أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بدر الدين شنن - المهم في هذا الزمان














المزيد.....

المهم في هذا الزمان


بدر الدين شنن

الحوار المتمدن-العدد: 4000 - 2013 / 2 / 11 - 12:24
المحور: الادب والفن
    


إن لم تستطع أن تكتب ما تريد .. أن تخرج ما في داخلك من أفكار ورؤى ومشاعر .. فلماذا تكتب .. ؟ .
هذا ما كان يقوله .. ويردده .. عندما كان يسأله عمار .. لماذا لم تعد تكتب .. ؟ .

كان عدد من أصدقائه يعرفون سبب إحجامه عن الكتابة .. ويتمازحون أحياناً .. بحضوره .. أوفي غيابه .. قائلين .. إن الكتابة هي التي أحجمت عن التعامل معه ، بعد أن صار إنساناً آخر .. لم يعد يختلط كثيراً بالناس .. ولايشترك بنقاش مع أحد في أي موضوع .. وخاصة في الشأن العام .. وصار يفضل في أغلب الأحيان .. أن يجلس وحيداً .. دون اكتراث لتوصيف البعض لحاله ، بعبارات تنم عن الشك بإنسانيته .. واجتماعيته .. التي كانت معروفة عنه . لكن عندما يغلب الجد في الكلام .. يجمعون على أن السجن الذي اغتال ربيع عمره .. هو الذي نقله من حال إلى حال .

وعبر سنوات .. تلتها سنوات .. كان كل ما حوله ينحدر إلى الأسوأ .. وتتأثر الكلمات .. والقيم .. والمعايير .. بهذا الانحدار.. وينتشر المزيد من مناخ الاختناق .. الذي يغلق الفكر والعقل .
وقد شمل هذا الانحدار بعضاً .. من الذين كانوا بالنسبة إليه .. جداراً .. وأفقاً .. وشركاء حلم .

حتى جاء الإعصار .. من الجهات الأربع .. من عمق كل القارات القريبة والبعيدة .. واكتسح كروم الزيتون والفستق والرمان .. وحقول القمح وضحكة الأطفال والريحان .. وعرى الأشجار والأفكار .. وأسقط الأقنعة .. ونشر ثقافة الموت عوضاً عن ثقافة الحرية .. وعمم أصوات الرصاص والقنابل .. عوضاً عن أصوات الفرح والعنادل .. دون أن يمنح فرصة لأسباب الحياة والأمل أن تنهض . وقد دمر من جملة ما دمر .. دمر الربيع الذي كان زاهر يحلم به وكرس حياته من أجله .. وفجر عنده الرغبة أن يكتب للحياة فوق التراب العزيز على قلبه .. ولو لم يكن متاحاً لما سيكتبه أن ينشر .

جلس ليكتب وعنده شعور طاغ .. يجب أن يكتب .
لكنه صدم .. إنه لايستطيع الكتابة . لم يجد نوع الكتابة الذي سينتح ما بداخله من خواطر خنقتها المجازر والمخاطر .. ومن أفكار تكشف الدمار وتفضح العار .. ومن رؤية تفتح أفق الصباحات الندية .
وشرع يكتب .. دون التقيد بنوع مسبق للكتابة .. حّيد عن مخيلته .. الشعر .. والنثر .. والمقالة .. واكتفى بالسرد العفوي البسيط .
وبعد أن سجل عدداً من الأسطر على الورق .. توقف وقرأ ما كتب :
لاتلمني ياصديقي .. إن لم أعرف .. أيهما على حق .. القائل أن نصف الكأس فارغ .. أم القائل أن نصف الكأس ملآن .. أو أن لاأعرف غير الأبيض والأسود من الألوان " .

دهش مما كتب .. وفكر .. ألهذا الحد وصلت بك الأمور يازاهر .
وعزف عن الكتابة بعض الوقت .. ثم عاد وجلس .. وكتب :
" لاتلمني إن لم أعد أقدر على التمييز .. بين الغباء .. والكبرياء " .
وتذكر الامعات من المثقفين والسياسيين ، الذين عند الشدائد يزحفون على بطونهم .. ليكسبوا الرضا .. والمال . وكتب :
" فأنا منذ أن ذقت طعم السياط .. قد ’سلبت مفتاح الفهم .. وإبرة التوازن .. والاختبار " .
وقال في نفسه لقد ’سلبت الكثير .. الكثير .. فقدت الوالدة دون وداع .. فقدت دفء العائلة بين الزوج والأولاد .. وافتقدت الوطن والأهل .. ورفقة دروب الأمل .
وعاد ليكتب :
" واعذرني .. إن تكن عندي لفظة .. ديمقراطية .. مجهولة الهوية والاعتبار .. إنها لم تأتنا في العيش والتعليم .. والتاريخ الطويل .. إنها غريبة عنا .. لم يعرفها البدو .. مصدر مفرداتنا الكثار " .
توقف عن الكتابة وأمعن التفكير .. واقتنع .. أن ديمقراطية اليوم .. ليست أسمى من مفردات عرفتها أجيال أخرى من قبل .
وتابع الكتابة :
" لكن الحق يقال .. أننا ما زلنا نحفظ من تلك المفردات مثل .. عزة .. كرمة .. انتصار . لكنها غابت .. أو كادت .. عن وعينا .. لم تعد تسري على ألسنتنا .. بعد أن ضيعها انكسار بعد انكسار "

وبعد كتابة الجملة الأخيرة .. تنفس بعمق . وأخذ يحدق إلى الخارج عبر النافذة ، كمن يبحث عن شيء هنا أو هناك . واتفق مع نفسه ، أن الانكسار لم يكن وحده مسؤولا . وكتب :
حتى أبناؤنا .. امحت شخصياتهم .. باستنساخهم .. كالذي كان .. والذي صار . أما عن الغد الأفضل .. لم يحسب في برمجة العقل من أجله حساب " .

وتوقع أن يثير ما كتب استغراب عماد .. وخاصة تناثر لمحات البؤس بين الكلمات . وفكر أن يأخذه إلى حافة المنحدر .. الذي استقر في قاعه قامات كبيرة .. انكشف في غمرة الإعصار .. خواء فكرها .. وأفقها .. وتزويرها الشعار .
وتحرك القلم ينضد الحروف والكلمات على الورق :
" هذه هي حالنا .. إن تقل إنه العار .. إن لم نعش أحرار .. وقيمتنا بين الأمم أصفار .. لم يعد يهم .. بعد أن باع الرفيق الرفاق .. وخان الصديق الصديق .. واستأثر بالعقل النفاق " .

وشعر أنه أفرغ شحنة ثقيلة من الاكتئاب ، والمشاعر البائسة المتراكمة ، عبر سنوات طويلة من القهر في داخله .. واستعاد شيئاً .. فشيئاً بعضاً من شخصيته المتمردة بالمطلق .. ضد من يراهم قد ظلموا .. أو انحرفوا .

وكتب بشعور من يكتب وصيته الأخيرة :
" المهم في هذا الزمان .. الأردأ من أي زمان .. ألا ننهار أمام الإعصار .. ألاتقتلنا أحزان المقابر .. وتحبطنا أكوام الدمار .. ألا نخسر الربيع في أعمارنا .. وأعمار أجيالنا المقبلة " .

حين بدأت قذائف المدافع تتساقط .. أمام منزله .. وخلفه .. توقف عن الكتابة .. وركض مسرعاً .. بينما كانت عدة قذائف تطال منزله وتحوله إلى ركام .

لم يعد يظهر زاهر كعادته ، بين وقت وآخر قرب منزله ، يسأل عن الخبز .. والماء .. والكهرباء .

لا أحد يعرف إن كان في منزله أم لا .. لما دمرت القذائف كامل المنزل وحولته إلى ركام .



#بدر_الدين_شنن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الديمقراطية والحرب
- المنشار والشجرة
- نوافذ حلبية
- أتصبح حلب إمارة إسلامية ؟ ..
- - جنة - الشعب المفقودة
- يوم تركنا البلد
- مقومات - الربيع العربي - ومعوقاته 2 / 2
- مقومات - الربيع العربي - ومعوقاته 1 / 2
- اليتيم - إلى رمضان حسين -
- غزة العظمى .. تقاتل ..
- ما بعد تجاوز سقوف الأزمة إلى الحرب
- سوريا من التغيير إلى التدمير .. لماذا ؟ ..
- حبيتي حاب
- بصمات عثمانية على الجدران السورية
- السؤال الحاسم في الأزمة السورية ( 2 /2 )
- السؤال الحاسم في الأزمة السورية 1 / 2
- حتى تتوقف كرة الدم
- أول أيار وسؤال البؤس والثورة
- الهروب إلى الحرية
- لماذا السلاح .. وضد من ؟ ..


المزيد.....




- رشاد أبو شاور.. رحيل رائد بارز في سرديات الالتزام وأدب المقا ...
- فيلم -وحشتيني-.. سيرة ذاتية تحمل بصمة يوسف شاهين
- قهوة مجانية على رصيف الحمراء.. لبنانيون نازحون يجتمعون في بي ...
- يشبهونني -بويل سميث-.. ما حقيقة دخول نجم الزمالك المصري عالم ...
- المسألة الشرقية والغارة على العالم الإسلامي
- التبرع بالأعضاء ثقافة توثق العطاء في لفتة إنسانية
- التبرع بالأعضاء ثقافة توثق العطاء في لفتة انسانية
- دار الكتب والوثائق تستذكر المُلهمة (سماء الأمير) في معرضٍ لل ...
- قسم الإعلام التطبيقي بكليات التقنية العليا الإماراتية والمدر ...
- نص من ديوان (ياعادل) تحت الطبع للشاعر( عادل جلال) مصر.


المزيد.....

- مختارات أنخيل غونزاليس مونييز الشعرية / أكد الجبوري
- هندسة الشخصيات في رواية "وهمت به" للسيد حافظ / آيةسلي - نُسيبة بربيش لجنة المناقشة
- توظيف التراث في مسرحيات السيد حافظ / وحيدة بلقفصي - إيمان عبد لاوي
- مذكرات السيد حافظ الجزء الرابع بين عبقرية الإبداع وتهمي ... / د. ياسر جابر الجمال
- الحبكة الفنية و الدرامية في المسرحية العربية " الخادمة وال ... / إيـــمـــان جــبــــــارى
- ظروف استثنائية / عبد الباقي يوسف
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- سيمياء بناء الشخصية في رواية ليالي دبي "شاي بالياسمين" لل ... / رانيا سحنون - بسمة زريق
- البنية الدراميــة في مســرح الطفل مسرحية الأميرة حب الرمان ... / زوليخة بساعد - هاجر عبدي
- التحليل السردي في رواية " شط الإسكندرية يا شط الهوى / نسرين بوشناقة - آمنة خناش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بدر الدين شنن - المهم في هذا الزمان