|
هل تصبح مصر حصان طروادة لأمريكا ؟
مهدي بندق
الحوار المتمدن-العدد: 3998 - 2013 / 2 / 9 - 13:01
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
التاريخ لا يكرر نفسه مرتين بصيغة الحافر على الحافر ، حتى وإن تشابهت غايات صانعيه، سيما حين يُخطَّط لتلك الغايات على منحدرات الشر والظلم . في المرة الأولى تنجم عن الحدث مأساة ٌ لا مفر منها. أما المرة الثانية فلا مندوحة من أن تأتي في هيئة مهزلة كاملة الأوصاف . ينطبق هذا المبدأ على علاقة مصر بالفرس القدامى والفرس الجدد انطباقا ً لا يعكر عليه استبدال إيران المعاصرة راية الإسلام ببيارق الإمبراطورية الفارسية القديمة ، كما سنرى . تبدأ الوقائع التاريخية بقورش الأكبر ملك الفرس ، الذي طالما أبدى توقه لضم مصر توسيعا ً لملكه ، فعمد إلي خطبة ابنة الفرعون أحمس الثاني توطئة ً لتحقيق غرضه بالقوة الناعمة Soft Power بيد أن أحمس – بوعيه السياسي – رفض الخطبة ، مما جعل قورش يستشيط غضبا ً ، فراح يعد العدة للهجوم على مصر لولا أن عاجلته المنية . وما لبث ابنه قمبيز حتى اندفع بجيوشه لتنفيذ مخطط أبيه . في ذلك الوقت مات أحمس الثاني ، وتولى حكم مصر آخرُ فراعينها : بسماتيك الثالث ، الذي تصدى للغزو بنفسه ليسقط شهيدا ً في ميدان القتال عام 525 ق.م . بعده وقعت مصر في قبضة الفرس لمائتين وأربعة وتسعين عاما ً . تلك كانت مأساة المرة الأولى في علاقة الفرس بمصر : تلمظ وتحرش ، فهجوم فاحتلال، وما أدراك ما الاحتلال ؟ هوان ومذلة وإفقار وطمس للهوية .. والدليل على هذا الطمس أن الإسكندر وخلفاءه البطالسة حين حلوا بالغزو محل الفرس في مصر ؛ لم يجدوا صعوبة تذكر في تحويلها عن مصريتها ، لتغدو إغريقية لثلاثة قرون تالية ثم تمسي – بالغزو أيضا ً- رومانية لأكثر من ستة قرون كاملة ، حتى انتزعها العرب من أيدي الرومان عام 641 ميلادي ، ثم ليتخطفها منهم الأيوبيون 1171 فالمماليك 1250 فالأتراك العثمانيون 1517 كان على الوطن المزّمل بدُثر المأساة المتجددة أن يناضل طوال تلك العصور المظلمة من أجل استعادة هويته المصرية ، وقد تحقق له مبتغاه بثورة شعبه عام 1919 على الاحتلال البريطاني ، نابذا ً انتماءه لدولة الخلافة العثمانية التي سقطت عام 1923 وحين اكتمل استقلاله بعد جلاء المحتل الأجنبي ؛ صارت مصر مركز الثقل في المنطقة العربية بل والشرق الأوسط جميعا ً ، إلى أن تعرضت للضربة الامبريالية الصهيونية عام 1967 ، لكنها استطاعت – بمعجزة حرب أكتوبر – أن تستعيد بعضاً من أرضها التي احتلتها إسرائيل ، وأن تستعيد الباقي منها بالمفاوضات عام 1977 فيما اعتبرته الدول العربية تفريطا ً في الحق العربي ، فكانت النتيجة تهميش الدور الإقليمي لمصر لأعوام عشرة ، كان فيها المد الإيراني يصعد تحت راية ما سُمىَّ بالثورة الإسلامية ، وهو شعار يعبر - في المسكوت عنه - عن حاجة إيران المعاصرة إلى بعث المجد الساساني الفارسي القديم ولو بغطاء جديد، ولكن سرعان ما انكشف الغطاء " الإسلاموي " عن دولة ذات أنياب، غايتها التوسع على حساب جاراتها ، مبتدئة ً بدولة الإمارات العربية تقتطع منها جزر أبي موسى ، وطنب الكبرى والصغرى ، ومثنية ً بفرض هيمنتها على دولة مستقلة هي لبنان بواسطة حزب لبناني شيعي موال لها ، وثالثاً باستقطاب حركات للمقاومة الفلسطينية (حماس) تربطها بأجندتها ( مناكفةً لأمريكا ) منحرفة بها عن غايتها في تحرير الأرض المحتلة ! فضلا ً عن السعي الدءوب لتقسيم اليمن إلى دولتين من خلال تأليب الحوثيين ( من الشيعة الزيدية ) ضدا ً على الدولة الموحدة ، وفي ذلك إضعاف للمملكة السعودية ( قبلة العالم السنيّ ) أيّ إضعاف . غير أن هذا كله ما كان ليجدي – من وجهة نظر هذا المشروع الفارسي الجديد – ما لم يتوج بوضع " القمر المصري " في الفلك الإمبراطوري الفارسي الجديد ، لا بطريق الاحتلال المباشر، فذلك لم يعد ممكنا ً تبعا ً لشروط العصر ، وإنما من خلال محاصرة مصر بواسطة الصبية السياسيين ، والحلفاء الأيديولوجيين ، والعملاء المحليين بل وبأبواق الفضائيات ممن يسعدهم هدم الدولة المدنية المصرية ، وتشييد دولة دينية على أنقاضها ! الفرس الجدد إذن يريدون استعادة التاريخ ولو بمكائد معاصرة ،. وآية ذلك ما قام به الشيخ نصر الله – منذ سنوات - من تحريض صريح للقوات المسلحة المصرية لقلب نظام الحكم تحت شعار مناصرة أهل غزة ! بجانب معاونة حزب الله لحلفائه الحمساويين على الدفع بأنصارهم لتحطيم الحواجز عند معبر رفح وتسريب الألوف من كوادرهم وكوادر حزب الله، ليقيموا في مصر ما يعرف بالخلايا النائمة التي تنتظر أوامر الملالي الفرس كي تضرب وتدمر وهو الأمر الذي ما فتئ يتجدد حتى يومنا هذا . هذه المثيرات وغيرها ، برهنت للشعب المصري بما لا يدع مجالا ً للشك على أن أمنه واستقراره رهينان باستقلال الوطن سياسياً واقتصادياً ، فهل هذا هو واقع حال الوطن اليوم ؟ لا أظن ذلك صحيحاً بفضل هيمنة أمريكا أولاً ومطامع إيران ثانياً كما سوف نرى في نهاية المقال . ولكن دعنا الآن نذكر ببدايته التي أكدنا فيها إلى أن التاريخ لا يكرر نفسه ، وإن فعل فهو يأتي في المرة الثانية على هيئة مهزلة . وقد تبدت المهزلة في اللحظة التي جوبه فيها رئيس إيران الزائر للقاهرة، بحذاء مصري يُلقى على سيارته ثم بمحاولات الاعتداء عليه في مقر إقامته وأماكن تحركه في إطار زيارته لمصر في إطار أعمال القمة الإسلامية . أما علامات الجدية في رفض مشروع الهيمنة الفارسية فكان أبرزها تململ الجيش المصري وإظهاره الامتعاض من مجرد طرح فكرة التقارب، بجانب ردود الأفعال الصارمة من جانب الأزهر، والقاسية من جانب القوى السلفية على زيارة الرئيس الإيراني. وكلها إشارات واضحة لنفور المصريين من لعب دور التابع لمشروع الفرس الجدد ، فما هو سر ترحيب الرئاسة بأحمد نجاد ؟ هنا يجوز القول الأهم بأن أمريكا ربما تخطط لتسويق هذا الدور الإيراني من تحت المنضدة لأسباب إستراتيجية أهمها تجنب الحرب مع إيران مع إضعافها داخلياً ، وهو ما يتطلب التسلل بمصر إلى القلعة " الفارسية " كحصان طروادة ! ولو صح هذا الافتراض لكان على الحكم الأخواني الذي قدم نفسه ككنز استراتيجي لأمريكا أن يواجه ليس فحسب " أهل السنة والجماعة " بل وكل الوطنيين المصريين الذين يرفضون التبعية للفرس وللأمريكان معاً .
#مهدي_بندق (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
السلفية المصرية ولاهوت التحرير
-
أمريكا تغرق فأين جبهة الإنقاذ ؟
-
طريق يناير إلى الاشتراكية أو غيرها
-
الرئيس رشدي بين دراكولا وكافكا
-
ضرورة أن يأخذ السلفيون وقتهم
-
إسرائيل جريمة العصر والفلسطيني التائه
-
اليسار المصري صاعد ولكن بشروط
-
هل يترك المثقفُ شعبه غافلاً ؟
-
النمط الفرعوني وتدمير عقول المصريين
-
المجتمع المصري ورُهاب الحداثة
-
محاولة لتجديد الخطاب الديني على خلفية الفيزياء الحديثة
-
الخليفة القادر وتأسيسية الإرهاب الفكري
-
الوعي في أقصى درجات الاحتمال
-
هل يبقى الأخوان المسلمون أخوانا مسلمين ؟
-
الإيمان لا يحتاج إلى إعلان (2)
-
الإيمان لا يحتاج إلى إعلان
-
تجديد الخطاب الديني على خلفية الفيزياء الحديثة
-
الجيش المصري ليس فيلقا ً إيرانيا ً أو كتيبة أمريكية
-
مصر بين سكة السلامة وسكة الندامة
-
هل تطلب حماس سيناء كوطن بديل ؟
المزيد.....
-
لأول مرة منذ 9 أشهر.. شاهد إجلاء مرضى فلسطينيين عبر معبر رفح
...
-
السيسي لترمب.. لا لتهجير الفلسطينيين
-
نتنياهو يتوجه إلى الولايات المتحدة ليكون أول رئيس يلتقي ترام
...
-
-د ب أ-: منظمة الشباب التابعة لحزب -البديل من أجل ألمانيا- ت
...
-
صربيا.. المحتجون يغلقون الجسور عبر نهر الدانوب في مدينة نوفي
...
-
اكتمال تثبيت قلب مفاعل الوحدة الثالثة في محطة -أكويو- النووي
...
-
بعد سحب منتجات كوكاكولا مؤخرا.. إليكم تأثيراتها على الجسم!
-
هل تعاني من حرقة المعدة أو الارتجاع بعد شرب القهوة؟.. إليك ا
...
-
مشاهد للقاء الأسير الإسرائيلي الأمريكي كيث سيغال مع بناته
-
ظاهرة غامضة تتسبب في سقوط شعر جماعي لسكان إحدى ولايات الهند
...
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|