|
القلب يعشق كل جميل
حمزة مفيد عرار
الحوار المتمدن-العدد: 3998 - 2013 / 2 / 9 - 11:04
المحور:
الادب والفن
كانون الثاني في منتصفه ، تقريبا ،هو الأول بعد رحيلها ، كأي يوم من أيام كانون الثاني ، ، ريح خفيفة باردة وان كان مشمسة ، الأرض قد بدت خضراء ، عاد من عمله ، الشمس قد أشرفت على المغيب ، نظر إلى ساعته الفضية ، أرقامها تشير لقرب الرابعة ، عدل كوفيته الحمراء ، حمل مذياعه المعصوب بالأحمر ، شريط اللاصق ، وضعه على الصخرة ، كأنها منضدة لذلك ، كعادته يضبط مؤشر التردد ، هو ضابطه بالأمس ، لكن ، لكل يوم تكرار ، فابنه الشقي "حمزة" يعبث به دائما ، دخل المطبخ المسقوف بألواح " الاسبست" ،اخرج دله القهوة ، أدار عجلة الصنبور ، انهمر الماء ، سرح قليلا ، بأشياء لا اعلمها ، زاد الماء وخرج ، هزها قليلا ، وضعها على الغاز ، الغاز لا يعمل! ، تنهد ، نفث زفرة ، هز اسطوانة الغاز ، هي فارغة! ، أدار بنظره حول مكوناته مطبخه ، رآه، اخرج البابور ، دقه وأشعله ، ملأ كأسه وخرج لمكانه الذي رتبه ، جلس بحمى سروته،وانتظر ، موجز الاخبار قد انتهى .
صوت التصفيق على ، تهمهم واخرج لفافة تبغه "ام بريال " ، أدار بيده ، القداحة ؟، تنهد تنهدة المتذكر ، نادى:منتصر القداحة جنب البابور ، احضرها منتصر ، وأدار عجلاتها ونفث نفته الأولى ، وضع القداحة فوق علبة تبغه ، وما أن شال يده عنها حتى تذكر يوم ان كان على ساحة البير "البئر" ، حجر هذه القداحة موضوع وقتها، كان يحتسي فنجان قهوة أعدته له أمه .
صوت المذيع : من كلمات بيرم التونسي والحان رياض السنباطي ،أم كلثوم ، تغني لنا ، فاصلة موسيقة ، بانت الاغنية ، القلب يعشق كل جميل ، عادت به إلى الوراء قليلا ، على ساحة البير أيضا ، ساحة البير ألان ليست كما كانت ، باردة هي الآن ، موحشة ، موجعة ، تكررت الأغنية ، لها الآن طابع التذكر ، للحظات سابقة ، فنجان قهوته المعد من أمه ، الجو ليس كالجو ، اشخاص قد اجتمعوا ، فأين التي جمعتهم ، تنهد تنهداته ، زفر زفراته ، عينه وقعت على ليمونه هي زارعتها ، هو ساقيها بماء وضعته له في جرة الفخار ، انهالت أول القطرات ، ساخنة ،كأنها شفقت على وجنته الباردة ، احس بها ، وأحس بأخريات ، وأخريات ، شلال الذكريات يضج ويضج ، و ينابيع ازقة الذاكرة ، تفيض وتفيض .
اللفافة الثانية ،أشعلت ، المقدمة انتهت ، الوصلة قد بدأت ، القلب يعشق كل جميل ،غرق ببحر الذكريات من جديد ، انسلخ من حاضره ،وأبحر ، جرحه لم يبرأ ، شوقه لم يفتر ، حنينه لم يرقد ، ، أحست به سروته وليمونة امه ،عاد لحاضره الرحمة يا ربي لها ، كلما يجول بنظراته حوله ، كل شيء لها فيه شيء، كل لها معه ذكرى .
أبوه الآن يذهب ليغلق باب إسطبل فرسه ، يمر أمام افقه ، ينظر إلى ابنه ، ابنه ليس هنا ، ويترحم على التي جعلت ابنها ملوع ، يضج به الحنين إليها ، لا يقاطعه ، ويكمل ، أولاده ، ينظرون إليه ، لا ينبسون ببنت شفه ، يتمتمون ، أمي تدخل ، لم تسمع "يعطيك العافية " كعادته ، أكملت! ، وضعت الخبز في المطبخ ، يتقدم احدهم ويهمس بأذن أمي:أبي يبكي!! ، تنهدت تنهد العارف ، لقد تذكرها ، وهل هي غابت عنه لحظة ، نفضت بعض الطحين عن ثوبها ، حملت كرسيها وخرجت ، جلست صامته ، لسانها عجز عن ما يمكن أن يقال ، كنهر توقف ، وأي شيء يقال ويوفي ، خرجت عن سكون صمتها :الله يرحمها ، هز برأسه، لا يقوى على الكلام ، زودت لكأسه ما تبقى من القهوة وطبطبت على حالته وسكتت .
مكة وفيها جبال النور ،آه يا مي ، لم تحجي ، كم كنا نقول ونحن نسمع بها ، عن الحج ولن تحجي إلا معي ، ونزور أختي ، ، يا مكة ، أمي كانت ستأتي معي إليك، يا جبال النور أني انعي لك الآن أمي ، يا زمزم مكة ، أمي كانت ستشرب من ماؤك ، سأغترف وبيدي ارشفها ، يا رواق السعي أمي كانت ستسير فيك ، وان تعبت ستميل علي ، سأرفق بميلتها ، سأتلذذ دعواتها ، سأحس بنبضات قلبها ، كنا سنقف على عرفات الله ، امسك بيدها ، أساندها ، ترفع يديها لربها ، كأنها تعانق السماء ، كحلقة وصل بين السماء والأرض ، يا حرم المدنية لكنا لنتعبد فيك ، نصلي بروضتك ، بقرب قبر نبينا - عليه السلام- ، ربي ، إني أؤمن بالقدر فهم السابقون ونحن اللاحقون ، أرفق بها ،رفقت بي جنينا ، طفلا ، وحين قبلت قبلتي الاخيرة ليدها على فراش موتها .
كانون الثاني السابع ، بعدها ، كانه نعى نفسه لها ، لحقها ، تبعها أحب الناس إليها ، أكثر من عشق عينيها و تلحف بروحها ومن عقله لها مسكنا ومتكأ ، أنا الآن اذكرهم وأنعاهم لنفسي و إلى مثواهم الأخير ، تلاقى الأحبة ،في روض عليين ،الى العلا والخلود، آمين .
جينا على روضه هلا من الجنة فيها الاحبه تنول كل اللي تتمنى فيها طرب وسرور وفيها نور على نور وكاس محبه يدور واللي شرب غنى وملائكة الرحمان كانت لنا ندمان بالصفح والغفران جاية تبشرنا يا ريت حبايبنا ينولوا ما نلنا يا رب توعدهم يا رب و اقبلنا دعاني لبيته لحد باب بيته واما تجلى لي بالدمع ناجيته
#حمزة_مفيد_عرار (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
محكمة اللسان
المزيد.....
-
الكوفية: حكاية قماش نسجت الهوية الفلسطينية منذ الثورة الكبرى
...
-
رحيل الكوميدي المصري عادل الفار بعد صراع مع المرض
-
-ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
-
-قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
-
مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|