفر نميري الي تحطيم الحزب الشيوعي في مارس1971 ؛ وبدات في النهضوض والنشاط قوي يمينية في داخل وخارج السلطة؛ ومن خارج البلاد ايضا؛ ثم ما لبثت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي ان دعت في مايو 1971 الي اسقاط النظام؛ لينتهي بعد ذلك شهر العسل القصير بين الشيوعيين جناح عبد الخالق والنظام؛ وليفتح الباب امام الصراع العنيف (راجع توثيق الصراع المايوي – الشيوغي في كتاب فؤاد مطر: الحزب الشيوعي السوداني: نحروه ام انتحر؛ وكذلك راجع محمد سعيد القدال: الحزب الشيوعي وانقلاب 25 مايو؛ وكتاب حسين عبد الرازق: حقيقة الصراع داخل الحزب الشيوعي السوداني)
عبد الخالق محجوب وانقلاب 19 يوليو: هل كان عبد الخالق العقل المدبر لذلك الانقلاب؟
إلا ان السؤال المؤرق والذي لم يجد له اجابة شافية حتي اليوم؛ ما هو دور عبد الخالق محجوب شخصيا في انقلاب 19 يوليو 1971؛ والمعروف في تاريخ السودان بانقلاب هاشم العطا.
ان اجهزة السلطة المايوية حينها؛ ومختلف اتجاهات اليمين السوداني؛ ودعاية الاخوان المسلمين؛ واحمد سليمان وغيرهم؛ قد القوا بمسؤولية ذلك الانقلاب الذي قام لثلاثة ايام ثم اندحر؛ علي عبد الخالق محجوب شخصيا ؛ واعتبروه المخطط الاول والعقل المدبر الواقف من وراء ذلك الانقلاب؛ بينما نجد دفاعا مرا من قبل الشيوعيين؛ يحاول ان ينفي هذا الامر عن عبد الخالق؛ فاين تكمن الحقيقة يا ترى؟ ان عبد الخالق محجوب شخصيا؛ قد انكر مسؤوليته عن ذلك الانقلاب؛ فتبعا للصحفي ادريس حسن من جريدة الايام؛ والذي كان متابعا لاجراءات محكمة عبد الخالق محجوب؛ فان عبد الخالق قد قال: "ان كل ما اعلمه عن انقلاب 19 يوليو هو ان الشفيع احمد الشيخ كان قد اخبرني بعد هروبي من المعتقل ان بعض الاخوان "يقصد بعض الشيوعيين " قالوا له "للشفيع" ؛ ان بعض العسكريين يدبرون لاحداث انقلاب؛ وقال انه لا يعلبم منهماولئك الاعسكريين ولا متي سيتم الانقلاب؛ بل انه لم يعر الامر برمته اهتماما؛ لان الجو كان مليئا بالاشاعات ومشحونا بالتوتر؛ ولان نظام مايو كان قد دخل في خصومات كثيرة ومع قوي سياسية متعددة؛ وقال انه لم يعلم بالانقلاب الا بعد حدوثه؛ وانهم تعاملوا معه بعد ذلك ليجنبوا البلاد المشاكل" . ويمضي عبد الحالق اكثر لينفي وجود اي عسكري شيوعي في الجيش؛ وقال ان هاشم العطا وبابكر النور وفاروق حمد الله ليسوا اعضاء في الحزب الشيوعي؛ ولكنه اوضح انهم ربما يمكن القول انهم متعاطفون معه" . من الواضح ان النقطة الاخيرة لا تطابق الحقيقة ؛ وربما ذكرها عبد الخالق لخماية اي وجود ديمقراطي ويساري داخل الجيش من التصفية والتطهير بتهمة الانتماءللحزب الشيوعي؛ لكن واقعة ان بابكر النور وهاشم العطا هم اعضاء في الحزب ومن قادة التنظيم الشيوعي في الجيش امر لا يقلبل الجدل اليوم؛ وقد أثبتته كل الكتابات عن الموضوع؛ كما ان الحزب الشيوعي قد نشر صورهم واسماؤهم ضمن قائمة شهدائه؛ في البوم الصور الذي نشره في الثمانينات باسم : شهداؤنا. نرجع للسؤال عن دور عبد الخالق محجوب في انقلاب 19 يوليو؛ فنرصد تصريحا لمحمد ابراهيم نقد في ندوة بجامعة القاهرة الفرع في اكنتوبر 1985؛ يقول فيه" لا عبد الخالق محجوب ولا المكتب السياسي ولا اللجنة المركزية للحزب قد اصدروا قرارا بتنفيذ انقلاب عسكري في 19 يوليو " .. إن هذه الشهادة مركزية؛ كونها تأتي من شخصية من قلب الحدث؛ ولكنها لا تملك قيمتها الحقيقية؛ الا اذا اوضحت قيادة الحزب الشيوعي السودانبي – وغيرها من العناصر المرتبطة بتلك الاحداث – الحقائق والتفاصيل الكاملة لما تم في تلك الايام. ان التقييم الذي اصدرته اللجنة المركزية للحزب الشيوعي ل19 يوليو يظل مليئا بالبقع البيضاء وهو محاولة بامتياز لامساك العصا من نصفها؛ لا لكشف الحقائق كاملة؛ ويتحكم فيه السياسي والايدلوجي والعاطفي؛ اكثر مما يتحكم فيه التاريخي والعلمي والوثائقي؛ ولذلك فان مهمة كشف كل الحقائق تظل امرا واجبا؛لا يسقط بالتقادم باي حال من الاحوال.. بالمقابل نقول انه هناك مؤشرات عديدة وشهادات؛ ان انقلاب 19 يوليو قد قام علي عجلة من امره؛ رغم ان فكرة الانقلاب قد عرضت علي قيادة الحزب وعلي عبد الخالق محجوب؛ ولم يبديا عليها اعتراضا وان كان الاختلاف في التوقيت وفي جاهزية التنظيم الشيوعي داخل الجيش ؛ وهذا ما يمكن ان يفسر الشهادات بالاندهاش او الانزعاج من قبل عبد الخالق او الشفيع او غيرهم من القيادات؛ لقيام الانقلاب في 19 يوليو تحديدا؛ وقد حكي فؤاد مطر كيف انه التقي في صباح 22 يوليو عبد الخالق محجوب ووجده غير حليق الذقن؛ فساله ان كان ذلك لزوم الانشغال ام لاسباب امنية؛ وكان ذلك قبل اندحار الانقلاب؛ فقال عبد الخالق مبتسما: للسببين معا !! كما نرصد ايضا ان بيان الانقلاب الذي كان قد نجح واستلم السلطة في تمام الرابعة ظهرا؛ لم يذاع علي الناس الا في العاشرة مساء؛ مما يدلل علي انه لم يكن جاهزا؛ وهذا يتناقض مع ابجديات الانقلابات؛ ففي العادة كل انتقلاب منظم ومرتب يجب ان يملك بيانه الاول معدا ومسجلا. هناك من الجهة الاخري؛ دلائل وقرائن عديدة؛ ترجح ان الانقلاب قد قام بقرار من القيادة العليا للحزب؛ وعبد الحالق محجوب شخصيا. ان رئيس المحكمة قد سأل عبد الخالق محجوب: "يا عبد الخالق انت اذا ما دبرت الانقلاب؛ كيف هربت من المعتقل وبهذه الكيفية وبهذا التوقيت؟ وقال ان الذي يستطيع ان يهرب من معتقل داخل القوات المسلحة؛ يستطيع ان ينظم انقلابا" . ورد عبد الخالق:" لقد خشيت علي حياتي من الموت؛ لانه اثناءوجودي فيالمعتقل؛ سمعت معلومات جعلتني لا اطمئن؛ سمعت انهم يدبرون لاغتيالي بعد اذاعة نبأ عن هروبي من المعتقل!" . ان هذا الاحتمال ايضا وارد؛ وخصوصا في ظل الهجمة السياسية والاعلامية العنيفة التي شنتها السلطة والعناصر المنقسمة عن الحزب علي عبد الخالق شخصيا. الا ان هروب عبد الخالق عبر تدبير وتنفيذ من الجناح العسكري؛ واختفاءه بعد الهرب في الحرس الجمهوري عند قائد الحرس – عضو التنظيم العسكري الشيوعي – المفدم اب شيبة؛ تدل علي نزعة للمغامرة كبيرة؛ وعن الاعتماد اكثر واكثر علي الجهاز العسكري وليس المدني للحزب؛ ولهذا لم يكن السؤال التالي من رئيس المحكمة غريبا:" فسر لنا يا عبد الخالق لماذا تم الانقلاب بعد هروبك مباشرة؛ اليس الذين دبروا هروبك من المعتقل هم نفسهم الذين قاموا بلانقلاب؟ " ولا ترصد لنا الشهالدات ان عبد الخالق اجاب علي هذا السؤال. ان واقعة ان الكثير من الضباط ممن نفذوا انقلاب هاشم العطا وكانوا في قيادته؛ هم من اعضاء التنظيم الشيوعي العسكري وقادته؛ ومنهم العقيد عبد المنعم محمد احمد الهاموش؛ والمقدم عثمان حاج حسين ابو شيبه والرائد هاشم العطا الخ ؛ يدعونا الي التساؤل: هل تقوم مجموعة قيادية ومنضبطة كهذه من الضباط بتحرك بحجم انقلاب عسكري ؛ من وراء ظهر حزبها وقيادته؟ ان قيادة الحزب الشيوعي مطالبة بالرد علي هذا التساؤل؛ فاذا كان الامر كذلك فان هذه المجموعة ستتحمل وزر هذه المسؤولية التاريخية؛اما اذا كان الامر بالعكس؛ وكان الامر قرارا من قيادة الحزب العليا او قيادات نافذة فيها؛ فليتحمل الحزب الشيوعي ايضا مسؤوليته ولا يتهرب بمقولات انشائية من قبيل "شرف لا ندعيه وتهمة لا ننكرها" . فالمسؤولية عن انقلاب 19 يوليو جسيمة ويجب ان تحدد؛ وهي جسيمة بجسامة التضحيات والفقد الذي تم في تلك الايام للحركة الديمقراطية والتقدمية في السودان؛ ولمجمل العمل الوطني؛ وهي جسيمة بقدر ما ثبتت من اركان النظام المايوي؛ وهي جسيمة بقدر ما صبت الماء في طاحونة اليمين السوداني. ففي نظرنا ان انقلاب 19 يوليو لم يكن انقلابا علي سلطة مايو فحسب؛ وانما كان انقلابا علي مجمل استراتيجية وتكتيكات الحزب الشيوعي في الثورة الشعبية ودور الجماهير في تغيير انظمة الحكم؛ هذه الاستراتيجية التي اجازها بوضوح المؤتمر التداولي للحزب في اغسطس 1970. ان المسؤولية عن هذا الانقلاب النظري والعملي علي خط الحزب الشيوعي والذي اهدر كسب الحزب الفكري والسشياسي منذ العام 1967 ضد التفكير الانقلابي يجب ان تتضح؛ كما ان الدماء التي سالت والتضحيات العظيمة التي قدمت ينبغي ان تعرف بسبب من ولماذا؟ وقد مر من السنين قدر كبير يكفل كشف كل هذه الحقائق لجماهير الشعب السوداني ؛ وذلك لتطوير وعي نقدي ؛ ولثبيت المسؤولية التاريخية عن الافقعال؛ في وسط حركتنا الوطنية وحياتنا العامة. ان ادريس حسن في خاتمة مقاله عن محاكمة عبد الخالق يكتب: " وهكذا اسدل الستار علي احد فصول تلك المسرحية الدموية التي شهدتها البلاد. ولكن يبقى السؤال هل كان عبد الخالق محجوب مسؤولا عن انقلاب 19 يوليو ؟ وما هو الدليل؛ ام ان الامر كله كان صراعا عليالسلطة بين العسكريين؟؟ تلك الحقيقة لا بد ان تنكشف في يوم من الايام؛ مهما صدئت من تراكم السنين وتبلاعد الازمان"
شهيد ام قربان: اعتقال ومحاكمة واعدام عبد الخالق محجوب:
كتب الاستاذ عثمان محمد صالح: " ما يزال عـبد الخالق محجوب ـ بعد مضي مايقارب ال33عاماً على مغادرته دنيا الناس ـ يمارس سلطته كمرجعية فكرية تـتـنـازعها الأجنحة المتصارعةحول تجـديد الحزب الشيوعي، ساعـيةً لمنح رؤاها ومشروعها للتجديد شرعـيةً تتمسّح" ببركة" أفكار الشهيد لكّن البطل الأسطوري في تلك الأيام الحالكة الظلمة، كما يعلم الجميع، لم يسع إلى الموت بظلفه ، بل كان يرغـب في الحـياة باحـثـاً ـ وحده ـ عـن مأوى يحـميه من شرور القـتلة .الأسـئـلة المؤرقة لمضاجع البحث التاريخي هـي : ما هي الظروف والملابسات التي حالت دون حمايته من مطارديه؟ كـيف ضاقـت و لمصلحة من أقـفـلـت (البـيـوت السريّـة) التي حـمـت وماتزال كادر الحزب الشـيوعي المخـتـفي عـن أعـين الدولة الدكتاتورية، أبوابها في وجه الرجـل الذي وهـب سـني عـمره لبناء حركة اليسار في السودان؟ كيف فـشل حـزب متمرّس في العمل السري ويصون قـواعـد الحماية والتأمين كمايصون الإنسان ماله وعـرضـه وذريته، عـن حماية قائده التاريخي من الموت المؤكد؟ علامات إستـفـهام كبيرة،مصبوغة بالحـيرة، تهـيم على وجهها ثم تتوغـل في الأرض الملغـومة للتاريخ الـُمحـرّم ، المسـكوت عـنه واللامكـتوب"(عثمان محمد صالح : "عبد الخالق محجوب: شهيد ام قربان") ان هذه الاسئلة الحارقة وغيرها ستظل تتردد؛ طالما لم تظهر المعلومات الاكيدة عن الايام الاخيرة في حياة عبد الخالق محجوب؛ والذي يبدو انه استعان في تامين نفسه فيها برابطة الدم؛ بعد ان فشل الحزب في تامينه؛ واغلق بعض الشيوعيين ابواب منازلهم في وجهه؛ وتوهانه بين البيوت والاحياء؛ حتي اعتقاله الذي تقول كل القرائن انه كان نتيجة وشاية. بالمقابل تقول الاستاذة الاستاذة سعاد ابراهيم احمد؛ عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي"عبدالخالق قرر أن يسلم نفسه...كان يعتقد بأنه مالم يتم القبض عليه واعدامه فان مسلسل الاعدامات يتم القبض عليه واعدامه فان مسلسل الاعدامات لن يتوقف . وكانت أحكام الاعدام تنفذ يوميا بدون توقف تلك الأيام . استدعى عبدالخالق أحد أقاربه – طه الكد – الى مكان اختفائه وأملى عليه أشياء كثيرة منها مايخص الحزب ومنها ماهو شخصى وأصواه على أولاده . وبعد ذلك تم القبض عليه واعدامه . وقد اتصل طه الكد بالحزب وسلمه الأوراق التى تتضمن الأشياء التى أملاها عليه عبدالخالق ." (لقاءصحفي مع جريدة "ظلال" بتاريخ 23 ديسمبر 1993؛ نقلا عن موقع omdurman.us ) اننا سنرجع في المستقبل القريب الي تفاصيل تلك الايام الغامضة والمليئة بالمأساة؛ ما بين اندحار انقلاب هاشم العطا في 22 يوليو واعتقال عبد الخالق في 27 يوليو 1971؛ واذا كانت القوي المتنفذة في قيادة الحزب الشيوعي لا تريد ان تفشي ما يتوفر لها من معلومات عن تلك الايام من حياة هذا الرجل؛ خوفا او طمعا؛ فان للحقيقة ابوابا اخري توصل الباحثين؛ وشمسها ساطعه ولو كره المتآمرون. ان اعتقال عبد الخالق وان ظل لغزا غامضا؛ فان محاكمته قد كانت مسرحية درامية؛ اصبح فيها المتهم هو القاضي؛ والقضاة هم المتهمون. ان عبد الخالق الذي قبض عليه في جلباب متسخ وحذاء متسخ وغير حليق الذقن؛ قد اصر علي الا يذهب الي المحكمة دون ان يغتسل ويحلق ويحضروا له ملابسا جديدة وحذاءجديدا؛ وقد فسر كل ذلك بانه ليس من اجله؛ بل من اجل سمعة الجيش وسمعة السودان؛ خاصة ان محكمته كان يحضرها العديد من الصحفيين الاجانب. ان ادريس حسن يكتب:" كان مظهر عبد الخالق قد تغير تماما؛ كان حليق الذقن بادي الحيوية والاطمئنان وعلي وجهه لمعة واشراق. كان يرتدي حلة افريقية انيقة للغاية (سمنية اللون) وينتعل حذاءا بنيا لامعا يكاد يكون قد تسلمه من المصنع لحظتها؛ وكان يحمل في يده اليسري بعضا من علب السجائر (البنسون). " ان عبد الخالق قد اظهر شجاعة فائقة؛ وليس كما زعمت صحف النظام وقتها؛ انه يريد ان "يخلصوا عليه وينتهي".؛ فقد القي التحية علي الحاضرين وصافح الصحافيين الذين يعرفهم؛ وخصوصا مراسل صحيفة اللوموند اريك لورو؛ وذكره بلقائاتهم السابقة. ان خطبة الاتهام المنبرية قاسية الكلمات والتي وصفت عبد الخالق ب"الدكتاتور المتسلط الذي اعمته شهوة الحكم عن كل شي سواها؛ وحملته نتيجة كل ما حدث من ماسي"؛ لم ترهب عبد الخالق ؛ وكذلك لم ترهبه الاعدامات السابقة التي تمت؛ فقد كتب ادريس حسن:"بعد ذلك اتيح لعبد الخالق وكان منظره مهيبا مثيرا اشبه بفرسان الاساطير القديمة؛ بدأ حديثه وصوته هادئ صاف فنفي الاتهام الاول: شن الحرب علي الدولة." ان مرافعة عبد الخالق قد اتت اكلها؛ حيث ابرق مراسل اللوموند لمجلته بعد نهاية الجلسة الاولى العلنية؛ بان محجوب قد كسب الجولة الاولي؛ الامر الذي احرج السلطات وادي بها الي جعل الجلسة الثانية للمحكمة سرية. اننا لن نعيد هنا ما دار بتلك المحكمة؛ فتفاصيلها مذكورة بمقال الاستاذ ادريس حسن المشار اليه؛ ولكننا نذكر ان تلك المحكمة لم تتوفر فيها ادني فرص العدالة؛ وتميزت بتحيز القضاة منذ البداية ضد عبد الخالق؛ حيث لعب رئيس المحكمة (العميد احمد محمد الحسن ) دور الاتهام في هجومه علي عبد الخالق؛ وكان عدائيا في طريقة طرحه للاسئلة؛ وفي مقاطعته المستمرة لعبد الخالق؛ وفي رفضه احضار الشهود الذين طلبهم عبد الخالق. ان ادريس حسن قد كان مصيبا في قوله: "في تقديري ان الغرض من احضار الصحفيين امحاكمة عبد الخالق بالذات يعود الي اهمية شخصية عبد الخالق محجوب ؛ والي اهمية الحزب الشيوعي السوداني بحسبانه اكبر حزب شيوعي في المنطقة. هذا بالاضافة لما صدر من تعليقات عن وسائل الاعلام الاعلامية حول المحاكمات؛ وتنفيذ احكام الاعدام ووصفها للنظام بالهمجية؛ ولهذا فقد اراد القائمون علي امر النظام ان يظهروا ما هو جار وكانه امر عادي فيه قانون ومحاكم وعدالة." ان عبد الخالق نفسه كان مدركا لصورية المحكمة؛ فحين كان يتحدث عن رأى الحزب الشيوعي النقدي حول التاميم؛ قاطعه رئيس المحكمة (خلص خلص)؛ فرد عبد الخالق:(أرجو يا سيدي الرئيس ان توسع صدرك قليلا؛ لان المسألة بالنسبة لي بضع ساعات فقط ). يقول ادريس حسن : " وقد لاحظت ان الدهشة علت وحوه الحاضرين بعد سماعهم لكلمات عبد الخالق؛ التي كانت اشارة واضحة الي انه كان يعلم سلفا بانهم قرروا اعدامه. لقد كان الامر اكبر من الدهشة واعمق من الخوف. لقد كانت لحظة صراع رهيبة بيت شخصين احدهما يريد ان يضيف الي عمره ولو بضع دقائق معدودة لعل معجزة قد تحث؛ والاخر يريد ان يخلص نفسه بسرعة من مهمة ثقيلة حتي ولو كانت حياة انسان". ان را س عبد الخالق لم يكن مطلوبا فقط في السودان؛ فادريس حسن يحكي عن مكالمة تلقاها نميري من السادات فحواها ان السادات اتصل به وقال له ان الجماعة الروس طلبوا منه ان يتوسط لنميري لكي يبقي علي حياة عبد الحابلق محجوب؛ ولكن السشدات قال للنميري: خاص عليه سريع لان الجماعة ضاغطني! .. وقد وصف النميري السادات انه داهية وخطير؛ ولا ريب ان السعوديون ايضا قد طلبوا راس عبد الخالق؛ ناهيك عن القذافي واقطاب اليمين السوداني. في مواجهة كل ذلك؛ قدم عبد الخالق نموذجا لشجاعة الموقف؛ حيث يكتب ادريس حسن: " وان كان لا بد لي ان اعلق فلا بد لي ان اسجل موقف عبد الخالق محجوب كانسان؛ فقد كان شجاعا وثابتا كل الثبات! كان يتحدث في المحكمة وفي احرج الاوقات وكانه يتحدث في ندوة سياسية؛ علي الرغم من انه كان يعلم مصيره. لا ريب ان عبد الخالق كان اكثر ثباتا من الذين حاكموه؛ فقد لاحظت اثناء المحكمة ان القلق والاضطراب يسيطر علي رئيس المحكمة واعضائها؛ بل ان بعضهم كان ينظر الي ساعته بين الفينة والاخرى كانه علي موعد". ان المشاهد المؤثرة لاعدام عبد الخالق قد ذكرها المحامي مبارك محمد صالح في ذكرياته عن فترة الاعتقال بعد فشل انقلاب يوليو ؛ وذلك في كتاب بعنوان "سجن في السجن" ؛ كما حكى جزءا منها الدكتور خالد حسن التوم في يوميات له بصحيفة الايام. ان احدا من اولئك الرجال والنساءالذين رافقوا مسيرة عبد الخالق محجوب في خلال ال 25 عاما من نضاله السياسي لم يكونوا معه في لخظاته الاخيرة؛ لكن الكثيرين سموعوا صوته المدوي وهو يهز سماء سجن كوبر : " المجد لشعب السودان؛ عاشت وحدة السودان؛ عاش ثوار السودان". كانت هذه اخر كلماته قبل ان يلتف حبل المشنقة حول عنقه. ان الكثيرون قد كتبوا حول حياة وفكر ومو ت عبد الخالق محجوب؛ الا ان الشعراء والادباء قد كانوا الاكثر قدرة علي وصف ذلك الموت الجميل؛ فقد كتب محمد الفيتوري علي لسان عبد الخالق وكانه يتمثله في ساحة الاعدام " ( لا تحفروا لي قبرا / ساصعد مشنقتي / وساغلق نافذة العصر خلفي / واغسل بالدم رأسي / واقطع كفي / واطبعها نجمة فوق واجهة العصر / فوق حوائط تاريخه المائلة / وسابذر قمحي / للطير والسابلة)
وصية عبد الخالق الاخيرة اما أن لها ان تعلن على الملأ؟
وهكذا؛ اعدم عبد الخالق محجوب عن عمر 44 ربيعا هي كل حصيلة ما عاش؛ وضاع قبره في الفلاة؛ وبقيت تركته الفكرية وسيرته النضالية تحرك الاعجاب والكراهية؛ حسب موقع الناظر اليها في خريطة الصراعات الفكرية والسياسية السابقة والحالية والقادمة؛ ورغم ان الخطوط العامة لاسهام عبد الخالق محجوب في التاريخ السوداني موثق ومسطر؛ الا انه تظل هناك ضرورة قصوي لتجميع اعماله المتفرقة والمتعددة؛ واعادة نشرها؛ وذلك بغرض التوثيق اولا؛ وبغرض دراستها نقديا ضمن تطور الفكر السوداني ثانيا. في هذا تهمنا بصورة خاصة ما اطلق عليه وصية عبد الخالق محجوب السياسية؛ وهي الاوراق الاخيرة التي كتبها بعد اندحار انقلاب 19 يوليو؛ وقبل اعتقاله؛ والتي كان يعلق عليها اهمية قصوي؛ حيث تقول عنها الاستاذة سعادة ابراهيم احمد :" استدعى عبدالخالق أحد أقاربه – طه الكد – الى مكان اختفائه وأملى عليه أشياء كثيرة منها مايخص الحزب ومنها ماهو شخصى وأوصاه على أولاده . وبعد ذلك تم القبض عليه واعدامه . وقد اتصل طه الكد بالحزب وسلمه الأوراق التى تتضمن الأشياء التى أملاها عليه عبدالخالق" ( سعاد ابراهيم احمد ؛ لقاء تمت الاشارة اليه) ويكتب الخاتم عدلان: "هناك أوراق هي بمثابة الوصية السياسية، كتبها عبد الخالق في الأيام الثلاثة التي قضاها بأبي روف، وسلمها لطه الكد، إبن خالته، الذي آواه عندما أغلق البعص الباب في وجهه كما قال هو لطه. طه لم يكن شيوعيا، كان إسلاميا في الحقيقة، ولكنه كان معاديا للإخوان المسلمين، وكان معاديا للشيوعية صديقا للشيوعيين. وكان شاعرا وكاتبا، وكان بطلا من شعر راسه إلى أخمص قدميه. قال لعبد الخالق عندما طرق الباب: هذا بيتك ياعبد الخالق: الله الله!! ولكنا يجب أن نبحث عن سلامتك، ودبر له بيتا آخر وقام على خدمته بنفسه، محترما في نفس الوقت حاجته للخلوة والتسجيل. وقد سلمه عبد الخالق الأوراق وطلب منه ألأ يقرأها. وعندما سألته بعد ذلك بسنوات: هل قرأتها يا طه؟ قال لي: أنا ابوك ياحسين، انا أحنث بالقسم،أنا أخون الأمانة؟ سلم طه هذه الأوراق، والتي لا بد أنها تتعلق بحركة يوليو، إلى الاستاذ محمد إبراهيم نقد، بعد ترتيبات معقدة وطويلة. ولا أعرف إن كان شخص آخر قد اطلع عليها أم لا. إنني أناشد الاستاذ نقد، وقد مر كل هذا الزمان، وهو المهتم هذا الإهتمام الكبير بالتوثيق، أن يفرج عن هذه الاوراق. وللحقيقة سألت الاستاذ نقد عنها ذات مساء، فقال أنها موجودة ولم يزد." ( الخاتم عدلان؛ مساهمة في النقاش بموقع سودانيزاونلاين. كوم) انه من المفجع للحقيقة ولذكرى عبد الخالق محجوب؛ انه بعد حوالي 34 عاما من كتابة تلك الوصية؛ فان قيادة الحزب الشيوعي تتستر عليها ولا تكشفها للملأ؛ في احتقار لا يضاهي لرغبة عبد الخالق؛ ولسيرته ولارثه؛ وفي صفعة مؤلمة للحقيقة التاريخية؛ وفي ممارسة كريهة قميئة لا يبدو فيها اي شئ من الاخلاص لسيرة ذلك الرجل العظيم؛ وانما من الاستغلال للنفوذ والتامر علي الحقيقة والاستهبال علي الناس! أين هو موقف الرجل العظيم طه الكد؛ والذي اوصل الامانة رغم الصعوبات؛ ولم يسمح لنفسه بالاطلاع عليها؛ رغم انه لم يكن شيوعيا وانما معاد للشيوعية؛ من موقف رجل اخر بني كل مجده السياسي علي ارث عبد الخالق؛ ولا يزال يجتر سيرته العطرة بالباطل؛ ويعتقل وصيته الاخيرة؛ كما اعتقل ستالين لعشرات السنين وصية لينين الاخيرة؛ ولم تنشر الا بعد وفاته في المؤتمر العشرين للحزب السوفغتي في عام 1956. إننا ندعو من هنا الي نشر وصية عبد الخالق الاخيرة؛ ونحذر من محاولة اعدامها او محاولة تزويرها؛ وهو امر لن نستغربه من المخفيين للحقيقة طوال عقود؛ ولكنها ستكون محاولة فاشلة؛ فالحقيقة هي كالعنقاء ؛ تنهض من الرماد لو احرقت؛ ويبقي قدر الانسان هو الاختيار: تسجيل الحقيقة في احلك الظروف كما فعل عبد الخالق محجوب في تلك الايام الماساوية؛ ام التكتم عليها واخفائها عن الناس والذهاب بها الي القبر؛ كما يرغب محمد ابراهيم نقد؟
عادل عبد العاطي مارس 2005
#عادل_عبد_العاطى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لماذا يرفض الليبراليون السودانيون تعدد الزوجات والطلاق الاعت
...
-
مرة اٌخري نحو قانون مدني موحد للاحوال الشخصية في السودان
-
نحو قانون مدني موحد للاحوال الشخصية في السودان
-
الحملة الدولية لاطلاق سراح دكتور مضوي ابراهيم آدم ورفاقه
-
النظام السوداني يهدف الي قتل الدكتور مضوي ابراهيم آدم
-
تمخض التجمع فولد فاراً ميتاً : قراءة في قرارات هيئة- قيادة-
...
-
كمال دُقدُق: نجمة الحياة في سماء العدم
-
الخِدعة الكبرى
-
العام 2005
-
المنجز والمؤمل :إطلاق سراح عبد العزيز خالد والدور المرتقب لل
...
-
ندى علي وتيسير محمد احمد وعودة بيوت الأشباح
-
طلب بالتحقيق والتدخل في قضية المعتقلين والمفقودين من اعضاء ق
...
-
رسالة مفتوحة الي بروفيسور تيسير محمد احمد علي
-
رسالة مفتوحة الي الدكتورة ندى مصطفي علي
-
رسالة مفتوحة الي شباب وشابات حزب الامة السوداني
-
عبد العزيز خالد الشاهد والشهيد- مهام الحركة الجماهيرية علي خ
...
-
ثلاثية الهزيمة والمؤامرة والصمود:في اسباب وخلفيات اعتقال الع
...
-
مطالبة السلطات الاماراتية باطلاق سراح قائد سياسي سوداني
-
لماذا ندعو للفيدرالية وكيف نراها؟ مساهمة في تطوير برنامج ال
...
-
جهاز الامن يحجب موقع سودانيز اونلاين بالسودان
المزيد.....
-
الحكومة الإسرائيلية تقر بالإجماع فرض عقوبات على صحيفة -هآرتس
...
-
الإمارات تكشف هوية المتورطين في مقتل الحاخام الإسرائيلي-المو
...
-
غوتيريش يدين استخدام الألغام المضادة للأفراد في نزاع أوكراني
...
-
انتظرته والدته لعام وشهرين ووصل إليها جثة هامدة
-
خمسة معتقدات خاطئة عن كسور العظام
-
عشرات الآلاف من أنصار عمران خان يقتربون من إسلام أباد التي أ
...
-
روسيا تضرب تجمعات أوكرانية وتدمر معدات عسكرية في 141 موقعًا
...
-
عاصفة -بيرت- تخلّف قتلى ودمارا في بريطانيا (فيديو)
-
مصر.. أرملة ملحن مشهور تتحدث بعد مشاجرة أثناء دفنه واتهامات
...
-
السجن لشاب كوري تعمّد زيادة وزنه ليتهرب من الخدمة العسكرية!
...
المزيد.....
-
كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل
...
/ حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
-
ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان
/ سيد صديق
-
تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ
...
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
المثقف العضوي و الثورة
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
الناصرية فى الثورة المضادة
/ عادل العمري
-
العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967
/ عادل العمري
-
المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال
...
/ منى أباظة
-
لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية
/ مزن النّيل
-
عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر
/ مجموعة النداء بالتغيير
-
قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال
...
/ إلهامي الميرغني
المزيد.....
|