|
ماذا يعني..يوم 8شباط ...للعراقيين
وليد الجنابي
الحوار المتمدن-العدد: 3998 - 2013 / 2 / 9 - 11:11
المحور:
الثورات والانتفاضات الجماهيرية
هناك حكمة للتاريخ فهمها العراقيون ( ليس من عادة مستبد بغداد ان يتقاعد فخياراته محدودة ..القصر ....أو القبر..)) وعليه ان يستعد دائما لغزو مدمر فشهيات الإمبراطوريات المحيطة مفتوحة لان العراق بلدا استثنائي لم يكن عابرا او طارئا او مستحدثا في العالم فثرواته البشرية والاقتصادية الطائلة وموقعه الجيوبوليتيكي تفتح شهية الطامعين وتولد العنف المؤدلج الذي اصبح سمة لحكامه منذ فجر التاريخ والى يومنا
قيل نصف قرن سقطت اول تجربة وطنية تقدمية في العراق وبإسقاطها فتحت شهية التأمر على شعب العراق ورفعت بوابات الأنهار لتسيل دماء مخضبة بتراب العراق لقد كان اسقاط الزعيم كونه رمز الثورة له دلالات كثيرة ومعاني أدل في ذاكرة ومستقبل هذا الشعب الجريح فاول تلك المعاني ان اضطربت علاقة الأحزاب الوطنية بل اضطربت علاقة العراقيين فيما بينهم ...فنزفت الدماء كنافورت ليلية تغلفها اضواء حمراء .. وتهالكت الايام البائسة لتزرع.. اسس الكراهية وتأجيج عواصف الحقد والثأر والانتقام بأسلوب فكري ممنهج فمنذ اللحظات الاولى للسيطرة على مقاليد السلطة بانت بوادر الاختلاف و لاحت في الافق انقسامات حادة بين حزب البعث المحرك والمنفذ الاساسي للانقلاب وبين القوميين وبعض التيارات الاسلاموفية والبرجوازية الطفيلية ممن ساهموا في الانقلاب ..؟ انشقاقات وتناحرات وسياسات مضادة تتصارع على السلطة للنيل بمكاسبها ومغانمها بادعات وشعارات جوفاء لم تقنع حتى البسطاء في الشارع العراقي كانت هناك ثلاث تيارات متصارعة على السلطة بين 8شباط و18 تشرين ثاني اولهما التيار المتشدد والمتسلط على زمام الأمور بزعامة امين سر حزب البعث علي صالح السعدي يساعده الضابط الطيار منذر الونداوي الذي ساهم بفاعلية في الانقلاب وثانيا التيار المرن ذات الطابع الديبلوماسي بزعامة حازم جواد وهو عقل الانقلاب المخطط والمفكر الذي اصبح وزيرا للداخلية عام 1963ويساعده عبد الكريم الشيخلي الذي أصبح عام 1968 وزيرا للخارجية. أما التيار الثالث فكان مايسمى بالتيار المعتدل و يمثله أحمد حسن البكر حيث اصبح رئيسا للوزراء عام 1963 ورئيسا للجمهورية عام 1968وكان تياره المستفيد الاول من الاحداث عام 1963 ومابعدها يقول طالب شبيب ((ان الآيديولوجيات الشمولية في تلك الأيام كانت تضغط علينا وتطالبنا بأن نرى مقطعاً واحداً من الصورة كما وتلح علينا بل تغوينا أن نرفع الصورة الى مستوى المقدس وبذلك هيمنت على أذهان الوطنيين (قوميين وشيوعيين) روح الثأر والتصفية، فتلك الروح اللعينة أسكرتنا وأنستنا مدنيتنا العريقة والصداقة والقرابة والتراحم )) لقد كانت سياسات حكومة الزعيم عبدالكريم قاسم احد العوامل الهامة في اسقاط تجربة ثورة 14 تموز التحررية كانت سياسات متناقضة ومتذبذبة احيانا وساهمت باجهاض تعاون القوى الوطنية و التقدمية وهبوط مستوى الحريات الديمقراطية مما اضعف السلطة وتلك القوى معا وساهمت في التعجيل بحدوث الانقلاب ومن العوامل المضافة التي عجلت بسقوط ثورة تموز واستغلتها الثورة المضادة ابشع استغلال للوثوب الى السلطة هي الحرب ضد الشعب الكردي. التي اندلعت عام 1961 والتي ساهمت في تاجبج التناحر القومي بين العرب والاكراد ومزقت النسيج الوطني العراقي بينهم ... واضعفت الجيش واهدرت الاقتصاد الوطني لقد اثبتت الاحداث ان الزعيم عبد الكريم قاسم لم يقدر عمق المؤامرة وابعادها فلم يشرك الجماهير المؤيدة له في التصدي للانقلاب بل استخف بالانقلابيين وطالب مؤيديه بالهدوء والعودة لبيوتهم وأشار لهم بأصابعه في إنه سيقضي على المؤامرة في خلال ساعتين لكن جرت الرياح بما لاتشتهي سفن الزعيم فاستباح الانقلابيون بغداد وحاصرو الزعيم واعدموه في اسرع واغرب ..وابشع محاكمة صورية ثارية وانتقامية شهدها العالم فاعدموه تلامذته ومثلوا بجثته وجثث رفاقه بشكل سافر وكان صائما في رمضان والقوه في غياهب نهر دجلة ليكون طعما سائغا للاسماك .. دون رحمة وبدأالانقلابيون بتصفية أنصار قاسم وكل المعارضين للانقلاب من التيارات والأحزاب فكان القتل في الشوارع وسحل الجثث بالسيارات وتعليقها على أعمدة الكهرباء كان انصار الانقلاب والحرس القومي يداهمون المنازل ويغتصبون النساء ويخطفون معارضيهم بشكل استفزازي مباح بعيدا عن الاعراف الاجتماعية والقيم الاخلاقية والقوانين المرعية فمئات الألاف من المواطنين الأبرياء من أبناء العراق قضوا نحبهم تحت سياط ومقاصل الجلادين يقول الكاتب المصري محمد حسنين هيكل في كتابه سنوات الغليان ان الرئيس جمال عبدالناصر التقى وفدا من انقلابي 8شباط في القاهرة بعد ايام قليلة على قيام الحركة وقد حدثه احد اعضاءه وهو صالح مهدي عماش وزيرالدفاع ان الانقلابيون وفي اليوم الاول للانقلاب اعتقلوا 800ضابط شيوعي منهم 150 طيارلدرجة ان الاسراب الان بدون طيارين وقد دمرو سرب ميغ موالي لقاسم واعتقلوا اربعة الاف شيوعي وقتلوا معظمهم من دون محاكمة ظلم وقتل ودكتاتورية وشمولية هكذا كان استحقاق الشعب في نظرالانقلابيين على مدى عقود ..بذرات خبيثة زرعت في الثامن من شباط وقطف ثمارها الشعب ولايزال ..عبر ..تاريخ دامي سجله الطغاة لقد قلبوا الموازين الفكرية والسياسية والاجتماعية للعراق و عبثوا بمسقبله و دمروا تطلعاته واسقطوا اماله واحلامه لعقوداً طويلة ومضنية.. لقد كان يوم 8شباط انقلاباً مسعوراً ومستعرا استمد تحالفاته السياسية من اتفاقات مصلحية انتهازية مرحلية لاحزاب وتيارات سياسية متناقضة في اصولها وافكارها جمعتها وحدة الهدف لاسقاط النظام الجمهوري الوطني والوثوب الى السلطة كان العنف والانتقام هويتها شعارا وممارسة فتلك التحالفات لاتملك برنامجاً تكتيكيا او ستراتيجيا وطنيا لقيادة الدولة والمجتمع و كانت وسائلهم العنف والقسوة واستخدام الاجهزة البوليسية القسرية والقوات المسلحة المؤدلجة وميليشيا الحرس القومي لاخضاع الشعب وتنفيذ مأربهم واجتثاث خصومهم فكريا وجسديا لقد قتل الانقلابيون الروح الوطنية الوثابة المتاصلة في نفوس العراقيين وافرغوا قلوب ابناء الشعب من حبهم لوطنهم وشعبهم ورسيخوا ثقافة الفكرالواحد عبر التاريخ واذكاء التشدد الديكتاتوري لتطويق السلطة واحتكارها وارساء ثقافة التغييب والاقصاء والتهميش من خلال الاستبداد ورفض الاخر واستبدلوا مفهوم المواطنة الحرة بعبودية الولاء العقائدي المطلق للحزب وتأصيل فكرة ومفهوم المناطقية والعشائرية ومن افرازات الانقلاب الدموي تعطيل دور القانون واخضاع القضاء للارادة السياسية (الثورية) واستبدال هيبته ودوره واعتماد المحاكم الصورية والاحكام التعسفية المرتجلة واحلال مليشيات الحرس القومي محل الاجهزة الرسمية في تنفيذ اهداف الانقلابيين في الملاحقة والقتل والتعذيب دون اي غطاء قانوني اوعرفي ودون اي وازع أخلاقي أو انساني...فأرتكبت مجازر وانتهاكات ترقى الى جرائم الابادة الجماعية وبأرادة سياسية جامحة لاتنثني فكان الاقصاء السياسي والتصفية الجسدية واعتقال النساء بشكل جماعي واستخدام التعذيب المنظم لانتزاع الاعترافات القسرية بالاكراه وفرض البراءة الفكرية والسياسية والفصل الوظيفي و تصفية الخصوم تحت التعذيب الهمجي بعد ان فشلوا في اخضاعهم وكسر صمودهم. باستخدام مختلف انواع التعذيب النفسي والجسدي وصولا الى الموت الزؤام بالقطارات الحديدية الساخنة في فصل الصيف وترك السجناء في العراء في الصحراءالقاحلة والساخنة دون اية رعاية او خدمات ودفنهم في مقابر مجهولة لقد سحق الانقلابيون الحقوق الشخصية للمواطنين من خلال الاعتقالات والانتهاكات الكيفية وابعاد قيم التسامح والرحمة والتنكيل بخصومهم السيلسيون بقسوة بالغة خارج نطاق الاقتصاص والعدل القضائي وهذا ادى بدوره الى توقف عجلة التقدم التي سارت عليها ثورة 14 تموز وتصفية مكتسباتها الاجتماعية من خلال ألغاء وتجميد القوانين التقدمية التي تلامس مصالح الجماهير ان العراقيون استنتجوا دروسا ومعاني بليغة من انقلاب 8شباط عام 1963 فهي حركة دموية طويلة ترتبت عليها مجازروحشية بشعة لاتقل عن بشاعة الاحتلالين المغولي والامريكي عند احتلالهم لبغداد .وكانت تهدف هذه الحركة الى وأد ثورة 14 تموز 1958 واستئصال منجزاتها الكبيرة و وتعطيل تجربتها السياسية الحديثة وخنق منافذ تطورها وآفاقها وتشويه الحياة السياسية العراقية لآجال مفتوحة انعكست بشكل مباشر على الحياة السياسية الراهنة التي نعيشها الى يومنا هذا من تشوهات واحتقانات موروثة وشخصنة السلطة على حساب مصالح الشعب العليا لقد ولٌد الانقلاب العنف والانفلات المرعب.. وغرس بذور ثقافة الاستخدام الوحشي للقوة كرؤية ومنهج عقائدي وتأجيج الاحتدامات والتناقضات في جسد القائمين عليه لقد تحدث احمدحسن البكر القائد الفعلي لانقلاب 8شباط عن التجربة ..وخيبة الامل الذي نتجت عن سياسات الانقلابيين ((.انني الجأ الى الطرق البعيدة وليس فيها البشر لكي اختبئ واتحاشى انظار الناس لاني لم اعد ارى الا الكره في عيونهم )) وهذا يلخص نظرة الشعب العراقي تجاه الانقلاب بسبب التخبط والاجرام الذي مارسه قادته وقتئذ لقد اختبأ الانقلابيون وراءالعنف لاقتناص السلطة وحفروا اخاديدا ابدية في ذاكرة الشعب فكانت دماءه التي سالت يوم 8 شباط وماتلاه وبحق مأثر حية رسمت الطريق الصائب بدماء ابناءه لمقاومة الساسة الذين تربعوا على هرم السلطة بواسطة الاحتلال بعد 40 عاما من سقوط تجربة 14 تموز ؟لقد جلب انقلابيو 8شباط العار للعراق بجرائمهم واستبدادهم واليوم التاريخ يكرر نفسه بعد اربعة عقود ليكشف ان من تسلق الى السلطة في عتمة ليلة 9نيسان المظلم عبر الدبابة الامريكية هم ذات الخفافيش الليلية ذات العقول الضيقة والنفوس المريضة التي تنتهج الديكتاتورية والاجرام وقتل الشعب بوسائل متباينة احيانا بل انهم امتدادا طبيعيا لخفافيش 8شباط واكثر اجراما وتدميرا انهم الطائفيون الجدد الذين جلبوا الاحالال وزرعو الخراب والدمار ونشروا غسيل القتل والاجرام والفساد ليصبح منهاجا ستراتيجيا في حياتهم اليومية الممزقة بجنون السلطة المستبدة ..فهل العنف اصبح قدراً أبدياً للشعب العراقي...؟
#وليد_الجنابي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
وسادة عاشق
-
فضاءات ربيعية
-
فضاءات ..ربيعية
-
ملامح مضيئة من شخصية ..سيدنا الإمام علي كرم الله وجهه الشريف
...
-
المرتزقة..وجيوش الظل
-
سوريا...ثورة الأقحوان..
-
الديمقراطية...وبلوغ سن الرشد
-
تمرّد الجماهير..ثورة..أم انزلاق فوضوي
-
هناء أدور..سيدة العراق الأولى..سيدة الموقف
-
ثورة نقتدي بها ...ام نتباكى عليها
-
ويكيليكس..اسانج..قديسا..عراقيا
-
ذاكرة...المحن
-
الحب ..في وطن ساخن
-
كم أنت رائعة ...يتها الحرية
-
نظرية مالتوس....خارطة طريق.. للاستعمار الجديد
-
الفساد المقنع...أم الفساد المقنن
-
بغداد تبكي... على ماضيها
-
المثقف الثوري.. والمثقف السلطوي
-
عراقي الوشم
-
الأم..الأمل المتألق
المزيد.....
-
بيان للمكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية
-
«الديمقراطية» ترحب بقرار الجنائية الدولية، وتدعو المجتمع الد
...
-
الوزير يفتتح «المونوريل» بدماء «عمال المطرية»
-
متضامنون مع هدى عبد المنعم.. لا للتدوير
-
نيابة المنصورة تحبس «طفل» و5 من أهالي المطرية
-
اليوم الـ 50 من إضراب ليلى سويف.. و«القومي للمرأة» مغلق بأوا
...
-
الحبس للوزير مش لأهالي الضحايا
-
اشتباكات في جزيرة الوراق.. «لا للتهجير»
-
مؤتمر«أسر الصحفيين المحبوسين» الحبس الاحتياطي عقوبة.. أشرف ع
...
-
رسالة ليلى سويف إلى «أسر الصحفيين المحبوسين» في يومها الـ 51
...
المزيد.....
-
ثورة تشرين
/ مظاهر ريسان
-
كراسات شيوعية (إيطاليا،سبتمبر 1920: وإحتلال المصانع) دائرة ل
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي
/ الحزب الشيوعي السوداني
-
كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها
/ تاج السر عثمان
-
غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا
...
/ علي أسعد وطفة
-
يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي
/ محمد دوير
-
احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها
/ فارس كمال نظمي و مازن حاتم
-
أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة-
/ دلير زنكنة
-
ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت
...
/ سعيد العليمى
-
عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة
/ حزب الكادحين
المزيد.....
|