|
الباراسيكولوجي أو الهلوسة باسم العلم
حمودة إسماعيلي
الحوار المتمدن-العدد: 3998 - 2013 / 2 / 9 - 23:44
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
أعمق خطايا العقل الإنساني أن يعتقد شيئاً دون أدلة. ¤ توماس هكسلي
الباراسيكولوجيا أو مابعد علم النفس، هو ما يمكن أن نُعرّفه ب"الظاهرات التي تبدو لأول وهلة مستغلقة على التفسير أو فوق مستوى الفهم" والعمل على "تحليلها ومعرفة أسبابها قدر المستطاع"(1) وذلك بدراسة الوسيط الذي "تحدث فيه الظاهرات المشار إليها ويعيشها في داخله ظاهريا أو باطنيا، كذالك الذي يقرأ الأفكار أو يشعر بالأحداث عن بعد" زيادة على أنه "لا يدري كيف تحصل لديه ولايعرف لها تفسيرا" بل "هو أحيانا يعجز عن القيام بها ولو إراديا" كما أنه "لايحسن إدارتها ولامراقبتها وإيقافها.. لأنها باطنية وليست في متناول يده"(2). ما يبدو لنا جليا أنه تحليل سريري لأعراض الفصام !! كذلك نلفت نظر القارئ أنه "ظهرت الباراسيكولوجيا الجديدة عربية مؤمنة لتكون خليفة لباراسيكولوجيا الغرب" باعتبارها "الحل الوسط الذي بمقدوره أن يعمل على ازالة كثير من الغموض الذي يحيط بالظواهر الخارقة والذي لم تعمل باراسيكولوجيا الغرب إلا على مضاعفة ظلماته وتكثير ألغازه"(3)، ما يمكن أن نعتبره محاولة تعويضية يتم فيها تحقير منتجات الغرب المسبب لمركب النقص عند العرب نتيجة تفوقه منذ صفعة نابوليون. وهذه البارابسي المؤمنة تشتغل على "الظواهر الخارقة التي تحدث للانسان بعد شروعه بالسير على الطريق إلى الله"(4) مايبدو أنه إعادة بعث للأفكار الهرمسية في ثوب متصوف جديد.
كثيرة هي الكتب التي تهتم بهذه الظواهر، وأغلبها تحوي عنوان الكتاب ومقدمة الكاتب ثم مئات الصفحات من القصص المملة والغير متماسكة التي تحتاج منك جهودا بارابسيكولوجية حتى تنهيها، يتم اعتبارها حجة لتأكيد حقيقة هذه الظواهر، زيادة على استشهادات لبعض المفكرين السابقين "هذا الإفراط في الأمثلة التجريبية الساذجة ـ فالطوابير المساقة من الطرف والنوادر كي تنسجم مع الحكاية لاتشكل دليلا قاطعا واحدا. وكل من يبحث عن تأكيد، يستطيع أن يجد منها مقدارا كافيا لكي يخادع النفس بواسطتها ـ كما ليخادع أقرانه أيضا" ، بتوضيح أكثر "إذا بذلت بعض الجهد في البحث، فإنك تستطيع أن تجد شخصا ما قد أصدر عبارة مناسبة لتؤكد على وجهة نظرك ـ كما أنه، وفي كافة المواضيع فإنك تستطيع أن تجد آخر قد قال عكس المقولة السالفة"(5) ما يعني أن هناك قصص كثيرة أيضا تنفي وجود تلك الظواهر. فيظل الواقع هو الحكم لإثباتها، كيف ذلك وهم يصرحون بقولهم "أننا لم نكتشف حتى اليوم ماهية القوى الباطنية بأساسها ولاشروط ظهور الحاسة السادسة غير المادية ونوعيتها بشكل كامل، بل اقتربنا منها وأدركنا قسما من أسرارها. فإذا كنا على علم ببعض أو بكثير من الظروف التي تظهر فيها فهذا لا يعني أننا تحكمنا بها واصبحنا قادرين على اظهارها متى شئنا، وكيف شئنا، وأينما شئنا"(6)، ما يدفعنا للتساؤل : ما الفرق هنا بين وجودها و عدم وجودها أصلا ؟ "طالما أنه لاتوجد اختبارات فيزيائية يمكن تطبيقها. وبالتأكيد قد يتطرق إلى ذهنك إمكانية أن الأمر كان حلما أو هلوسة"(7) لأن "الدليل مراوغ بصورة تبعث على الجنون في كل حالة. ذلك أننا نقر بانزعاجنا لوقوعنا في قبضة اعتقاد غريب كهذا غير مؤيد بالأدلة الفيزيائية إلى هذا الحد"(8). و بالتالي"فأي نظرية لا تضع تنبؤات يمكن ملاحظتها ومشاهدتها لا تكون نظرية مفيدة"(9)، فكيف صارت الباراسيكولوجيا علما يدرس في مؤسسات بجميع أنحاء العالم رغم افتقارها لمعايير المنهج العلمي ؟
الظواهر الباراسيكولوجية هي مايدخل ضمن القدرة على توقع المستقبل ومعرفة الأحداث، قراءة الأفكار والتواصل عن بعد دون أجهزة الكترونية ! وتحريك الأشياء عن بعد، وقد تمتد للقيام بعمليات جراحية روحية، تحضير الأرواح والتواصل مع الكائنات الغيبية والخروج من الجسد !!! والاقتراب من الموت وما إلى ذلك من أمور تحدث فقط لأبطال سلسلة Marvel، ف"الإعتقاد بتحريك الطاولة والأشياء دون أن تمتد اليد إليهما، أو إرسال رسائل من الموتى إلى الأحياء واستحضار ارواحهم وغير ذلك الكثير، كل ذلك يجعل ممن يعتقد بهذه الأشياء واقعا تحت استجابة الحصر القهري"(10) أي سلوك مندفع بفكر غير معقول "من هنا يمكننا القول أن للحصر القهري علاقة بالسحر والشر والعقائد القديمة والتنجيم والبحث عن الأرواح الميتة والأشباح والقوة الخارقة. فالناس الذين تخيفهم الغيبيات والمجهول يشعرون بمخاطر لايدركون كنهها فيلجأون إلى تلطيف مخاوفهم واطفائها بالقيام بطقوس شعبية وبدائية تكتسب صفة الحصر القهري"(11)، الأمر الذي يجعل المعني هنا "يدل على مدى تدانيه من الرجل البدائي الذي يتخيل أنه في مستطاعه تغيير العالم الخارجي بأفكاره وحدها"(12). نجد نموذج معبر لدى فرويد يحكي عنه كالتالي : "كان حسبه أن يفكر بأحد الأشخاص لكي يلتقيه حالا، كما لو أنه استحضره. وإذا سأل يوما عن أخبار شخص لم يلتقه منذ بعض الزمن، جاءه الجواب بأنه قضى نحبه، فاستحل بالتالي أن يعتقد أن هذا الشخص حضر بالتخاطر إلى ذاكرته" أو إذا "استنزل اللعنة على شخص من الأشخاص، طفق يعيش.. في خوف دائم من أن يأتيه نبأ موت هذا الشخص"(13)، ويضيف فرويد أن "جميع المرضى بالعصاب الوسواسي متطيرون على هذه الشاكلة، وفي غالب الأحيان إزاء قاناعاتهم بالذات" والسبب في ذلك أنهم "لايعزون نجعا وفعالية إلا ما يعملون فيه فكرهم بمنتهى القوة ومايتمثلونه وجدانيا، بدون أن يلقوا بالا لما إذا كان يفكرون به ويتمثلونه على هذا النحو يتمشى أو لايتمشى مع الواقع الخارجي"(14).
يزعم الباراسيكولوجيين وجود قوى باطنية خفية داخل الإنسان مصدرها الروح، علما بأن الروح مصطلح ديني وليس علمي تسرب للأديان التي تعجز عن تفسير كنهه من اليثيولوجيا المصرية القديمة، تبنته كذلك البوذية الهندية في قانون كارما، وهذه البوذية في صيغتها اليابانية المعرفة بالزن هي مهد الأفكار الباراسيكولوجية المتمثلة في الساتوري ومعناه تحرير طاقات الإنسان وقواه الخفية عند الوصول لحالة النيرڤانا التي يقابلها حالة الفناء عند الصوفية وهي الدخول لعالم ميتافيزيقي لاعقلاني لايوجد إلا في فكر أصحابه كما أشرنا سابقا. يصف لنا لاوتسو ذلك كالآتي : "جرد نفسك من رغائبها تعاين أسراره"(15) أي أسرار التاو (الطاقة الخفية للكون).
مايصفه الباراسيكولوجيين بالقدرة الخارقة للإنسان التي تظهر غالبا أثناء الانفعال الشديد كالخوف أو الغضب سببها البيبتايدس وهي سلسلة من الأحماض الأمينية يعمل الهيبوثلايموس على تركيبها حسب العاطفة، ماينتج تفاعلات كيميائية تدفع بالغدة النخامية للعمل على تحفيز الغذة الكظرية لإفراز هرمون الأندرينالين، الهرمون الذي يضاعف قدرة الإنسان وطاقته لحدود قصوى، مايجعل الأمر يبدو كأنها قوى باطنية خفية مصدرها الروح "وليست الروح سوى كلمة لتسمية شيء ما في الجسد" ف"الجسد عقل عظيم"(16).
أما الادراك الحسي الخارق للإنسان والذي يتم تعليله بفكرة احساس الحيوانات بوقوع الكوارث عن طريق استشعار ذبذبات أثيرية، هذ التفسير الميثيولوجي ساهم في انتشاره فرانز مسمر وهو طبيب نمسواي كان يعتقد بوجود طاقة غامضة تخترق كافة الأجسام وتسمح للشخص بامتلاك تأثير مغناطيسي قوي على الآخرين، معتمدا في ذلك على نظرية الأثير التي تقول بوجود وسط هيولي تنتقل خلاله الموجات الكهرومغناطيسية، هذا الافتراض الذي ستحطمه نظرية النسبية لإنشتاين بنفي وجوده.
تظل رغبة الإنسان بتحقيق غايات وامتلاك مهارات دون بدل جهد، هي الدافع لتشبثه بالأمور الخرافية. "ألم وعجز، ذلك هو ما خلق كل العوالم الماورائية، وتلك السعادة الحمقاء المقتضبة التي لا يشعر بها سوى أكثر الناس سقما صدقوني ياأخوتي، إنه الجسد الذي يئس من الجسد، والذي يتلمس آخر الجدران بأصابع عقله المسلوب"(17)
ـــــــــــــــــــــــــــــــ هوامش : 1 : روجيه الخوري - سلسلة العلوم الباراسيكولوجية ج(9)، دار ملفات ط1 ـ ص15 2 : روجيه الخوري - المصدر السابق ـ ص17و18 3 : جمال حسين، لؤي فتوحي - حقيقة الظواهر الخارقة، الأهلية ـ ص6 4 : جمال حسين، لؤي فتوحي - المصدر السابق ـ ص9 5 : نسيم طالب - البجعة السوداء، ترجمة حليم نصر، دار العربية للعلوم ناشرون ط1 ـ ص24 6 : روجيه الخوري - سلسلة العلوم الباراسيكولوجية ج(8)، دار ملفات ط1 ـ ص31 7 : كارل ساجان - عالم تسكنه الشياطين، ترجمة إبراهيم محمد إبراهيم، الهيئة المصرية العامة للكتاب ط1 ـ ص205 8 : كارل ساجان - المصدر السابق ـ ص206 9 : تعريف النظرية العلمية من موسوعة ويكيبيديا 10 : سمير عبده - التحليل النفسي للمكاشفة الباطنية، دار علاء الدين ط1 ـ ص9 11 : سمير عبده - المصدر السابق ـ ص10 12 : فرويد - الطوطم والحرام، ترجمة جورج طرابيشي، دار الطليعة للطباعة والنشر ـ ص116 13 : فرويد - المصدر السابق ـ ص114 14 : فرويد - المصدر السابق ـ ص115 15 : لاوتسو - التاو تي تشنغ، ترجمة فرس سواح، دار علاء الدين ط1 ـ ص35 16 : نيتشه - هكذا تكلم زرادشت، ترجمة علي مصباح، منشورات الجمل ط1 ـ ص75 17 : نيتشه - المصدر السابق ـ ص70
#حمودة_إسماعيلي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سيكولوجية الجيغولو أو دعارة الرجال
-
المتأخرات زواجيا : لعنة اختيار أم حظ عاثر ؟
-
سيكولوجية المومس
المزيد.....
-
بعد تحرره من السجون الإسرائيلية زكريا الزبيدي يوجه رسالة إلى
...
-
أحمد الشرع رئيساً انتقاليا لسوريا...ما التغييرات الجذرية الت
...
-
المغرب: أمواج عاتية تضرب السواحل الأطلسية وتتسبب في خسائر ما
...
-
الشرع يتعهد بتشكيل حكومة انتقالية شاملة تعبر عن تنوع سوريا
-
ترامب: الاتصالات مع قادة روسيا والصين تسير بشكل جيد
-
رئيس بنما: لن نتفاوض مع واشنطن حول ملكية القناة
-
ظاهرة طبيعية مريبة.. نهر يغلي في قلب الأمازون -يسلق ضحاياه أ
...
-
لافروف: الغرب لم يحترم أبدا مبدأ المساواة السيادية بين الدول
...
-
الشرع للسوريين: نصبت رئيسا بعد مشاورات قانونية مكثفة
-
مشاهد لاغتيال نائب قائد هيئة أركان -القسام- مروان عيسى
المزيد.....
-
حوار مع صديقي الشات (ج ب ت)
/ أحمد التاوتي
-
قتل الأب عند دوستويفسكي
/ محمود الصباغ
-
العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا
...
/ محمد احمد الغريب عبدربه
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
المزيد.....
|