|
الفكر الاقتصادى عند يحيى بن عمر الكنانى الأندلسى
محمد عادل زكى
الحوار المتمدن-العدد: 4000 - 2013 / 2 / 11 - 02:54
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
مدخل بات من المستقر أن يتم تقديم تاريخ الفكر الاقتصادى العربى ابتداءً من أوائل القرن الرابع عشر، والقرن الخامس عشر.(1) ومرجع ذلك هو ظهور أولى الكتابات (العِلمية) التى تتناول المسائل الاقتصادية فى المجتمع، فلقد ظهر المقريزى، ومعه كتاباته عن تاريخ المجاعات (1404م) كما ظهرت مقدمة إبن خلدون (1392م) ولذلك كان من العِلمى حقاً أن يكون صدور "إغاثة الأمة بكشف الغمة" أو"تاريخ المجاعات فى مصر" لتقى الدين المقريزى، وصدور" كتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر، فى أيام العرب والعجم والبربر ومَن عاصرهم مِن ذوى السلطان الأكبر" والذى اشتهر بـ "المقدمة" لعبد الرحمن بن خلدون، بمثابة نقطة البدء فى سبيل دراسة الانتاج الفكرى العربى فى حقل المسائل الاقتصادية، وبصفة خاصة بعد أن إستقل التفكير الاقتصادى عن علوم الشريعة وعلى رأسها الفقه. ولقد كان فضولى المعرفى يدفعنى دائماً كى أبحث عن جذور تلك الكتابات، والارهاصات الأولى لهذه الأطروحات المتقَدمة على صعيد الموضوع والمنهج معاً، وبصفة خاصة فى مصر وشمال أفريقيا والمغرب الأقصى والأندلس؛ إذ أن الكتابات التى صدرت فى القرن الرابع عشر والخامس عشر على يد المقريزى وابن خلدون تحديداً، لم تكن بهذا الابداع والعمق دون وجود مجتمع فى حالة تطور مستمر وحراك لا يهدأ وصراعات طبقية غير متناهية. تدور حول المبادلة والزراعة والصراع على الفائض والسيطرة على توزيعه، وكان ذلك كله بالضبط هو ما يدمغ الحقبة بكاملها فى شمال أفريقيا آنذاك. ومن هنا، وحيث أن المجتمع فى الشمال والأندلس لم يشهد دفعة واحدة أو طفرةً هذا الحراك والتطور والصراع الاجتماعى حول السلطة وحول الفائض الاقتصادى من جهة توزيعه والاستئثار به من جانب طبقة معينة على حساب طبقة أخرى أو على حساب باقى الطبقات المكونة للمجتمع، وإنما يُمكن القول بأن سيادة إقتصاد المبادلة النقدية والصراع من أجل الاستئثار بالفائض الاقتصادى، فى المجتمع قد طرح نفسه على أرض الواقع ابتداءً من إحتضار الدولة الأموية فى القرن الثامن الميلادى، وقيام الدولة العباسية بما يعنى ضرورة وجود الإطار الفكرى لهذا الواقع الاجتماعى؛ إذ يتعين نتيجة هذا الصراع الاجتماعى أن تتوافر كتابات، قد ترادف كتابات المقريزى وإبن خلدون، وتتناول ما يُثيره الواقع والحياة الاجتماعية اليومية آنذاك؛ من هنا كان بحثى فى تلك الحقبة، أى القرن التاسع الميلادى، بحثاً عن هذه الذهنية التى تتعامل مع المسائل الاقتصادية بتفكير يُمكن إعتباره من قبيل التفكير الاقتصادى كالذى تم إستخلاصه من الكتابات التى أحرزت التقدم فى الفكر العربى وعلى رأسها بالطبع مساهمة المقريزى، وابن خلدون. ولقد كنت حال بحثى عن تلك الذهنية، فى تلك الحقبة، أعلم أن ما أبتغيه لن أجده خالصاً وإنما سأجده مختلطاً، إذ سيكون فى أحضان علوم الشريعة(2)وبصفة خاصة الفقه، وبصفة أخص الفقه المالكى، الذى كان يَفرض هيمنته كاملة على شمال أفريقيا والأندلس، وبالفعل رحت أبحث فى مراجع ومصادر التاريخ والعلوم فى تلك الحقبة، حتى عثرت على مفاجأة، بالنسبة لى على الأقل، إذ وقع تحت يدى كتاب"المعيَار المعرَب والجامع المغرب" للونشريشى، والذى جمع فيه مُجمَل التراث الاندلسى، فوجدت فيه وتحديداً فى الفصل السادس ضالتى؛ إذ وجدت أشبه ما يكون بالاسئلة والأجوبة قام بتجميعها أحد التلاميذ تدور حول السوق والمبادلة والنقود والاثمان والعلاقة بين قوة العمل والرأسمال...... إلى آخر مظاهر النشاط الاقتصادى فى المجتمع التى ناقشها ابن خلدون بعد ذلك بخمسة قرون. ولقد تابعت بحثى كى أتعرف على السائل والمجيب، ولم أعثر إلا على تحقيق (واحد فقط) أنجزه محمود على مكى، فى خمسينات القرن الماضى، والواقع انه إهتم بالنص إهتماماً محموداً، وإنما كان جُل مجهوده منحصراً فى ضبط الألفاظ وعقد المقارنات بين الفقهاء، ولقد كان هذا هو عين المطلوب منه، ومن ثم فهو الامرالذى سأتجاوزه؛ إذ ما سوف أنجزه أدناه هو إستخلاص واقع الحياة الاجتماعية والاقتصاديـــــة مــن النص، معتبراً النص الذى قدمـه محمود على مكى، المرحلة الأولى بوجه عام، أما ما سأقوم به من استخلاص التفكير الاقتصادى وواقع الحياة الاجتماعية اليومية فى شمال إفريقيا والاندلس فى هذه الحقبة، فهو المرحلة الثانية تاريخياً للتعامل مع النص الذى ظهر فى القرن التاسع. والنص الذى أنشغل به، وكما سأوضح، قام بجمعِ وروايته أبو عبد الله بن شبل(3)مما سُئلَ عنه جميعه، كما يقول إبن شبل، يحيى بن عمر فأجاب فيه ودُوّنَ عنه رواية إبى عبد الله بن شبل. وهو، أى يحيى بن عمر، واحد من كبار فقهاء المالكية فى شمال أفريقيا والاندلس معاً إذ وُلِدَ فى قرطبة وعاش فى شمال أفريقيا وكان دائم الأسفار إلى الأندلس، فجمع بين الثقافتين فى شمال إفريقية والأندلس. ويُمكن القول بأن الثقافتين غير مختلفتين عن بعضهما البعض؛ بل يُمكن القول أيضاً بأن التعرف على واقع المجتمع فى شمال أفريقية هو فى الواقع بمثابة التعرف على واقع المجتمع فى الأندلس للتشابه الشديد بين الاقليمين. ولسوف أنطلق من النص كما أورده الونشريشى فى المعيَار المعرَب، متجاوزاً ضبط النص إذ أن هذا قد تم إنجازه تاريخياً كما ذكرت على يد محمود مكى، وسأسعى إلى مناقشة النص نفسه بشأن الظواهر الاجتماعية والاقتصادية التى يحتويها، فى محاولة لتقديم ارهاصات الفكر الاقتصادى العربى، بصفة خاصة ابتداءً من القرن التاسع الميلادى. وتتبدى أهمية النص الذى سنناقشه ليس فقط فى كونه يعكس طبيعة المجتمع فى شمال افريقيا والاندلس فى القرن التاسع الميلادى، وإنما لكونه يجعلنا نعيد النظر فى تاريخ الفكر الاقتصادى ككل، كى نكون الموقف الرافض من كتابة تاريخ العالم، ونحن أحد أجزائه، ابتداءً من تاريخ أوروبا، فلقد عرف المجتمع العربى، على الأقل، منذ القرن الثامن الميلادى اقتصاد المبادلة النقدية المعممة، وسيادة دورة الرأسمال التجارى، وحراك إجتماعى واقتصادى ومالى متقدم إلى حد كبير، وفى غاية النشاط، لم يكن لينقصه سوى التنظير العلمى ليس إلا، والذى حال دون ذلك هو الذهنية الدينية، آنذاك، التى لم تكن ترى المجتمع، كقاعدة عامة، إلا من خلال صفحات القرآن وسنة النبى صلى الله عليه وسلم ومع ذلك فقد كان المجتمع، من واقع كتاب أحكام السوق، أشبه بمجتمعنا اليوم، وبصفة خاصة فى إطار السوق وحركات البيع والشراء والتداول والتوريد والمقاولة، ليس للسلع فقط وإنما للسلع والخدمات، كما يعرف الأن. والأخطر من كل ذلك هو أن المجتمع قد عرف مبكراً قانون الحركة الذى يحكم الرأسمالية التجارية، وهو الذى سوف يحكم أوروبا بعد ذلك بمئات السنين، إذ لعبت النقود الدور الرئيسى على المسرح الاجتماعى والاقتصادى، وقامت بتأدية وظائفها على أكمل وجه فقد كانت الوسيلة السائدة فى تسوية المعاملات، إذ هى التى تستخدم فى بيع وشراء وتوريد السلع والخدمات، كما ظهرت كأحد وسائل الادخار، حين نعرف أن مجتمع شمال أفريقيا والاندلس كان يعرف معنى الاكتناز والتراكم، كما لعبت النقود الدور الواضح فى حقل الاستثمار، وإن كان فى شكل بدائى إلى حد ما، إلا أنها، أى النقود، تظل صاحبة الدور الرئيسى، وهذا خلافاً للنظرية الشهيرة التى ترى تلك الحقبة بمثابة حقبة ساد فيها نمط الإنتاج الخراجى!! وحتى إن صحت هذه النظرية، جدلاً، فى مجتمع صحراء شبه الجزيرة، القائم على "الغزوة"، فلا يمكن استساغتها مطلقاً فى مجتمع شمال افريقيا والأندلس على الأقل ابتداءً من القرن الثامن الميلادى. فثمة سوق وثمة تداول وثمة ريف وثمة مدينة وثمة فصل تاريخى بينهما، مع وجود مجتمع موازى يمتنهن الصيد، وبصفة خاصة الحيتان، وثمة عمال وأجراء ورعاة وصناع، وثمة أجور، وثمة فنادق، وثمة مطاعم، وثمة توريد، وثمة ضرائب، وثمة دولة قوية تبسط رقابتها على النشاط الاقتصادى فى المجتمع من أجل الحفاظ على الأسواق وضمان إلتزامات المتعاملين من خلالها على إختلاف صفاتهم، من مشترين وبائعين، وموردين، وصيارفة، وتجار، وأجراء، وصناع، وعمال وأصحاب الأعمال والحوانيت. . . . لا يعرف المجتمع العربى فى شمال افريقيا والأندلس إذاً كما يقولون نمط الانتاج الخراجى هذا، فلم يكن المجتمع ساكناً، كما يقولون، بل المجتمع بأسره، فى حالة حراك دائم، ويعمل من خلال قانون حركة الرأسمالية التجارية، ابتداءً من القرن الثامن على أقل تقدير، ويتأكد ذلك، ليس فقط لمن يناقش كتاب أحكام السوق كما سنفعل الان، وإنما يتأكد كذلك لمن يبحث فى علاقات التجارة الدولية آنذاك على طول ساحلى البحر الأبيض المتوسط، فى شمال أفريقيا والمدن الساحلية فى أوروبا القرون الوسطى. وإننى لأرجو بهذا العمل أن أكون قد قمت بإعادة تقديم بشائر التفكير الاجتماعى والاقتصادى العربى فى شمال أفريقيا والأندلس(4)والذى سيطرح نفسه فيما بعد، كعِلم، مع القرن الرابع عشر الميلادى. كما أرجو أن تُعد مساهمتى هذه ذات فائدة، ولو محدودة، فى مكتبة تاريخ الفكر الاقتصادى، وتاريخ الفكر الاقتصادى العربى بوجه خاص.
(1) السياق التاريخى (أ) لم يكن القرن الثامن الميلادى لينتصف دون أن يُنظر إلى دولة الخلافة الأموية كامبراطورية عالمية مهيمنة تَبسط نفوذها على قلب العالم وأطرافه المترامية، وتمد سلطانها إلى حدود بلاد وأمصار تبعد عشرات الايام وآلاف الاميال عن عاصمة الخلافة فى دمشق، فلقد بلغ نفوذ هذه الامبراطورية حدود كل من بلاد الغال وبلاد الفرس ووسط أسيا وشمال الهند. وفى خِضم هذا التوسع الامبريالى أخذت فى التشكل تركيبة طبقية تقوم بالأساس على السياسة الاستبعادية لكُل مَن هو غير أموى عن المناصب الهامة، وبصفة خاصة جنرالات الجيش والقادة السياسيين والقائمين على أمور مؤسسات نظام الحُكم فى الدولة، إذ كانت تلك المواقع بالذات قاصر شغلها على مَن هو أموى فقط، ويليهم باقى الرعايا من المسلمين الاجانب الذين صاروا فى وضعية طبقية متدنية، وبصفة خاصة بعد أن إتسعت أراضى الامبراطورية كى تشغل مساحة شاسعة قدرها 13 مليون كيلو متر مربع، وتضم نحو 90 مليون مواطن ينتمون إلى أجناس شتى وأعراق متعددة وديانات مختلفة، وهو الامر الذى أدى إلى إتخاذ الحكم النخبوى على يد الصفوة فى دمشق أشكالاً أكثر تطرفاً هدفها قمع أى محاولة من قِبل هؤلاء الموالى، المسلمين الاجانب بصفة خاصة، لبسط سلطانهم أو إظهار قوتهم. وهو الامر الذى قاد بدوره إلى إزدياد الاستقطاب الاجتماعى، وهو كذلك ما سوف يستغله الخصم التاريخى المتربص، آنذاك، والذى يسعى إلى إسقاط دمشق، عاصمة الخلافة، بأى وسيلة كانت بغض البصر عن مدى شرعية هذه الوسيلة. فمن جهة أولى، وجد العباسيون، كخصوم تاريخيين للبيت الأموى، أن الواقع الاجتماعى قد صار مهيّئاً تماماً لإسقاط النظام الحاكم فى دمشق وإستبداله بنظام حُكم جديد يستمد نفوذه الروحى من علاقة القرابة الحميمية التى تمتد إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، مِن جهة عمه العباس. ومن جهة ثانية، فقد كان للموالى من الفرس، بقيادة ابى مسلم الخرسانى، الدور الحاسم بعد أن أعلن العباسيون التحالف معهم والدخول فى إتفاقيات تقسيم للسلطة والثروة فيما بينهم. وفى ظل هذا الارتباك وتلك الفوضى، وفى الوقت نفسه الذى تأهب فيه البيت العباسى كى ينقض البيت الأموى؛ فقد أعلنت الامارات الشمالية وهى الأجزاء التابعة للدولة الأموية فى شمال أفريقيا وفى الأندلس إستقلالها عن دمشق؛ إيذاناً بعصر جديد تتحدد معالمه التاريخية من خلال الصراع الدامى بين ملوك الطوائف والمرابطين والموحدين. وغيرهم من القوى الاجتماعية المعززَة بقوة السلاح؛ إبتداءً من المغرب الاقصى مروراً بقرطبة وأرض الأندلس وإنتهاءً بحدود دولة شارلمان والامبراطورية الكارولينجية. (ب) وإن هذا التفكك، الذى أصاب الدولة الاموية، لم يكن بين عشية وضحاها؛ وإنما هو نِتاج تاريخ طويل من الصراع على السلطة والنفوذ بين أكبر فصيلين متخاصمين بعد وفاة النبى مُحمد صلى الله عليه وسلم، البيت الاموى والبيت العباسى، وعلى ضفاف نهر "الزاب" أحد روافد نهر دجلة حقق العباسيون، بمساعدة الفرس، نصراً كاسحاً على الامويين، إلا أن العباسيين لم يبتهجوا كثيراً بهذا الانتصار، إذ لم يزل أمامهم مهمة أكبر بكثير من مجرد الانتصار فى موقعة حربية، الامر الذى جعل بنى العباس يُفكرون، وإنما بذهنية فارسية، فى إنهاء تلك المهمة فى أسرع وقت ومرة واحدة دون توابع. وكانت المهمة تتلخص، ببساطة، فى مسح الدولة الاموية مِن على خريطة العالم وإبادة جميع أهل البيت الأموى؛ ولأجل ذلك قاموا، العباسيون، بتوجيه دعوة إلى جميع أفراد البيت الأموى بغية التصالح فيما بينهم والتفكير معاً فى مستقبل الامبرطورية المترامية الأطراف، ولم يجد أهل البيت الأموى، المهزوم، إلا تلبية الدعوة على الرغم مما كان يُخالجهم من شكوك فى نوايا أعدائهم التاريخيين!! وحينما إطمئن العباسيون إلى أن أفراد البيت الأموى جميعاً صاروا بداخل القصر تلبية للدعوة، فقد قرروا تنفيذ المهمة الأخيرة؛ فغلّقوا الأبواب وأصدروا الأوامر بإبادة البيت الاموى عن بكرة إبيه، ولم تستغرق مهمة فصل رقاب أفراد البيت الأموى عن أجسادهم وقتاً طويلاً، ما أن إنتهت حتى أعلن العباسيون إقامة دولتهم الجديدة على أنقاض البيت الأموى الذى تم تدميره منذ قليل، وكان من لوازم تدشين دولة الخلافة الجديدة إتخاذ عاصمة جديدة بدلاً من دمشق؛ وبالفعل وقع إختيار المنصور، وهو الخليفة الجديد، على بغداد كى يُعلِن منها بداية عصر، ولمدة 500 عام، من أعظم عصور البشرية، وعلى الرغم من التاريخ الدموى البشع بالمقاييس كافة، فقد وُلِدت، فيما بعد، حضارة مثلت لحظات تنبيه وإستيفاق فى تاريخ الانسانية، حضارة عظيمة لم يَسمع بها بشرٌ من قَبل. (ج) وفى غمرة إنشغال بنى العباس بإزهاق أرواح بنى أمية، فى مذبحة قصر الخلافة فى دمشق؛ فقد تمكنَ من الهربِ فتيان صغيران أحدهما يُدعى عبد الرحمن، والاخر يُدعى يحيى، ومعهما تابعهما ويُدعى بدراً، وهو من أصحاب الادوار التاريخية فى حياة عبد الرحمن، إذ مَثلَ بدر هذا بمفرده كتيبة إستطلاع لمجريات الامور المرتَبكة فى الاندلس، وكان بمثابة عين الأمير القادم: عبد الرحمن. أنه عبد الرحمن الداخل بن معاوية بن هشام بن عبد الملك. أخذ الفارون من مذبحة دمشق طريقهم نحو الشمال بإتجاه شمال إفريقيا، إلا أن المرور بأرض فلسطين فرضَ على الفارين الثمن الفادح من حياة يحيى، إذ تمكن العباسيون منه فقتلوة، ونجح عبد الرحمن الداخل وتابعه فى الهروب مرة ثانية، وقد قررا إستكمال رحلتهما إلى المجهول نحو الشمال؛ أملاً فى حماية أمراء الشمال، بيد أن الامراء فى شمال إفريقيا والذين كانوا يدينون بالولاء للامويين قد وجدوا، كما ذكرنا منذ قليل، فى حالة الفوضى السائدة فى أرجاء دولة الخلافة فرصة عظيمة كى يَنفَصلوا بإماراتهم ويُعلنوها ممالكاً مستقلة عن دولة الخلافة. بل وكاد عبد الرحمن ذاته أن يَلحق بأخيه يحيى فى عالم الاموات؛ على أرض شمال إفريقيا نفسها!! وإذ يخدم الحظ عبد الرحمن مرة فى دمشق، ومرة أخرى على أرض شمال إفريقية، ويَنجو من القتل فى المرتين؛ فإن الحظ يُقدِم له كذلك خدمة أجلّ وإنما فى الأندلس هذه المرة، فلقد كانت الأرض مهيأة هناك أيضاً لحدوث انقلاب سياسى شامل، طبقاً لإستطلاع "بدر" الذى أخبر به عبد الرحمن؛ فحاكم الأندلس يوسف الفهرى، وبعد أن أعلن تحالفه مع قبيلة القيسية أحد قبائل الشمال العربية، إتبع، هو الاخر، سياسة الاستبعاد لكُل مَن هو يمنى، إذ قام بإقصاء اليمنيين جميعهم والذى تمكنوا من أن يُكونوا طبقة من كبار ملاك الاراضى، وهى الاراضى التى تملكوها مكافأة لهم من طارق بن زياد، على دورهم الرئيسى والحاسم فى إخضاع البلاد المفتوحة وعلى رأسها الأندلس، إلا أن سياسة الاقصاء كانت هى السياسة العامة المتَبعة من قِبل تحالف الفهرى/القيسية. وهو الامر الذى أججَ الواقع الاجتماعى وأَلهب الصراع بين القوى الاجتماعية، وهى القوى المتناحرة بالأساس. ولقد وجد عبد الرحمن، الذى دعاه أتباعه بالأمير، الفرصة سانحة كى يُبحر، برفقة المتمردين عبر مضيق جبل طارق إلى الاندلس فى أواسط القرن الثامن الميلادى، وبينما هم يمضون نحو الشمال إنضم إلى صفوفهم الالاف من الأندلسيين الساخطين. وفى عام 756م يلتقى جيش الأمير، فى معركة حاسمة خارج قرطبة، جيش يوسف الفهرى/القيسية، ويهزم جيش الأمير جيش الفهرى، ويُعلِن إستعادة الحكم الأموى، وليس ذلك فحسب وإنما ليُعلِن أيضاً عن قيام كيان علمى ومعرفى مؤسسى موازى لبغداد، فى الغرب. كيان لا يَقل فى عبقريتهِ وعظمتهِ عن نظيره فى الشرق الواقع تحت سيطرة بنى العباس. ففى نفس الوقت على بعد 2300 ميل من قرطبة بزغ العصر الذهبى للمسلمين فى بغداد والتى جاء إليها العلماء والمفكرون من مختلف بقاع العالم فى شتى مجالات العِلم والمعرفة بعد أن أعلن الخليفة المأمون الذى تتلمذ على يد المعتزلة وهم الفرقة التى كانت أفكارهم، المقدِمة للعقل على النقل، تُدعم نوع الدولة(ومن ثم نوع الدين) الذى يرغب المأمون فى بنائها، فقد أعلن المأمــون أن لا حدود للعِلم ولا نهائيـــــة فى المعرفة، ولا محظور فى البحث عن الحقيقة(5)وأن الدولة تدعم بلا حساب كل مبدع وكل مفكر يقتحم أسوار المجهول ويسعى لفك طلاسم العلوم، واختراق أسرار الكون والكشف عنها، أو ينقل إبداعات العالم القديم إلى لغة العرب، وينهض بشرحها(6). (د) ومع قدوم القرن العاشر شهد التنظيم الاجتماعى فى شمال افريقيا والاندلس نموذجاً جديداً أفرزه الصراع الاجتماعى بين العديد من الفصائل المتناحرة، إذ ظهرَ التنظيمُ الاجتماعى المبنى على الطوائف. وفى ظل الصراع التاريخى ما بين البيت العباسى والبيت الأموى ظهرت دولة "الأغالبة" (184 – 296هـ) (800 – 909 م) فى شمال أفريقيا، وقد أعلنت نفسها دولة مستقلة فى مواجهة كل من البيتين العباسى والأموى، على الرغم من أن الظهور الأول للاغالبة كان بمساندة مؤسسية من النظام الحاكم فى بغداد، كى تكون بمثابة الدرع الواقى من هجمات الدويلاتِ الأخرى التى أعلنت إستقلالها عقب إنهيار الدولة الاموية، وكان على رأس تلك الدويلات المستقلة دولة "الأدارسة" الشيعية التى كانت تكن كُل العداوة لبنى العباس، وكانت تُمثل خطراً حقيقياً على الخلافة فى بغداد. قامت دولة الاغالبة والتى فى عهدِها ألفَ يحيى بن عمر الكتانى كتابه فى أحكام السوق، وهو الكتاب الذى ننشغل به والذى يَعكس لنا صورةً واضحةً وحقيقية لطبيعة الحياة اليومية فى المغرب الأقصى وشمال إفريقية والاندلس فى القرن التاسع الميلادى، كدولة مستقلة وتقوم بدور حمائى للخلافة العباسية فى بغداد. وبلغَ نفوذهُم إلى صقلية (264 هـ / 878 م) وفى عهد الاغالبة شهدت القيروان نهضة هائلة وبصفة خاصة من الناحية البنائية والعمرانية؛ إلا أن إنتقال حكم الدولة إلى الأمير أحمد بن الأغلب (261 - 289هـ/875 -902م) وقد كان يحيى بن عمر من المقربين منه لأنه قرب الفقهاء إليه، كان بمثابة كتابة شهادة وفاة تاريخية لتلك الدولة، إذ بدأت الفتن تدب بين الأمراء فقامت مدن تونس، وباجة، وقمودة، وغيرها بشق عصا الطاعة، بينما طفق المد العبيدى الشيعى يزداد يوماً بعد يوم.
بعد وفاة الامير أحمد، تولى الحكم إبراهيم بن الأغلب، ولما أيقن إبراهيم إقتراب زوال مملكته على يد بنى عبيد حاول سنة(289هـ/902م) أن يُغير من سياستِه، فخفف الضرائب وجلس للمظالم وعمل على تقريب الفقهاء، وكان من هؤلاء الفقهاء يحيى بن عمر، والذى كان صديقاً مقرباً لإبراهيم بن الأغلب، وإنما كان تقريبه هذا لرجال الدين بغية تدعيم سلطته، دون أى فائدة، وفى عهد حفيده "زيادة الله" إستشعرت بغداد تحت خلافة "المكتفى" أن الخطر العبيدى صار قريباً، وأن دولة الاغالبة لم تعد بقادرة على صدهم أو الحيلولة دونهم والاستيلاء على إمارات الخلافة واحدة تلو الاخرى على طول الخط المؤدى إلى بغداد، ولم يمضْ الوقت طويلاً حتى جاءت معركة "الاربس" الحاسمة سنة (296هـ/909م) وفر على إثرها "زيادة الله" إلى المشرق. وبإستيلاء العبيديين على القيروان فقد جمعوا كُل المغرب تحت سيطرتِهم فشجعهم ذلك على متابعة السير نحو المشرق وأمكن لهم فيما بعد أن يَستولوا على البلدان التى تقابلهم على طول ساحل البحر الأبيض المتوسط. ولولا الظروف السياسية والوضع الداخلى للفاطميين لإستولوا على بغداد نفسها.وفى خِضم تلك الصراعات الاجتماعية والتى إتخذت مظاهر متنوعة سياسياً وعسكرياً، كانت "القيروان"تأخــذ فى طريقها كى تُمثل الضلــــع الثالث مــن مثلث التألق والابـدَاع الإنسانى فى لحظة من أهـم اللحظات التى مرت بها حركـة التاريخ البطيئة والعظيمـة، إذ إنضمت القيروان فى شمال إفريقــــيا إلى بغداد فى الشرق وإلى قرطبة فى الغرب، كى يَكتمل مثلث نور الحضارة الاسلامية(7)إبتداءً من القرن الثامن الميلادى. (2) بإختصار عن الكتاب وصاحبه (213 – 289هـ / 828 – 902م) كما هو واضح من التاريخ ان الزمن الذى تم فيه تأليف الكتاب هو زمن دولة "الاغالبة" ومكان تأليفه كما يُعرف من الكتاب نفسه، وكما سنرى، هو القيروان. والكتاب الذى بين أيدينا، والذى ننشغل به مستخرَج، كما ذكرت، من المجلد السادس من كتاب أبى العباس الونشريشى"المعيَار المعرَب"والذى ضم مُجمل التراث الأندلسى، ولم أقف بشأن تحقيق هذا الكتاب إلا على مساهمتين: أولهما، كما ذكرت، تعود إلى خمسينات القرن الماضى لمحمود مكى، وهى تحقيق يَنشغل بكتاب يحيى بن عمر، وهو المعنى. والثانية لا تمثل فى الواقع أهمية، ولا أعتبرها مساهمة فعلية أو علمية حقيقية بشأن النص أو شروحه، من جهة كونها إشراف عِلمى، لمحمد حجى، وهى تنشغل "بالمعيَار المعرَب" ككل. وعن صاحب الكتاب؛ فأنقل ببعض من التصرف، ما قاله محمد بن عثمان الذهبى، فى المجلد الثالث عشر من موسوعته"سير أعلام النبلاء"، فهو يقول: "هو يحيى بن عمر بن يوسف، الامام، ولد بقرطبة، شيخ المالكية أبو زكريا الكنانى الاندلسى الفقيه. قال إبن الفرضى: إرتحل، وسمع بإفريقية من سحنون وأبى زكريا الحفرى، وعون بن يوسف صاحب الدراوردى وسمع بمصر من يحيى بن بكير وحرملة، وإبن رمح وبالمدينة من أبى مصعب، وسكن القيروان، وكان حافظاً للفروع، ثقة، ضابطاً لكتبه. أخذ عنه أحمد بن خالـد الحافظ، وأهــل القيروان، وكانت الرحلة إليه فى وقتـــه (أى يُسَافر إليه طلباً للعِلم منه م.ع.ز) سكنَ سوسة فى آخر عمره، وبها مات. قال الحميدى هو من موالى بنى أمية روى عنه سعيد بن عثمان الاعناقى وإبراهيم بن نصر. وقال إبن الفرضى: مات فى ذى الحجة سنة تسع وثمانين ومائتين. وقال أبو بكر بن اللباد: كان من أهل الصيام والقيام، مُجاب الدعاء، كانت له براهين، وقال أبو العباس الابيانى: ما رأيتُ مثل يحيى بن عمر فى عِلمهِ وزهدهِ، ودعائهِ وبُكائهِ، فالوصف، والله، يَقصر عن ذِكر فَضله وقال محمد بن حارب: كان متقدماً فى الحفظ، لقى يحيى بن بكير، وكان يقول: سألت سحنون، فرأيت بحراً لا تكدره الدلاء، والله ما رأيت مثله قط، كأن العِلم جُمِعَ بين عينيّه وفى صدره. قال الكانشى: أنفقَ يحيى بن عمر فى طلب العِلم ستة آلاف دينار.(8) ولن أنشغل وأسرد هنا أكثر من ذلك بشأن سيرة يحيى بن عمر، وأُحيل فى هذا إلى أمهات كُتب السير، كأعلام النبلاء للذهبى، والديباج المذهب لإبن فرحون، وتاريخ عُلماء الاندلس لابن الفرضى، ومعالم الايمان فى معرفة أهل القيروان للدباغ، ولسان الميزان للعسقلانى، وطبقات عُلماء إفريقية لإبن تميم وإبن حارث الخشنى. . . . وغيرهم من فحول كُتابِ السيّر، وإعراضى هنا عن السرد ورغبتى فى الاحالة إلى أمهات الكتب، إنما يحكمهما إعتبارين، أولهما: رغبة فى الولوج مباشرة فى كتاب يحيى بن عمر، دون إطالة بعد أن إستوفيت الاطار التاريخى، وقد يكفى القارىء العادى ما نقلته له أعلاه عن الذهبى، وإن أراد التوسع فى السيرة فعليه الرجوع إلى واحد أو أكثر من المؤلفات التى ذكرناها، وهنا يتبدى الاعتبار الثانى، إذ أجد فى إعادة نقل السيرة مُلخَصة، وفقاً لمقتضيات الوقت والمقام، التشويه المتعمَد لصاحب السيرة، وهو الامر الذى يَخرق العلاقة التعاقدية غير المكتوبة فيما بين الكاتب وقارئه. ولذلك سأنتقل الأن إلى كتاب"أحكام السوق" ليحيى بن عمر الاندلسى.والذى أورده الونشريشى فى الجزء السادس من كتابه:"المعيار المعرب"(9)وأظن أن تناولى لهذا الكتاب بالتحليل لإستخلاص الأطر العامة للتفكير الاقتصادى العربى فى القرن التاسع الميلادى يُعد من أولى المحاولات لاستخلاص الفكر الاقتصادى من مؤلَف يتم التعامل معه بالأساس ككتاب للحسبة فى تطورها نحو الانسلاخ عن كُل من الفقه(10)من الناحية الموضوعية، وعن القضاء من الناحية الوظيفية، بعدما صارت من المهام الادارية للدولة الإسلامية آنذاك. الأمر الذى يجعلنى أعترف بأوجه القصور وأن أسلم بأن الموضوع فى حاجة إلى المزيد من المساهمات من قِبل الباحثين فى تاريخ الفكر الاقتصادى، وإننى لأرجو أن يفتح باب المناقشة الجادة بغية إثراء الحوار الذى يهدف تلمس مواطن العزة فى تاريخنا العظيم الضائع. (3) الفكر الاجتماعى والاقتصادى فى كتاب أحكام السوق (أ) يبدأ (المؤلَف) أحكام السوق(11)بما ينبغى على الوالى عمله، ويُلخص إبن شبل قول يحيى بن عمر، بأن على الوالى أن يتحرى العدل، ويتعاهد السوق بأن يُحافِظ على إنضباطه، ويَضبط الموازيين والمكاييل، ومن أجل تحقيقه لذلك فقد قرر له يحيى بن عمر سلطة عقاب المخالفين وإخراجهم من السوق، وتعد عقوبة الاخراج من السوق من العقوبات القاسية، كما يكون من إختصاصاته الهامة تعيين مَن يرى تعيينه وعزل مَن يرى عزله وفقاً ما تقتضيه المصلحة العامة، كما يُفهم بمفهوم المخالفة أنه لا يحق للوالى تعيين أجنبى لتعهد السوق، ويمكن أن نفهم من ذلك عدم تولية مَن هم من خارج البلدة ولاة على أسواقها، والذين لا يعرفون أحوالها ومصادر دخلها ومواردها وإحتياجاتها، وأحوال سكانها ومعاشهم وأرزاقهم، فهو يقول:"ينبغى للوالى أن يتحرى العدل، وأن ينظر فى أسواق رعيته، ويأمر أوثقَ مَن يعرف ببلده أن يتعاهد السوق، ويعيّر عليهم صنجتهم وموازينهم ومكاييلهم كلها، فمن وجده غير ذلك شيئاً عاقبه على قدر ما يرى من جُرمِه (وافتياته على الوالى، وأخرجه)(12)حتى تظهر منه التوبة والانابة إلى الخير". ويتبين من طبيعة العقاب الذى قرره يحيى بن عمر لمن يُزيف النقود، ان هذا الفعل يعد من جسائم الافعال، إذ لا نجد فى جميع أجزاء المؤلَف عقوبة تكون أشد من تلك المقررة لمن يغش النقود بخلطها بالنحاس، اللهم إلا الاخراج من السوق لمن يقترف أياً من نماذج الغش الأخرى، فلقد قرر يحيى بن عمر لمن يزيف النقود العقاب الشديد بأن يُرَكْب على دابة، ووجهه ناحية ذيلها وظهره ناحية رأسها، كما كان شائعاً فى وقتها، ويُطاف به فى شوارع البلدة وأسواقها وبما يَحمل ذلك من مهانة وإذلال؛ إذ عادة ما يحيط الناس، وبصفة خاصة الأطفال، بهذا الركب ويرددون عبارات التهكم والسخرية، ثم يَسجنه، وللوالى فى ذلك كامل السلطة التقديرية، فهو يقــول:". . . ولا يقبل منه النظر إن ظهر فى سوقهم دراهم مُبهرَجة ومخلوطة بالنحاس بأن يشتد فيها ويبحث عمن أحدثها، فإذا ظفر به أناله من شدة العقوبة، وأمر أن يُطاف به الاسواق لينكله ويُشرد به من خلفه، لعلهم يتقون(13) عظيم ما نزل به من العقوبة ويحبسه بعد على قدر ما يرى". ولشدة خطر ظهور وحدات النقد المزيفة فى الاسواق فقد أوجب يحيى بن عمر على الوالى أن يأمر (أحد الخبراء) بمثل تلك الأمور كى يُعالج ذلك الخطر الذى يُحيط بالمجتمع جراء ما أصاب وحدات النقود المتداولة بداخله؛ إذ يتضح من كلام يحيى بن عمر أنه يوجب للوالى تعيين ذلك الشخص الخبير بجانب مَن عينه من قَبل كى يتعهد السوق بوجه عام، فالمسألة وفقاً لما يرى يحيى بن عمر تخضع لإعتبارات فنية أكثر منها إداريةـ ولذلك أوجب أن يُعين الوالى مَن لديه العِلم بهذا الفن ويستطيع أن يُجابه هذا الخطر بطريقة واعية بالكيفية التى يتم من خلالها طرد العملات المزيفة وامتصاصها، والسيطرة على إنفلات السوق دون إحداث تغيرات سلبية تؤثر بالتبع على المعاملات فيما بين جمهور المتعاملين بالبيع والشراء، وعلى باقى أنواع التصرفات؛ فهو يقول:"ويأمر أوثق مَن يَجد بتعاهد ذلك من السوق حتى تطيب دراهمهم ودنانيرهم، ويحرزوا نقودهم"ولم يشترط يحيى كون هذا الخبير من أهل البلد كما كان شرطه فى الشخص السابق الذى جعله يتعهد السوق بوجه عام. ومما يجب ملاحظته من كلام يحيى بن عمر، أن سوق القيروان كانت تشهد خللاً واضحاً فى المكاييل، فإنه سُئل عن كيفية توحيد هذه المكاييل والموازين(14)، إذ فشى فى السوق التفاوت فى تلك المكاييل والموازين بين بائع وآخر، فعند هذا كبيرة، وعند هذا صغيرة، وعلى هذا التساؤل أجاب يحيى بما يُشير إلى وعيه بدور الذهب والفضة حين إتخاذهما معياراً ومقياساً فى ضبط مكاييل البائعين وموازينهم، لتمتعهما بصفة الثبات النسبى، فهو يقول، وفى إشاراة واضحة للمدنية التى كانت تسود القيروان:" فلا ينبغى لحواضر المسلمين أن تكون أسواقهم بهذه المنزلة التى وصفتَ . . . ويكون أصل ما توضع عليه أرطالهم على الأواقى التى أوجب رسول الله صلى عليه وسلم؛ زكاة العين من الذهب والفضة بها". ويحيى بن عمر يصدر بلا شك، وفقاً لإجابته، عن التقليد فى حقل السنة، بمفهوم موطأ الامام مالك، ودون أن يُحمل كلامه على أكثر من ذلك. وبشأن القيمة(15) فمن الممكن القول بأن هناك ثمة وعى بأن القيمة تختلف عن الثمن، وإن كان من قبيل الوعى المرتبك، ليس لدى يحيى فحسب بل ولدى من توجَه ليحيى بالسؤال، ولعل ذلك الارتباك كان طبيعياً، فالقيمة بلسان العـرب هى: ثمن الشىء بالتقويم، فإن إبن شبل يقول:"قيل ليحيى بن عمر: أوضح لنا القيمة التى تُقام على الخبازين، وغيرهم من أصحاب(16)الحوانيت الذين يبيعون السمن والعسل والزيت والشحم فإنهم إن تُركوا بغير قيمة أهلكوا العامة لِخفّة السلطان وضعفه(17)وإن جُعلِت لهم قيمة فهل ترى ذلك جائزاً؟" ونحن حين نقوم بتحليل الاجابة التى سوف يقوم يحيى بن عمر بتقديمها؛ فمن الممكن القول بأنه يتأرجح ما بين أمرين أولهما يقول بالثمن، وبصفة خاصة وأنه يطرح المسألة برمتها فى سياق مدى شرعية التسعير، وثانيهما يصل بخفوت إلى القيمة، وفى هذا الصدد يعتد، كالعادة، بما عليه الافتاء فى مذهب المالكية، وربما دون أن يدرى أو يدرون، انه وهُم إنما يتحدثون فى القيمة النسبية، وإنما يُربِكَهم مصطلح القيمة "كمصطلح إقتصادى" سيفرض نفسه وبقوة بعد عدة قرون، وبصفة خاصة فى أوروبا الصناعية. ولئن رأى الانسان، بعد تاريخ طويل من المقايضة، أن الذهب صاحب قيمة ثابتة نسبياً تمكنه من الظهور كمعيار مشترك بين السلع، فإن يحيى بن عمر، وقد رأينا سلفاً أنه يعتد بالذهب والفضة بشأن المكاييل والموازيين، ينقل، وبوعى، عن أشهب(18)قوله:"إن قال صاحب السوق بيعوا على ثلث رطل من الضأن ونصف رطل من الإبل، قال مالك، ما أرى به بأسا. . ."ففى هذه الحالة يكون ثلث الرطل هذا ونصف الرطل ذاك معيارين يعتد بالقيمة النسبية لهما معاً فى سبيل التسعير، دون أن يطرح أساس تبادل ثلث رطل من الظأن ونصف رطل من الأبل، وإن كان من المتاح لنا أن نخمن الاساس الذى كان محل إعتداد ونفترض كونه فى قيمة قوة العمل المبذولة فى سبيل الرعى، وربما تكون طبيعة المجتمع أنذاك لا تسمح تاريخياً بطرح ذلك من الوجهة الموضوعية، فالمجتمع يَغلُب عليه الطابع التجارى أى أن دورة رأس المال فيه تمر بمراحل محددة وهذه المراحل ذات علاقات شفافة، فالنقود تلعب دور وسيط فى التبادل بشكل نموذجى؛ إذ يقوم التاجر بالتخلى عن نقوده، فى المرحلة الأولى، من أجل شراء السلع من شخص آخر(19)وفى مرحلة ثانية يَذهب إلى سوق مختلف تارة آخرى، كى يَبيع ما إشتراه ويَسترد نقوده ولكن مُحمَلة بزيادة فى وحدات النقد تُسمى ربحاً، ويتم ذلك كُله فى إطار من الشفافية التى لا تسمح، خلال العملية نفسها، بإستغلال طبقة معينة من الشعب من قِبل طبقة أخرى، وإن كان مسموحاً (شرعاً) إستعباد البشر، ويبقى فى إجابة يحيى بن عمر المعتمَدة فى المذهب المالكى بذر جنينى غير مكتمل للقيمة النسبية، والتى سوف تمثل بعد ذلك بعدة قرون أحد ركائز البنيان النظرى لواحد من أعظم علماء الاقتصاد السياسى، هو ديفيد ريكاردو. وبشأن إختلاف أسعار الأسواق، فسلعةٌ ما فى سوق القيروان تُباع مثلاً بمقدار كذا درهم، على حين نفس السلعة، فى أسواق أخرى تابعة كذلك للدولة، ترتفع أو تهبط عن سعر القيروان، فإنه يستبين أن يحيى بن عمر يرى ضرورة إعمال قواعد العرض والطلب بإطلاق، وهى من القواعد التى يعتنقها معظم فقهاء الفقه المالكى بشأن الأسعار وحركة التجارة بداخل الاسواق؛ وفى ذلك يقول إبن شبل:"وسُئل عن أسواق المصر: هل تبع لأسواق القيروان فى أسعارها من جميع الاطعمة والامتعة، وجميع ما يُباع فى أسواقها مما يُؤكل ويُشرب، أو مما لا يُؤكل ولا يُشرب؟ فجاوب: لا أحفظ فيه شيئاً وما أرى سوق المصر إلا خلاف سوق القيروان ". ومن الامور المثيرة للدهشة حقاً ما ورد فى النص التالى:" وسُئل مالك عما يُغش من اللبن بالماء أيهراق؟ قال: إن الناس ليهرقونه وأرى أن يُعطى للمساكين. قيل له: بغير ثمن؟ قال: نعم، إذا كان هو الذى يغش اللبن. . . وأما إن كان إشتراه مغشوشاً فلا أرى ذلك عليه لأنه يُذهِب فى ذلك أموال الناس. قيل ليحيى: هل تأخذ بهذا كله؟ قال نعم". ولنتوقف قليلاً عند العبارة التى تقول لا أرى ذلك عليه لأنه يُذهِب فى ذلك أموال الناس، والعبارة للامام مالك، ولكن يحيى يعتنقها، ولا داعى لأن نعيد قولنا بأن جميع الافكار حتى ذلك الوقت تدور فى فلك علوم الشريعة على يد عقليات جدلية(20)فذة، وعلى وجه الخصوص الفقهاء الاربعة الكبار، إذ لا يَملك المرء، أياً ما كان موقفه الدينى وتوجهه الأيديولوجى، سوى الانبهار بقدرة هؤلاء على التحليل والتجريد وهذه البراعة فى المناقشة والجدل. نعود إلى (لا أرى ذلك عليه لأنه يُذهِب فى ذلك أموال الناس) فمن الواضح فى النص أن الذى يغش فى اللبن، ولا يُعقل أن يكون الفرض هنا يخص غير التاجر، فإن اللبن يُتصدق به على المساكين، وفى ذلك منفعة إجتماعية أكيدة إلى حد كبير، ولكن الامر يتخذ نحواً مختلفاً إذ ما كان المشترى أصاب لبناً مغشوشاً بالماء، فما عليه العمل لدى يحيى بن عمر، وفقاً للمعتمد لدى المالكية، أن التصدق به على المساكين غير واجب عليه. لما؟ المسألة تكمن هنا فى "لما" هذه. إن العبارة تقول :" لأنه يُذهِب فى ذلك أموال الناس" أى أن ثمة تصور معين عن (كمية) الأموال المتداولة فى المجتمع، فإن التاجر الذى يغش اللبن فإنما بغشه هذا إنما يزيد ما هو متداول من السلع المتداولة فى المجتمع دون أن تَحدث زيادة حقيقية فى وحدات النقد المتداولة، ولذلك يكون الجزاء هو إعدام هذا الجزء الزائد دون تداول نقدى بإعطائه إلى المساكين لأن التصدق يحوى منفعة اجتماعية تعود على هؤلاء المساكين والمجتمع ككل. أما فى الفرض الذى يجد فيه المشترى اللبن مغشوشاً فإنه إذ ما تصدق به فإنما يُسهم، بتصدقه هذا، فى الاخلال بكم السلع المتداولة فى السوق، ومن هنا كان القول (لأنه يُذهِب فى ذلك أموال الناس) وهو التحليل الذى يعنى ان يحيى بن عمر، بالنقل عن مالك، لديه الوعى بأن المجتمع يتداول بداخله كمية معينة من النقود، ولا ينبغى أن تُصاب تلك الكمية بخلل من جراء زيادتها بالتزييف، كما رأينا، أو بزيادتها دون أن يقابل تلك الزيادة زيادة مماثلة فى السلع المتداولة. (ب) وثمة وعى مواز لدى يحيى بن عمر بأن غلاء السلع يعود إلى نقصها فى السوق، أى أن نظرية الطلب والعرض تجد لها مكاناً واضحاً فى تفكيره، فإبن شبل يقول:" وسُئل عن التين والتفاح والعنب والفرسك (أى الخوخ م.ع.ز) وجميع الفواكه تُبَاع فى السوق قبل أن تطيب. فقال: إن كان كثيراً فى بلدهم فلا بأس به، وإن كان قليلاً فلينهوا عن قطعه حِصرماً، لأنه يُضِر بالعامة، وذلك أنه يُطلَب فى حينه فلا يكاد يُوجد فيغلا". وبهذه المناسبة يعكس لنا مؤلف أحكام السوق طبيعة الحركة فى السوق، وحقيقة وجود تُجار الجملة، إذ المسألة تتجاوز، وكما سنرى بتفصيل أكثر، البائع والمشترى المجردين، إذ أن الحركة فى السوق لها من الاطراف ما يتجاوز هذه العلاقة الثنائية، فبصدد شراء الرجل لثمار التين التى لم تطب بعد، فقد أثبت له يحيى بن عمر الخيار وحق رد السلعة إذ تبين له العيب فيها، أما إن إشتراه أهل السوق، وهذا ما يهمنا، فوُجِد عندهم لم يطب أو وُجد عندهم مدهوناً، فليردوه على بائعه، ويقول:" ولا يُباع فى أسواق المسلمين، فمَن باعه بعد ما تُقدم إليه تُصدق به عليه أدباً له". ويُوضح لنا يحيى بن عمر، فى أحكام السوق أيضاً، بعض مظاهر الحركة اليومية، وطبيعة العلاقة بين أطراف السوق، الذين يقيمون علاقات إقتصادية فيما بينهم تحت إشراف الدولة التى تفرض وجودها وهيمنتها دائماً كمراقبة لمعاملات السوق بين أطرافه، "فيجب على الحناطين ألا يبعوا القمح والشعير والفول والعدس والحمص حتى يغربلوها، وفى ذلك قال يحيى: أرى أن يُلزَموا بذلك" أى أن مراقبة الجودة من الامور المعروفة لدى يحيى بن عمر. ويتعزز ذلك فى تناوله لمسألة أن رجلاً دفع بقمحه إلى الطحان كى يطحنه له، فإن على الطحان أن يقوم بما يجب عليه فى سبيل المطلوب منه وأن يرد الطحين لصاحبه دون خسران ودون إتلاف، ويجتهد فى سبيل ذلك إجتهاد الرجل المعتاد، وفى ذلك يقول يحيى بن عمر:" وإن بطل الرحى فأفسد ببطله(21)الطعام فإن لم يكن من الطحان فى ذلك تفريط فلا ضمان عليه". وفى هذا الصدد يقول يحيى بن عمر:" وإن طحن الطعام على أثر النقش(22) فهو ضامن، قاله إبن حبيب(23) فيما يجب لصاحب السوق أن يفعله فى القيم". وحين ننتقل للتعرف على علاقات السوق، أى التعرف على روابط التنظيم الاجتماعى التى تنشأ ما بين أطراف العملية الاقتصادية فى الاسواق، فإننا نلمس وعياًً بتعدد العمليات الاقتصادية بداخل العملية الواحدة كما نلمس وعياً بتعدد الأطراف وتحديد مسئولية كل طرف مشارك فى تلك العملية، فبشأن الخبز مثلاً، وبعد أن أوضح يحيى بن عمر الالتزامات الملقاه على عاتق صاحب الفرن والتى تشمل النهى عن طحن القمح الذى يُعمَل منه الخبز حتى يُغربله ويُنقيه من الحجارة والعشب ولا يرميه بأثر النقش، نقول بعد أن أوضح يحيى ذلك فقد أجاب حين سُئل عن الخبز يوجد عند أصحاب الحوانيت ناقصاً، أجاب:" أرى أن يُؤدب مَن وجِدَ عنده ويُخرََج من السوق لأنه يتجر فيه ولا حجة له فى نقصانه". والنص يحوى بين جنباته الاشارة إلى مدى التنظيم الشديد الذى يوجد فى المجتمع لدرجة تحديد الدولة لوزن معين للخبز يتعين أن لا ينقص عنه. ولقد أجاب أيضا يحيى بن عمر، حين سُئل عن الذى يحق عليه العقاب صاحب الفرن أو صاحب الحانوت إن وجد الخبز ناقصاً عن الوزن الذى قررته الدولة، بقوله:" إذ عُرف صاحب الحانوت بنقصانه فالادب عليهما معاً". فكما كان لدينا تاجر الجملة فأصبح لدينا الأن مَن يتوسط فى حركة التداول ما بين المنتِج وما بين المستهلك، وهو صاحب الحانوت الذى يشترى الخبز من صاحب الفرن ويبيعه إلى المشترى، فقد تخطى المجتمع حاجز المجتمع المعاشى الذى يأكل فيه الفرد مما ينتج بيديه، وقد جعل يحيى مسئوليتهما تضامنية إذ ما كان البائع صاحب الحانوت يَعلم بغش الخبز. ولا يتحدث يحيى بن عمر عن أسواق المدينة فقط وإنما يتحدث أيضاً عن المعاملات التى تتم بين المزارعين فى القرى أو البوادى(24)كما يتحدث عن حكم القادمين من القرى لبيع بضاعتهم فى المدن وما ينبغى عليهم، وبصفة خاصة الالتزام بالاسعار السائدة، وشروط الجودة المقررة من قبل الدولة. ومن جهة أخرى، فقد ذكرنا سلفاً مسألة تزييف العملة المتداولة فى السوق وهى من الدراهم والدنانير، وذكرنا ان تلك الجريمة تُعد من أشد الجرائم ولذلك غلظََ يحيى بن عمر لمقترفها العقوبة لشناعة فعله، والان يوضح لنا يحيى أن السوق لا يقتصر التداول فيها على السلع بأنواعها من مأكل وملبس ومشرب فقط، وإنما تشهد السوق كذلك حركة تداول أخرى، بيعاً وشراءً، لوحدات النقود نفسها، بما يعنى معرفة المجتمع فى شمال إفريقيا والاندلس لعملية صرف العملات وتحديد أسعار صرف ثابتة، الامر الذى يعنى إستقرار المجتمع وبلوغه درجة معينة من التطور تسمح له تاريخياً بأن يتمفصل التنظيم الاجتماعى بداخله حول مفردات الاقتصاد النقدى. ومن الواضح وفقاً لنص يحيى بن عمر الذى سنورده حالاً أن مسألة التزييف هذه كانت شائعة، الامر الذى إستتبع ظهور الخبراء فى مثل هذه الامور، كما إستدعى ظهور وسائل إختبار مدى أصالة العملة نفسها، وكان المألوف على ما يبدو هو وضع قطعة النقد بين الأسنان والضغط عليها لتبين مدى صلابتها من ليونتها، وقد يحدث أن تنكسر العملة، وفى ذلك كله يقول ابن شبل:" فى رجل إشترى من صيرفى دراهم مسماة وأراه المشترى الدينار فنقر فيه البائع فتلف . . . أنه ضامن. . . قيل ليحيى: فلو أن رجلاً أتى بدينار لرجل ليُريه إياه، فأخذه الرجل فجعلهُ بين أسنانه لينظر إن كان ذهب الدينار ليناً أو يابساً فكسره، وسُنة الدينار فى الاختبار أن يجعل بين الاسنان: فما كان منها لين عُلِم أنه جيد، وما كان يابس عُلِم أنه ردىء، فقال يحيى: . . . فلا ضمان عليه". (ج) وكما نستطيع أن نستخلص طبيعة العلاقة ما بين صاحب العمل والعُمَال، ونكون الوعى بشأن الاجرة التى يتحصلون عليها، ونلمس كذلك وجود نوعاً ما من الفبارك، وبصفة خاصة فى حقل الخرازين وحائكى الملابس، والمحالج والمطاحن. وصانعى السمك المطبوخ، إذ يستخدم صاحب المحلج أو المطحن العُمَال فى سبيل إنجاز العمل، الأمر الذى جعل نوعية معينة من الاسئلة تطرح نفسها فى واقع المجتمع آنذاك وعلى يحيى بن عمر بوجه خاص، وهى أسئلة تتعلق بمدى إستحقاق العمال لما يكون بعد حياكة الملابس من قماش فائض، أو نخالة بعد الطحن، ويكون ذلك بمثابة الاجرة، فنرى يحيى بن عمر يَستبعد ذلك، ويَجعل للعُمَال أجر مثلهم فى السوق، أى أن إبن عمر يستبعد الاجرة العينية ويجعل محلها وحدات النقد، بما يشير إلى العمل المأجور بحال أو بآخر، أى أن المجتمع تعدى مرحلة الانتاج القائم على عمل العبيد، كما تعدى، كما ذكرنا، من قبل مرحلة الاقتصاد المعاشى؛ ويُوضح النص التالى ذلك:" قيل ليحيى: فإن اشترى الفول الأخضر. . . وفيه الحشيش النابت، فيقول المشترى هو لى، ويقول البائع هو لى؟ فقال: الحشيش للبائع، إلا أن يشترطه المشترى فى شرائه. قيل ليحيى: فالقطن المحبب، يُدفَع إلى العمال يحلجونه . . . أفلهُم الحب والغبار الذى يَقع منه؟ فقال يحيى: لصاحب القطن ولا يكون للعمال. قيل له: فإن إشترطه العمال مع إجارته؟ قال: الاجارة فاسدة لأنهم إشترطوا شيئاً مجهولاً. قيل له: فإن وقعت هذه الاجارة بحال ما وصفتَ لك؟ فقال يحيى: ويُعطى العمال إجارة مثلهم، ويكون الغبار والحب لصاحب القطن". (د) وبشأن الغش التجارى، فالمؤلَف يمتلىء بالعديد من الامثلة والاحكام(25)نذكر على سبيل المثال منها: نهيه عن دهن البائع التين بالزيت، وعقوبة ذلك التصدق به، ونهيه أيضاً عن خلط صاحب الفرن القمح الدنىّ بالطيب، وقد قرر إخراج مَن يفعل ذلك من السوق، ونهيه كذلك عن خلط اللحم السمين باللحم المهزول، ولم يذكر إبن شبل أن يحيى قال بنوع عقوبة مَن يفعل ذلك بيد أن القياس قد يسعفنا فى سبيل الوصول إلى ذلك، ونهى كذلك عن نفخ اللحم، وخلط لحم الضأن بلحم الماعز، إذ قال:" أما النفخ فى اللحم فمكروه عند أهل العِلم، فلينهوا عنه أشد النهى فإن عادوا أُخرجوا من السوق. وأما بيع لحم الضأن ولحم المعز فأرى أن يُجعَل كل واحد على حدته ويبيع هذا بسعره . . . ". وبوجه عام يذكر إبن شبل القاعـدة العامة فى العقوبات المقـــررة بشأن الغش التجارى، إذ يقـول: "قال إبن حبيب: قلت لمطرف وإبن الماجشون: فما الصواب عندكم فيمَن يغش أو يُنقِص من الوزن؟ قالا: الصواب والاوجه عندنا فى ذلك أن يُعاقبه السلطان بالضرب والسجن والاخراج من السوق. . .". وفى نص يوضح الدور الذى تلعبه الدولة فى الحياة الاقتصادية، النشاط الاجتماعى، فإن يحيى بن عمر بعد أن ألحق بالغش الاحتكار، فينهى عنه ويُقرر لمكافحته مجموعة من القواعد منها قيام الدولة ببيع السلع التى إختزنها التاجر وإحتكر الاتجار فيها لنفسه، ثم تقوم الدولة برد رأس المال إليه بعد هذا البيع للجمهور، ويتصدق بالربح. وفى ذلك يقول يحيى:" أرى أن يُباع عليهم ويكون لهم رأس مالهم، والربح يُُتصدق به أدباً لهم، وينهوا عن ذلك، فمن عاد ضرب وطيف به وسجن". ويحق لنا أن نتوقف هنا كذلك أمام عبارة (والربح يُتصدق به) فالفرض هنا أن هناك سلعة قام بإحتكارها أحد التجار فتقوم الدولة بالتدخل وتقوم هى بالبيع وإنما بسعر السوق، الذى تكون سلفاً فى السوق بتفاعل قوى الطلب والعرض بشأن تلك السلعة، أى أن الدولة هنا كذلك تلتزم بسعر السوق الجارى والذى من مكوناته الربح، ولا تضع هى سعراً من عندياتها، ويرتبط ذلك بالنهى الراسخ عن التسعير فى الذهنية الاسلامية وفقاً لنهى السنة عنه.
(هـ) وبعد أن إستعرضنا السوق وأطرافه وعلاقاته وأحكامه، فإن الطريق يُصبح الان ممهداً للتعرف على المجتمع ككل وعلاقات التنظيم الاجتماعى بوجه عام، كى نعيد التعرف على تاريخ التفكير الاقتصادى العربى، وأول ما نتعرف عليه من مؤلَف أحكام السوق هذه الصورة المثيرة للحياة الاجتماعية الصاخبة، فيحيى إبن عمر يحدثنا عن الخمر والغناء والمعازف والأبواق، ويتناول الآلات الموسيقية(البوق، والكَبَر، والمِزهَر، والعود، والطنبور) ويُناقش، كالعادة، مدى شرعيتها. فبشأن الخمور مثلاً يقول إبن شبل فى أحكام السوق:"كتب إلى عبد الله بن طالب بعض قضاته أنه رفع إلى فى أمر قدور من نحاس تعمل عندهم لا تصلح لغير النبيذ، وقالوا إذا أردت قطع النبيذ والتضييق على أهله فاقطع هذه القدور فأمرت بها فجُمِعت من عند أهلها وصيرتها فى موضع الثقة وأوقفتها. فكتب إليه بخط يده: إذا لم يكن فيها منفعة إلا الخمر ولا تكسب لغيره فغير أمرها وأكسرها وصيرها نحاساً، ورد نحاسهم عليهم كما يُفعل بالبوق وامنع مَن يعملها. قيل ليحيى: هل تقول بهذا؟ قال: نعم". ونعرف أيضاً من "أحكام السوق"، كما ذكرنا عاليه، أنواع الالات الموسيقية، ويدور حولها جدلاً شديداً بشأن مدى حلها وحرمتها، ويقول يحيى بن عمر بحرمتها إتساقاً مع مذهب المالكية وهو الاكثر تشدداً ما بين باقى المذاهب السنية فى مسألة مدى شرعية إستخدامها فى المناسبات الاجتماعية، ويُلحقها إبن عمر بالخمور مباشرة. يقول إبن شبل:" وسئل يحيى عمن إسترعاه الله رعيته إذا سمع البوق فى عُرس أو الكَبَر والمزهر فى غير عُرس. فقال: أرى أن يُنهى عن ذلك كله إلا أن يكون فى عُرس فقد بينت لك قبل هذا ما ينهى عنه . وما سهّل فيه أهلُ العلم لإظهار العُرس. قال أصبغ: وسمعتُ إبن القاسم وسئل عن رجل دُعِىَ إلى صنيع فوجد فيه لَعِباً. أيدخل؟ فقال: إن كان الشىء الخفيف من الدُّف والكَبَر والشىء الذى يلعب به النساء فلا أرى به بأساً." فنعلم من ذلك أن المجتمع لم يكن ليلتزم بكلام فقهائه فى هذا الصدد بالذات. إذ كانت الملاهى وإنتشرت المعازف وحفلات الغناء والاحتفالات الموسيقية. . . فأين نمط الانتاج الخراجى؟ كما نستطيع التعرف على واقع الحياة الاجتماعية آنذاك من خلال التدقيق فى المسائل التى تناولها يحيى بن عمر، فقد تناول الحمامات التى كان لها دور إجتماعى كبير وأهمية بالغة فى تلك الحقبة، كما يُشير إلى حالة المرأة فى وما كان ينبغى عليها فعله وما لا ينبغى عليها إرتداؤه من نعال أو ملابس، ومن هنا نتمكن من التعرف على بعض العادات التى كانت للنساء آنذاك. فمن ذلك ما أورده إبن شبل مثلاً فى خف النساء الصرارة، فيقول:" سُئل يحيى عن الخف يعمله الخراز من مثل هذه النعال الصرارة: هل يُنهى الخرازون عن عملها؟ فإن النساء يستعملنها عامدات لذلك فيلبسنها ويمشين بها فى الاسواق ومجامع الناس، وربما كان الرجل غافلاً فيَسمع صريرَ ذلك الخف فيرفع رأسه. فقال: أرى أن يُنهى الخرازون عن عمل الخفاف الصرارة . . .". كما يَنقل لنا يحيى بن عمر صورة صافية للغاية لوضع اليهود والنصارى الاجتماعى وسياسات الاضطهاد الدينى(26)وكيف كانوا يحتلون أحط المنازل فى التنظيم الاجتماعى للدرجة التى تُجبرهم على وضع علامة معينة، وإرتداء ملابس مختلفة حتى يُمكن التمييز بينهم وبين باقى أفراد المجتمع من المسلمين؛ فيقول إبن شبل:"كتب إلى يحيى بن عمر صاحب سوق القيروان فى اليهودى والنصرانى يوجد وقد تشبه بالمسلمين . . . فكتب إليه: أن يُعاقب بالضرب والحبس، ويُطاف به فى مواضع اليهود والنصارى . . . فإن عاد فأضربه ضرباً وجيعاً وأطل حبسه". ولا يقتصر الاقتصاد فى"أحكام السوق" على السلع فحسب وإنما يمتد كذلك إلى الخدمات، فيشير إلى المطاعم والفنادق بما يعنى درجة معينة من التطور الاجتماعى والنمو الاقتصادى يتناسب مع قدوم الاجانب إلى المدينة للتجارة أو العِلم أو السياسة، إذ يُعالج يحيى بن عمر مسألة تتعلق بتوريد مواد تموينية من قِبل الريف إلى "الفنادق" وما ينبغى فعلــــه بشأن هذا التوريد، بأن وضع له من الشروط التى تمنع الاضرار بجمهور المتعاملين فى السوق، وبوجه خاص طرح سلع القادمين بها، وبشرط عدم شحها، فى السوق وليس توريدها إلى الفنادق فتشح ويغلى ثمنها، وبصفة خاصة ان القادمين من خارج المدينة هم فى الواقع أهل الريف الذين يأتون بالغذاء غالباً، وفى ذلك يقــــول يحيى:"وأرى على صاحب السوق أن يأمر البدويين(27)إذا أتوا بالطعام ليبيعوه فلا يتركوه فى الدور والفنادق، وأن لا يبيعوه فى الفنادق ولا فى الدور وأن يخرجوه إلى أسواق المسلمين حيث يدركه الضعيف والعجوزة الكبيرة . . .". ويفهم من النص مهام الدولة فى السوق وأهمية وجودها فى إحداث التوازن فى الأسواق.
(3) خاتمة وكما ذكرت منذ البدء، يصعب أن أدعى بشأن مؤلَف"أحكام السوق" أننى بصدد فكر إقتصادى مستقل، وبالمعنى الذى نعرفه نحن أبناء القرن الواحد والعشرين بعد الميلاد، وإنما يُوجد خافتاً وفى أحضان الفقه، والدين بمعنى أدق، وقد ساعدت العقليات الجدلية العبقرية (الفقهاء الأربعة الكبار) فى إستمرار هذا المعين فترة طويلة من الزمن إذ كانت هناك ثمة معالجات وإجابات جاهزة لجميع ما يُطرح من أسئلة تتعلق بالعقيدة والحيــــاة معاً، وكانت المعالجات المتعلقة بالحياة اليوميــــة والتنظيم الاجتماعى على درجة عالية من الوعى بالواقع وتطوره على الصعيد الاجتماعى، وقد تبدى ذلك، بغض البصر فى الإنتاج النظرى الثرى جداً للمذاهب الاربعة، فى المؤلفات المكتوبة أو كُتب الامالى. ولم يكن تخلى الذهنية الدينية ليحدث إلا بتفاعل الذهنية الاسلامية مع ذهنيات الأمم والحضارات الأخرى التى تتعامل مع الدين بمرونة وإيجابية، أو تقدم الدين إبتداءً من طبيعة التنظيم الاجتماعى نفسه، ليس العكس، ولذلك كان طبيعياً أن نجد كتاب "أحكام السوق" الذى جمعه إبن شبل من إجابات وكتابات يحيى بن عمر، والذى حفظه لنا الونشريشى فى المعيار المعرب، ممتزجاً بالفقه. وبالاساس، وهو أدق، صادر عن الدين. ولكن ذلك لا يعنى النفى التاريخى لوجود الفكر الاقتصادى والاجتماعى فى تلك الحقبة، بل العكس هو الصحيح، فكان من أهم ما لاحظته فى"أحكام السوق"الوعى الواضح بالكتلة النقدية الموجودة فى المجتمع والاسباب التى تصيبها بالخلل، فى حالة نقصها عن السلع الموجودة فعلاً فى المجتمع أو زيادتها عنها، كما كان هناك ثمة إهتمام ما بالبحث عن أساس للتسعير، وليس التسعير ذاته لأن ذلك من قبيل المنهى عنه فى السنة، هذا الاهتمام أفرز إشارات لا نستطيع أن نقول انها سيئة تماماً بشأن القيمة والقيمة النسبية، وعلاقة كل ذلك بالمستوى العام للاسعار. الامر الذى يعكس ديناميكية لمجتمع إنسانى مُتكامل الاطراف ومُتَشعب العلاقات، إذ نحن، وفقاً "لأحكام السوق" نواجه مجتمعاً قد غادر منذ فترة تاريخية طويلة الاقتصــاد المعاشى، وصار يعتمد على الريف فى غذائه بشكل أساسى، وفى نفس الوقت يسعى إلى تطوير السمة الرئيسيــــــة التى تميزه كمجتمـع مُتاجـــــر بالاساس، ومن ثم نجد الاتجــــاه نحو الاستقرار، فقد نجد شبه إختفاء للتاجر الجوال (الرحالة) مع بقاء البعض الفقير من هؤلاء على الهامش الاجتماعى الذين يدورون على منازل المستهلكين، بل أصبحت الحوانيت هى الاماكن الرسمية المخصصة لكى يعرض التاجر بضاعتِه، والتى ربما يكون هو الذى صنعها عادة بإستخدام قوة العمل، التى يُمكن أن تكون أجرتها أجرة عينية بجانب وحدات النقود كما نفهم من كلام يحيى بن عمر، أو ربما يكون إشتراها ويُعيد بيعها رغبةً فى استرداد نقوده التى دفعها فى سبيل هذا الشراء وبالاضافة إلى ربح محدد، كما رأينا بصدد الخبز الذى يشتريه صاحب الحانوت من صاحب الفرن ويعرضه لجمهور المستهلكين فى حانوته، بيد أن القاعدة العامة تظل هى توسط التاجر فى حركة البيع والشراء بلعب دور الوسيط بين المنتِج وبين المستهلك؛ فنجد السلع التى يعرضها عادة تخص مُنتِج آخر وقد رأينا مثلاً لذلك فى بائع الخبز، فهو لم يقمْ بعمليات الطحن والعجن والخبز، وإنما الذى قام بذلك هو شخص آخر مختلِف هو صاحب الفرن، وهكذا يُمكِن القول بالنسبة لمعظم سلع السوق تُنتَج فى مكان وتُباع فى مكان آخر بواسطة شخصين مختلفين. وقد رأينا فى هذا الصدد أيضاً السلع القادمة من المناطق الزراعية للبيع فى المدينة، أى أن هناك ثمة فصل تاريخى قديم ما بين الريف وبين المدينة. كما لاحظنا حركة السلع، أياً ما كانت أشكالها، يُصاحبها هنا ظهور (عُمال أُجراء) وربما بالمعنى الذى سوف يطرح نفسه بعد ذلك بعدة قرون، فعلى الرغم من أنه لم يزل العامل، وإن كان فى حدود ضيقة، برمته ملك سيده وهو بذلك لا يبعه قوة عمله، وإنما هو بأكمله على ملك هذا السيد، قد يستخدمه فى الاعمال المنزلية وقد يستخدمه فى الاعمال الانتاجية، وبصفة خاصة فى مجال العمل الزراعى مقابل أجرة عينية قد تتمثل فى المأكل والملبس بوجه خاص، إلا أن "أحكام السوق" يقول بإمكانية وجود هذا العامل المأجور من صاحب العمل، أى أن صيغة القانون العام(28) الرأسمالية (وإن كانت فى شكلها البدائى) هو بمثابة نص قانون الحركة العام الحاكم لأداء التنظيم الاقتصادى والاجتماعى آنذاك، وكما رأينا ذلك على سبيل المثال بشأن مسألة أجرة عُمال الطحان أو الخياط. رأينا كذلك بشأن الخراز الذى يصنع الخف الصرار ان هذا الصانع إنما يُنتِج سلعته، أى الخف، ليس من أجل الاشبـــــاع المباشر، وإنما ينتِج للســـوق، ويتأكــد ذلك حين نُلقى النظــرة على حـوانيت مدينـــــة القيروان فى القرن التاسع، فوفقاً "لأحكام السوق" سنجد أن هناك ثمة حانوت يبيع أثواباً، أى أن هناك ثمة إنتاج للسوق وليس للاشباع المباشر، فتتبدى هنا قيمة المبادلة بجوار قيمة الاستعمال، بل ومن الممكن أيضاً أن نرى الاثواب المنتَجة للسوق مكدَسة بداخل الحانوت لدرجة إحتوائها لحشرات نتيجة هذا التكدس الراجع لفيض إنتاجى من نوع ما، فيقول إبن شبل:" قال يحيى: إن كان يقدر على أن يُفَلى ويُنَحّى القَمْلُ لَزمَـــــه، وإن كان لا يستطاع أن يُفلى لكثرة القَمْـــــْل فأراه غِشاً ويُــــرَدّ به" (29) فى المنتهى فاننى أتمنى أن يُثير تناولى لنص إبن شبل، الذى جمع فيه كلام وكتابات يحيى بن عمر، المناقشة حول الفكر الاقتصادى العربى فى الفترة السابقة على إبن خلدون وتقى الدين المقريزى، فإننى أعتقد فى أن البحث الجاد فى هذه المرحلة فيه مغانم كثيرة، إذ سنجد فكراً يدعونا إلى إعمال الذهن ليس فى الاجابة عن الاسئلة المتعلقة بوجودنا الاجتماعى، وإنما يدعونا إلى إعمال الذهن فى الطريق الذى يسلكه الذهن فى سبيله لإنتاج هذه الاجابة. *******
أهم المصادر باللغة العربية:
- ابن أبى محمد السقطى الأندلسى/ فى آداب الحسبة. - ابن فرحون/ الديباج المذهب. - ابن منظور/ لسان العرب. - أبو العباس الونشريشى/ المعيَار المعرَب والجامع المغرب عن فتاوى أهل أفريقية والأندلس والمغرب. - الباجى/ المنتقى فى شرح موطأ مالك. - سحنون/ المدونة الكبرى. - الذهبى/ سير أعلام النبلاء. - مايكل هاميلتون مورجان/ تاريخ ضائع: التراث الخالد لعلماء الإسلام ومفكريه وفنانيه. - عبد الله البستانى/فاكهة البستان.
باللغة الأجنبية:
- E. Clifton&J.mc Laughlin, Nouveau Dictionnaire, Librairie Grainer présures, Paris1904
- Coline et E. Levi -Provençal, Un Manuel Hispanique De Hisba, Traite D abc Abd ALLAH Muhammad B. Abi Muhammad As-sakti De Malaga, Sur la Surveillance Des Corporations Et La Répression Des Fraudes En Espagne Musulmane. Librairie Ernest Leroux, Paris1931
- H.Fowler&F.Fowler, The Concise Oxford dictionary. Oxford at the Charendon press.U.K 1939
- Jean-Paul Colin, Dictionnaire Des Difficultés du Française, Les Usuels du Robert, Paris 1977
الهوامش ____________________________________
(1) انظر: محمد دويدار، من الفكر الاقتصادى العربى فى القرن الرابع عشر، مجلة مصر المعاصرة، الصادرة عن الجمعية المصرية للاقتصاد السياسى والاحصاء والتشريع. القاهرة. أبريل 1973، العدد (348) ويُعد الدكتور محمد دويدار أول مَن قدم الفكر الاقتصادى لابن خلدون إلى العالم العربى. (2) ولا يختلف التناول الأوروبى فى نفس الحقبة التاريخية تقريباً للمسائل الاقتصادية، إذ وُجِد الاقتصاد فى أحضان اللاهوت، ويُمكن إعتبار توما الاكوينى(1225 /1274)خير مُمثل لهذا التفكير الاقتصادى اللاهوتى فى هذه الفترة التاريخية. (3) وجدتُ فى الديباج المذهب أنه: "هو أبو عبد الله بن محمد بن سليم بن شبل الافريقى. سمع من قاضى القيروان عبد السلام بن سعيد، المشهور بسحنون، وكان من الثقات، ومات سنة 919م". بتصرف عن: إبن فرحون/الديباج المذهب (ص319) (4) لا أجد من ضرورة كى أبين أن هدفى هو تقديم الفكر الاجتماعى والاقتصادى والمالى فى تلك الحقبة فى تلك الرقعة الجغرافية من العالم، وليس المفكر، فلم يكن يحيى بن عمر الكنانى، فيما أظن ليرمى، فى أجوبته، إلى تقديم تنظير إقتصادى، فى القرن التاسع الميلادى. (5) انظر: مايكل هاميلتون مورجان، تاريخ ضائع: التراث الخالد لعلماء الاسلام ومفكريه وفنانيه، ترجمة: أميرة نبيه بدوى. نهضة مصر للنشر. القاهرة 2003 (ص64- 79) (6) كان ذلك فى الوقت نفسه الذى سادت أوروبا المحارقُ ومحاكمُ التفتيش، وإدعاء إمتلاك الحقيقة، أو كما يقول تولستوى فى عبارات أعتبرها عبارات وثائقية:" خذوا كُل المراجع العلمية للقرون الوسطى ولسوف ترون أى قوة إيمانية ومعرفة راسخة لا يرقى إليها الشك لما هو حق وما هو باطل فى هؤلاء البشر!!كان من اليسير عليهم أن يعرفوا أن اللغة الاغريقية هى الشرط الوحيد اللازم للتعليم، لأنها لغة أرسطو الذى لم يشك أحد فى صدق أحكامه على مدى بضعة قرون بعد وفاته. وكيف كان للرهبان ألا يطالبوا بدراسة الكتاب المقدس القائم على أسس لا تتزعزع. كان من اليسير على لوثر أن يطالب مطالبة بتية بدراسة اللغة العبرية، عندما كان يَعلم عِلم اليقين أن الله ذاته قد كشف الحقيقة للبشر بهذه اللغة. من السهل أن نفهم أن المدرسة كان يجب أن تكون دوجمائية، عندما كان وعى البشر النقدى لم يستفق بعد،وأنه كان من الطبيعى أن يحفظ التلاميذ عن ظهر قلب الحقائق التى كشف عنها الله وأرسطو، والروائع الشعرية لفرجيل وشيشرون. فلبضعة قرون بعدهم لم يكن بوسع أحد أن يتصور حقيقة أكثر صدقاً أو رائعة أكثر روعة مما أتوا به، كان من اليسير على مدرسة القرون الوسطى أن تعرف ما الذى ينبغى تعليمه عندما كان المنهج واحد لا بديل له، وعندما كان كله يتركز فى الانجيل وفى كتب أغسطين وأرسطو". انظر: تولوستوى، كتابات تربوية، دار القلم، بيروت 1969 (ص98) (7) ولعل من أكثر الدعاوى سطحية وإستفزازاً فى نفس الوقت، تلك التى تأتى على غرار الأمراض الموسمية التقليدية، فتظهر حالة "إحياء الفكر العربى" أو" التواصل مع التراث الاسلامى" بين كُل حين وآخر، وتجد لها من المريدين والمروجين والمشجعين من(كُل)الاتجاهات فيما عدا مَن لا يَرون فى الانتاج الفكرى العربى إلا ما كان منظوراً إليه من منظار السلف الصالح، كما يرونهم هم... وهم فقط!! أقول تظهر تلك الحالة، وعند نقطة إنتهاء منحنى فورانها لا يُقدم أصحابها فى جُل مؤتمراتهم ومعظم كتاباتهم سوى أحباراً حالكة على خلفيات أحلك. كما أن الحالة ذاتها لا تتمكن إلا من تقديم أمرين لا ثالث لهما: أولهما زخم كمى بشأن عبقرية مُفكر عربى ما كإبن رشد، الانتقائى غالباً: إبن رشد "البرهان" وليس إبن رشد "بداية المجتهد ونهاية المقتصد"، مثلاً، وكيف تمكن ببراعة من الانتصار للعقل فى عصور التخلف، وستنبت من هنا أطروحات فرعية ترى الخلاص عند إبن رشد (البرهان) أو كيف أن المقريزى هو أول من عبر وبإقتدار شديد، وتلك حقيقة، عن هيكل الازمة الاقتصادية وحلل أسبابها وعلاقاتها الجدلية الداخلية، أو كيف أن إبن خلدون قد سبق آدم سميث فى تقديمه لنظرية فى التجارة الخارجية. وعلى الرغم من أن هذا السبق هو مجرد وهم فى خيال من يقولون به، إلا أنه لا بأس من دسه فى الاحتفالية وترديده ببغائياً. أما ثانيهما: وهى عن الاولى متولدة من جهة التنائى أكثر وأكثر عن عبقرية الفكـر العربى الذى عَلم العالم. إن العرب قد علموا العالم العِلم والمعرفة، أو أن علوم العرب ومعارفهم قد إنتشلت أوروبا من مستنقع الجهالة والرجعية والتخلف، أو أن علوم العرب لولاها ما قامت لأوروبا قائمة إلا بعد أحقاب تاريخية أكثر طولاً. . . كُل تلك العبارات إلا جوفاء المضمون خاوية المحتوى ليس لها مكان داخل إطار ماهو عِلمى مع إحتفاظها وبكل قوة بموقعها فى التاريخ الانتقائى العصابى، إنه التاريخ الذى ينشغل بالاستنتاجات الجاهزة كى يُلقى بها فوراً فى كراسات التعميم، وكى تتشرب به الاذهان الملقَنة فى هذه الصناعة أو تلك. إن العرب قد علموا العالم كيف يُفكر. تلك هى الاجابة التى نفترض صحتها على السؤال المطروح والمعنى بماهية ما خلفه العرب للعالم، ولتقريب الامر نسأل وهو على ما أظن سؤال سبق طرحه كثيراً وخاض فيه من خاض ومن أنحاء شتى، وقد كنت لحين فترة وجيزة غير مقتنع بكل الاجابات المقدَمة له، هذه السؤال يتعلق بالنظر فى أسباب جهل الواقع العربى القديم للمسرح مثلاً كأحد ألوان الادب وباب من أبواب الفن؟ ولقد وجدت فى قوة التجريد الاجابة. إن المسرح ينهض على التفاصيل وكذلك الرواية، على حين إن الذهنية العربية تشكلت على نحو تجريدى، تلك الذهنية هى التى إنطلقت بعقلية العرب كى تعلو بالظواهر عن كُل ما هو ثانوى، هذا الثانوى يُوجد فى الرواية ويوجد فى القصة وهو من باب أولى فى المسرح أوجد. ولذا نأت الذهنية العربية عن تلك الثانويات. ومن هنا نقول أن العرب فى عصورهم الذهبية تركوا للعالم منهجية إنتاج الافكار، وليس الافكار نفسها. (8) انظر: الذهبى/ سير أعلام النبلاء (ج13/ص232) (9) أبو العباس أحمد بن يحيى التلمسانى الونشريشى، المعيَار المعرَب والجامع المغرب عن فتاوى أهل إفريقية والاندلس والمغرب، تم تخريجه بواسطة مجموعة من العلماء بإشراف الدكتور محمد حجى، مطبوع بأمر صاحب الجلالة الملك الحسن الثانى بمناسبة مطلع القرن الخامس عشر الهجرى. وزارة الاوقاف والشئون الإسلامية للمملكة المغربية. ودار المغرب العربى. الرباط، بيروت 1981. الجزء السادس، من صفحة (400) وحتى صفحة (430) (10) أنظر على سبيل المثال: كتاب أبى عبد الله محمد بن أبى محمد السقطى المالقى الأندلسى، فى آداب الحسبة، تحقيق ليفى بروفنسال، مطبوعات معهد العلوم العليا المغربية، الجزء 21، طبع بمطبعة إرنيه لورو ، باريس . 1931. Coline et E. Levi -Provençal, Un Manuel Hispanique De Hisba, Traite D abc Abd ALLAH Muhammad B. Abi Muhammad As-sakti De Malaga, Sur la Surveillance Des Corporations Et La Répression Des Fraudes En Espagne Musulmane. Librairie Ernest Leroux, Paris1931 ويُعد كتاب السقطى، بتصورى، بمثابة نقلة نوعية هامة فى فكر الحسبة بوجه خاص، والتفكير المالى والاقتصادى بوجه عام، وأهم ما يميز هذه النقلة هو التحرر من سلطة الفقه. (11) يُورد أبو العباس الونشريشى فى المعيار عنواناً فرعياً للمؤلَف هو: أقضية السوق. (12) يذكر محمود مكى ان تلك العبارة كانت ساقطة من الاصل وأثبتها الناسخ فى الحاشية، ولم يكن ليتبين لى ذلك من نسخة المملكة المغربية، بإشراف الدكتور محمد حجى. (13) بما يُشبه الردع العام الذى سوف يقول به، فيما بعد، الفقيه جرسبينى فى القرن العشرين الميلادى. (14) فى مبدأ التسوية بين الموازين والمكاييل أنظر كتاب السقطى، حيث يُفصل المسألة ويضع لها قوانين دقيقة، وبعد أن يوضح حيل الفاسدين من الكيالين، فهو يقول:" وشأن المحتسب مع هؤلاء أن يختبر عليهم الطعام والمائعات بكيال من أهل الثقة يستعمله مقدماً عليهم قد خبرَ منه النصح والتنبيه على المكايد والخدع والغيرة على المسلمين . . . وقيل فى ذلك كله مثال يكون كالقانون فى جميع الأكيال بتنبيه على الجارى الان بمالقه(التى منها السقطى م.ع.ز) فالقدح يصدق من الكزبر اليابس الصحيح الطيب أحد عشر رطلاً والرطل ست عشرة أوقية والاوقية عشرون درهماً فضة إمامية، وثُمن الربع الجارى بمالقه فى الكيل يصدق من العسل الطيب الاندلسى فى الغالب ثلاثة أرطال ونصف ومن الطيب العدوى ثلاثة أرطال وست أواق إلى ثلاثة أرطال، وربع من الزبيب رطلين وربع ومن الخل ثلاثة أرطال غير(إلا م.ع.ز) ربع إلى رطلين ونصف ومن اللبن الغنمى ثلاثة أرطال وربع ومن المعزى ثلاثة أرطال وثلاث أواق . . ." Coline et E. Levi -Provençal, Un Manuel Hispanique De Hisba, P13 (15) القيمة فى اللغة العربية فإنما وردت على نحو" أن يدفع الرجل إلى الرجل الثوب فيقومه بثلاثين درهماً، ثمن يقول: بعه، فما زاد فهو لك، فإن باعه بأكثر مِن ثلاثين بالنقد فهو جائز. القيمة واحدة. والقيم وأصله الواو لأنه يِقوم مقام الشىء، والقيمة ثمن الشىء بالتقويم". انظر: إبن منظور، لسان العرب، المطبعــة الأميرية، القاهرة 1939، الجزء الخامس، ص 402، ووافق المعنى نفسه ما أورده عبد الله البستانى فى معجمه "فاكهة البستان" المطبعــة الأمريكانية، بيروت 1930 ص 1312، وفى اللغة الفرنسية، واللغة الانجليزية لا يختلف المعنى كثيراً، بل يكاد يطابقه، حيث القيمة، فى الفرنسية والانجليزية، تعنى الثمن، الثروة، ولئن كان المعنى أكثر وضوحاً فى قاموس اكسفورد؛ حيث الاشارة إلى عنصرى المنفعة والمبادلة، وتوضيح المعنى مِن خلال قدرة السلع على شراء بعضها البعض، أنظر فى ذلك : E. Clifton&J.mc Laughlin, Nouveau Dictionnaire, Librairie Grainer présures, Paris1904, p 626. Jean-Paul Colin, Dictionnaire Des Difficultés du Française, Les Usuels du Robert, Paris 1977, p775. H.Fowler&F.Fowler, The Concise Oxford dictionary. Oxford at the Charendon press.U.K 1939, p1361. (16)أضاف مكى كلمة(أصحاب) كى يكون المعنى أكثر إستقامة،كما يقول. وهى غير موجودة فى نسخة المغرب. (17) فقد بدأت دولة الاغالبة فى الاحتضار، ومن فترة ليست بعيدة الدولة الأموية. (18) أشهب بن عبد العزيز المصرى (ت 204 – 819 ) تلميذ الامام مالك، كما تتلمذ على الفقيه المصرى الليث بن سعد، وإليه إنتهت رياسة المذهب المالكى بعد موت إبن القاسم (فى 191 – 806 ) وقد فضله الامام الشافعى على جميع تلاميذ الامام مالك. أنظر: إبن فرحون/ الديباج (ص99) (19) تسود هنا علاقات العبودية، والصانع الفرد، والإنتاج العائلى. (20) كان الصراع ما بين الاحناف والمالكية من أشد الصراعات الفكرية وأشرسها آنذاك فى شمال إفريقيا والاندلس. (21) هكذا عند محمود مكى، وفى النسخة المغربية : وإن"هطل الرحى فأفسد بهطله الطعام". وأرى أن الأصح هو: "وإن عطل الرحى فأفسد بعطله الطعام". (22) نقش حجر الرحى هو ضربه بالقدوم حتى يخشن بعد إملاسه على أثر الطحن، والنقش يُفسِد الحبوب من تلك الوجهة، وقد ذكر السقطى أن الطحن على أثر النقش مباشرةً من الوسائل التى يَلجأ إليها الطحانون لغش الدقيق فهو يقول فى الباب الرابع تحت عنوان: فى عَملة الدقيق والخبز وباعتها:" أما هؤلاء ومعلموهم يجمعون بين التجارة والصنعة ومفسدوهم أهل جرأة وغش ولا يرتدعون إلا بمؤلم النكال وشديد العقاب. . . ولمفسديهم خدع وغشوش منها أنهم يخلطون الطيب مع اللطيف ويبيعون الجميع بسوم الطيب الذى قد رسمه عليهم المحتسب، ومنها أنهم يجعلون الطيب على اللطيف ليراه المشترى ثم يغرف له من الوسط ويعطيه وهو فى غفلة عما فى داخل الظاهر ويسمون ذلك المغفر . . . ومنهم الغربالون وغشهم بأن لا يستوفوا تنقية الطعام مما فيه ولا الدقيق من نخالته. . . ومنهم الطحانون وغشهم بأن يخلطوا الردى مع الطيب ليأخذوا من الطيب ويجعلوا الردى ويخفى فعلهم" (فى آداب الحسبة ص22،23) (23) عبد الملك بن حبيب (ت 238/852) من أكبر فقهاء المالكية الأندلسيين. (24) يُطلق لفظ البادية فى المغرب على الأرياف والمناطق الزراعية بوجه عام. (25) يُحرز، بتصورى، كتاب السقطى مرحلة متقدمة بشأن الحسبة وإستعراض حيل البائعين والتجار وغشهم للسلع وتلاعبهم فى المكاييل والموازيين، فمنهم، على سبيل المثال، وفقاً لما أورده فى آداب الحسبة، مَن يعد صفيحة رصاص تكون زنتها ثلاث أواق أو أزيد ويدهن وجهها بالشحم أو الشمع المخلوط فيه الزيت فإذا جاء مَن يشترى يلصق تلك القطعة بيده اليسرى فى باطن الكفة ويزن بها كذلك فينتقص المشترى من كل وزنة ثقل الرصاص المذكور، ومنهم مَن يكتفى فى ذلك بأصل إبهام يده اليسرى لكثرة حنكته وتصرفه بها فى الاخسار والنقص، ومنهم مَن أخذ صنوجاً من رصاص مجوفة قد مُلِئت شمعاً فتُعطى الجرم ولا تُعطى الوزن، ومنهم مَن يُرطب القمح والشعير فى الزيت فإذ رطب غرز فيه أطراف إبر الحديد وأخفى مغارزها ليوهم بذلك عند القبض أن الشعير على أصله وهو يأخذ مثلى ثقله بما فيه أطراف الابر(فى آداب الحسبة/ص15، وما بعدها) (26) ربما يُفسر لنا هذا الوضع الاجتماعى، من زاوية ما، سبب التنكيل بالمسلمين فى الأندلس، فيما بعد، فعلى ما يبدو أن هذه الرقعة من العالم كانت موضع خصيب للصراعات العقائية والمعارك الايديولوجية ليس فقط بين أصحاب الديانات المختلفة بل وبين أبناء الديانة الواحدة كما ذكرنا من صراع ما بين الأحناف وبين المالكية.ولتلك الصراعات أساس إجتماعى أتصوره فى رغبة الأطراف المتعددة المتصارعة دون سلطة مركزية موحدة، عقب إنهيار الدولة الأموية،وزمن الدولة العباسية،فى الغطاء الأيديولوجى الذى يكسب المنتصر الشرعية، ففى ظل تعدد الاطراف المتصارعة على السلطة تتعدد الاتجاهات العقائدية ويلعب فقه السلطان الدور الرئيسى على مسرح الصراع. (27) ذكرنا سلفاً (هامش 23) أن لفظ البادية يطلق فى بلاد المغرب على الأرياف والمناطق الزراعية. (28) الصيغة هى (ن – (ق ع)+(و أ)–س- Δ ن) وهى تعنى تحول وحدات النقود" الدراهم أو الدنانير) إلى قوة عمل، فى هيئة أجرة، وتتحول كذلك إلى وسائل إنتاج تتمثل فى مواد العمل وأدوات العمل. ثم يبدأ العمال فى إنتاج (س) السلعة، ثم يقوم صاحب العمل ببيعها فى السوق مرة أخرى كى يسترد نقوده (ن) مضافاً إليها (Δ) أى زيادة كى يكون لديه (Δ ن)وتحكم هذه الصيغة أداء الافران والمحالج والمطاحن التى تستعمل عمال فى سبيل إنجاز العمل، وفقاً لما ذكر لنا يحيى بن عمر فى أحكام السوق. (29) بحثَ أبو الوليد بن خلف الباجى مسألة مَن إبتاع ثوباً به عيب وأورد مُختلَف آراء الفقهاء فى ذلك (أنظر: المنتقى فى شرح موطأ مالك 6/90 وما بعدها؛ وانظر كذلك: سحنون: المدونة الكبرى 10/168 – 169)
#محمد_عادل_زكى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نقد نظرية التخلف
-
موجز الفكر الاقتصادى من التجاريين إلى الطبيعيين
-
التكون التاريخى للتخلف فى مصر
-
الشركات دولية النشاط
-
الثورية التشافيزية
-
وعود الرأسمال التجارى
-
الصراع على النفط؛ التاريخُ المُعَاش
-
بيان إلى عمال مصر
-
الماركسية تراث مشترك للإنسانية
-
تجدد إنتاج التخلف
-
الاستبداد السياسى فى أنظمة الحكم العربية
-
الاقتصاد السياسى للديموقراطية فى العالم العربى
-
ملاحظات على أطروحة محمد عادل زكي عن جدلية القيمة الزائدة
-
القيمة عند أرسطو وسميث وريكاردو وماركس
-
الاقتصاد السياسى الماركسى
-
حول فرضيات جرامشى
-
منهجية البحث فى إشكالية التخلف الاقتصادى العربى
-
الاقتصاد السياسى للصراع فى السودان
-
الفكر الاقتصادى الكلاسيكى؛ السابق على ماركس
-
مخطوطة أولية فى جدلية القيمة الزائدة
المزيد.....
-
آخر ضحايا فيضانات فالنسيا.. عاملٌ يلقى حتفه في انهيار سقف مد
...
-
الإمارات تعلن توقيف 3 مشتبه بهم بقتل حاخام إسرائيلي مولدافي
...
-
فضيحة التسريبات.. هل تطيح بنتنياهو؟
-
آثار الدمار في بتاح تكفا إثر هجمات صاروخية لـ-حزب الله-
-
حكومة مولدوفا تؤكد أنها ستناقش مع -غازبروم- مسألة إمداد بردن
...
-
مصر.. انهيار جبل صخري والبحث جار عن مفقودين
-
رئيس الوزراء الأردني يزور رجال الأمن المصابين في إطلاق النار
...
-
وسيلة جديدة لمكافحة الدرونات.. روسيا تقوم بتحديث منظومة مدفع
...
-
-أونروا-: إمدادات الغذاء التي تدخل غزة لا تلبي 6% من حاجة ال
...
-
رومانيا: رئيس الوزراء المؤيد لأوروبا يتصدر الدورة الأولى من
...
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|